|
تضامناً مع أقباط المهجر
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2460 - 2008 / 11 / 9 - 07:56
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
في الوقت الذي فاز فيه ابن مهاجر إفريقي ملون بحكم أكبر قوة عسكرية واقتصادية في التاريخ الحديث، ما زالت أنظمة العالم العربي والإسلامي تضطهد مواطنيها الأصليين، وتضيق بالخناق على أقلياتها العرقية والدينية، وتمارس ضدهم أبشع أنواع التمييز والعنصرية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً على الإطلاق، وكل ذلك مستوحى من الفكر والتاريخ البدوي التليد. ( صرح مؤخراً أحد كبار ما يسمى بـ"علماء المسلمين"، والذي يعتبر عند كثيرين بمنزلة ابن تيمية هذا العصر، وهو يمثل نمط التفكير العام والسلوك السائد هنا، بأنه لوحده من الفرقة الناجية وكل ما عداه من طوائف وأعراق وإثنيات مصيرها الجحيم والنار، هكذا وبكل بساطة ومن دون أي احترام لقيم المواطنة والاعتبارات الإنسانية والأخلاقية الأخرى).
فلا ينظر، عادة، وهنا، إلى الآخر المختلف دينياً وعرقياً وطائفياً وفكرياً إلا باعتباره ذمياً وضالاً ومبتدعاً ومارقاً ومشركاً وكافراً تجب محاربته وإخضاعه والتنكيل به وازدراؤه والتحذير منه، وبالتالي التخلص منه والقضاء عليه، وهنا الرعب ومكمن الآفة والداء المستعصي المقيم، ومنه انطلقت وتنطلق كل شرور ومصائب وآثام الاستبداد في هذه المنظومة الشيطانية الاستبدادية الشرق أوسطية المرعبة). ومفهوم أهل الذمة السائد بدل مفهوم المواطنة الأكثر تحضراً وإنسانية، هو، في الحقيقة، أكثر من مجرد مفهوم يستوطن في عمق الوجدان والوعي المجتمعي، فهويتحكم بتفكير الناس، وتنبني عليه منظومات سلوكية متكاملة تتجلى فيما نراه من عنصرية وتمييز ضد الأقباط وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية، إنه عقيدة متأصلة وإيمان عميق وتجسيد لما يكنه الفكر السلفي المتطرف لبقية "الرعايا" المقيمين( ومنه انطلقت تصريحات الشيخ العابد الجليل). والسؤال، بما أن هذا هو العقل، والفكر والإيديولوجية المرعبة التي تستوطن عقول "كبار القوم" ونخبهم المميزة، فماذا سيكون عندها حال الرعاع والدهماء والسوقيين والعوام والغوغاء؟ إن الوضع أكبر من كارثي وأكثر من قضية اعتقاد وإيمان شخصي.
وفي الحقيقة فإن فكر ذاك "العالم" الإخواني الجليل، هو، وبكل أسف، ما يسيطر، فعلاً، على مساحات الوعي المجتمعي في عموم المنطقة بشكل عام، وفي "المحروسة" هذه الأيام، بشكل خاص، بعد سقوطها المأساوي المدوي والمجلجل في قبضة الفكر السلفي البترودولاري، وتحولها إلى مجرد إمارة إسلامية يحكمها المعممون وأصحاب اللحى والدشاديش القصيرة ودعاة التنجيم وخرافات الإعجاز والأساطير، ما أفضى إلى صعود نبرة العنصرية، والتمييز الديني فيها ضد الجميع بما فيهم أقباط مصر الذين يعتبرون، شرعياً، وقانونياً، وتاريخياً، سكان مصر الأصليين وأصحاب حضارتها العظيمة الخالدة، قبل أن يعتدي عليها، ويهاجمها البدو البرابرة الهمج الأعراب بقيادة عمر ابن العاص، ويحرقوا مكتبتها، ويدمروا تراثها الإنساني البديع، ويفرضوا بالسيف العقيدة واللغة والدين الجديد، والجزية على سكانها وبالسيف الرباني المسلول. ويتعرض الأقباط في ظل هذا العقل السلفي البدوي السلفي المتشدد، وفي ظل حكم آل مبارك، اليوم إلى أبشع أنواع الاضطهاد والتمييز والتهميش العلني والاعتداءات المتكررة والمسلحة التي تطال بيوتهم وممتلكاتهم، في ظل حماية رسمية من قبل نظام حكم آل مبارك الذي سلم مصر المحروسة لقمة سائغة لقوى التطرف والسلف والتشدد والغلو الديني.
فالأقباط اليوم في ظل حكم آل مبارك الإخواني محرومون، ومستثنون، مثلاً، من تولي المناصب العالية في الجيش والدولة والأمن والوظائف المميزة، أو الوصول إلى المراكز الحساسة، أو تبوأ الوزارات السيادية كالخارجية والدفاع والداخلية، أو رئاسة الوزارة، رغم أنهم يشكلون أكثر من عشرين بالمائة من عدد السكان. وتمارس عليهم حرباً علنية وكيدية وعلى الهوية في واحدة من أسوأ الحقب التاريخية التي تعيشها مصر. ويحصل كل ذلك بالتوازي مع خطاب رسمي وعلني تحريضي وتكفيري وتشكيكي ضدهم من قبل الدعاة والشيوخ ولوبيات الغلو والتطرف التي تسيطر على جميع وسائل الإعلام العائدة للدولة والتي يدفع جزء من ضرائبها المواطن القبطي المصري وتطاله بالتشهير والتخوين. وقد أدت تلك السياسات العنصرية الظالمة إلى هجرة كثيرين من هؤلاء الأقباط خارج مصر، والتخلي مرغمين عن أملاكهم وأرض أجدادهم، ونتيجة لذلك فقد شكلوا أرقاماً مهولة وكبيرة في المهجر وظهر لذلك مصطلح ما يعرف بـ""أقباط المهجر"، وهم تحديداً أولئك المواطنين المصريين المهجرّين من سكان البلد الأصليين الذين لم يحتملوا جور وظلم الفكر السلفي والوهابي المتشدد. وقد شكل هؤلاء الأقباط المهاجرون منظمات تمثلهم وقوى ضغط مختلفة هنا وهناك، تدعم الأقباط الرازحين تحت نير السلفية الدينية وتفضح ممارسات حكم آل مبارك ضد هؤلاء المصريين، وتشرح قضيتهم العادلة في المحافل الدولية، وتحاول انتزاع اعتراف بسيط بهم وبحقوقهم المغتصبة كأقلية دينية مضطهدة في بحر مائج من الأصولية والسلفية المتزمتة المغلقة.
لقد أصبحت الحاجة ملحة اليوم وبفعل تنامي تلك التناقضات والمشاكل والهموم وتنوعها وتشعبها وتعددها وتعقدها أن تخضع لعملية تنظيم وإعادة قولبة وصياغة كبرى، وتأطيرها في إطار تنظيمي وإداري وهيكلي مركزي واحد تنطلق من خلاله كافة الفعاليات والمعالجات وإليه تعود. لذا يحاول الأقباط اليوم توحيد جميع الجهود القبطية في بوتقة واحدة تكون مرجعية معترفاً بها من كافة الأقباط، لمعالجة قضاياهم في الداخل والخارج وطرح معاناتهم القاسية والمرّة، وبصوت واحد، أمام المجتمع الدولي. وفي هذا اليوم السبت الثامن من نوفمبر/ تشرين ثاني ستعقد أكثر من عشر منظمات قبطية مؤتمراً في قلب العاصمة الفرنسية باريس وبحضور ممثلين عن تسع دول أوروبية، ستشكل نواة لقيام تلك المرجعية أو الاتحاد الذي سيعنى بشؤون الأقباط، ويتبنى قضاياهم ومعاناتهم المختلفة.
فعجز حكومات وأنظمة المنظومة الاستبدادية الشرق أوسطية من تبني سياسات وإيجاد حلول لكافة التناقضات والمشاكل العويصة التي سببها الإصرار على التمسك بالنهج السلفي البدوي المتزمت في معالجة مختلف القضايا الوطنية، هو السبب الرئيس في تورم وتضخم تلك القضايا، وتجاوزها حدودها المحلية. ومن هنا نتمنى لمؤتمر باريس لأقباط المهجر النجاح، لطرح وتقديم بدائل ومعالجات إنسانية فورية وناجعة للوضع المؤلم والرهيب الذي وصل إليه أقباط مصر في ظل حكم آل مبارك، وحمايتهم من غول التطرف الديني، وحوت الإرهاب البدوي العنصري البغيض الذي لا يملك أية رؤية عصرية وإنسانية تسامحية وتصالحية حيال الآخرين، وبعدما ظهر تواطؤ فاضح وعلني بين بعض من أنظمة المنطقة ولوبيات التطرف السلفي البدوي فيما يتعلق بالأقليات الدينية والعرقية. ونعلن لذلك التضامن والتأييد الكامل لقضية الأقباط العادلة كأقلية دينية مضطهدة في محيط سلفي طاغ، وبنفس القدر والقوة لكل القضايا الإنسانية الأخرى، التي تتعلق بالعنصرية والاضطهاد والتمييز.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
I don’t have a dream
-
الأوبامية وهزيمة ثقافة
-
محاكمة إعلان دمشق: محاكمة لمرحلة
-
القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
-
سحقاً لهمجية الأمريكان
-
وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي
-
القرضاوي:هل هو خوف من تشيع ديني أم سياسي؟
-
نهاية فوكوياما
-
من هي الدول الفاشلة؟
-
حول طائفية إعلان دمشق
-
العنصرية وعرب الخليج الفارسي
-
عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
-
عار السعودية الأبدي
-
سحقاً للقتلة والجبناء
-
القرضاوي وهشاشة الفكر الديني
-
السّعُوديّة أولاً!!!
-
حروب الشيوخ الكارتونية
-
لا لأي تدخل سوري في لبنان
-
عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
-
تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|