أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-















المزيد.....


سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 758 - 2004 / 2 / 28 - 07:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن لم يكن صدور تقرير من "مجموعة الأزمات الدولية" عن سورية نذير شؤم فهو ليس بشارة خير. فتقارير المجموعة تهتم بالبلدان التي "تواجه خطر الانهيار أو تشهد تصعيدا لنزاع عنيف أو ارتدادا إليه". والتقارير والتوصيات العملية المتضمنة فيها تقدم إلى "صناع القرار العالميين الرئيسيين". وليس في الأمرين ما يطمئن.
إلقاء نظرة سريعة على اسماء أعضاء مجلس المجموعة يعطي فكرة عن درجة نفاذهم إلى أروقة صنع القرار الدولي. فقد شغل الكثيرون منهم مواقع قريبة جدا من القمة العالمية في أوقات سابقة، ومنهم رؤساء سابقون (رئيس فنلندي سابق هو رئيس المجموعة الحالي) ورؤساء وزراء ووزراء خارجية (منسق المجموعة وزير خارجية سابق لأستراليا) ودبلوماسيون معروفون وقادة عسكريون، ويشكل الأميركيون بينهم قرابة 25% منهم زبغينيو بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي وويسلي كلارك قائد قوات حلف الأطلسي سابقا والمرشح المنسحب من سباق الرئاسة الأميركية الحالي وجورج سوروس الملياردير الشهير. وتمويل المجموعة يعتمد على وزارات خارجية معظم الدول الغربية فضلا عن مؤسسات بحثية مستقلة أميركية أساسا (كارنيجي، فورد، وغيرهما).
تحت العنوان الإجمالي "سورية في ظل بشار" ثمة تقريران في الواقع. أولهما يتناول "التحديات السياسية الخارجية" فيما يقارب الثاني "التحديات السياسية الداخلية". وعبر وفرة تثير الحسد من الإحالات المرجعية ومن المقابلات مع شخصيات مغفلة أو مسماة يقدم التقرير لوحة عن "التحديات" التي تواجه سورية، لا غني لصانع القرار السوري ولا للمعارض أو المهتم بالشأن العام عن الاطلاع عليها. وقد أرفق كل من التقريرين بخلاصة تنفيذية وجيزة تتضمن "توصيات عملية" مطروحة على الأطراف المعنية وعلى "صانعي القرار الدوليين"، الذين يصدف أنهم الطرف "الأعنى" بالشؤون السورية كافة.
سيحاول هذا التناول أن ينتقي ما قد يحوز "قيمة مضافة" من تحليلات التقرير وتوصياته، مهملا ما هو متداول ومعروف. ولا يسع المرء إلا أن يأسف لغياب التقرير المطلق عن وسائل الإعلام السورية وامتناعها عن ترجمته، ولو على الأقل أحد ملاحقه المتضمن معاهدة سلام مقترحة بين سورية وإسرائيل.
هذا القسم يقتصر على التقرير الأول، وسنخص التقرير الثاني بعرض مستقل.

أزمة العلاقات السورية الأميركية
تحت هذا العنوان الفرعي يرصد التقرير تحول نهج إدارة بوش في التعامل مع سورية من المساومة إلى الفرض: فسورية "لن تكافأ على فعل الشيء الصحيح حيال منظمة القاعدة إذا داومت على اقتراف الخطأ بخصوص حزب الله وحماس". وتعتبر عناصر قوية في إدارة بوش أن التغاضي الأميركي السابق عن دعم سورية لجماعات راديكالية، أو عن خطابها المناهض للأميركيين، أو عن نقص الديمقراطية فيها، مقابل دروها في الاستقرار الإقليمي، مضر بمصالح الولايات المتحدة، وهم يولون أولوية لإصلاح النظام او تغييره.
المفصل الأهم في أزمة العلاقات السورية الأميركية هو الحرب العراقية. فحسب الرواية الأميركية جاء كولن باول إلى دمشق بعد الحرب بشهر، وأبلغ الرئيس السوري الرسالة التالية: "أنت في الطرف الخاسر: لقد أضعت عوائد عراقية، ولست طرفا في عملية السلام التي تقود الولايات المتحدة جهود إحيائها، وما من زعيم عربي ألح علينا كي ندعوك إلى قمة شرم الشيخ التي ستعقد في 2حزيران 2003. يمكنك أن تغير سياستك حيال العراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتنضم إلينا في التحالف ضد الإرهاب. فإن فعلت تنفتح أمامك السوق العراقية. يمكنك كذلك أن تستميل الرأي العام الإسرائيلي، وحين يؤون الأوان ربما تصبح طرفا في عملية السلام. لكن يمكنك ايضا أن تثابر على مواقفك الحالية وتبقى خلف الركب. الخيار لك، لقد غادر القطار المحطة، ونحن لن نتوسل إليك".
حيال هذا "التخيير"  يبدو أن مواقف المسؤولين السوريين توزعت بين من يحثون على تفاعل أنشط مع الإدارة الأميركية رغم ارتيابهم بنياتها، وبين من يرفضون تقديم أية تنازلات لهذه الإدارة لأنها ستعتبرها دائما غير كافية، وسيتعزز بتقديمها موقف من يرون أن الضغط يفيد ليتقدموا بمطالب إضافية. وبينما يهيمن الاتجاه الثاني في وزارة الخارجية السورية بخاصة، وعبر عنه فاروق الشرع حين وصف إدارة بوش بانها "أغبى وأعنف إدارة في التاريخ الأميركي"، فإن معرفة موقف الأولين هو المهم (تحليليا) بالنظر إلى أنه غير معروف لأوساط الرأي العام السوري والعربي. يرى هؤلاء أن موقف سورية، بعد غارة عين الصاحب خصوصا، بات مماثلا لموقف العراق بعد عام 1991، أي خداً مباحا للصفع. وهم يقترحون قيام سورية بكبح حماس والجهاد وضمان منع وصول الأسلحة إلى حزب الله والمساعدة في استقرار العراق، مؤملين أن تقود هذه الخطوات إلى تجديد ارتباط الولايات المتحدة بعملية السلام السورية الإسرائيلية، وتحسين الفرص الاقتصادية السورية في العراق، ورفع اسم سورية من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وبينما يقر أصحاب هذا التصور بضيق هامش المناورة أمامهم، فإن ناطقا غفلا باسمهم يقول: "لا يمكننا عرض هذه الأفكار دون الحصول على شيء مقابل وإلا فإننا سنقتل سياسيا في بلدنا. إننا في حاجة إلى إقناع بشار، وهو في حاجة إلى إقناع شعبه بأننا سنكسب شيئا ملموسا. في وسعنا مساعدة أمريكا وفي وسع أمريكا مساعدتنا. لكن إن كان الهدف إعادة تشكيل المنطقة وتصغير سورية فلن يكون ثمة طريق للتقدم".
 من الواضح أن هذا الكلام إلى مدرسة سياسية مقاربة لتلك التي صدر عنها مقال بهجت سليمان في "السفير" في 15 ايار الماضي، والذي يحيل إليه التقرير مرات عديدة.
ورغم ما يبدو ظاهريا من اندراج كلام باول أو كلام السؤول السوري الغفل في "بارادايم" المساومة فإن تخيير الأول يشف عن تهديد صريح فيما حاجة الثاني إلى "شيء ملموس" تبدو بمثابة إعداد النفس للرضوخ.
تسبب تحول التركيز في العلاقة الأميركية السورية من عملية السلام إلى الإرهاب والعراق إلى حرمان هذه العلاقات من مرساها المألوف، ما أفضى إلى "فراغ سياسي خطر" حسب أحد المسؤولين الأميركيين. وتبدو علاقات الطرفين أسيرة حلقة مفرغة: "فسورية لن تدخل تغييرا جوهريا على سياساتها ما لم تستعد مرتفعات الجولان، والولايات المتحدة لن تحرك ساكنا في عملية السلام ما لم تغير سورية سياساتها تغييرا جوهريا". ويقترح التقرير مقاربة مختلفة فيها "أخذ وعطاء"، تستجيب للمصالح الأميركية والسورية، والإسرائيلية كذلك. فمن أجل الولايات المتحدة "على سورية أن تقطع بصورة لا لبس فيها مع المنظمات المتورطة في الإرهاب وتتعاون لتحقيق الاستقرار في العراق". ولسورية أن "تستعيد الأراضي التي خسرتها عام 1967، إضافة إلى مساعدات اقتصادية لتجديد بناء اقتصادها المعطوب" ولإسرائيل "التطبيع مع بلد عربي رئيسي، وتقليص مهم على الأقل للخطر الإرهابي".
تنفيذيا على سورية أن تضغط على جماعات فلسطينية، حماس والجهاد بخاصة، لتوافق على وقف إطلاق النار، وأن تضمن امتناع حزب الله عن أية أعمال مسلحة على الحدود اللبنانية، وأن تتواصل مع الجمهور الإسرائيلي لتغيير مزاجه ونيل دعمه لعملية سلام تشمل انسحابا إسرائيليا من الجولان (من ذلك تقديم معلومات حول جنود إسرائيليين مفقودين وتسليم رفات الجاسوس إيلي كوهن ودعوة شخصيات إسرائيلية عامة لزيارة سورية). والبيت الأبيض مطالب بأن يفتح "قناة اتصال مباشرة رصينة مع الرئيس بشار"، باعتبار أن ضرر تعدد الأقنية الخلفية غير الرسمية يفوق نفعه. 

حول العلاقة السورية الإسرائيلية
يقول التقرير أن موقف الولايات المتحدة من عرض السلام السوري الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد في حديث مع نيويورك تايمز في آخر شهور العام الماضي بالغ الدلالة. فوفقا لمسؤول إسرائيلي قالت واشنطن للقدس: "الأمر لكم. نحن لا نحثكم على فعل شيء. سندعمكم إذا استجبتم للعرض، وإن لم تستجيبوا فسندعمكم أيضا". لكن يبدو ان شارون لا يشعر بأي دافع للتعامل مع سورية قبل ان يتبين المدى الذي يمكن أن يبلغه موقف واشنطن المتشدد حيال دمشق. ووفقا لتقدير إسرائيلي فإن الأميركيين يظنون أن عرض السلام السوري هو محاولة للتملص من تلبية مطالبهم. إذا أن "تجديد مفاوضات السلام سيمنح سورية حصانة في وجه الضغط الأميركي".  
وبينما يورد التقرير رفض مسؤول سوري فتح مفاوضات ثنائية مباشرة مع إسرائيل، فإنه (التقرير) يقترح مع ذلك على الرئيس السوري "التفكير جديا بزيارة القدس". واقتراحات التقرير التنفيذية في مجال العلاقة الإسرائيلية السورية (ترتيب الطرفين دائما هكذا) معروضة في ملحق خاص يتضمن معاهدة سلام مقترحة، وهذه خلاصة عنها: (1) الحدود هي خط 4 حزيران 1967( في نص المعاهدة المقترح: مبنية على خط 4 حزيران). لسورية السيادة على الأرض حتى بحيرة طبريا ولإسرائيل السيادة على البحيرة ذاتها. (2) هناك فكرة معقدة عن محمية طبيعية على حساب القسم السوري من الحدود وتحت الإدارة السورية، وذلك بهدف حماية الموارد المائية لنهر الأردن. وتمتد المحمية شرقا حتى تصل إلى ارتفاع سطح البحر (البحيرة 200 دون سطح البحر)، أي أنها تشمل كل المساحة المنحدرة نحو البحيرة والتي تسيل مياهها بصورة طبيعية نحوها. وينبغي أن تكون هذه المساحة غير مسكونة من قبل السوريين، وأن يسمح للإسرائيليين بدخولها بحرية ودون دفع رسوم جمركية. وهكذا فللإسرائيليين نفاذ إلى كامل محيط البحيرة، ويحق للسوريين الوصول إليها بهدف الاستجمام. (3)  يجلو الإسرائيليون، عسكريون ومدنيون، عن الأرض التي ستعود لسورية خلال سنتين من سريان مفعول المعاهدة. (4) لتسكين الهموم المائية الإسرائيلية ستستمر مياه هضبة الجولان الجارية طبيعيا نحو نهر الأردن في مجراها، عدا استثناءات معينة. وستحدد سورية الاستيطان في أرضها المستعادة لتخفيف المخاطر البيئية على موارد النهر المائية. وبالمقابل ستمتنع إسرائيل عن فك البنية التحتية المائية التي شيدتها في مرتفعات الجولان، وستيسر حصول سورية على ما يكفي المحمية الطبيعية من مياه البحيرة ونهر الأردن. (5) كل الأراضي السورية المستعادة ستكون منزوعة السلاح، ومثلها منطقة الفصل الحالية منذ 1974، والمنطقة منزوعة السلاح منذ عام 1949 التي ستبقى ضمن إسرائيل. وحول هذه المنطقة ثمة حيز مداه 20 كم إلى الشرق (ضمن سورية) و10 كم إلى الغرب محدود السلاح والقوات. (6) وضمن المنطقة منزوعة السلاح ستدير الولايات المتحدة محطة أرضية للإنذار المبكر على منحدرات جبل حرمون، وذلك لفائدة الطرفين. ولهدف الاستكشاف والإنذار أيضا تحلق طائرات أميركية دون طيار. (7) وضمن المنطقة منزوعة السلاح والمنطقة محدودة السلاح والقوات ستتشكل قوة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة للمراقبة والتفتيش والتحقق. (8) تبادل سفراء مقيمين سيتم خلال 72 ساعة من سريان المعاهدة، رفع المقاطعة الاقتصادية خلال 90 يوما، اتصالات طبيعية (هاتف، فاكس...) خلال 180 يوما، تدفق الناس والسلع والخدمات والسياحة خلال 90 يوما.  
 
حزب الله ولبنان
يسلم التقرير بان المطلب الأميركي الأقصى المتمثل في تفكيك بنية حزب الله التحتية العسكرية وتحويله إلى حزب سياسي عادي غير واقعي طالما لم يحل النزاع السوري الإسرائيلي. وهو مع ذلك يوصي بـ(1) على سورية أن تضغط على الحزب كيلا يهاجم إسرائيل وتمتنع عن تسليمه أسلحة وتحثه على إبعاد صواريخه عن الحدود وتسمح للبنان بنشر جيشه في الجنوب. (2) على إسرائيل أن تكف عن انتهاك الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية. (3) في سياق معاهدة السلام مع إسرائيل، على سورية أن تعمل مع السلطات والأطراف اللبنانية لتجريد حزب الله من سلاحه وتحويله إلى منظمة سياسية حصرا. وينبغي لمعاهدة السلام الإسرائيلية اللبنانية أن تعالج الترتيبات الأمنية على الحدود بين البلدين.
وينسب التقرير إلى "سوري وثيق الصلة بالرئيس بشار" هذا القول الصريح: " نريد الجولان ولن نستسلم في هذا الأمر. حزب الله ورقة لضمان مصالحنا... إنه ورقتنا الرابحة للضغط على إسرائيل. ليس لدينا جيش يعتمد عليه ولا التكنولوجيا الضرورية لمحاربة أو مقاومة أي كان. ومع ذلك سورية هي البلد الوحيد في المنطقة الذي يستطيع التحكم بحزب الله".
حول لبنان يورد التقرير سيرة تصلب الموقف الأميركي من الوجود السوري فيه باستذكار تصريح باول في 13/3/2003 حول "انسحاب جيش الاحتلال السوري" من لبنان، وتصريح رايس حول وجوب أن تكون سورية "مستعدة وراغبة في إنهاء احتلالها للبنان" بطريقة مختلفة عن إعادة الانتشار التدريجية.
ويستشهد بمقالة بهجت سليمان المشار إليها حول إمكانية الخروج السوري من لبنان، وإن امتزجت بتهديد مبطن بتجدد التهاب الحرب الأهلية. لكن التقرير يؤكد ان من المشكوك فيه أن واشنطن تعطي أولوية مهمة لاستعادة السيادة اللبنانية كاملة: "فحين يسأل الأميركيون عن ترتيب أولوياتهم فإن لبنان (والإصلاح السوري الداخلي) يأتيان متأخرين عن العراق والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني" 
ويلفت التقرير إلى أن الهيمنة السورية على لبنان لن تتأثر كثيرا حتى بانسحاب عسكري سوري كبير، بالنظر إلى ان هذه الهيمنة ترتكز حاليا على "المخابرات والنفوذ السياسي وليس على الوجود العسكري" وحده.

العراق
يرصد التقرير مفارقة الموقف السوري حيال حروب العراق الثلاثة. فقد "اختارت دمشق أن تساند بغداد في الحرب التي كان مرجحا لها أن تفضي إلى سقوط نظام صدام" بينما وقفت ضدها في حروبها الأخرى. ويسهب في تفسير هذه المفارقة، لكنه ينبه إلى أن تحسن العلاقات السورية العراقية سابق على عهد الرئيس بشار الأسد، وأنه يمتزج فيه ضعف العراق وحاجات سورية الاقتصادية. فقد قاد ضعف العراق إلى تراجع استئثار المدخل السياسي بتوجيه العلاقات بين البلدين وتصدر الاقتصاد عوامل تحسنها. ويبدو للتقرير أن النظام السوري عثر على "طريقة لكسب المال من السياسات الإقليمية بما يجنبه إصلاحات، أزف وقتها لكنها قد تكون نازعة للاستقرار، لاقتصاده غير المنتج".
بعد الحرب اتبعت السياسة السورية خطي تراجع متوازيين: أولهما إنكار حار لأي ارتباط بين النظامين البعثيين، وثانيهما تنديد قوي بمسوغات الحرب ذاتها.
تشمل القضايا الخلافية السورية الأميركية حول العراق تسرب مقاتلين عبر الحدود السورية إلى العراق، وأرصدة عراقية مفترضة، ومزاعم حول تهريب أسلحة دمار شامل عراقية إلى سورية. وحيال هذه القضايا يرى التقرير أن المصالح الأميركية في العراق هي استقراره السياسي والحد من اضطراب الأمن فيه بما يساعد على تعافي الاقتصاد العراقي. أما المصالح السورية فهي ضمان عدم تطويق البلد بدول معادية، وأن يكون لسورية رأي في مستقبل العراق، وأن يسمح لها بالاشتراك في التجارة ومعه والمساهمة في إعادة بناء اقتصاده.
ويوصي التقرير بأن يشمل مخطط تحسين العلاقات الأميركية السورية في هذا المجال ضبط سورية لحدودها منعا للتسلل؛ تأسيس مجموعة اتصال تجمع الأميركيين مع العراقيين وجيران العراق لمناقشة مستقبل العراق وإرساء بنية أمنية إقليمية؛ إعطاء سورية فرصا تجارية أكبر في العراق؛ وتشكيل مجلس من غرفة التجارة السورية ونظير عراقي لها لتحديد المطالب السورية المشروعة، على أن يصار بعد ذلك إلى إعادة الأرصدة العراقية كافة.

أسلحة الدمار الشامل
يعتقد التقرير أن سورية تنظر إلى أسلحة الدمار الشامل كرادع أثناء الحرب لا كرادع عن الحرب ذاتها، أي أنها قد تساعد على الحد من نطاق النزاع حتى لو لم تمنع إسرائيل من تدشين النزاع ذاته. ودون أن يتطرق  بأي شكل للأسلحة النووية الإسرائيلية فإنه يقترح أن تبادر كل من سورية وإسرائيل إلى التصديق على معاهدة الأسلحة الكيماوية (لكن إسرائيل قد تشرط توقيعها بانضمام مصر أيضا). كما يشير التقرير إلى أن أحد آخر العوائق أمام توقيع اتفاق الشراكة الاوربية السورية هو إصرار كل من هولندا وانكلترا، وربما ألمانيا، على أن توقع سورية معاهدة الأسلحة الكيماوية كشرط لإنفاذ الاتفاق.
هل يمكن أن يصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى جعل الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل؟ هذا مستبعد، لأن الولايات المتحدة لن توافق عليه في غياب حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي. ولكن أليس العكس هو الصحيح؟ التقرير يقول إن قرارا كهذا سيزيد بالضرورة الضغط على إسرائيل، مضمرا أن هذا ممنوع أميركيا.
في الخاتمة يشير التقرير إلى ان "سورية تحت الضغط لتتكيف مع الوضع الجيوسياسي الجديد في الشرق الأوسط، وبالخصوص مع وجود أميركي أكثر اقتحامية وعسكرية". لكنه يرى أن تغيير السياسات السورية قد يكون ممكنا في إطار استراتيجية تستجيب لحاجات سورية الملحة: استعادة مرتفعات الجولان، فرص اقتصادية في العراق، وتعاف اقتصادي محلي. فسورية لن تقطع مع ماضيها دون ضمانات لمستقبلها. ويشخص التقرير الوضع الفريد للرئيس بشار: فصدقيته المحلية تعززت بموقفه من حرب العراق، لكن خططه من أجل سورية تعرقلت بفعل عزلة البلد الدولية النسبية ومخاطر مواجهة عنيفة مع إسرائيل أو حتى
مع الولايات المتحدة.
وحيال مشروع الرئيس بوش لتحويل الشرق الأوسط ومخاطر تفجر عنيف للعداء لأميركا إن لم يرفق المشروع بتصد لمشكلات المنطقة السياسية وبالخصوص الصراع العربي الإسرائيلي، وحيال انعدام جدوى الستاتيكو القائم والإجراءات المطبقة حاليا، يقترح التقرير، ختاما، "إعادة تفكير جذرية".

سورية و...سورية
وإنما إعادة التفكير الجذرية هي أكثر ما يحتاجه صناع القرار السوريين. ويقدم التقرير الذي يصدر عند تقاطع شلل السياسة الرسمية مع تكاثف التحولات في البيئة الإقليمية حول سورية عُدّة ثمينة لإعادة التفكير. 
بالحصيلة يصدر التقرير منهجيا عن افتراض أن لسوريا خارجين: خارج  أول معني ومشارك في التوصيات التنفيذية المقترحة، يتكون من الولايات المتحدة وإسرائيل، وبدرجة أقل بكثير الاتحاد الأوربي، وخارج ثان هو موضوع التوصيات يتكون من جوار سورية العربي، العراق ولبنان وفلسطين، ويخضع ارتباط سورية به لمطالب وأوليات الخارج الأول. التحديات الخارجية التي تواجه سورية تدور بين هذه الأطراف حصرا.
ومن الطبيعي أن يغفل التقرير إغفالا تاما أية أبعاد "قومية عربية" للسياسة السورية. لكنه في ذلك لا يبتعد كثيرا عن مدرسة واقعية تزداد نفوذا في أروقة السلطة السورية. ومن مبادئ هذه المدرسة التعامل الوظيفي مع حزب الله والتنظيمات الفلسطينية... أعني استخدامها كأوراق مساومة وضغط.
يستطيع السوريون الاستفادة من تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" للإطلاع على أوضاعهم وموقعهم في العالم وفي دوائر صنع القرار فيه.
دمشق 20 شباط 2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاش حول الدفاع الوطني
- بلاد الموت السيء
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية
- الولايات المتحدة، العراقيون، والديمقراطية قضايا للنقاش
- جدول الحضور والغياب في الميدان السوري العام
- أفق مراجعة الإشكالية القومية
- دولة في العالم أم دولة العالم
- تراجع السياسة … وعودتها
- السقوط الحر للجماهيرية العظمى


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-