تمر القضية الفلسطينية(*) - ومعها العالم العربي كله - في منعطف تاريخي كبير. الآفاق فيه غير محددة وغير واضحة. والمهمات وأشكال النضال أمور مختلف عليها. وفي مواجهة هذا الواقع، بمأسويته وبمجمل الصعوبات والتعقيدات التي ينطوي عليها، يطرح الوطنيون العرب، من مواقعهم المختلفة، السؤال الحقيقي الذي طالما طرحوه على أنفسهم في المنعطفات السابقة ولم يحسنوا الجواب عنه: الى أين نحن ذاهبون، وماذا علينا ان نعمل لكي نوقف هذا الانحدار، ونواجه التحديات؟
ولعل أكثر ما يدعو الى طرح هذا السؤال، بالملموس، المفارقة التالية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية. فمن الواضح ان هذه القضية تحتل اليوم المرتبة الاولى بين القضايا التي تشغل العالم، اسوة بما كانت عليه في الحقبة الماضية قضيتا الفيتنام وجنوب افريقيا. إلا أنها، بخلاف هاتين القضيتين اللتين بلغتا نهايتهما السعيدة، بعد طول معاناة، لا تزال تبتعد زماناً وشروطاً عن هذه النهاية.
وهذه المفارقة هي التي تعطي للسؤال الكبير الآنف الذكر أهميته وضرورته. إلا أنني أزعم أننا لن نستطيع الدخول في شكل صحيح ومجد في البحث عن الجواب الذي يستدعيه السؤال إلا إذا حددنا الاسباب التي أوصلت بلداننا، وأوصلت القضية الفلسطينية الى المأزق الذي نحن جميعنا فيه، وإلا إذا حددنا المسؤوليات بأنواعها، والمسؤولين باسمائهم، عما جرى لبلداننا وللقضية الفلسطينية ويجري، منذ اكثر من نصف قرن. فتلك هي المراجعة النقدية التي طال انتظارها، وآن أوان الانخراط فيها بعمق ومسؤولية وشمول. وهي مراجعة يستدعيها المشهد الحالي في فلسطين، المتمثل بكفاحية نادرة، وبتضحيات جسيمة، وباختلاف، في الوقت ذاته، بين فصائل الحركة الوطنية يهدد في حال استمراره بحرب أهلية.
ويترافق هذا المشهد مع عجز عربي مخز، وعنصرية اسرائيلية تبلغ الذروة في حدتها، وغطرسة اميركية تزداد صلفاً، وعجز عالمي عن مواجهة هذا الواقع وعن وضع حد له ولنتائجه.
وغني عن التأكيد ان كل هذا الذي نشهده من احداث ليس نوعاً من الصدف التاريخية، التي تفاجئ المعنيين بها. بل هو استمرار طبيعي لخطأ تاريخي كبير ومثير، حصل في أواخر الاربعينات من القرن الماضي. وهو خطا تتقاطع التفاصيل الكبرى لحصوله في جملة من الوقائع المذهلة، أهمها ثلاث:
الواقعة الاولى، تتمثل في عجز الدول العربية، في المرحلة الاولى من تكونها كدول مستقلة، عن التأثير في صوغ القرار الخاص بفلسطين، في الامم المتحدة (1947)، في اتجاه اقامة دولة فلسطينية ديموقراطية مستقلة، ثنائية القومية (من عرب ويهود). ذلك ان التطورات التي كانت تحصل، بفعل الحرب العالمية، وفي ضوء نتائجها، ومنها اضطهاد اليهود على يد النازيين، وعقدة الذنب لدى الاوروبيين ازاءهم، شجعت اعداداً كبيرة من يهود اوروبا، خصوصاً، للهجرة الى فلسطين، مدعومين من منظماتهم التي كانت الحركة الصهيونية العالمية، بما لها من نفوذ في اوروبا وفي اميركا، تغذيها بالمال والسلاح. الأمر الذي جعل المسألة اليهودية القديمة مسألة عالمية جديدة، تقاطعت في دعمها، ضد منطق الاشياء، الحركات اليسارية العالمية والمؤسسات المالية العالمية، في آن واحد.
وكان الهدف المحدد من هذه الهجرة ومن الدعم المقدم لها اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وكان الاتحاد السوفياتي، في ضوء تلك الوقائع، ولأسباب أخرى، أول من طرح مشروع دولة اتحادية في فلسطين، عارضته الدول العربية، ورفضه اليهود، ورفضته بريطانيا، دولة الانتداب في فلسطين، بالحدة ذاتها. وكان الاساس الموضوعي والذاتي للرفض العربي لحل المسألة اليهودية بإقامة كيان لهم في فلسطين - بما في ذلك في شكل دولة اتحادية - يقوم، آنذاك، على العداء لليهود عند العرب، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين، ويستند الى الخوف عندهم من ان تؤدي الهجرة اليهودية الى فلسطين الى خلق واقع جديد في قلب المنطقة العربية يصعب تجاوزه في ازمنة لاحقة.
واقترن هذان العداء والخوف عند العرب بالوهم الذي سيطر عليهم بامكان تأسيس دولة فلسطينية عربية صافية، على كامل ارض فلسطين. اما المصدر الاساسي للعجز العربي المشار اليه فيتمثل في ارتباطات الحكومات العربية، في تلك الحقبة، بدول الانتداب السابقة، الى حد الخضوع - رغم استقلالها - لارادات تلك الدول، والالتزام، الى حد كبير، بسياساتها، لاسيما ما يتعلق من تلك السياسات بمعاداة الاتحاد السوفياتي والشيوعية والشيوعيين. وربما لا يعرف الكثيرون من الاجيال الجديدة ان الشيوعيين العرب، والشيوعيين السوريين واللبنانيين تحديداً، كانوا من أوائل الذين حذروا في ادبياتهم من المخاطر التي تشكلها الحركة الصهيونية على بلداننا، اذا ما أتيح لها ان تنجح في اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وكانوا من أوائل الذين شاركوا الشعب الفلسطيني في ثورته (1936) ومن اوائل الذين نبهوا الى هذه المخاطر رفاقهم في الحركة الشيوعية العالمية في المؤتمرات والمنتديات العالمية التي شاركوا فيها.
والشهيد الشيوعي عساف الصباغ، من بلدة ابل السقي في جنوب لبنان، الذي اعدمته قوات فيشي لأنه خاض مع رفاقه حرباً ضد الهجرة اليهودية الى فلسطين منذ اواسط الثلاثينات حتى استشهاده عام ،1941 يشكل شاهداً على موقف الشيوعيين هذا. اما الشاهد الثاني فكان رئيف خوري الكاتب والمفكر الماركسي. فقد حمل رئيف هذه الافكار في كتابه "جهاد فلسطين" (حول ثورة 1936) ومثّل الشبيبة الديموقراطية العربية في المؤتمر العالمي للشباب الذي عقد في نيويورك، عشية الحرب العالمية الثانية، وخطابه الرنان في فضح الحركة الصهيونية ومشاريعها موجود بين مجموع تراثه الفكري والسياسي.
لقد ادى هذا العجز العربي، بمصدريه الاساسين المشار اليهما، الى صدور قرار التقسيم الرقم 181 في الجمعية العمومية للامم المتحدة، والذي جاء ضد ارادة الحكومات العربية، وبتجاهل تام لمواقفها. وقد شاركت في صنع القرار، وفي اقراره، الدول الخمس الكبرى، ومن ضمنها الاتحاد السوفياتي. وكان لكل من هذه الدول اعتباراتها وأهدافها المختلفة، في تأييد هذا القرار، وفي وضعه موضع التطبيق. إلا ان الاتحاد السوفياتي لم يتخلّ عن موقفه، حتى بعد موافقته على قرار التقسيم، بضرورة العمل لاقامة علاقات تكامل بين الدولتين، بهدف تأمين الشروط لاقامة دولة فلسطينية ثنائية القومية، في المستقبل.
لكن الرد العربي على ذلك القرار تركز، اساساً، ضد الاتحاد السوفياتي، بتحميله وحده المسؤولية عن القرار. والتقت، في هذا الموقف، السلطات والمعارضات كلها، باستثناء الشيوعيين، الذين كانوا سارعوا الى تأييد قرار التقسيم، التزاماً منهم بموقف الاتحاد السوفياتي، خلافاً لما كان عليه موقفهم المعلن، قبل صدور القرار، والذي كان يعارض التقسيم، في أي شكل من الاشكال. وكان ذلك خطأ تاريخياً ارتكبه الشيوعيون، ودفعوا ثمنه غالياً. وانفرد فرج الله الحلو وحده، يومذاك، في لبنان وسوريا، في الاشارة الى مخاطر ذلك الموقف، وعوقب عقاباً صارماً على جرأته في قول الحقيقة. كما انفرد بالموقف ذاته اميل توما في فلسطين، وعوقب هو الاخر.
اما بريطانيا، الدولة الاستعمارية، بامتياز، فلم يوجه اليها العرب الانتقاد الذي يستحقه موقفها المعادي، في الاساس، لإستقلال بلدانهم، والمماطل في انهاء الانتداب على فلسطين. ولم يوجهوا مثل هذا النقد للدول الاستعمارية الاخرى. ومعروف ان بريطانيا، بالذات، كانت بدأت تعمل، قبل صدور القرار وبعده، على تغذية النزاع بين العرب واليهود، بكل الوسائل، لمنع احتمالات الاتفاق بينهم، في المستقبل. وكانت تعمل، في الوقت ذاته، على تنفيذ وعد وزير خارجيتها القديم بلفور (1917) بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفق ما جاء في وثائق الحركة الصهيونية، وفي اعلان رئيس وزرائها باترمان في المؤتمر الذي عقدته الدول الغربية (1907) لتوزيع تركة الرجل المريض (السلطنة العثمانية)، استباقاً للحرب العالمية الاولى ولنتائجها. وكان الهدف من انشاء هذا الوطن القومي لليهود في فلسطين، كما حدده باترمان، اقامة حاجز بشري يحول دون ربط مشرق العالم العربي بمغربه، ويحول الدولة العبرية الجديدة المركز الاساس في خدمة المصالح العامة للدول الاستعمارية في المنطقة. وهي مصالح عديدة تتوحد هذه الدول حول بعضها وتتناقض حول بعضها الآخر.
الواقعة الثانية، تتمثل في الحرب التي شنتها الحكومات العربية (مصر والعراق وسوريا ولبنان وامارة شرق الاردن والسعودية) بجيوشها الستة، ومعها جيش الانقاذ الشعبي المكون من متطوعين عرب، والمقاتلون الفلسطينيون، تحت شعار منع تنفيذ قرار التقسيم، واعادة يهود اوروبا الى البلدان التي أتوا منها، واقامة الدولة الفلسطينية الموعودة على كامل التراب الفلسطيني. وهي الحرب التي منيت فيها كل تلك الجيوش بهزيمة، لم تكن مبررة عسكرياً، أمام العصابات الصهيونية. وأدت الهزيمة، التي أعطيت اسم النكبة، الى وقوع مجازر عنصرية يندى لها جبين الانسانية، ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين في دير ياسين وفي سواها من المدن والقرى الفلسطينية. كما ادت الهزيمة الى تهجير عدد كبير من الفلسطينيين خارج ديارهم ووطنهم. وهم الفلسطينيون الذين يعرفون، اليوم، في بلدان الشتات العربية والاجنبية، باسم اللاجئين الفلسطينيين، الذين ما زالوا ينتظرون، منذ ذلك التاريخ، والتواريخ التالية له، العودة الى ديارهم والى وطنهم "السليب"، وفق قرار الامم المتحدة رقم ،194 والتحرر من القهر والعذاب والمهانة التي يعانون منها في بلدان الاشقاء، خصوصاً!
إلا ان آخر ما أدت اليه الهزيمة العربية لم ينحصر في قيام دولة اسرائيل، وفق قرار التقسيم، بل في قيام هذه الدولة، بالذات، بطابعها العنصري، الملطخة ايدي زعمائها، القدامى والجدد، بدماء الفلسطينيين، والمحشوة مشاعرهم وافكارهم بالحقد والكراهية للعرب، والحافلة مشاريعهم بالاطماع التوسعية. ومن اخطر ما ادت اليه الهزيمة، في الوقت ذاته، حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في اقامة دولته المستقلة على ما تبقى من أرض فلسطين، بموجب قرار التقسيم. إذ ضمت الضفة الغربية، بقرار اعتباطي، الى امارة شرق الاردن، ليشكل ذلك المملكة الاردنية الهاشمية، وضمت مدينة غزة ومنطقتها، بقرار اعتباطي آخر، الى مملكة مصر، قبل ان تصبح مصر جمهورية.
وكان التبرير المقدم لهذين القرارين الاعتباطيين، هو الاستمرار في رفض قرار التقسيم، والاستعداد، قومياً، لحرب تحرير مقبلة، باسم فلسطين ونيابة عن شعبها، تعيد فلسطين، كل فلسطين، الى أصحابها الشرعيين! وكان ما كان. ومن جملة ما كان، تعرفه الاجيال العربية الجديدة، ان الدول العربية المستقلة وغير المستقلة، العراق ومصر واليمن والمغرب وتونس، قد هجّرت قسراً كل الجاليات اليهودية التي تقيم فيها، الى اسرائيل، في العام الاول لقيامها كدولة. وقد شكل ذلك، بالنسبة الى اسرائيل، دعماً بشرياً بالكفايات، يوازي، أو يكاد، الدعم الذي قدمته لها الدول الاوروبية، في ذلك الحين.
الواقعة الثالثة، تتمثل في نشوء حالة من الاضطراب، شملت كل الاوساط وكل المواقع، على مستوى الدولة والمجتمع في كل البلدان العربية: غليان في الشارع، تحكمت فيه، في البدايات، المشاعر، وحيدة فريدة، من دون ان يصاحبها ارتقاء حقيقي وعقلاني في الوعي والارادة، واستبداد في السلطة، تنوعت أشكاله وصيغه وقواه، وتباينت أهداف أصحابه. وتجسد هذا الاستبداد، في البداية، في مواجهة تلك المشاعر، في انقلابات عسكرية، وفي انقلابات مضادة. كما تجسد، في مراحل لاحقة، بنشوء أنظمة حكم استبدادية أخرى، متباينة ومتناقضة في اتجاهاتها، باسم الوطنية والقومية، وباسماء أخرى مختلفة، ونقيضة.
وكانت الحركات السياسية كلها تتخذ، في شكل عام، طابع ردود فعل على الهزيمة. وظلت، لفترة طويلة، تحمل هذا الطابع، من دون ان تهذبها، بالقدر الكافي، ومن دون ان تفلح في تطويرها، مجمل الوقائع الصعبة التي ولدتها الهزيمة ذاتها. ولم ترتقِ بها الى مستوى متقدم وواقعي وعقلاني المشاريع النهضوية، باسمائها المختلفة، التي تصدت لصياغتها القوى القومية واليسارية، بما فيها تلك التي قدمتها القوى الاشتراكية. ولم تكن احزابنا الشيوعية، رغم مرجعيتها الفكرية العلمية، الماركسية، أقدر من سواها من التيارات السياسية والفكرية في تجاوز ذلك الواقع، وفي صياغة نوع جديد مختلف من المشاريع الراديكالية والواقعية، التي كانت تحتاج اليها شعوبنا في تلك الحقبة العصيبة من تاريخها.
وبرزت، في الوقت ذاته، وسط ذلك الاضطراب الكبير، انقسامات وصراعات بين مكونات الحركة الوطنية، في كل بلد، وعلى الصعيد العربي العام، حول تحديد المسؤوليات والمسؤولين عما حصل، وحول تحديد الخصم الداخلي والخارجي، وحول أشكال النضال، والاهداف المحددة لهذا النضال، في شروط تلك المرحلة، وما تلاها من مراحل. ودخلت القضية الفلسطينية ومعها البلدان العربية في مرحلة العجز عن مواجهة اسرائيل واغتصابها وعدوانها، اي العجز عن ايجاد حل للقضية الفلسطينية، والاستمرار، في المقابل، في مصادرة الدور الذي يعود للشعب الفلسطيني ولحركته الوطنية، في اختيار طريقه لاستعادة حقوقه المغتصبة، وابقاء الوصاية عليه وعليها، بقوة القمع السياسي والجسدي وبالسلاح. ورافق ذلك العجز عجز من نوع آخر تمثل بعدم القدرة على وضع خطط تنموية تحرر البلدان العربية من تخلفها المزمن. كما رافق ذلك فرض انظمة استبداد متعددة الصيغة والشكل، تغطية لهذا العجز بجانبيه، وهروباً من المسؤولية، وقمعاً لكل محاولة، للتغيير.
ان استعادة التذكير بهذه الوقائع، التي تشير الى فداحة ذلك الخطأ التاريخي، بمكوناته المختلفة، قبل اكثر من نصف قرن، ربما تساعد الوطنيين العرب، اليوم، على التفكير بعمق وبمسؤولية اكثر من السابق. فلعل هذا التفكير العميق والمسؤول يقود الى الارتقاء بالوعي، والى امتلاك افكار جديدة تحل محل الافكار والاوهام التي استبدت طويلاً بشعوبنا، وبقياداتها، وقادت بلداننا الى الهزائم والكوارث المتكررة.
إلا ان السؤال الآنف الذكر يبقى يلح في طلب الجواب: من المسؤول عما جرى ويجري في بلداننا من هزائم ونكبات، ومن تراجع وتخلف، في شتى ميادين الحياة، يبقيان بلداننا خارج العصر، وخارج تحولاته، وخارج المساهمة في بناء التاريخ الجديد للبشرية؟
ان أول محاولة للمساهمة في تقديم الجواب عن السؤال تقدمه الذاكرة، التي استعدناها قبل قليل، واستعدنا معها أحداث الحقبة الماضية. اما المحاولة التالية في هذا الاتجاه فتكاد لا تختلف عن المحاولة الاولى. اذ ان ليالي زماننا الحالي، التي يلفها الظلام من كل جانب، والتي تنزف فيها الدماء من أجسادنا وأرواحنا واحلامنا، كثيرة الشبه بليالي الزمن الاول، والازمنة التي تلته، عاماً بعد عام، وعقداً بعد عقد، وحقبة بكاملها، تمتد الى أكثر من نصف قرن. الوقائع ذاتها، والهزائم ذاتها، والمسؤوليات ذاتها، والمسؤولون إياهم، وان اختلفت اسماؤهم. والخص، هنا، هذه المسؤوليات وهؤلاء المسؤولين، على النحو الآتي:
المسؤولية الاولى، تقع على الانظمة العربية وحكوماتها، من دون استثناء، على امتداد الحقبة الماضية كلها، حتى هذه اللحظة. فمواقف هذه الانظمة وحكوماتها راوحت بين الافراط، عند بعضها، في الوطنية الى حدود الاوهام والمغامرة، باسم مشاريع للوحدة القومية وللتنمية وللتحرير منيت بالفشل، والتفريط، عند بعضها الآخر، بالقضايا الوطنية الى حدود الخيانة. الا أن هذه الانظمة، رغم ما بينها من اختلاف وتناقض في المواقف والاتجاهات، تحولت أنظمة استبداد. وتساوى التقدمي والوطني منها بالرجعي في قمع الشعب، وفي حرمانه من حريته وخبزه، باسم المعركة القومية المقبلة وضروراتها! وهي المعركة التي لم يحن قدومها بعد! وهي لن تأتي مطلقاً، في ظل أنظمة كهذه، وباسمها، وتحت قيادتها.
المسؤولية الثانية، تقع على الاحزاب، يسارها الممثل بالشيوعيين والبعثيين والقوميين والناصريين، ويمينها المتعدد الاسم، والتي دخلت في صراعات لم تنته فيما بينها، حول مشاريع هنا، ومشاريع هناك، لم ترتق جميعها، رغم ما بينها من اختلاف في الاتجاه، الى الذي يمكنها من تقديم صيغة معاصرة لدول حديثة، ديموقراطية في بلداننا، بديلاً من الدول الاستبدادية القديمة، بأشكالها المختلفة.
المسؤولية الثالثة، تقع على الاحزاب الدينية، القديمة والجديدة، الاسلامية خصوصاً، والمسيحية، التي استعانت بالدين، واستوحت افكارها من بعض النصوص الدينية، كل منها على طريقتها. وتجاوزت، في الكثير الكثير من ممارساتها - مع استثناءات غير ثابتة وغير مستقرة من بعضها - القيم الاساسية للدين، قيم الحرية والعدالة والحق، التي تتمحور حول الانسان، كقيمة مستقلة بذاتها. وجعلت الطقوس والقشور، التي أدخلت الى الدين وعلقت به عبر العصور، واسطة لها في علاقتها مع الناس الذين يقهرهم الاستبداد والتخلف، وفي تجنيدهم في الاتجاه المعاكس، في كثير من الامور، وفي كثير من الحالات، لمصالحهم ومصائرهم، في دنياهم وفي آخرتهم. واعادت، بذلك كله، بلداننا الى ازمنة قديمة من الظلامية، او ما شابهها، كانت قد تحررت منها، بفضل نضالات طويلة وتضحيات باهظة الاثمان. وتساوت، في هذا الامر، او كادت تتساوى، الاحزاب الجديدة الراديكالية - رغم وطنيتها - بالاحزاب القديمة الرجعية.
المسؤولية الرابعة، تقع على حركة التحرر الوطني الفلسطينية، بصيغها وبمكوناتها القديمة والجديدة. فاذا كانت هذه الحركة استسلمت في البدايات للوصاية العربية عليها، بأنواعها وباستهدافاتها المختلفة، فان استعادتها دورها، بعد هزيمة حزيران (1967) في شكل مقاومة شعبية مسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي، قد ترافقت بشعارات وعلاقات وممارسات لم تكن كلها في الاتجاه الصحيح. اذ تحولت هذه الحركة الى مزيج من سلطة وثورة، في الاردن أولاً، ثم في لبنان، بعد ذلك. والى مزيج مشكل من سلطة من نوع آخر وحركة مقاومة من نوع آخر، في الداخل الفلسطيني، في أعقاب توقيع اتفاق اوسلو.
وكان هذا المزيج الغريب بين الاشياء ونقائضها مصدر صراعات مريرة داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، بين فصائلها، من جهة، وبين هذه الفصائل او بين بعضها وانظمة الحكم العربية، من جهة ثانية، باسم القضية الفلسطينية كقضية قومية للعرب جميعاً، حول دور كل من هذه الانظمة، لاهداف خاصة لكل منها، في امتلاك القرار في شأن القضية، وحول مستقبلها. وتمحورت الصراعات كلها، في ظل الانهيارات المتواصلة في البلدان العربية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتفاقم الازمات فيها، وتعاظم العجز المطلق عن حل هذه الازمات، تمحورت حول القرار في شأن القضية الفلسطينية. أهو قرار فلسطيني مستقل عن البلدان العربية، دولاً وشعوباً وحركات وطنية، أم هو قرار عربي يهمش الدور الفلسطيني او يلحقه الحاقاً بالدور العربي، المتعدد الرأس والمصلحة؟ وكان كل من الاتجاهين خاطئاً ومدمراً للقضية ذاتها، ولجملة القضايا العربية، في الوقت ذاته، من دون استثناء.
المسؤولية الخامسة: تقع على المثقفين، وعلى اجيال الشباب في مختلف المراحل، الذين استسلموا للواقع، ولم يقوموا بالدور الذي يعود لهم في تحرير احزابهم، احزاب التغيير، أولاً، وفي تحرير مشاريعها وبرامجها من بؤس ما هي عليه، لكي تستعيد موقعها كأحزاب حقيقية للتغيير الديموقراطي، بمضامينه وبصيغه الجديدة المعاصرة.
ان تحديد هذه المسؤوليات، بخطوطها العامة، يعيد الامور الى نصابها الحقيقي، اي الى محاسبة الذات، قبل محاسبة الآخر المختلف، وقبل البدء في تحديد اشكال النضال ضد الخصم، الداخلي والخارجي. فقد حان الوقت - حان منذ زمن طويل - لكي نحدد مسؤولياتنا عما جرى ويجري لنا ولبلداننا، وعما نحن فيه، وما نحن مقدمون عليه، ولكي نكف عن القاء مسؤولية كل مآسينا ونكباتنا على الخصم، الذي هو الخصيم، والتهرب من تحمل مسؤولياتنا الاساسية في مواجهته، وفي تحقيق الحرية والتقدم لبلداننا، في النضال ضده.
ليس هذا، بالطبع، الجواب عن السؤال الكبير المطروح: الى أين، وما العمل؟ فالجواب الحقيقي هو الذي، اذ ينطلق من تحديد المسؤوليات، في شكل مراجعة نقدية حقيقية، يقودنا حتماً - او هكذا اتصور وآمل - الى تحديد مهماتنا للحقبة المقبلة، وتحديد صيغة، او صيغ، عملنا الواقعية لتحقيق هذه المهمات.
انطلاقاً مما تقدم، وفي ضوء هذه المراجعة النقدية كأساس موضوعي في اي بحث، اتقدم بمساهمتي في الجواب عن السؤال الآنف الذكر: الى اين ما العمل؟ وأول ما أود ان أشير اليه، كنقطة انطلاق في هذه العملية الشائكة، هو ضرورة التمييز في تحديد الادوار والمسؤوليات في القضية الفلسطينية، بين كونها قضية قومية تعني جميع الشعوب والبلدان العربية، وكونها قضية تخص شعباً بعينه، هو الشعب الفلسطيني، قبل سواه، وليس دون سواه. وهذا التمييز انما يعني، من وجهة نظري، رفع الوصاية العربية، دولاً وحكومات وأحزاباً واصحاب مصالح من كل الجهات والاتجاهات، عن الشعب الفلسطيني، التي استمرت عقوداً طويلة، باسم القومية، بالمعنى الرومنسي العاطفي عند شعوبنا، وبالمعنى المختلف المتعدد، سياسياً وايديولوجياً ومصالح، عند فريق كبير من السياسيين.
إلا ان رفع الوصاية هذه، التي لم تنتج في الماضي سوى الدمار للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، لا يعني، ولا يجب ان يعني، اعفاء العرب جميعاً، أياً كانت مواقعهم، من مسؤولياتهم. بل ان المطلوب، بالتحديد، هو استبدال هذه الوصاية، بكل أشكالها ومعانيها، بمشاركة عربية حقيقية للشعب الفلسطيني في كفاحه، كحق قومي وكواجب، مع مراعاة دقيقة لشروط هذه المشاركة. وأهم هذه الشروط يتركز في اعتبار الشعب الفلسطيني، بقيادة حركته الوطنية، المرجع الرئيسي، قبل سواه وليس دون سواه، في اي قرار يتعلق بالهدف المباشر لكفاحه، وباختيار اشكال النضال الملائمة في اي من مراحل هذا الكفاح. فهو صاحب القضية الاصلي والمباشر. أما الاشقاء العرب فهم شركاؤه، وليسوا البديل منه، بالوصاية.
وغني عن البيان ان اي قرار تتخذه الحركة الوطنية الفلسطينية باسم الشعب الفلسطيني، بعد استشارته او من دون هذه الاستشارة، معرض لاحتمالي الصواب والخطأ. ولكل من الصواب والخطأ ثمن. فان جاء القرار صائباً فان الفائدة تعود على الشعب الفلسطيني، في الدرجة الاولى، وان جاء خاطئاً فان الذي يتحمل تبعات الخطأ هو الشعب الفلسطيني، قبل سواه، وأكثر من سواه.
ان التأكيد، هنا، على رفع الوصاية عن الشعب الفلسطيني، الذي اثبت قدرة استثنائية في الكفاح العسكري والسياسي، رغم ما رافق هذا الكفاح من مشكلات والتباسات في بعض جوانبه وفي بعض محطاته، انما يرمي، في هذه المرحلة بالذات، الى وضع حد لأشكال التدخل التي يمارسها الاشقاء العرب في الشؤون السياسية والتنظيمية للحركة الوطنية الفلسطينية، لحسابات ومصالح مختلفة ومتناقضة، دعما لفريق ضد آخر من فصائل هذه الحركة. فإن ذلك قد اضر في الماضي، وهو يهدد، اليوم، بخطر حرب اهلية فلسطينية، في وقت تزداد فيه شراسة العدوان الاسرائيلي، ويزداد الضغط الاميركي على السلطة الوطنية ورئيسها ياسر عرفات، ويتفاقم العجز العربي والعالمي عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، في مواجهة كل من العدوان الاسرائيلي والضغط الاميركي.
وفي اعتقادي إن المشاركة الحقيقية من جانب القوى الوطنية العربية، حكومات واحزابا، في النضال لنصرة الشعب الفلسطيني، يجب ان تتركز، في الدرجة الاولى، على مساعدة الحركة الوطنية في توحيد صفوفها، رغم ما بين فصائلها من خلافات واختلافات، وذلك تحت شعار واحد هو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الارض التي احتلتها اسرائيل في الرابع من حزيران ،1967 وعاصمتها القدس، وتطبيق القرارات الدولية، بما فيها القرار ،194 الخاص باللاجئين. وكل عمل، او تدخل يصب في الاتجاه المعاكس لهاتين المهمتين المتحدتين، هو مساهمة بوعي او بدون وعي، في ابقاء الشعب الفلسطيني أسير آلامه وتضحياته الكبيرة، من دون افق. وهو عمل تشير بعض نماذجه المغامرة الى أنه ينتمي الى ما كان يطلق عليه، في تاريخ الحركة الثورية العالمية منذ ايام ماركس، صفة العدمية الثورية. وكثيرا ما كان ماركس ينصح رفاقه في عصبة الشيوعيين، وفي الاحزاب التي تشكلت منها الاممية الثانية في عهده وبمبادرة منه ومن صديقه ورفيقه انغلز، بالا يخلطوا بين الاهداف البعيدة المدى والهدف المرحلي، الذي ينبغي ان يحدد بدقة، لكي يكون ممكن التحقيق.
ذلك ان الحديث عن تحرير فلسطين كلها، كهدف للكفاح الفلسطيني، انما يعني ازالة اسرائيل، واعتبار ان كل الاسرائيليين، عسكريين كانوا ام مدنيين، اهداف مشروعة لنضال الفلسطينيين، بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك بالعمليات الاستشهادية، ان مثل هذه السياسة تعني، في ظل الوقائع القائمة، نضالا في اتجاه المستحيل. وهو ما اثبتت احداث اربعة وخمسين عاما انه كان خاطئا، في الاستراتيجية وفي التكتيك، وانه كان باهظ الثمن فلسطينيا وعربيا، على حد سواء، على كل المستويات.
كلا ليس صحيحا ان تبقى الامور على هذا النحو من الخلل في قضية مثل القضية الفلسطينية، القضية التي تخص الشعب الفلسطيني، وتخص الشعوب العربية جميعا، وتشغل العالم كله. وقد آن الأوان لتصحيح هذا الخلل والخروج من فوضى المشاعر وفوضى الشعارات الى العقل والوعي اللذين يهذبان هذه المشاعر ويرشدان هذه الشعارات، ويحددان الطريق الصحيح للخلاص. والطريق الصحيح هذا انما تحدده الوقائع القائمة، وموازين القوى وتوضحه وترشد اليه. اما الذين تلزمهم مواقعهم بصياغة الخطط السياسية والكفاحية واختيار اشكال النضال فهم الفلسطينيون، أولا وأخيراً، يساعدهم ويساندهم في ذلك اشقاؤهم العرب، بالوسائل والاشكال الواقعية المتاحة.
وازعم ان الاتفاق على الهدف المباشر، الذي يتمثل باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، بعد انسحاب القوات الاسرائيلية منها وبعد تفكيك المستوطنات، هو الشرط الاساس لخوض معركة فلسطينية وعربية وعالمية حقيقية للوصول الى هذا الهدف. الا ان هذا الاتفاق حول هذا الهدف مشروط، في المدى المباشر، بأمرين اساسيين: الاول هو الامتناع عن اي عمل يطاول المدنيين في اسرائيل، سواء بالعمليات الاستشهادية او بأي عملية من اي نوع. اذ ان ذلك، اضافة الى انه خطأ في المبدأ، هو خطأ في السياسة، وخطأ من ناحية الجدوى. وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية ان تدرك، بتجربتها، ان من مصلحتها، في الكفاح لاقامة دولتها الوطنية، ان تكسب الى جانبها اكبر عدد من يهود اسرائيل ويهود العالم. وبين هؤلاء واولئك من يقفون، بنسب متفاوتة من الوضوح والحزم، الى جانب الحق الفلسطيني المشروع باقامة هذه الدولة في جوار دولة اسرائيل.
الثاني هو التفكير، منذ الآن، حتى قبل ان ينتصر الفلسطينيون في اقامة دولتهم المنشودة هذه، بالمرحلة البعيدة التي يفترض انها ستزيل مصادر النزاع العربي - الاسرائيلي واسبابه اذا ما امكن ذلك في المبدأ والواقع - المرحلة التي اتصور، مع عدد متزايد من الفلسطينيين والعرب والاجانب ومن بينهم يهود، ان صيغتها تتمثل في اقامة دولة ثنائية القومية على كامل الارض الفلسطينية، بعد ان تكون قد انتزعت، مع الوقت، وبفعل المصالح، ووفق تحولات العصر، مصادر العنصرية ومظاهرها عند الاسرائيليين بازاء العرب. والامران يكمل واحدهما الآخر ويدعمه ويؤثر فيه.
وطبيعي ان الحل المباشر للقضية الفلسطينية، في مرحلته الاولى، لن يثبت ولن يستقر الا بانسحاب اسرائيل من الجولان ومن باقي الاراضي اللبنانية. وهو الشرط الضروري لأي اتفاق سلام، أياً كان نوعه. ومن دونه لن يكون سلام. اذ ان اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، أياً كان نوعها، لا يعني السلام مع اسرائيل إلا في الشروط الآنفة الذكر. ومثال لبنان بعد التحرير واضح، في هذا الامر، لا يحمل اي التباس.
اما في ما يتعلق بالدور العربي في دعم الكفاح الوطني الفلسطيني فإن اشكاله عديدة لا تحصى. الا ان الخلل الفادح في هذا الدعم هو ان مقوماته غير متوافرة، بسبب العجز الرسمي عن استخدام القوة، رغم ضخامة الجيوش وضخامة ترساناتها العسكرية، والعجز الرسمي عن ممارسة ضغط حقيقي وفاعل على الادارة الاميركية، سياسيا واقتصاديا. وهي حقيقة يجب الا تغيب عنا، حتى لا يكون الاكثار من المهمات غير واقعي اي خارج الامكان. غير ان ما تستطيع ان تفعله الشعوب، الى جانب المشاعر التي عبرت عنها بالتظاهرات وبأشكال الدعم المادية والمعنوية للشعب الفلسطيني، انما يتمثل بالضغط على الحكومات العربية لتغيير سياساتها، قبل ان تتمكن هذه الشعوب، ذات يوم، من تغيير هذه الحكومات، واقصائها عن المواقع التي تحتلها، بالاستبداد والقهر ومصادرة الحريات والحقوق، بما فيها الحق في العيش الكريم، بأبسط اشكاله.
يبقى ان اشير، في شكل عابر، تأكيدا لوجهة نظر اطرحها وادافع عنها، الى ان العمليات الاستشهادية باتت عبئا على الكفاح الفلسطيني، بعكس ما يروج انصار استمرارها. فالى جانب كونها، من وجهة نظري، خاطئة في المبدأ، هي خاطئة من الناحية العملية، لاسيما في استهدافاتها. إلا ان الابطال الذين يقومون بها هم، في نظري، نماذج من البشر استثنائيون. فهم، اذ يقدمون حياتهم التي بهدف النضال لتحسين شروط استمرارها، ثمنا لحرية شعبهم، انما يرتقون الى مراتب تتقدم كل المراتب، من كل الانواع، وتعلو عليها، وتتميز عنها، وتكاد تدينها.
(*) بعد مداخلات الرئيس سليم الحص والشيخ بطرس حرب والنائب السابق زاهر الخطيب والدكتور عماد الشعيبي والنائب السابق عصام نعمان والاستاذ صلاح صلاح والشيخين نعيم قاسم وفيصل مولوي في الحلقة النقاشية المغلقة لندوة العمل الوطني حول سؤال: "... ما العمل بعد الحدث الفلسطيني"؟ اليوم الأب جورج مسوح ومناقشة كريم مروة الختامية في الحلقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب - قيادي في الحزب الشيوعي اللبناني
"النهار" الجمعة 31 أيار 2002