أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السياسية الداخلية















المزيد.....


هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السياسية الداخلية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 759 - 2004 / 2 / 29 - 11:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كنت أفضل نقد تقريري "مجموعة معالجة الأزمات الدولية" بدلا من مهمة عرضهما الشاقة والخالية من المتعة. لكن عدم توفرهما لقراء العربية السوريين، وهم الأكثرية الساحقة من المعنيين في المعارضة وربما في السلطة، يجعل النقد معلقا في الهواء وأشبه بالنميمة. وهذا ما يدفع إلى الانكباب على عملية العرض التي يصعب أن ترضي أحدا. هذا العرض انتقائي بالطبع، وكما في عرض القسم الأول حاولت أن أبرز ما بدت لي نقاطا أجدر بالاهتمام، وعلى الصعيد التحليلي بخاصة. 
لكني أغفلت بعض الأشياء لاعتبارات تتعلق بالملاءمة لا بالحقيقة.
النظام البعثي الآخر
بهذا العنوان في مستهل التقرير الخاص بـ"التحديات السياسية الداخلية" التي تواجه سورية تنسب "المجموعة" سورية إلى حزبها الحاكم وإلى سقوط نظيره العراقي. فكأنها في ذلك تذكر الأميركيين بما لا يبدو أنهم معرضون لنسيانه: لا يزال هناك نظام بعثي يحكم سورية.
مستقصيا أصول سورية الأسد يتوصل التقرير إلى أن تسلم الرئيس الراحل للسلطة عام 1970 دشن عصرا من الاستقرار الداخلي ارتكز على مزيج من بناء الدولة والمؤسسات ومن حكم الرئيس الراجل التسلطي والمشخصن. لكن حيثما كان بقاء النظام يقتضي كان يتم اللجوء إلى عنف منفلت من عقاله.
يصف روبرت سبرينغبرغ، رئيس معهد الشرق الأوسط في لندن، النظام السوري بعد عام 2000 بأنه "تسلطي تعددي". فبينما يستند إلى مراكز القوة ذاتها التي استند إليها العهد السالف فإن العهد الحالي عاجز توحيدها وضبطها. وفي هذا الشرط ستعرض أية محاولة لإجراء تعديل جذري على عمارة النظام علاقات السلطة التي يستند إليها للخطر.  
يستعرض التقرير تعاقب صور الرئيس بشار الأسد في واشنطن منذ اعتلائه سدة السلطة. فبينما بدا أولا مصلحا ذا توجه غربي، لم تلبث ألوان صورته أن تداخل فيها مزيد من الإيديولوجية وقليل من البراغماتية، بخاصة مقارنة مع أبيه. بعد ذلك حلّت صورة الرئيس الإصلاحي أسير الحرس القديم، ثم تلتها صورة الشخص قليل الخبرة، قبل أن يفضل مسؤولون أميركيون أن يروا في الرئيس السوري مزيجا من حسن نصر الله والخميني. ويعتقد هؤلاء أن بشار عروبي ملتزم، يرى أن احتلالهم للعراق ووجودهم في المنطقة تهديد استراتيجي للمصالح العربية. أما المقارنة الإسرائيلية للرئيس السوري بأبيه فتبرز إحساس الأب الحاد بالخطر وافتقار الابن التام لهذا الشعور.
وينتقد التقرير نظرية "الحرس القديم" استناداً إلى أن بعض أعضاء النظام الجدد لا يقلون فسادا وقمعية عن أسلافهم، وأن بعض المسؤولين القدماء منزعجون من بطء إيقاع الإصلاح مثل عبد الحليم خدام نائب الرئيس الذي يصفه التقرير بأنه "صقر" في الشؤون الخارجية لكنه ينسب له تأييد اقتصاد أكثر انفتاحا. ولعله استنادا إلى معادلاته الليبرالية التي تضع اقتصاد السوق و"اعتدال" السياسة الخارجية ومعارضة السلطة البعثية ضمن كل واحد لم يتخيل التقرير الدكتور عارف دليلة إلا داعية لاقتصاد السوق. وهذا خاطئ جذريا يصدر عن مسلمات متعصبة لواضعي التقرير. وعلى كل حال قد تفيد الإشارة بأن صقورا كثيرين في السياسة الداخلية وأنصاف صقور في السياسة الخارجية هم دعاة انفتاح اقتصادي. وينبغي ألا يكون تفسير ذلك صعبا. 
ضد نظرية "الحرس القديم"، يرصد التقرير منافسات إيديولوجية وشخصية ضمن كل جيل من جهة، وقيام تحالفات عابرة للأجيال من جهة أخرى. ويفسر الشلل الداخلي بوجود بيروقراطية جسيمة خاملة معتادة على الوضع الراهن.

مصير الإصلاح
يستعرض التقرير بعض وقائع "ربيع دمشق" المعروفة التي انتهت في أيلول 2001. ثم ينتقل إلى مقارنة النظامين البعثيين في سورية والعراق، مبرزا أوجه "التماثل المدهشة"، قبل ان يستدرك بأن قراءة مستقبل سورية عبر عدسات عراقية خطأ جسيم. فرغم فظائع بداية الثمانينات لم تشهد سورية أبداً مستوى القمع المتمادي والوحشية المحضة التي ميزت البعثية العراقية. وأحد عناصر تفسير ذلك اضطرار النظام إلى توسيع قاعدته منذ بداية السبعينات نحو جمهور مديني متعدد مذهبيا، فيما وفّر النفط على النظام العراقي مشقة من هذا النوع. ثم أنه بينما تناسبت مطامح صدام الإقليمية مع موارده المالية فإن فقر سورية ألجأ نظامها إلى إبداء درجة من المرونة والمهارة التكتيكية استغنى عنهما جبار العراق، حسب كلام نسبه التقرير إلى صحافي سوري معارض.
ويبدو أن سوريين استخلصوا دروسا تخص بلدهم من سقوط بغداد الهين الذي "ألقى ضوءا على كيفية سير الأمور هنا، على مدى هشاشة النظام وخلو شعاراته من المعنى". وإلى رياض الترك ينسب التقرير: "بعد العراق توقع المواطن العادي تغييرا ما ... فالنظام التسلطي في سورية مات مع انتصار الولايات المتحدة في العراق. ومنذ ذلك الوقت يرصد المرء تسيساً متناميا للمجتمع السوري ورغبة حقيقية في القيام بدور في الحياة العامة". وبالفعل يسجل التقرير مظاهر تنامي النشاط العام المطالب بالحرية في أوساط المثقفين والناشطين السوريين. لكن هذه الموجة بدورها انتهت بنكسة. وهو ما شهدت به انتخابات مجلس الشعب في آذار الماضي، وبقاء قرابة الف سجين سياسي في الحبس، وقضية الأربعة عشر المقدمين إلى المحكمة العسكرية في حلب.
ما تفسير هذه النكسات الإصلاحية؟ جواب نشطاء المعارضة السورية يفيد ان المسؤولين السوريين بصرف النظر عن نزعاتهم الإصلاحية أو غير الإصلاحية، صاروا أسرى النظام المركزي التسلطي الذي بنوه. فهم "يخشون أن تغيير أي شيء في النظام قد يقوضه كله".
ثم إن الفساد المرتبط بدوام الحال مصلحة للمستفيدين في الحرس القديم والجديد على حد سواء: "فأبناء المسؤولين قد رموا بأنفسهم في عالم البزنس واستخلصوا لأنفسهم قطاعات امتيازية. [ولذلك] اضحى الفساد شاملا بينما كان مكبوحا بعض الشيء أيام الأسد الأب" وفقا لما ينقله التقرير عن "رجل أعمال سوري".
وكخلاصة يقول التقرير إن الاتقضاض على ربيع دمشق وقرار إبطاء الإصلاح بعد حرب العراق يعكسان نوعا من التسوية: سد الطريق على التغيير السياسي مقابل السماح بإصلاحات اقتصادية محدودة، مع تصوير الأخيرة كشرط مسبق للبرلة السياسية.   

النقاش حول الإصلاح
يشخص التقرير "ابتلاء الاقتصاد السوري بفساد واسع النطاق، وقطاع عام صناعي متداعي، وقطاع زراعي متقلب ومتدني الأداء، وموارد نفطية متسارعة النضوب، ونظام تعليمي مفوت، وهرب الرساميل وتدني الاستثمار الأجنبي". وقد أمكن الحد من آثار هذا الوضع غير السار عبر تصدير سلعة خاصة هي السياسة الخارجية وفقا لما ينسبه التقرير لأكاديمي سوري. ففي الثمانينات استفادت سورية من وقوفها إلى جانب إيران، وفي بداية التعسينات من موقفها في حرب الخليج الثانية، وبعد ذلك من تجارة غير مشروعة مع العراق. لكن ذلك انتهى الآن. وهزال فرص العمل الجديدة مؤشر واضح على المشكلات القادمة. فالبطالة عالية ومتزايدة في ظل بطء النمو ودخول 300 ألف طالب عمل جديد سنويا إلى سوق العمل. وفوق ذلك ثمة تفاوت متنام في الدخول، حيث يروي البعض أن 5% من السوريين يحوزون أكثر من 50% من الدخل الوطني، وهناك فقر واسع ومتزايد. وهكذا آلت الحال إلى حرمان مضاعف: لا خبز ولا حرية.
ويعتقد بعض المسؤولين أنه يمكن الاستناد إلى احتياطيات العملة الصعبة لتفادي أزمة اقتصادية. لكن توفر الموارد المالية حاليا يعني أن الوقت مناسب لإطلاق إصلاحات جدية ما دامت شبكة الأمان التي توفرها تلك الأرصدة يمكن أن تخفف من وقع العسر الاجتماعي المرافق للإصلاح. وتقدر الأرصدة المذكورة بحوالي 14 مليار دولار منخفضة عن مقادرها عام 2003 حيث قدرت 23,5مليار (يصعب تصديق كل من الرقم الأخير ومقدار الانخفاض خلال عام واحد، والرقمان منسوبان في التقرير إلى اقتصاديين سوريين وأجانب). ويرى اقتصادي أجنبي غفل ايضا أن سورية "باحتياطيات بهذا القدر وسياسة مالية على هذه الدرجة من التقشف طبقت برنامج صندوق النقد الدولي دون تدخل منه".
لكن مسؤولين آخرين يرفضون أي تغيير حقيقي لأنه سيهدد مواقعهم الامتيازية. ومغزى ذلك أن الإصلاح الاقتصادي غير ممكن دون مواجهة المصالح المنغرسة في بيئة النظام، أي دون إصلاح سياسي يشمل درجة أكبر من المحاسبة والشفافية والمشاركة العامة والصحافة الحرة. ومغزى ذلك أيضا أن نجاح حركة إصلاحية سواء من داخل النظام أم من جهة المعارضة يقتضي الوصول إلى قطاع من السوريين أوسع مما هو الحال راهنا. وبينما يمكن إلقاء مسؤولية إخفاق الإصلاح حتى الآن على عاتق النظام فإن المعارضة ليست معفاة من النقد. ففي سياق تفسير فشل ربيع دمشق أوضح بعض السوريين أن الطبقة الوسطى المتعلمة المدينية التي تصدرته كانت محدودة الصلات إن لم تكن معدومتها مع الجمهور العام، والريفي منه بخاصة.

المخاوف
من أهم فوائد التقرير محاولته إضاءة مخاوف مسؤولين سوريين يبوحون بها حين يطالبون بتسريع إيقاع التغيير. وهي مخاوف يبنغي أخذها بعين الاعتبار رغم ما فيها مبالغة ودافع تبريري: (1) الخطر الإسلاموي؛ (2) التنازع الطائفي والإثني؛ و(3) الخوف من الانهيار الاقتصادي.
الخطر الإسلاموي
ينسب التقرير إلى مستشار مقرب من الرئيس السوري هذ القول الصريح: "الإسلامية خطر حقيقي يهدد المجتمع السوري. الحجب منتشرة في كل مكان. على الغرب أن يساعدنا لمواجهة هذا الخطر. الديمقراطية ستسمح لهؤلاء بتعبئة قواهم وحشدها فقط". ويعلق التقرير أن هذه الحجة لا تخلو من وجاهة في نظر دبلوماسيين أميركيين وأوربيين يرون "النظام السوري العلماني متراساً في وجه سيطرة إسلامية راديكالية أشد خطرا منه بكثير". ويقول مسؤول سوري رفيع آخر: "إذا ما جرت انتخابات في سورية فهناك فرصة كبيرة لأن نجد أنفسنا في وضع مماثل لوضع الجزائر. إن منظور الأميركيين قصير النظر!" ويبدو أن الإشارة الأخيرة موجهة ضد الضغط الأميركي، المعدوم أصلا، من أجل دمقرطة النظام. والتقرير نفسه يشهد،، بقليل من الحساسية وكثير من الانطباعية في رأينا، بأن المجتمع السوري أضحى في الآونة الأخيرة أكثر إسلامية. وهو ما يدلل عليه "ازدياد عدد المحجبات والتنامي الهائل لبناء المساجد وازدياد عدد الجمعيات الخيرية الإسلامية والحضور المرتفع لصفوف القرآن المنزلية".
وبينما يقر التقرير بأن انتخابات حرة فورية قد تنزع الاستقرار إلى هذه الدرجة أو تلك، فإنه يرى ان صعود الإسلامية في سورية متأت بالضبط عن محدودية الفرص الاقتصادية وانغلاق النظام السياسي وخلل التمثيل الديمقراطي، وكذلك خنق المشاركة السياسية والفراغ المتولد عن ضياع صدقية الإيديولوجية الرسمية والذي لا يملأه إلا الخطاب الإسلامي، فضلا عن الغضب من سياسة الولايات المتحدة. إذ لا شك أن الإسلامية تلقت دفعة مقوية من سياسة أمريكا في العراق وانحيازها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويضيف الصحفي السوري الذي ينقل عنه التقرير هذا الكلام أن افتقار الناس إلى إمكانية التعبير عن أنفسهم بحرية تجعلهم يحولون غضبهم إلى تدين.  
ليست الإسلامية قاعدة للإسلام السياسي بالضرورة، وإن كان الإخوان المسلمون يحظون بقدر كبير من التعاطف الهاجع. فهم قوة المعارضة الأكثر إقناعا، حسبما ينقل التقرير عن رياض الترك، "أحد قادة المعارضة العلمانية". ويبرز التقرير تحولا في قاعدة الإخوان المسلمين: "من طبقات التجار ورجال الأعمال الميسورة إلى طبقات مدينية أدنى وقرويين يسكنون المدن وتجار، ما يجعلها مماثلة عمليا لأصول حزب البعث الشعبوية". 
ويرصد خشية النظام من الأشكال المعتدلة للإسلام السياسي الذي قد يكون منافسا قويا. ويذكر في هذا السياق قضية "سجناء داريّا" الذين بادروا إلى تنظيف شوارع بلدتهم وصوّروا أنشطتهم لتكون ماثلا يحتذى (وقد حكم 11 منهم بين 3 و4 سنوات أمام محكمة ميدانية!). وكذلك رفض النظام طلب إسلاميين معتدلين بإنشاء حزب سياسي. لكن قمع وسائط تعبير سلمي عن الإسلام السياسي هو بمثابة لعب بالنار: فالنزعة المعادية للأميركيين تتسع في كل قطاعات المجتمع، وإذ تمتزج مع الأسلمة المتنامية فإن "ترجمتها إلى جهاد عنيف تغدو مسألة وقت" حسب مصدر غفل.
و لدرء الخوف من الإسلاميين يقترح التقرير أن يعمد النظام إلى استصلاح قوى إسلامية معتدلة، وذلك بإصدار عفو عام يشمل الإخوان الذين لم يشاركوا في أفعال عنف، وأن يبادر الإخوان إلى الإقرار علنا بقسط من المسؤولية عن عنف السبعينات والثمانينات. الإخوان مطالبون أيضا بالتزام مطلق باللاعنف والديمقراطية وحكم القانون، وأن يرفضوا أية عمليات انتقام مما أصابهم في تلك المرحلة.
التنازع الطائفي والإثني  
قلما تناقش الطائفية علنا. والمعارضة نفسها تحاذر مقاربة القضية. وهذا لا يعود إلى مجرد الخوف من النظام بل يعكس كذلك رغبة في عدم المساس بالوحدة الوطنية. وينقل التقريرعن أكثر من متكلم تحليلا يفيد بأن السلطة ليست بيد طائفة معينة بل بالأحرى الطائفة أداة بيد السلطة. ويشير أحدهم إلى النسبة العالية لتمثيل منتمين إلى من يظن أنها الطائفة الحاكمة بين المعتقلين السياسيين، وهو ما يقابل امتداد التحالف الحاكم وراء خطوط الفصل الفئوية المفترضة. ويطالب التقرير الإخوان المسلمين بأن يناوا بأنفسهم عن سلوك اعتمدوه في الماضي.
وفيما عدا القلق من نزاع طائفي يخشى مسؤولون سوريون أن تفضي اللبرلة السياسية إلى مطالبة الأكراد السوريين، قرابة 10% من السكان، بالحكم الذاتي او حتى بالاستقلال اقتداء بالأكراد العراقيين. لكن التقرير يشير إلى ان مطالب الأكراد السوريين تتركز حول حقوق المواطنة المتكافئة. ويرى إن "إبقاء النشاط الكردي بعيدا عن المطالب القومية ممكن لكنه يتطلب شيئا مختلفا عن مقاربة النظام ذات القبضة الثقيلة أحيانا". ويورد إقرار الرئيس بأن إحصاء 1962 الذي استبعد عشرات ألوف الأكراد من الجنسية السورية (عددهم اليوم قرابة 200 ألف) "خطأ كبير"، موصياً بمتابعة عملية للقضية.
الخوف من اضطراب اقتصادي
  يقول رجل أعمال أوربي مقره سورية إن الإصلاح سيكون مؤلما جدا، "فشركات الدولة التي تستخدم 5000 شخص حاليا قد تنتهي بتشغيل 400 شخص فقط". غير ان تجنب الإصلاح لن يفضي إلا إلى تأجيله إلى لحظة قد تكون اكثر اضطرابا واقل موارد. وينصح التقرير بتخفيف الاثار الاقتصادية للإصلاح، كالبطالة والفقر، عبر برامج مكثفة لتأمين فرص عمل جديدة، وهو ما يمكن أن تساعد في تمويله المجموعة الدولية. لكن هذا يقتضي إجراءات لمكافحة الفساد، والفصل بين الدولة والمصالح الخاصة، إضافة إلى زيادة الفرص التجارية أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وإذا تم الإصلاح في ظل علاقات طيبة مع الولايات المتحدة فإن مداخيل السياحة وانفتاح السوق العراقية أمام السلع والخدمات السورية سيسهم في تعزيز الإصلاح والحد من آثاره الاجتماعية.
 
دور المجموعة الدولية
عبر اتفاقية الشراكة السورية الأوربية تسعى أوربا لحث سورية على الإصلاح بتقديم مساعدات فنية واقتصادية. وقد نسب باسكال لامي للاتفاقية أنها "ستساعد سورية على الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتمهد الطريق لمبادرات أخرى بما فيها احتمال الانضمام مستقبلا لمنظمة التجارة العالمية". وخلافا للضغط الأوربي الناعم الذي يستخدم اتفاقية الشراكة أداة تأثير، تمارس الاستراتيجية الأميركية ضغطا خشنا يستهدف دفع سورية نحو تغيير سياساتها الإقليمية حيال العراق وفلسطين ولبنان، بالصورة التي رايناها في القسم الأول من التقرير.
وفي سياق الاهتمام بدور المجموعة الدولية يتساءل التقرير عن إمكانية "تدخل طرف ثالث [الأولان: السلطة والمعارضة]، لتشجيع تغيير سياسي واقتصادي في سورية؟" ويلاحظ أن هذه المسألة موضوع نقاش في أوساط المصلحين والمعارضين السوريين. وهو يرصد "اعتراف متناميا، وإن يكن متحفظا، باحتمال الحاجة إلى التدخل الخارجي من أجل تغيير حقيقي، وبخاصة في المجال السياسي". وينسب إلى معارض قوله: "لا يبدو أن المجتمع السوري قادر على إطلاق تغييرات ذاتية تعدل نظام الحكم. سيتحقق الإصلاح نتيجة تدخل خارجي". غير أن أصلب مناصري الإصلاح انفسهم ومعظم أعضاء المعارضة يرون أن الضغوط الأميركية تعطي في المناخ الراهن مفعولا عكسيا.
للولايات المتحدة دور حاسم في التأثير على السياسة الخارجية السورية، فيما الدور الحاسم للتأثير على السياسة الداخلية يخص أوربا واليابان. ويقترح التقرير أن ترتكز جهود الأخيرين على المبادئ التالية: (1) دعم الإصلاحيين ضمن القيادة السورية. من ذلك تشجيع الفرنسيين الرئيس السوري على تكوين فريق رئاسي قوي من المستشارين ذوي التوجه الإصلاحي. (2) ينبغي لشركاء سورية أن يفكروا بكيفية تخفيف المصاعب المباشرة المرافقة للإصلاح. (3) على أوربا أن تضغط على سورية من اجل الإصلاح السياسي. وبالتنسيق مع أوربا يمكن للولايات المتحدة أن تساعد بأن تسقط معارضتها لبدء مفاوضات انضمام سورية لمنظمة التجارة العالمية، وان تفكر بالسماح للمال الأميركي الخاص بتمويل منظمات سورية غير حكومية وتقديم مساعدات في مجال التعليم، على غرار ما هو جار في لبنان. ويورد التقرير شكوى عضو كونغرس أميركي من أن القوانين التي تحظر تمويلا حكوميا لهيئات سورية غير حكومية تمنع الأميركيين من "دعم الإصلاحيين في سورية"، ما يعني الافتقار إلى أداة مؤثرة في السياسة الأميركية حيال سورية. ولعلاج هذا الوضع يقترح التقرير تمكين الرئيس الأميركي من استئناف المساعدات حين يثبت أن ذلك يخدم المصلحة الأميركية.

منعطف تاريخي!
 "باقتصاد فاشل وفساد متوطن وتفاوتات دخل متنامية وقاعدة شعبية منكمشة وتغيرات أقليمية تزيد الضغوط الخارجية وتقلل موارد الدخل الخارجي، ما من ضمانة في أن تحتفظ الوصفة القديمة بأية فائدة". لقد ضمنت هذه الوصفة، وهي ترتكز على الجيش وأجهزة الأمن وحزب البعث ونخب اقتصادية سياسية و"بيع السياسة الخارجية" استقرارا غير مسبوق، لكن معادلاتها اختلت الآن. فسورية "تواجه تحديات أقليمية ومحلية صعبة وهي الآن عند منعطف تاريخي". وامتحان سورية يتمثل في "إحياء وتجديد عقديها الاجتماعي والسياسي، وإن بصورة تدريجية". هذا يبدأ بالتحديث الذي يرفع لواءه الرئيس لكنه لا يقتصر عليه.
تقترح الخلاصة التنفيذية للتقرير على الحكومة السورية ثلاثة خطوط للعمل: (1) ترقية الحوار والمصالحة الوطنيين عبر: (آ) إصدار عفو عام عن النشطاء السياسيين بمن فيهم الإخوان المسلمون؛ (ب) عقد مؤتمر وطني للأحزاب السياسية والشخصيات والنشطاء المعارضين لمناقشة المصالحة؛ (ج) رفع الحظر عن اللغة الكردية وألغاء نتائج إحصاء 1962 الاستثنائي. (2) لبرلة سياسية تشمل (آ) رفع حالة الطوارئ؛ (ب) إطلاق حرية المجتمع المدني والتنظيمات السياسية في العمل وتأسيس إطار قضائي شفاف؛ (ج) إعلام أكثر حرية. (3) الإصلاح الاقتصادي: (آ) إصلاح إداري وحملة قوية لمكافحة الفساد والحد من التداخل بين الدولة والبزنس؛ (ب) تخفيف الإجراءات البيروقراطية المعقدة؛ (ج)جذب احتياطيات أجنبية لتمويل تأمين فرص عمل جديدة وتخفيف الفقر.
ويطلب من المعارضة السورية حفز التغيير السياسي بوسائل غير عنفية، وبالخصوص: إدانة أي لجوء للعنف في الماضي والتعهد بعدم اللجوء إلى إجراءات انتقامية غير قضائية؛ وفتح حوار مع حزب البعث مع تجنب البلاغة اللاهبة.
 ومن الأوربيين والأميركيين تطلب الخلاصة المطالب التي أشرنا إليه فوق.

مؤشرات كثيرة تدل على أن سورية تقترب من منعطف تاريخي بالفعل. هذا التقرير بحد ذاته أحد المؤشرات. المبادرات السياسية السورية المتلاحقة حيال الجيران بما فيهم "مبادرة السلام" حيال إسرائيل مؤشر آخر. ومؤشر ثالث ما يلمح إليه مسؤولون سوريون من أن عام 2004 سيشهد "تحولات سياسية واقتصادية كبرى، قد تتضمن تعديل عقيدة حزب البعث وتجديدا في القيادة وفتحا للحلبة السياسية والتئام مؤتمر وطني ستدعى إليه بعض الجماعات المعارضة.
إلى ذلك فإن وضع "التسلطية التعددية" الفوقي، غير المستقر، والذي يهدد وحدة الدولة يستدعي اختيار الانعطاف.
يزكي التقرير في ختام قسمه الأول، ولأغراضه الخاصة، إعادة تفكير أساسية من قبل الأطراف الأساسيين في لوحة التحديات الخارجية السورية، وهم سورية وأميركا وإسرائيل. هذا حيوي بالفعل للسوريين أكثر من الأميركيين والإسرائيليين، وللمعارضين السوريين حتى أكثر من أهل السلطة. إن توسيع قاعدة التفكير قد يضمن عبور المنعطف باقل قدر من المخاطر. ومن يدري؟ قد يكون عام 2004 "عام الحسم" فعلا!
دمشق 22/2/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
- نقاش حول الدفاع الوطني
- بلاد الموت السيء
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السياسية الداخلية