|
القرضاوي: وباطنية شيوخ الإسلام
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 10:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بمناسبة الحديث عن زلزال باكستان المدمر الذي أصاب ديار الإسلام الطاهرة، فإن كل ما جرى ويجري من مناكفات وسجالات مؤلمة، ما هو، في الحقيقة، إلاّ هزات ارتدادية للهزة الفكرية الكبرى التي جرت في القرن السابع الميلادي. ويبدو أن ذلك الزلزال الذي أعطب العقل وأهلك الحرث والضرع، سيستمر وبمشيئة الله تعالى، إلى آخر الزمان، وما تصريحات شيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي عن الشيعة المبتدعة، ( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، إلا واحدة من تلك الهزات الارتدادية، التي تتحرك بين الفينة والأخرى بفعل القوة الهائلة للزلال الأول، والهزة الكبرى الأساسية، تضعضع، مجدداً، وفي كل مرة، في أساسات هذه البني المجتمعية والإيديولوجية، الآيلة للسقوط، والمتهالكة أصلاً.
حقيقة أخرى لا بد من التذكير بها، فكل ما كان يجري في الجاهلية من طقوس معيشية وسلوكية تم إخراجها، وقوننتها وتلبيسها بلبوس الإسلام، عبر إسباغ مصطلحات مفاهيمية ذات قيمية قدسية ظاهرة ومحورتها ميثولوجياً، لكنها لم تغير من طبيعتها الأساسية على الإطلاق. فغزو الجوار الذي كان جارياً على قدم وساق ( وأسميناه سابقاً عولمة الغزو البدوي)، وإخضاع الناس وسبي النساء، مثلاً أصبح بعد الإسلام جهاداً في سبيل الله، والفتوحات نفسها التي يتغنى بها شيوخ الباطنية، ما هي إلا مفهوم محدث و"ملطف" للغزو. والنخاسة والعبودية والاسترقاق الجاهلي ووطء الجواري بدون رادع ولا حساب، والاتجار بالنساء أصبح تعدد زوجات، وملك إيمان يبيح لصاحبه وطء ما شاء وما طاب له من النساء: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". ( النساء، 3 ). وفرض الخوة والأتاوات وقطع الطريق وتشليح الناس أصبح جباية وخراجاً وجزية وتصدقاً مفروضاً بنسب معينة، "الخمس والزكاة وما شابه ذلك". و"الغزو" المذموم، بمفهومه الجاهلي، والذي تحدث عنه الشيخ الجليل، ما هو، في واقع الأمر، إلا وصية وقول مأثور لأحد كبار الصحابة والخلفاء الذي قال: "اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا"، فهل يلوم شيخنا الجليل هؤلاء الشيعة "المبتدعة" ( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، على تمثل وتنفيذ وصية ذلك الصحابي الجليل؟ هل يريد الشيخ أن يتنكر مسلمون لوصايا بعض من أئمة الإسلام والسلف الصالح العظام، الذين لا ينطقون عن هوى؟ هل يجوز شرعاً رفض جزء مما أتى به السلف الصالح، وهل نلوم، ونكفـّر هؤلاء المبتدعة،( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، لأنهم أرادوا أن يعملوا بتعاليم خلفائهم الكبار؟ وهل يقول السلف الصالح أصلاً أي قول هراء، لا سمح الله؟ وإذا جاز التنصل من جزء مما قالوه وعدم الأخذ به؟ ألا يترك هذا، بالتالي، أكثر من علامة استفهام، وتعجب على "كل" ما قالوه؟ وإذا كان جزء مما أتوا به غير صحيح وملزم، ألا يمكن أن يكون، وبعملية الاستدلال المنطقي البحت ذاتها، كل ما أتوا به غير صحيح وغير ملزم؟
وحين تتابع أحدهم يتكلم عن التاريخ العربي والإسلامي بتلك المسحة الطهرانية الخالصة، تدرك كم هو باطني وتقوي وتمويهي وتختفي خلف حديثه شجون وهموم وآلام وأحداث ودماء و"هزات ارتدادية" تنوء بحملها الجبال. وحين يقدم داعية "باطني" آخر مثل عمرو خالد التاريخ العربي والإسلامي بسذاجة قصص الأطفال ( على طريقة ليلى والذئب مثلاً)، وبرومانسية ووجدانية وطهرانية خالصة وعلى أساس أنه لم ترق قطرة دم إسلامية واحدة، وليس غير إسلامية كلا وحاشى لله، وعلى أيدي المسلمين المبشرين بالجنة أنفسهم، وبطريقة "تسيح" لها دموع العذاراوات المتحجبات في الإستديو اللواتي يأسرن قلب المخرج المتيـّم هو الآخر برومانسيات السلف الصالح وبراتبه "الدسم" في الفضائية البترولية، تدرك كم هو-عمرو خالد- يجافي الصواب، وأن ما يقوله ليس إلا محض هراء والتفاف، وضحك على ذقون، الخلق والعباد، لاسيما وأنه أصبح من المشاهير والمليونيرات، فيما يقبع أولئك المستمعين الحالمين والمخدرين بأساطير القدماء على قوائم المحرومين والفقراء والجياع في الإحصائيات الدولية الرسمية ويعانون الفاقة والجوع والقلة والإملاق، ولم تستطع تلك القصص الأسطورية أن تنقلهم مليماً واحداً على سلم العيش الرغد وتحقيق الأمنيات. إنها باطنية الشيوخ التي يمارسونها على الناس، ولولا فضيلة ونعمة تحلي شيوخنا الأجلاء بتلك الباطنية، وخاصة فيما يتعلق برصد ما جرى في تاريخ الدم، والانشقاقات، والسيف، وقطع الرقاب، والانقسامات بكل موضوعية وحياد، لما أصبح القرضاوي وعمرو خالد، اليوم، من كبار مفكري العرب والإسلام، وهذه لعمري واحدة من نكات العصر السمجة، ونكباته الكبار.
وإن أسئلة كثيرة أصبحت كلها أسئلة أكثر من مشروعة وملحة، بعد فزعة القرضاوي الأخيرة. أسئلة من نمط هل شيوخ الإسلام باطنيون، وهل هم يضمرون عكس ما يظهرون، وهل يراوغون، لا سمح الله، وهل لديهم خطابان، خطاب علني، وآخر باطني؟ وهل كان شيخنا الدعوي الفاضل يمارس تقية طالما اتهم به الشيعة "المبتدعة"، ( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وتساوى هنا معهم في ممارسة تلك التقية حين أسفر عن حقيقة ما يضمره حيالهم؟ ولماذا قرر أن يخلع فجأة ذاك القناع الذي كان يظهر به من على قناة الرأي والرأي الآخر التي لا تستضيف إلا شيوخ الإخوان والسلفيين المتشددين ونادراً ما يظهر عليها شيوخ "المبتدعة"، ( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، وهل صار من المحتـّم أن نرمي، ومن اليوم، بكل خطابه التسامحي التصالحي ولا نعيره أي اهتمام طالما أنه يكن للشيعة كل ذاك الكم من التوجس والتخوف والعداء؟ وأي من الخطابين يتوجب علينا أن نصدق الخطاب الظاهر أم الباطني للشيوخ؟
وفي الحقيقة، لم نكن ندري، ونحن نتابع بكل طيبة وبهللة ومسكنة وزهد دراويش الصوفية، و"يا عيني علينا"، شيخنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس ما يسمى باتحاد علماء المسلمين، من على منبر قناة الرأي والرأي الآخر، وهو يتحدث ببشاشة ورفق ووداعة ورقة ولين وطيب، عن سماحة وتسامح الإسلام مع الآخرين، بتلك المسحة الوردية الزاهية، مستشهداً بقصص ملحمية ورائعة من تاريخ السلف الصالح عليهم رضوان الله أجمعين، بأنه كان يضمر شيئاً آخراً مختلفاً ينطوي على كم هائل من الحدية والنفور والاستهجان واللاقبول، لأتباع ما يسمى بمذهب آل البيت الشيعة المبتدعة،( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، حد رميهم بالسعير والنار، أولئك الذين يشهدون، تماماً، ومثل سماحته، بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسوله وعبده، ويقيمون الصلاة، ويصومون رمضان، ويؤتون الزكاة، ويحجون أفواجاً، ومن كل فج عميق إلى البيت العتيق. وإذا كان هذا هو موقف الشيخ من مذهب إسلامي أو هكذا يفترض،( اعتبر الأزهر رسمياً أن المذهب الجعفري "الشيعي"، هو خامس المذاهب الإسلامية وجنباً إلى جنب مع المالكية والحنفية، والشافعية والحنبلية التي تطورت الوهابية عنها، وقال بأن لا غضاضة من التعبد والتقرب إلى الله من خلاله، فلماذا شيخنا الجليل حزين وزعلان؟)، فما هو موقفه من غير المسلمين كاليهود والنصارى "المشركين الكفار" والعياذ بالله، والبوذيين والهندوسي والسيخ؟ لا بل ما هو حقيقة موقفه من مسلمين آخرين، يصنفون في خانة الضلال والمروق من الدين. وإذا كان من يشهد أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله، في النار، حسب القرضاوي، ففي أي درك سيكون مصير أولئك الذين لا يشهدون هذه الشهادة، وما هو موقف شيوخ الإسلام منهم، هل هو موقف متسامح متصالح أم تقوي باطني هو الآخر؟
لقد كان جزء كبير من الخطاب الدعوي الصحوي البترودولاري السلفي يقوم على وصم الشيعة "المبتدعة"( وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، بالتقية وإبطان عقيدة رافضة. ألم يفعل الشيخ الجليل الشيء ذاته خلال تاريخ طويل من إضمار موقف غير ودي تجاه الشيعة، فيما كان يسعى ظاهراً للتقارب معهم، ويزعم أن المؤمنين والمسلمين جميعهم أخوة؟ فكيف سنصدق بعد هذه الهزة الارتدادية الأخيرة أنه كان يسعى، حقاً، للتقارب ونشر المحبة بين مذاهب الإسلام التي أودتها السياسة وتنازع المصالح والأهواء هذا المذهب، وها هي أجيال وراء أجيال تدفع ثمن تلك الخصومات السياسية والمنافع والتطلعات والمصالح الشخصية لخلفاء السلف الصالح، عليهم رضوان الله أجمعين. ويقبع خلف ذاك الخطاب الدعوي التسامحي التصالحي خطاب متشدد سودواوي رفضوي غير مهادن ولا مجادل، وهذا ما عبر عنه الشيخ الجليل في تصريحاته لجريدة المصري اليوم.
وبات في حكم المؤكد، ومن خلال تصريحات الشيخ المثيرة، بأن في داخل الشيخ الجليل شيخاً آخراً غير ذاك الذي نراه فيه أمام وسائل الإعلام، أو في برنامج الرأي السلفي الإخواني الواحد أي برنامج الشريعة والحياة،(لم يظهر ولا شيخ شيعي أو غير سلفي في هذا البرنامج)، وغير الذي يظهر للعيان في المؤتمرات جنباً إلى جنب مع نائبه التسخيري المبتدع "الغازي" الآخر الذي يعمل علنا، ومن جهة على التقارب من الفرقة الناجية( يعني فرقة القرضاوي فقط)، لكنه يغزو البلدان الخالصة من جانب آخر، حسب القرضاوي، شيخاً لا يتسامح مع تبشير، ولا مع تقارب، ويفضل ملة على أخرى، وهو الشيخ الذي كان يتحدث بكل تلقائية وانسيابية لمجلة المصري اليوم، وليس ذاك الشيخ البهلول الدرويش الطيب، ويا عيني عليه، الذي يحضر مؤتمرات التقارب الصحراوية ويترأسها، شيخاً يرغي ويزبد كراهية ونفوراً واشمئزازاً من مسلمين آخرين يشهدون مثله أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فجوهر الأديان، كل الأديان، والملل والنحل، هو التعصب، واحتكار الحقيقة، والأنانوية والذاتوية المغلقة والمفرطة، وزرع الحقد والغل والكراهية، لا المحبة بين الناس، وقد تساوى فيها العرب، و"العجم"، والحمد لله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأعوذ به من الضالين والمارقين وفرق المبتدعة والكفار، وربنا اجعلنا جميعاً من فرق الشيوخ الناجية من النار، إنك أنت السميع المجيب الواحد القهار.( احتج الأزهر الذي أسسه الفاطميون المبتدعة الشيعة، مؤخراً، رسمياً، على بعض أسماء الله الحسنى، وطلب التوقف عن استخدامها وسحبها من التداول).
فمن سيصدق أزعومات الشيوخ، وأضلولاتهم، عن المحبة، والتسامح، والتقارب، والتصالح بين الأديان لا المذاهب، بعد الآن؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سحقاً لهمجية الأمريكان
-
وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي
-
القرضاوي:هل هو خوف من تشيع ديني أم سياسي؟
-
نهاية فوكوياما
-
من هي الدول الفاشلة؟
-
حول طائفية إعلان دمشق
-
العنصرية وعرب الخليج الفارسي
-
عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
-
عار السعودية الأبدي
-
سحقاً للقتلة والجبناء
-
القرضاوي وهشاشة الفكر الديني
-
السّعُوديّة أولاً!!!
-
حروب الشيوخ الكارتونية
-
لا لأي تدخل سوري في لبنان
-
عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
-
تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
-
لماذا صوم رمضان فقط؟
-
مهند ونور، وهشام وسوزان
-
11/9 جديدة: اللهم شماتة
-
المعارضة السورية وسياسة التضليل
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|