|
هل النظام الرأسمالي ينهار حقا ً !؟
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 2452 - 2008 / 11 / 1 - 07:20
المحور:
الادارة و الاقتصاد
في الوقت الذي تتخبط فيه الولايات المتحدة اليوم في متهات الأزمة المالية الحالية تخبط الذي يتخبطه الشيطان من المس وترتفع فيه أصوات العقلاء والعلماء من داخل أمريكا نفسها ومن داخل العالم الغربي (الرأسمالي) نفسه تدعو فيه إلى إجراء مراجعات وإصلاحات في مؤسسات وأدوات نظامها المالي على وجه التحديد والتأكيد على ضرورة الشفافية والتشديد على ضرورة الرقابة الحكومية على المؤسسات المالية .... إلخ .. في هذا الوقت نفسه – ووسط غبار الكارثة - نسمع ونشاهد الكثير من أصوات الناقمين على أمريكا بسبب سياساتها الخارجية (الإمبريالية) من مسلمين وإسلاميين ومن بقايا الشيوعيين والفوضويين وأذناب الشيوعية وغيرهم يعلنون شماتتهم الكاملة في أمريكا وفي النظام الغربي ككل - وحـُق لهم أن يشمتوا في هذه (الإدارة الإمريكية) الغاشمة المتعصبة الحمقاء ! - ولكننا ووسط أصوات قرقعة الإعصار المالي المدمر الذي ضرب أمريكا في الصميم وتداعي له النظام المالي العالمي بالسهر والحمى والإفلاس والإنهيار ! .. نسمع أصوات بعض الإسلاميين وبعض الشيوعيين وأذناب الشيوعية ترتفع ليعلنوا بالصوت العالي - وهم يفركون أيديهم من شدة الفرح والسرور – عن بداية النهاية ! .. نهاية التاريخ ! .. ونهاية أمريكا بل ونهاية النظام الرأسمالي الليبرالي برمته إلى الأبد !!!؟؟؟ .. فقد إهتبل بعض بقايا الشيوعيين ممن كانوا يختبئون في جحور الليبرالية و يلبسون مسوح الديموقراطية هذه الفرصة السانحة وهذه الكارثة المدوية ليخرجوا علينا بوجوههم القديمة ويعيدوا علينا وعلى أسماع العالم - وللمرة الألف - أطروحاتهم وأسطوانتهم القديمة والعقيمة ! .. تلك الإطروحات التي تبشر بسقوط الرأسمالية بالكامل ليحل محلها النظام الشيوعي الإشتراكي البديع مصداقا ً لنذارة وبشارة (ماركس) القديمة التي – حسب زعمهم ووهمهم – تكاد تتحقق في وقت قريب جدا ! .
لقد شعر بعض بقايا الشيوعيين والفوضويين والثوريين الراديكاليين بشئ من الإنتعاش والإنتفاش الممزوج مع شئ من الشماتة بوقوع أمريكا والنظام الرٍأسمالي في هذه الأزمة المالية الكبيرة والخطيرة والتي إعتقد بعضهم لفرط تلهفه وحنينه للإشتراكية الشيوعية أو شبه الشيوعية أو أخت الشيوعية أو بنات عماتها أو بنات خالاتها ... (!!) أنها الضربة القاضية القاصمة للظهر والتي مالها من فواق !! .. فهل نحن بالفعل على أبواب رؤية النظام الرأسمالي وهو يتداعى وينهار وينتهي ليحل محله النظام الشيوعي ألأخير أو النظام الإشتراكي البديع !؟؟؟؟ .. هل بدأ النظام الرأسمالية بالفعل في الإنهيار النهائي وبدأ بالفعل في إستنفاد أغراضه ومبررات وجوده ومقومات بقائه بالكامل وحان – بالتالي – وقت الإنهيار الشامل!؟؟؟.
من وجهة نظري فإن مثل هذه (الصيحات الحماسية) هي مجرد صيحات عاطفية لا أساس لها من الصحة ولا من الواقع الفعلي ولا من العلم الصحيح والعقل السليم فالإعتقاد بأن هذه الكارثة المالية الكبرى التي زلزلت أركان النظام الرأسمالي الغربي – والإمريكي بوجه خاص – هي (إرهاصة) ومقدمة لسقوط النظام الرأسمالي برمته هو إعتقاد ساذج – غاية في السذاجة والسطحية – إلى درجة أنني أستغرب أشد الإستغراب أن يصدر هكذا إعتقاد عن إستاذ في الإقتصاد !!! .. فهو وهم كبير وأمل غرير آخر يقع فيه للمرة الألف أحفاد أصحاب التوجهات الإشتراكية الطوباوية الراديكالية القديمة .. والعقيمة ! .. هذه التوجهات التي تصبو إلى القضاء على النظام الرأسمالي وإقتصاد السوق الحر من الأساس وإجتثاثه من جذوره ! .. بينما نعتقد نحن أن الأسس الجذرية والأفكار الجوهرية التي قام عليها هذا النظام الإقتصادي المسمى بالرأسمالي وإقتصاد السوق الحره هي الأسس والقواعد الطبيعية والأفكار الأكثر واقعية وهي الإمتداد الطبيعي لفطرة وطبائع البشر فلا أحد إخترع الرأسمالية بل هي جاءت كنتاج طبيعي لفطرة البشر ونزعاتهم ومعاملاتهم الاقتصادية (*) بعكس الشيوعية فهي فكرة طوباوية (مثالية) إفتراضية نبتت في رؤوس الفلاسفة الراديكاليين وهي وكما ثبت بالتجربة التاريخية لا تصلح لواقع البشر ولا تصلح من حالهم بل وهي لا تصلح لشئ كصلاحها لتكون غطاءا ً خادعا ً للحكم الفردي الشمولي البغيض وتحطيم فردية الإنسان !! .. لأنها تجرد البشر والأفراد من عنصر الحوافز والمبادرة الذاتية والرغبة البشرية الفطرية في تنمية الذات وتوسيع الملكيات وفي هذا تعطيل لقوى الدفع والنمو الإقتصادي والإزدهار الإجتماعي ! .. ولا يعني إعترافنا بهذه الحقيقة وبأن الرأسمالية هي الوضع الطبيعي والمفيد الأقرب لطبائع الأشياء وقوانين الواقع البشري والأصلح لهذا الواقع أننا نقر كل هذه (الأدوات والوسائل والحيل والطرق) (الحديثة والمستحدثة) في عصرنا التي يبتكرها (الرأسماليون) لكسب المال وجني الأرباح وتضخيم ثرواتهم وتحقيق طموحاتهم في أسرع الأوقات وبايسر المغامرات والمقامرات ! .. فإقرارنا بصحة أصل الرأسمالية وبسلامة الرغبة في جنى الأرباح هو تماما ً كإعترافنا بصحة أصل الممارسة الجنسية وبسلامة الرغبة المتبادلة بين الجنسين في الإلتحام الجسدي ! .. فنحن مع إقرار الأصل نقر أيضا ً بضرورة وجود حدود وقيود تضبط هذه الرغبات والممارسات والعلاقات بحيث تمنع حدوث التظالم والتغول والفساد والفوضى وتحقق العدل والإعتدال والرشاد للفرد وللمجتمع ككل .. فحرية السوق وحرية رأس المال وحق جني الأرباح وتضخيم الثروات هي حقوق ينبغي الإعتراف بها من حيث المبدأ ولكن لا بد من الإقرار أيضا ً من أنه لاوجود للحرية المطلقة وأن الحرية المطلقة هي مفسدة مطلقه ! .. وأن ما زاد عن الحد إنقلب إلى الضد ! .. لذلك نجد فلسفة الإسلام العامة في الإقتصاد – وبشكل عام - هي الإقرار من حيث المبدأ - بحقوق التملك وتنمية المال وقدسية الملكية الفردية سواء الملكية لوسائل إشباع الحاجات الفردية أو وسائل إنتاج حاجات الآخرين بغرض الكسب والربح وتنمية الثروة والإثراء وكذلك الإقرار بواقع المعاملات والمبادلات المالية التي يبتكرها الناس في كل زمان ومكان لتبادل المنافع في السوق بينهم وتداول المال ولكنه لايترك النفوس والفلوس تجري على هواها في السوق بلا نظام ولا حدود ولا تعليمات ولاضوابط مرور ! .. بل يضع الموازين والتوجيهات الأخلاقية التي تهذب الرغبات ويشرع القوانين والتشريعات المدنية التي تضبط المعاملات .. ويعطي الدولة حق التدخل في تصحيح الأوضاع وإعادة التوازن للسوق والإقتصاد بلا جور ولا غلو ولا إفراط ولا تفريط .. فالدولة الشمولية المطبقة كالدولة الليبرالية المطلقة كلاهما شر وكلاهما يتبنى موقفا ً متطرف غير رشيد ! ..... فالإسلام - من وجهة نظري (الحالية) - يقر الرأسمالية وحق الرأٍسماليين وقادة الإقتصاد في الكسب والإثراء – من حيث المبدأ – بعكس الشيوعية وكل الإشتراكيات المتطرفة المعادية للرأسماليين وللتجارة ولنظام الربح والأجرة والإجاره ولكنه – في الوقت ذاته - لا يترك لها ولهم الحبل على الغارب ( دعه يعمل دعه يمر .. دعه ينهب .. دعه يفر !) بل هو من جهة يهذب النفوس والرغبات بالأخلاق وبالمنهج الإيماني التربوي ومن جهة أخرى يضبط المعاملات والمبادلات المالية وحركة المال في السوق والمجتمع بحزمة من التوجيهات والتشريعات الربانية الدائمة التي تتولى الإشراف عليها (دولة المسلمين) بحيث يتحقق للناس خير مافي (القوى الرأسمالية) ويقيهم شرها وشر ما فيها ويمنعها من التغول والتضخم والنمو السرطاني السريع المدمر ويوجهها للصالح العام وتقوية إقتصاد الأمة ! .. لنجد أنفسنا عندها حيال ما يمكن أن نطلق عليه الإقتصاد الإسلامي أو السوق الإسلامية ! .
كاتب ليبي (وطني إسلامي ديموقراطي)
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
-
بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت
...
-
سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
-
-كورونا وميسي-.. ليفاندوفسكي حرم من الكرة الذهبية في مناسبتي
...
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|