|
نظرية الديمقراطية المغربية : الشكل الاستبدادي لدولة الطبقة الواحدة
بلكميمي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 07:38
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ان المجتمع المغربي الحديث العهد بالاستقلال أي الخارج للتو من احشاء الاستعمار الكولونيالي لم يكن في شموليته مجتمعا مدنيا ، بل كان منقسما على نفسه الى مجتمعين : مجتمع مدني .. و مجتمع ماقبل مدني .. أي مجتمع طبقي بورجوازي حديث ، ومجتمع ماقبل طبقي بورجوازي قديم . ان نزوع المجتمع المدني الحديث هو التطور ، لكن تطوره مستحيل ، بدون تقهقر وتراجع المجتمع ماقبل المدني القديم ، فالاول لايمكن ان يتطور الا على حساب الثاني . وهذا شيء طبيعي تماما . فالمجتمع المدني بوصفه حاملا ، لنمط انتاج وعلاقات انتاج وقيم ، من طراز جديد ، فهو بالتالي لايخلق كل ذلك من العدم . بل يعمل فقط على تحويل القديم الى الجديد ، ولذلك فان المجتمع الماقبل المدني ، الذي هو بمثابة النفي والتجاوز للاول . فالعمال المأجورون مثلا ، الذين هم عماد المجتمع المدني الجديد ، لم يخلقهم هذا الأخير من بطنه . بل هم نفس الفلاحين الذين كانوا عماد المجتمع الماقبل مدني القديم ، أي ان كل ماحصل ، هو تحول العمل من شكله الماقبل راسمالي العتيق ، الى الشكل الراسمالي الحديث . كذلك فان الملكية البورجوازية ، في اصلها ، هي مجرد انتقال شكل قديم للملكية الى شكل جديد . واذن .. لان المجتمع المدني المغربي ، لايمكنه ان يعيش ويتطور ، الا على حساب تقهقر وفناء المجتمع الماقبل مدني المغربي ، فلذلك فان العلاقة بينهما هي علاقة صراع وجود . اما بعض الاقتصاديين الاوربيين والمغاربة على السواء ، الذين طالما روجوا للاطروحة القائلة ، باستقلالية وتعايش الزراعة العصرية الراسمالية مع الزراعة التقليدية ، فهذا محض خرافة ايديولوجية لاعلاقة لها بالعلم . ان المجتمع المدني المغربي ، الخارج من احشاء العهد الكولونيالي ، والمرتكز على الانتاج البضائعي والراسمالي ، لم يكن مطروحا امامه في تلك الشروط سوى طريقا واحدا : طريق التطور الراسمالي . لكن هذا الطريق الواحد ، كان يحمل موضوعيا شكلين متعارضين لنمط الانتاج الراسمالي : شكل راديكالي وشكل اصلاحي . ان الشكل الراديكالي كان يعني ، تفكيك الملكية الاقطاعية ، والاستيلاء الفوري على اراضي المعمرين الاوربيين ، ثم توزيع الملكية العقارية على جماهير الفلاحين ، في افق تجميعهم في تعاونيات عن طريق الاقناع والتجربة . هذا الشكل الراسمالي الراديكالي ، كان سنده الطبقي هو الطبقة الوسطى المغربية ، المتحالفة مع الطبقة العاملة . اما الشكل الراسمالي الاصلاحي ، فكان يعني من جهة الحفاظ على الملكية العقارية الكبرى ، مع اعادة هيكلتها على اسس راسمالية . ومن جهة اخرى تفويت اراضي المعمرين الاوربيين الى الملاكين العقاريين الكبار المغاربة. وهذا الشكل الاصلاحي ، كان سنده الطبقي هو الملاكون العقاريون الكبار ، المتحالفون مع البورجوازية المغربية الكبرى . بالطبع كان لكل شكل من الشكلين المتعارضين ، مواقفه المتعارضة ايضا ، اتجاه الراسمال الامبريالي العالمي ( والفرنسي خاصة ) ، لكن هذا لايعني ابدا ، كما دابت العديد من الاوساط في صفوف الحركة التقدمية المغربية على القول ، بان الشكل الراديكالي كان يستهدف القضاء على التبعية ، فهذا خطأ ، وبكل بساطة لم يكن موضوعيا في مقدوره تحقيق ذلك الهدف . لان جوهر التبعية بالنسبة للبلدان المتخلفة ، يكمن في حد ذاته ، في البنية التحتية الراسمالية الموروثة عن المرحلة الكولونيالية ، وفي امتدادها السياسي الذي هو جهاز الدولة ، الموروث ايضا عن العهد الاستعماري. من هنا لم يكن التعارض بين جوهرين ، جوهر راسمالي ، بل بين شكلين لجوهر واحد هو الجوهر الراسمالي الموروث ، فبينما كان الشكل الاصلاحي ، يريد تطوير الراسمالية المغربية على قاعدة التبعية ، كان الشكل الراديكالي يسعى الى تطويرها ، على قاعدة الحد من التبغعية الى الحدود القصوى الممكن ان يتحملها نظام راسمالي كمظام راسمالي في بلد متخلف . وفي تلك الشروط التاريخية المتولدة عن الاستقلال .. شروط غياب الطبقة العاملة المغربية ، المنظمة والمستقلة ايديولوجيا وسياسيا ، كان اقصى ما يمكن ان يطرحه المجتمع المغربي موضوعيا ، هو المشروع الراسمالي الراديكالي ، من هنا ثوريته التاريخية . هي المرحلة التاريخية التي اعقبت مباشرة استقلال المغرب ، كانت الطبقتان الرئيسيتان الممثلتان للشكلين الرأسماليين المتعارضين ، وهما الطبقة الوسطى ممثلة الشكل الراديكالي ، والملاكون العقاريون ممثلو الشكل الاصلاحي ... كانتا تتمتعان بتوازن طبقي ، كنتيجة لنضالهما المشترك ضمن الحركة الوطنية المعادية للوجود الكولونيالي . ان هذا التوازن الطبقي قد انعكس سياسيا على جهاز الدولة في شكل توازن سياسي . لذلك يمكن القول : في هذه المرحلة ، كانت الدولة السياسية محايدة بين الطرفين . وهذا مايفسر واقع الحريات السياسية والنقابية التي كانت تتمتع بها الجماهير ، وجرأة اقطاب الحركة التقدمية على توجيه النقد اللاذع للنظام ، وتمكن القوى التقدمية من تشكيل حكومة خاصة بها ذات برنامج اقتصادي جريء . لكن الدولة السياسية المحايدة ، هي بالطبيعة ، دولة انتقالية غير قارة . فالتعارض بين الشكل الراديكالي للمشروع الراسمالي ، والشكل الاصلاحي ، هو تعارض عميق يقوم على تناقض عدائي . اذ يستحيل تطبيق المشروع الراديكالي ، بدون تفكيك وتدمير الملكية الاقطاعية ، وبين الاستيلاء الفوري على اراضي المعمرين الاجانب ، وبدون توزيع الاراضي المنتزعة من الاقطاع المغربي والراسمال الفرنسي على جماهير الفلاحين المتعطشين للارض . كما يستحيل تطبيق المشروع الاصلاحي ، بدون الحفاظ على الملكية الاقطاعية واعادة هيكلتها على اسس راسمالية ، وبدون تفويت الجزء الاعظم من اراضي المعمرين الاجانب الى الملاكين العقاريين الكبار المغاربة ، وبدون بالتالي حرمان جماهير الفلاحين من الارض . ان هذا الصراع الطبقي الدائر فوق الارض وحول الارض ، لايمكنه الا ان ينعكس سياسيا فوق جهاز الدولة ، الذي يتحتم عليه الخروج من حياده ، للانحياز بشكل صريح الى احد الطرفين المتصارعين . لقد كان ذلك الصراع في حاجة الى حسم ، اما في هذا الاتجاه او ذاك ، ولقد تم حسمه لصالح الملاكين العقاريين الكبار ، والبورجوازية الكبرى ، ومن ورائهما الراسمال العالمي والفرنسي خاصة .
#بلكميمي_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكر وحوار : نظرية الديمقراطية المغربية
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية - 3-
-
جدلية الدولة والمجتمع . تابع
-
3جدلية الدولة والمجتمع .
-
حقيقة الدولة السياسية المغربية .
-
نظرية الديمقراطية المغربية : حقيقة المجتمع المدني المغربي -
...
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية -2-
-
نظرية الديمقراطية المغربية حقيقة المجتمع المدني المغربي
-
نظرية الديمقراطية المغربية
-
فكر وحوار : نظرية الراسمالية المغربية 1
-
اتجاه تطور الطبقة البورجوازية
-
تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية - تابع -
-
تحول راسمالية الدولة الى طبقة بورجوازية
-
ظهور راسمالية الدولة التبعية
-
من الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية
-
تحول الراسمالية الكولونيالية الى راسمالية تبعية - تابع –
-
تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية - تابع –
-
تناقضات الراسمالية الكولونيالية المغربية .
-
تطور الراسمالية الكولونيالية المغربية .
-
نظرية الراسمالية المغربية – عبد السلام المؤذن-تابع-
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|