أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمعة الحلفي - زنزانة رفعة الجادرجي !














المزيد.....

زنزانة رفعة الجادرجي !


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 757 - 2004 / 2 / 27 - 10:17
المحور: حقوق الانسان
    


رأيت زنازين سجن أبو غريب، لأول مرة، على شاشة التلفزيون. كان ذلك في برنامج (من العراق) الذي تبثه فضائية "العربية" كل أسبوع، ولم يخطر ببالي، وأنا أبحلق بجدران وزايا غرف الإعدام وغرف "استقبال" أولئك الذين سيعدمون بعد حين، سوى شخص واحد هو المهندس المعماري الشهير رفعة الجادرجي.  والجادرجي لم يكن من مصممي تلك الزنازين الكلحاء وليست له صلة بهندستها المعمارية الوحشية، لكنه قضى  عاماً ونصف العام، في واحدة منها بتهمة ملفقة وظالمة من تلك التهم التي طالت عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء، خلال حقبة صدام المظلمة. ففي كتابه المشترك "جدار بين ظلمتين" الذي أصدره مؤخراً مع زوجته بلقيس شراره، يتحدث رفعة عن تلك التجربة المريرة، التي خسر فيها ردحاً من حياته عبثاً ومجاناً ( وربحنا نحن كتاباً مهماً، سيضاف إلى خزائن الكتب وأطنان الوثائق التي تدين النظام الدموي السابق) فصولاً مؤثرة ومؤلمة عن تلك الأشهر العسيرة التي قضاها بين جدران زنازين الأمن العامة ودوائر المخابرات، ومن ثم غرف الإعدام في سجن أبو غريب حيث "أستضيف" بضعة أيام، بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد، قبل أن ينقل إلى قسم الأحكام الخاصة في السجن نفسه.
يكتب رفعة، بخبرة المعماري، الباحث عن مسارب الهواء والأوكسجين وعن مصبات الضوء والشمس وجماليات المكان، ليصف واحدة من تلك الزنازين التي مرّ بها خلال رحلته الكئيبة تلك فيقول : لا تعدو سعة الزنزانة رقم 26 أكثر من متر وسبعين سنتيمتراً عرضاً ومترين طولاً، كنا نشعر فيها بثقل الهواء بسبب حشر المعتقلين في ذلك الحيز الضيق، فلا مجال لحركة الهواء النقي فيها فيدور الهواء كما لو أننا داخل فنجان، لأن الزنزانة مغلقة بباب حديدي لا منفذ للهواء من أسفله ولا فتحة في أعلاه سوى شق صغير لمراقبتنا من قبل الحراس، وربما للسماح بدخول كمية من الأوكسجين بقدر ما تؤمن بقاء المعتقلين أحياء ليتمكنوا من استدعاءهم متى شاءوا، لذلك تمتزج رطوبة أنفاسنا بهواء الزنزانة الفاسد.(...) كانت ثمة علاقة مباشرة بين سعة الزنزانة وغسق الظلمة، هكذا يكتشف رفعة، ولذلك فعندما كانت تنزلق جدرانها بجوانبها الأربعة كل مساء، كانت تقلص الحيّز وتضيقه على المعتقلين بداخلها، بقدر ما كانت تفقدهم اليسير من ضيائها عندما تقترب منهم وتنقّض في دفعها نحوهم. ومع اشتداد عتمة جدرانها تدريجياً يرتفع السقف بقدر ما كان يحمل من ضياء النهار فيصبحون في بئر عميقة من العتمة. ومن قلب هذه العتمة كان ينبثق الصمت، الصمت الذي يسميه رفعة صمت الخوف " لقد كنا نسمع، خلال ذلك الصمت، أصوات المعذبين بين وقت وآخر. كنا نسمع صراخاً لا يطاق، صراخ نساء وأطفال، من غير أن نرى ما كان يجري، وكانت تلك الأصوات ترعبني وتفزعني وتؤلمني".
ولأن تهمة رفعة الجادرجي كانت ملفقة وظالمة فقد أطلق سراحه بعد عام ونصف العام بجرة قلم، مثلما كان جرى اعتقاله بجرة قلم أيضاً. ولم يكن أمر إطلاق سراحه من قبل صدام حسين نوعاً من عدالة أو مكرمة لوجه الله، ولا رأفة بوالدته " أم رفعة" زوجة أبرز شخصية ديمقراطية في العراق المعاصر، التي كانت "توسلت" مراراً لذلك الطاغية الجلف كي يطلق سراح ولدها رفعة، إنما كان السبب يعود إلى حاجة صدام نفسه عندما أراد تجميل العاصمة بغداد أمام زعماء دول عدم الانحياز، فكان لابد من الاستعانة بموهبة رفيعة مثل موهبة رفعة الجادرجي الهندسية. وهكذا خرج   من "أحشاء السجن المظلم" على حد تعبير زوجته بلقيس شرارة، ولكن الرعب كان قد سيطر ومسخ المجتمع العراقي في تلك الأيام السوداء من حكم صدام حسين، لهذا لم يكن خروج رفعة  من السجن سوى خروج من ظلمة إلى ظلمة أخرى، كما يشي عنوان الكتاب.



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن - أدب المنفى- وليس الخارج !
- كيف يمكن إعادة بناء الثقافة؟
- علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟
- أزمة -العقل- أم -الفعل- العربي؟
- عشائر المثقفين!
- أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- 5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس ...
- شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس ...
- مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين ...
- مذكرة اعتقال نتانياهو.. هل تتخذ إدارة ترامب المقبلة -خطوات ع ...
- نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو ...
- زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن ...
- ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
- كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول ...
- إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين ...
- بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمعة الحلفي - زنزانة رفعة الجادرجي !