|
في نهج الاقصاء الحمساوي
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2453 - 2008 / 11 / 2 - 08:17
المحور:
القضية الفلسطينية
باصرارها على فرض نتائج الحوار الوطني قبل الشروع فيه ، واختزاله في لقاءات ثنائية مع " فتح " يمكن توظيفها في تكريس حالة الانقسام ، تضيف " حماس " جديدا لتراث هش من محاولات اقصاء سياسي ، قامت بها قوى انفصالية فلسطينية على مدى اربعة عقود مضت ، وانتهت الى الفشل .
جديد التجربة يكمن في انعطافها نحو تكريس منهج للاقصاء ، لم يكن قائما لدى الانفصاليين السابقين ، الذين كانت ادارتهم للعملية الاقصائية محكومة في معظم الاحيان بردود افعال تمليها علاقاتهم مع عواصم اقليمية وعربية دون ان تكون لهم مشاريع حقيقية ، وان امتلكوا في بعض الاحيان المبررات والنوايا الحسنة .
ولعل ابرز ملامح المنهج الاقصائي المتبع لدى حماس محاولة الاستفادة من الحوار في كسب الوقت لتكريس الامر الواقع .
فالذراع الفلسطينية لجماعة الاخوان المسلمين مستعدة لحوار لا ينتهي ، ولا يخرج بنتائج ، سوى تكريس امارة غزة ، ليتعزز يوما بعد يوم شعور الفلسطينيين باستمرار الانقسام الى ما لا نهاية .
عدة حماس في التهرب من اية نتائج لـ " حوار الطرشان " لم تعد خافية على محترفي وهواة العمل السياسي في المنطقة ، فهي تبدأ بالتحفظات ، ووضع الشروط ، لتنفتح على التململ من بطء الاليات ، وتنتهي الى اتهام المحاور الاخر بعدم الجدية .
وبشكل تلقائي يفضي هذا التسلسل الى تهيئة الارضية اللازمة للافلات من تنفيذ اية قرارات قد تتمخض عن الضغط العربي الهادف للحد من تسارع التآكل السياسي الذي يهدد بتصفية القضية الفلسطينية .
فالقضية الوطنية في الذهن الحمساوي خاضعة لاولويات التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ، وليست اولوية مطلقة كما هو الحال لدى حركات التحرر الوطني ، والشعب الفلسطيني وقود لمشروع كسيح ، حدد معالمه حسن البنا .
انسجاما مع هذا الفهم اصرت حماس على المحاصصة ، للامساك بزمام سلطة عاجزة ، خاضعة للاحتلال ، رغم ما يجره وجودها في السلطة من حصار اسرائيلي للقطاع ، وتقتير المانحين على سكانه .
كما يبرر هذا الفهم قدرة خطاب فصيل الاسلام السياسي الاوسع انتشارا في الاراضي الفلسطينية على الجمع بين الممارسة الانقلابية واطلاق دعوات التمسك بالشرعية ، او القيام بانقلاب في غزة وانتقاد نشر الشرطة الفلسطينية في الخليل .
فالممارسة الحمساوية شرعية ، وان انقلبت الحركة على الدستور والقانون ، ومارست اقسى اشكال القهر على الخاضعين لسلطتها ، والفهم الحمساوي الاطار المحدد ـ بكسر الدال ـ للشرعية , واي ممارسة تتجاوز هذا التفكير الاحادي تعد تجاوزا على القانون اذا قامت بها الاطراف الاخرى .
وينحسر طغيان نزعة الاقصاء لدى حركة حماس حين يتعلق الامر بما تبقى من افرازات انشقاقات شهدتها الحركة الوطنية الفلسطينية خلال العقود الماضية وتلقفتها عواصم اقليمية لتستخدمها ادوات في ضرب الشرعية الفلسطينية والاستيلاء على دورها وصفتها التمثيليين .
فمن اجل الضغط على القاهرة لتمرير مقترحاته على الورقة المصرية وجد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ضالته في هذه الافرازات .
الا ان ظهوره في وسائل الاعلام وهو يتوسط قادة المجموعات الانشقاقية التي استقرت في قعر الذاكرة الفلسطينية واضابير المخابرات السورية والايرانية كان اقرب الى اللوحة الكاريكاتورية .
فلم تمض ايام على رفض حماس للحوار مع فصائل منظمة التحرير حين ربط رئيس مكتبها السياسي نجاح المصالحة بأخذ ملاحظات الظواهر الانشقاقية في عين الاعتبار ، وقبل ذلك سعت الحركة لفرض هذه الحالات الانشقاقية على حوارات سابقة جرت في القاهرة .
هذا التناقض يكشف عن حاجة حماس للظهور بصورة القادر على قيادة طيف سياسي ، كما هو حال حركة فتح التي دشنت ادبياتها الاولى حالة من التعددية السياسية ، مكنتها من بناء علاقة تعايش مع بقية الفصائل تحت سقف منظمة التحرير .
هناك محاولات اخرى في هذا المجال تمثلت في العمل على تشكيل تنظيمات وهمية بطرح سياسي اكثر وضوحا من حيث السذاجة والتطرف بعد وقوع انقلاب غزة .
ومن خلال هذه التشكيلات الكرتونية سعت حماس للظهور بصورة الاسلام السياسي المعتدل الذي ينذر غيابه ببلورة حالات اكثر تطرفا .
محاولة مشعل توظيف الظواهر الانشقاقية في الضغط على الراعي المصري للحوار المرتقب ترافقت مع تبني دمشق لملاحظات حماس على الورقة المصرية ، و ظهور محمود الزهار على فضائية العالم الايرانية ليعلن ان الاطار التمثيلي الواسع للشعب الفلسطيني "منظمة التحرير" لم يعد قائما .
ترابط هذه الحلقات يكشف بشكل او بآخر عن اتكاء حماس على الموقفين السوري والايراني ، في تهربها من الحوار , ومراوغتها في التعاطي مع استحقاقاته .
لكن الحركة بمعاييرها المطاطية تمتلك قدرة هائلة في التغطية على هذا الاتكاء ، فهي تضع السلطة الوطنية الفلسطينية في دائرة الارتهان للسياسة الاميركية غير المشجعة للحوار ، وتقدم نفسها لجمهورها باعتبارها راعية نهج مقاومة ، دون ان يرف لقادتها جفن ، او تحمر وجناتهم ، وهم يسوقون حجج التهدئة .
وقد تسوق هذه المعايير الدعاية الحمساوية على ضعاف الذاكرة الا انها لا تستطيع الصمود لدى العودة الى ظروف مشاركة حماس في السلطة حيث رفض الرئيس محمود عباس الضغوط الاميركية واصر على مشاركة حماس في السلطة ، وتكليفها بتشكيل الحكومة .
وفي صلب هذه المراوغة ، والسعي الى كسب الوقت ، نمت سلوكيات استغلال ظرف الطرف الاخر ممثلا بحركة فتح ، بدلا من من العمل على الوصول الى التوافق , الذي يخرج الوضع الفلسطيني من مأزقه .
ظهرت هذه السلوكيات باوضح تجلياتها في تسريبات حماس الترغيبية ، والمتمثلة بالاستعداد للتمديد للرئيس محمود عباس ، بعد حملة التشكيك في شرعية وجوده على راس السلطة الوطنية .
فهي مستعدة لمنح الشرعية لرئيس مشكوك في شرعيته ـ حسب وجهة نظرها ـ مقابل عدم اجراء انتخابات عامة مبكرة قد تفقدها غالبية التمثيل في المجلس التشريعي .
وحسب فهم حماس لابجديات الصراع الذي تخوضه ضد حركة فتح يمر تكريس الامارة من تداعيات فشل عملية السلام على اوضاع السلطة الوطنية الفلسطينية .
ففي محاولة لاحراج السلطة الوطنية ، واخراجها من دائرة التفاوض تقدمت حماس بعرض "الهدنة " الاكثر سخاء مما يعرضه المفاوض الفلسطيني على الجانب الاسرائيلي، ووظفت اداتها الامنية لادامة التهدئة .
كما يلفت النظر تاثر ذهنية الحوار لدى حماس بالمنهج التفاوضي الاسرائيلي ، المبني على شراء الوقت ، والمراوغة في التعامل مع الحق الفلسطيني .
فالمبررات التي طرحت للافلات من الحوار الوطني الشامل تقترب الى حد كبير من مبررات اليمين الاسرائيلي المتطرف للتهرب من التفاوض مع الفلسطينيين .
جوهر هذه المبررات هو غياب الشريك القادر على المساهمة في بناء ما هو مشترك ، من خلال البحث عن افق ، يتجاوز حالة الصراع والمواجهة ، ويمهد للتعايش السلمي .
وبذلك التقى ضيق صدر حسن البنا بفكرة التعددية والتعايش مع مكونات المجتمع ـ في ادبياته الكثير من الشواهد على هذا الضيق ـ مع اساليب السياسة الاسرائيلية في المنهج الاقصائي الذي تتبعه حماس .
ورغم جديد هذا المنهج لم يبتعد كثيرا عن ارث طويل من محاولات الغاء الكيانية الفلسطينية ، وتحويلها الى اوراق للمساومة ، تورطت فيها انظمة عربية وقوى فلسطينية .
ولكن نقمة حماس على التاريخ الفلسطيني الذي عبرت محطاته من بوابة جماعة الاخوان المسلمين ابقاها بعيدة عن الاستفادة من التجربة .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افق عربي ... لعراق مختلف
-
حول صورة العربي في فضائية العالم
-
ازمات المركز ...ومأزق الاطراف
-
قلة الاستيعاب في صحافة الاعراب
-
عار الصحافة العربية
-
حماس تواجه الواقع باختزال التاريخ
-
ديمقراطية الامعاء الخاوية
-
خطاب -التخريف- السياسي
-
علمانيون برسم الاسلمة
-
من اجل فايز .... ورفاقه
-
صراع الهويات الشرق اوسطية
-
الخطيب يحاكم التجربة القومية
-
حين يبحث -الغريق- عن قشته في -طبخة حصى-
-
المالكي يحترف اللعب على التوازنات
-
دوامة قصور الهواء
-
لهاث اللحظات الاخيرة
-
حواف الهاوية
-
رهينة الحلف الطائفي
-
استراتيجية اكياس الرمل
-
التحولات الجذرية في السياسة النجادية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|