أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - حين صار كوكس مُلا !















المزيد.....

حين صار كوكس مُلا !


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 757 - 2004 / 2 / 27 - 09:49
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 بعد أن سقط حكم البعث الأول في الثامن عشر من شهر تشرين الثاني سنة 1963 م ، وذلك بعيد أشهر من قيامه في شباط الذي تمر ذكراه المريرة أيامنا هذه ، وبعد سنوات قلائل ، وفي عودتهم الثانية للحكم ، زارني وأنا في مدينة كربلاء عضو في حزب البعث ، كان قد أدلى بشهادته كاذبة ضدي أمام الحاكم العسكري في أواخر شهر شباط من سنة 1963 م ، قائلا فيها : إنني أخطر شيوعي تعرفه المدينة ! وأقود في وقت واحد أكثر من خلية شيوعية ! مع أن عمري لم يتجاوز بعد الخامسة عشر منه . وبينما كنت أسير معه في أحد شوارع كربلاء ، وإذا برجل شاب يسلمني ورقة تبليغ ، سلمتها أنا فيما بعد لمنظمة الحزب في سورية ، كانت توجب حضوري الى دائرة ألأمن ، مع أنني كنت قد خرجت قبل ثلاثة أيام من اعتقال ثالث لي في أحد سراديب مرقد الأمام الحسين ، وكان آخر شرطي أمن قد حقق معي  نده خلفي ، حين كنت أسير في مركز المدينة قبل يوم من تسليم ورقة التبليغ هذه : أستاذ ! استاذ ! التفت واذا هو نفس الوجه، هو الشرطي ذاته ، وبملابسه المدنية . استاذ ! لقد نزل عليك القاء قبض جديد وهو موجود مع كل شرطي يجول في المدينة ، وتوقع أن يتم أعتقالك في أية لحظة ، ولهذا وددت أنا أن أبلغك كي تتدبر أمرك ! قلت : أنت تدري أن الاعتقال القادم سيكون رابع أعتقال تقومون به لي ، واني قد عودت نفسي على ذلك ، قال : بكيفك !
كانت فكرة واحدة تدور برأسي وأنا أتحدث اليه وهي أنهم يريدون اختباري ولا غير ذلك ! فأنا قبل أشهر كنت قد قرأت رواية الكاتب التيشيكي يوليوس فوتشيك : تحت أعواد المشنقة.وكيف كان النازيون يضعون بطل الرواية أياما في غياهب السجن ، ثم يطلقون سراحه ، ويعودون من جديد ليضعوه في السجن ، ثم يطلقون سراحه وهكذا ، لكن الشرطي هذا كان قد صدق بما أخبر ، وها أنا أستلم تبليغا جديدا باعتقال رابع يوجب حضوري لدائرة الامن ، وأمام الشاهد الذي شهد علي ايام شباط الأسود سنة 1963 م ، والذي قال لي سائلا : أيريدون اعترافا منك ؟ قلت : لا أدري ! قال : لا تسلم نفسك لهؤلاء ، فهؤلاء ما هم ببشر !
وقبل هذا الشاهد بسنوات كان قد زارني في شقتي من شارع المتنبي في بغداد آمر الحرس القومي في مدينتنا لسنة 1963 م ، وكانت الزيارة بداية حكم البعث الثاني ، وكنت أنا وقتها طالبا في جامعة بغداد . عاد هذا الرجل بنا الى أيام شباط الأسود قائلا: بعد أن تمّ اعتقال جميع الشيوعيين في مدينتنا في اليوم الأول والثاني من انقلاب القطار الامريكي عقدنا اجتماعا في مقر الحرس القومي نجيب فيه على سؤال هل هناك من بقية باقية للشيوعيين في المدينة ؟ لم يخطر ببال أحدنا اسم لشخص شيوعي نعرفه ، إلا ان واحدا منا تذكر اسم كوكس الفلاح ، فقررنا اعتقاله بعد أن توفرت لدينا معلومات أنه يعمل ببستانه كل صباح ، ولما كان هذا البستان يقع على ضفة ذات النهر الذي تقع عليه بناية الحرس القومي ، فقد قررت أن اقود مجموعة من أعضاء الحرس في زورق ( مشحوف ) وأتوجه بهم صوبه .
حين اقتربنا منه كان هو قد شعر بأننا جئنا لاعتقاله ، فصنع من الطين حالا شكلين مقعرين على هيئة طرفي سماعة تلفون ، وصعد فوق سور البستان وصاح باعلى صوته : هلو خروشيف ! هلو خروشيف !
كدت انا ومن معي – يستمر آمر الحرس في حديثه - أن نغرق بزورقنا من كثير ما ضحكنا ، ثم أخذت منا سخرية كوكس كل مأخذ ، واصدرت أمرا بالعودة من حيث أتينا ، وتركنا كوكسا يكلم رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي وقتها ، نكيتا خروشيف وحده !
كان كوكسا قد أخذ اسمه من أحد القادة الانجليزي الذين اجتاحوا جنوب العراق في الحرب العالمية الاولى ، وكانت أمه قد سمته بهذا الاسم القبيح حتى تدفع عنه الشر ، ويظل على قيد الحياة على عادة العرب في تسمية ابنائهم باسماء قبيحة لهذه الغاية ، وينحدر هو من اسرة رحلت من النجف ، وحلت اطراف هور الحمّار مع عشيرة ال حول الذين هم قد انحدروا من ذات المدينة في أزمنة غابرة ، وقد كان والده يعرف القراءة والكتابة ، والشخص الذي كان متمكنا منها يمكن له أن يعتاش عليهما وعلى المنبر الحسيني ، وعلى كتابة العوذ ، لكن كوكسا لم يكن ليقترب من مهنة كهذه ، فقد اعتمد على الفلاحة كمهنة يعيش منها مطلع شبابه ، وقد كان قريبا من منظمة الشبيبة
الديمقراطية في بداية ثورة 14 تموز التي ساعدته مرة في اجراء تحقيق عن شاة من غنمه القليلة التي تعرضت للموت من مجهول ، وقد كانت تلك المنظمة تطارد لصوص الغنم دون هوادة ، وكثير ما كان بعض من اعضائها يلقون القبض عليهم ، ممسكين بهم والجماهير من ورائهم تهزج :
شلون اتبوك بعهد كريم    عهد البايد ولى وراح !
وكان في المقدمة من هؤلاء المعلمان : حميد وادي ، وحسين ياسين الذي جاء ذكره في رواية : وليمة لاعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر ، والذي توارى عن الانظار اواخر أيام عبد الكريم قاسم ، وكنت انا قد تعلمت على يديه في سنة من سنوات المرحلة الابتدائية ، ومنذ تاريخ اختفائه ذاك لم أكن قد التقيته ، لكنني ، وبعد أن كبرت كنت معه وجها لوجه صدفة ، وكان هو لا زال متخفيا ، في شارع الرشيد ، محلة الحيدرخانة من بغداد صيف سنة 1969م ، وفي أيام المجرم ناظم كزار ، وكان قد اشتكى لي ، بعد ان عرفته بنفسي ، من موقف عزيز الحاج في عدم رغبته بالانسحاب للاهوار ، وأنه على ثقة من أن ناظم كزار وشرطة أمنه سيلقون القبض عليه ، لكنني وقتها لاحظت انكسارا بينا عليه ، رغم أنني كنت على علم أن ناظم كزاز ، ووزير الداخلية وقتها عزة الدوري ، كانا يعملان على عقد صفقة مع أعضاء عناصر ما سمي بالقيادة المركزية ، ومن خلال ذويهم ، وكانت أول خطوة في هذا الاتجاه هو إلغاء حكم الاعدام الذي صدر زمن عبد الرحمن عارف بحق المجموعة التي اسقطت طائرة هليكوبتر في هور الغموكه من الناصرية .
منذ حادثة الشاة تلك ، وانتصار منظمة الشبيبة الديمقراطية له ، عاد كوكس شيوعيا بنظر شرطة المدينة ، وحين استبد الشيب بلحيته ، وعاد يخضبها بالحناء ، ذلك النبات الذي يمنح اللحى لونا أحمر كان كوكس عرضة لانتقادات الشرطي الحقود ، موسى ، والذي ينادي عليه ، وهو مار في الشارع : أحمر ، أحمر !
فيرده كوكس : وماذا جنيت انت ؟ ها أنت مازلت بجرود نوري السعيد ! أي بملابس شرطة نوري السعيد .
وحين حلّ ضنك العيش بكوكس ، هجر مهنة الفلاحة ، واصبح من قرّاء المنبر الحسيني ، لكنه – ولسوء حظه – كان سريع النسيان ، لا يقوى كثيرا على حفظ الشعر، فهو قد يحفظ الشطر الأول من البيت ، ولكنه قد ينسى الشطر الثاني منه ، ومرة حين كان يقرأ سردا عن مأساة الامام الحسين في مضيف أحدهم ، وكان بعض ممن يستمع اليه قد اخذه الجوع ، وكان هو يتلو بيتا شعريا شعبيا غناء عن لسان السيدة زينب ، نسى الشطر الثاني ، و ظل يكررالشطر الاول لمرات عديدة : تقول زينب :
ظليت مثل الطير أحومي !
وحين لم يستطع اكمال البيت ، وحين صرخ الجوع في البطون ، صاح به أحدهم :
عمي ، كوكس ! شوف لك علوة وحط عليها ، تره احنا ورانا عشه !



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رشى صدام من القصور الى الشوارع !
- ظرف الشعراء (6) : ليلى الأخيلية
- شباط : الماضي والحاضر !
- ظرف الشعراء (5) : دِعبل الخزاعي
- مرفوض في عمان مقبول في بغداد !
- ظرف الشعراء ( 4 ) : بشار بن برد
- ويبنون بيوتا من خشب !
- ظرف الشعراء ( 3 ) : ولادة
- مكرمة السيد مجلس الحكم !
- وحدة العراقيين والحزب الشيوعي العراقي !
- ظرف الشعراء
- قومية النفط !
- ظرف الشعراء ـ 1 ـ العرجي
- الحجاج مظلوما !
- قصيدتان
- اثنان لايموتان في العراق : النخل والحزب الشيوعي !
- عن المهر والنهر والفكر المستورد !
- المقهى والجدل
- تهديدات السستاني على لسان المهري والرد الأمريكي !
- قرار الكاشير ولغة الغطرسة !


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سهر العامري - حين صار كوكس مُلا !