|
ضعف القوى اليسارية في الشرق الاوسط
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 10:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عند التعمق في تحليل الوضع العام للقوى اليسارية من الاحزاب و الحركات و التيارات نتاكد بانها لم تكن بالمستوى المطلوب من حيث الحجم و العمل و التاثير على الواقع طيل هذه المدة ،لاسباب عديدة و متشعبة، منها تدخل ضمن الظروف الموضوعية التي تفرض نفسها كامر واقع و من عدة اتجاهات و نواحي ، او عوامل ذاتية فرضتها تركيبة التكوينات اليسارية او تاثيرات الواقع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي عليها، و في النهاية تجتمع الاثنتين كعوامل سلبية لتضعف امكانيات و عمل و انتاج القوى اليسارية . حتى في زمن الاتحاد السوفيتي السابق و حرارة الحرب الباردة المشتعلة بين القطبين فان مستوى نمو القوى كان محصورا بين الشد و الجذب، و القوى اليسارية كانت رهينة الظروف الدولية في حينه لعدم اكنمال المقومات الاساسية لتثبيت الفكر و المباديء اليسارية في هذه المنطقة ، و ان وصل بعض منها الى سدة الحكم،لاستغلالها المواقع بشكل سلبي فلم تتمكن الحصول على النتائج المرجوة في نضالها و لم تتمكن من الاستناد على هذه الافكار بشكل صحيح في الحكم لكثرة العوائق في تركيبتها و على الارض ايضا، و لذلك توسعت الهوة بين الحكم اليساري العلماني وبين المجتمع، و من الاسباب الاخرى ،ان مستوى الوعي العام لم يساعد على تفهم مضامين الفكر و الفلسفة اليسارية ، بينما كانت التوجهات المثالية و الروحية و تدني المستوى الثقافي في الشعوب مسيطرة على المنطقة بشكل عام، هذا بالاضافة الى الوضع الاجتماعي و الاقتصادي الذي لم يكن يسمح لتطبيقات ما تؤمن به اليسارية على السير بشكل طبيعي، و هذا بدوره ما كان يحتاج الى الترهيم و التكييف ، و الغالبية العظمى من شعوب المنطقة كان همها الوحيد هو الحصول على لقمة العيش مهما كانت بعيدة المنال و ان كان لا يتلائم مع الايمان و الثقافة الفكرية و السياسية التي تؤمن بها. اما الظروف الذاتية للقوى ، هي العائق الاكبر نتيجة السلبيات الناتجة عنها من حيث انعدام الارضية لما كانت تحتويه اليسارية من التفاصيل الفلسفية غير المنسجمة مع واقع المنطقة ، اي عدم واقعية الافكار و الفلسفة الفكرية السياسية عند مقارنتها مع مضمون و شكل الواقع و ما موجود من البنى الفوقية و المرحلة التي عاشت فيه هذه الشعوب في الشرق الاوسط في حينه. و مع ذلك فرضت العديد من التوجهات بعد القفز طويلا على المرحلة الموجودة، وما تضمنتها المناهج الحزبية من المواد المستوردة كليا و احتوائها على الاعتقادات الخيالية الطوباوية ، ومع ذلك كانت تلك القوى مستمرة في ارتكاب الاخطاء الفضيحة في تطبيق المناهج و الاهداف المنشودة و الوسائل التي تعاملوا بها. علاوة على ذلك كان الاختلافات واضحة من حيث المستوى الفكري و الثقافي و التمدن و الحضارة بين بقعة و اخرى في الشرق الاوسط، و كانت تلك المواصفات التي حاولوا ايجادها بحاجة الى احزاب و حركات و تيارات خاصة و واقعية، الا ان القوى اليسارية الموجودة كانت متشابهة مع بعضها الى حد كبيران لم تكن متطابقة اصلا. و لكون الشعوب مختلفة من كافة النواحي و الجوانب فان التركيبة التي انبثقت منها تلك القوى اختلفت ايضا في مكوناتها و تشابهت في مناهجها و شعاراتها و اهدافها، و يمكن ان نقول أُريد تطبيق المناهج المتشابهة او افكار و عقائد متطابقة و متماثلة بتركيبات مختلفة للقوى اليسارية و هذا ما اصطدم بالعراقيل الكبيرة مما افرز الشوائب و السلبيات ، و ادى الى نخر القوى من الداخل نتيجة التناقضات و عدم الانسجام ، و اصبحت المكونات هشة التركيب و سهلة السيطرة عليها من قبل الاخرين او على الاقل كان من الممكن ايقاف عملها و تجميد نموها و الابداع في ايجاد الخلل في مسيرة نضالها السياسي و الفكري من قبل مناوئيها. اضافة الى المناهج فان الاهداف العامة و الشعارات ان لم تكن مستوردة قالبا فانها كانت تلائم مجموعة او فئة او نخبة معينة من دون التعميم، و لم يكن وعي و ثقافة العمال و الطبقة الكادحة بمستوى يمكنها ان تفهم المضامين و الافكار و الفلسفة و العقائد بالشكل الصحيح ليتمكن من تطبيقها و نشرها بين افراد المجتمع، و جل النشاطات اليسارية كانت مظهرية او رد فعل لاخطاء السلطات و لاسباب سياسية بحتة و ليست للاختلافات الفكرية و ردُ فلسفة الحكم. من المظاهر السلبية الاخرى المؤدية الى ضعف القوى اليسارية و من اشدها هي مستوى القيادات و الكوادر و تصرفاتهم و عقليتهم و كيفية معاملتهم للشعوب اعتمادا على النظريات دون الاختلاط مع الواقع، و اكثرهم تلقوا محاضرات وعلوم فكرية يسارية واحدة ارادوا تطبيقها كما هي او استنساخها كليا بشكل مطلق في جميع المواقف و على كافة الشعوب من دون النظر الى خصوصيات الشعوب و مراحل معيشتهم الاجتماعية و مستواها ، مستبعدين تاثيرات العادات و التقاليد و الافكارالمترسبة و الطقوس و الاديان على اذهان الشعوب في طريق عملهم النضالي و اعتمادهم كليا على النظريات ، و هذا ما ابرز العوائق الكبيرة امام العمل اليساري لكافة القوى ناهيك عما هو عليه الشعوب من المستوى العلمي و مقدار تطور البنى التحتية. اذن مما تقدم يدعنا ان نتاكد بان ضعف او فشل القوى اليسارية لم يكن وليدة الصدفة او الساعة التي انتشرت فيها تلك الافكار و انما اسبابه و عوامله موجودة على الارض و مترسخة في كيان الشعوب ، و منها تمخضت بعد النضال و تطبيق الافكار و في سياق التعامل مع الواقع الموجود او كرد فعل عكسي نتيجة الاخطاء . و اليوم يمكن الاستفادة من تقييم تلك الظروف لتلافي الاخطاء و عدم تكرارها عند العمل و النضال الفكري السياسي.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بين الثقافة و السياسة في العراق
-
تهجير المسيحيين في هذا الوقت لمصلحة من؟
-
كان الدكتاتور عادلا في ظلمه لكوردستان و الاهوار معا
-
حان الوقت المناسب لاستنهاض اليساريين في الشرق الاوسط (2)
-
حان الوقت المناسب لاستنهاض اليساريين في الشرق الاوسط
-
عدم انبثاق مجموعات الضغط لحد الان في العراق !!
-
اية ديموقراطية تحل الازمات في العراق؟
-
لو كنت امريكيا لمن كنت اصوت؟
-
لماذا لا يثق المواطن الكوردستاني بالسلطة السياسية
-
حزب العمال الكوردستاني و الحكومات التركية المتعاقبة
-
تفشي حالات الشذوذ في العراق
-
اين النخب الفكرية من الوضع الراهن في العراق
-
هل انتهى عهد الراسمالية العالمية بعد الازمة المالية ام .....
...
-
هل انتهى عهد الراسمالية العالمية بعد الازمة المالية ام......
...
-
انغلاق الاحزاب الكوردستانية على نفسها
-
السلطة العراقية و مصير سلطان و الكيمياوي
-
المجتمع الكوردستاني بين العقلانية و العاطفة
-
الفتاوى الدينية و الازمات السياسية
-
جوهر نضال الطبقة الكادحة يكمن في الالتزام باليسارية الواقعية
-
الافكار الضيقة لا تساهم في علاج الازمات الخانقة في العراق
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|