سهيلة بورزق
الحوار المتمدن-العدد: 2454 - 2008 / 11 / 3 - 09:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يسبق لي الكتابة في السياسة، ولم أشعر يوماً بأنه يجب الخوض في عرضها، لكنني اليوم وأمام الفوضى العارمة التي يشهدها الاقتصاد العالمي أقف مشدوهة أمام أمريكا (المحترمة) وهي تتهاوى ببطء عاصف، ذاك البطء الذي يأخذ معه الأمان والأحلام والدفء والقوة، أقف عاجزة عن تمرير أفكاري وهذه الأمريكا تستعد للتقاعد الاضطراري بعد سنوات من الدكتاتورية العالمية التي حلَّقت بالعالم بعيداً... بعيداً جداً في أجواء كلها دم وخيبة وسياسة هشة أباحت القبح باسم سيطرتها على الضعيف والقوي معاً.
ستتحول أمريكا قريباً إلى فعل ماضٍ تتراجع خلاله الكثير من القيم التي خالفت كل من لم يتبع نظامها الآيل للسقوط العشوائي، فاتحاً باباً واسعاً لعالم جديد مختلف غير معروف بعد سيحتفل وحده بانسحاب القوة الشرفية من بين يدي أعظم الدول.
لن يختلف معي أحد إذا قلت إن على أمريكا الاعتراف بانهزامها أخيراً، فهي عملت على تدمير هيكلها الاقتصادي بنفسها بعدما اعتمدت على تأميم القطاعات المالية الرئيسة، ومن ثم دخلت في صراع اقتصادي ذاتي أربك معه النظام المالي العالمي من حيث لا يفقه فقيه، ولا يعلم عالم، ولا يتسيَّس سياسي.
شخصياً لا أنصح الأمريكيين بالتشبث بأيِّ أمل تجاه التخفيف من وقع الصدمة، أو حتى التنبؤ بالعودة إلى قاعدة السيادة، لأن الأمر لم يعد بيد أيِّ خبير اقتصادي أمريكي، ولا بيد (أوباما) ولا (ماكين) المرشحَين لرئاسة أمريكا الجديدة المهزوزة في أكثر من نقطة على خلفية حاجتها لاقتراض ما سينقذ أسواقها، وهي قروض ضخمة سيصعب إعادتها لاحقاً.
السماء في أمريكا تمطر ردود أفعال مختلفة ومتناقضة تبعث على التساؤل: هل سقوط أمريكا في آثاره البعيدة يشبه انهيار الاتحاد السوفييتي؟ كيف تستطيع أمريكا الانهيار وهي التي كانت دائماً تبني ازدهارها وجبروتها على غير الخطط السياسية الاقتصادية التي تنصح بها باقي العالم؟ أمريكا كانت تتربع على فرضيات خاصة بها لا تشارك فيها أحداً، لكن الأحداث المالية تسارعت، ونسيت أن تطوِّق تاريخها بنظام يعمل على تخفيف الضغوط الداخلية بدل الحرص على تقزيم باقي دول العالم.
أمريكا لم تحاول يوماً خدمة ذاتها من باب التحكم في اقتصادها بقدر ما خدمت أحقادها التاريخية، ونسيت أنها القبطان الرئيس الذي يقود العالم فغرقت، وهي الآن تحاول الإسراع إلى الخروج من غيبوبة طويلة سيحدث خلالها الكثير من المفاجآت السياسية والاقتصادية على حد سواء.
#سهيلة_بورزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟