|
- صناعة الجوع -
بشير زعبيه
الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 02:37
المحور:
حقوق الانسان
كان دقيقا في وصفه بل في تنبؤه عندما حذر ذلك الخبير الدولي من تداعيات أزمة الغذاء التي تعصف بفقراء العالم واصفا ما سيحدث جراءها بـ " تسونامي الجوع ".. نعم أنا أعتقد ذلك أيضا .. انه "تسونامي" الفقراء قادم ، في ظل معادلة ظالمة يحكم فيها الأغنياء قبضة على غذاء العالم وأخرى على أعناق فقرائه ، و لم يعد من جدار يسند ظهر هؤلاء الفقراء البائسين سوى جدار الصبر الذي بات نفسه هشا ومهددا بالانهيار خلف ثقل أعداد الجوعى المتزايدة حين لن يعود أمامهم سوى الاندفاع الى الأمام لافتكاك الخبز من خانقيهم في ملحمة النجاة من "مذبحة جماعية صامتة" كما سماها أيضا ذلك الخبير في وصفه وكأنه شاهد على العصر ما سيؤدي اليه ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم .. مبعوث الأمم المتحدة المكلف بشؤون الغذاء (جان زيجلر) اتهم في سياق شهادته العولمة وسياسة "احتكار الثراء في الأرض" بارتكاب هذه المذبحة أو الشروع فيها مشخصنا تلك السياسة في سلوك " قطيع من من متعاملي البورصات ومن المضاربين ومجرمي المال الذين ازدادوا شراسة وأنشأوا عالما من اللامساواة " ربما كان هذا التحذير محفزا رئيسا لانعقاد (قمة الغذاء) في العاصمة الايطالية قبل أشهر وربما ما عجل بانعقادها ظهور دلائل على مصداقية ذلك التحذير في غير بلد .. لقد انعقدت تلك القمة على خلفية "ارتفاع مخيف في اسعار المواد الغذائية بلغ اعلى مستوى له منذ اكثر من ثلاثين عاما، مما ادى الى اندلاع اعمال عنف وشغب في كثير من الدول و تسببت في تجويع 100 مليون انسان اضافي، حيث تواجه الدول الفقيرة زيادة في تكاليف وارداتها من المواد الغذائية تبلغ 40 في المئة " ، لكن هذه في الواقع صيغة مهذبة في وصف ما يحدث ظاهريا على الأقل ، أما الحقيقة فهي تلك التي وردت في توصيف الخبير الدولي(زيجلر) ؛ الحقيقة أن هناك جوعى يتزايد عددهم بفعل فاعل ، هناك حرب تجويع كانت مستترة قبل أن تصبح سافرة اليوم ، والا ماذا يعني أن يختطف القمح من أفواه الفقراء ويحرق من أجل توفير الطاقة للأغنياء ؟ ماذا تعني (هوجة) حرق حقول الذرة والقمح لاستخراج "الإيثانول" أو ما يسمى بـ "الوقود الحيوي " ؟ الأغنياء يحرقون الغذاء والفقراء يموتون جوعا ، هذه هي المعادلة القائمة بما تحمله من ظلم وتوحش في حق الانسان و الحياة .. ان الأغنياء الذين يجتمعون بين حين وآخر تحت شعار (الحد من ارتفاع أسعار الغذاء) رأفة بالفقراء ! هم في الحقيقة كالذين يقتلون القتيل ويمشون في جنازته .. انهم المتهمون بارتكاب "مذبحة جماعية صامتة" .. وفي قراءة لبعض ما أتيح من أرقام تقول تقارير " تعتزم الولايات المتحدة تخصيص نحو 25% من إنتاجها للذرة لصناعة الإيثانول بحلول عام 2022، ويخطط الاتحاد الأوروبي للحصول على 10% من وقود السيارات من الطاقة الحيوية بحلول عام 2020 " .. ان الولايات المتحدة والاتحاد هم على رأس الذين يوجه اليهم خبراء الغذاء لائحة الاتهام بحرمان قرابة المليار انسان من قوتهم وتحويلها الى نوع من الوقود الرخيص يتدفأ به الأغنياء .. اننا الآن على ما يبدو أمام شكل آخر لـ " صناعة الجوع " ذلك العنوان العبقري الذي اختاره المؤلفا البريطانيان البريطانيّان«فرنسيس مورلابنيه» و«جوزيف كولينز» لكتابهما الشهير " صناعة الجوع " الذي ترجم الى العربية بداية الثمانينات ، لم تعد تلك الصناعة تقوم على تسويق المبيدات القاتلة للحشرات لتقتل معها المحصول ولا على تلك المواد التي تجمل قشرة البرتقالة لتدمر البرتقالة نفسها ، لم يعد هدف الشركات الرأسمالية الكبرى من وراء تلك الصناعة الشيطانية التأثير السلبي في انتاج غذاء الآخرين بل حرق هذا الغذاء نفسه .. ان الأخطر أيضا في لائحة الاتهام تلك هو ان هذه الشركات بدأت في مشروع نقل محارق الغذاء من أراضيها ( امريكا واوروبا) الى أراضي ضحاياها في بلدان هي نفسها تشكي الجوع حيث تقوم بشراء محاصيل القمح والذرة وهي خضراء على أرضها واحراقها في معامل خصصت هناك لهذا الغرض تحت يافطة (مختبرات علمية ) ، ومع ذلك يرفض الأوربيون والأمريكيون الاعتراف بمسؤوليتهم عن أزمة الغذاء في العالم الثالث ويرجعونها الى سوء السياسة الزراعية التي تعتمدها بلدانه ! في حين يقومون هم من خلال شركاتهم بتدمير الزراعة في تلك البلدان .. واذا كان هناك من يحذر من " انتفاضة جياع " تشبه شكل "الثورة الفرنسية" فان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تعتبر بلادها أكبر منتج للوقود الحيوي في أوروبا تعلق على المسألة بما يذكرنا بتعليق الملكة ماري انطوانيت قبل أن تطير الثورة رأسها وهي تنصح الفرنسيين الجوعى " ليأكلوا البسكويت" اذا لم يجدوا خبزا يأكلونه " ،فالسيدة ميركل بعد أن رأت " أن السياسات الزراعية السيئة وتغير العادات الغذائية في البلدان النامية هي المسؤولة أساسا عن ارتفاع أسعار الغذاء وليس انتاج الوقود الحيوي" نصحت الشعب الهندي بأن يكتفي بتناول وجبة واحدة في اليوم بدل من وجبتين لحل أزمة الغذاء في العام ! ثم وجهت نصيحة أخرى الى الشعب الصيني بأن يتوقف عن عادة شرب الحليب لأنها ترى " اذا بدأ 100 مليون صيني في شرب الحليب فإن حصص الحليب لدينا ستقل " .. من يدري ، فلربما ينصحنا آخر بأن نقتصد في استنشاق الأوكسجين ، أو نمتنع عن التنفس نهائيا و سيكون ذلك أفضل اذ سنستريح نحن ويرتاح الآخر ! ولأن هذا من الناحية العملية غير ممكن فان العملي المؤكد هو انتظار ما حذر منه أولئك الخبراء " تسونامي الجوع" .. تسونامي الجوعى والفقراء .. وكأن هؤلاء البائسين ينقصهم هذا التلاعب القائم بمال العالم واقتصاده !
#بشير_زعبيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كان هذا هو الموجز
-
كم يلزم من الوقت ليتغيروا ؟!
-
أنظر حولك وتفاءل !
-
أبعد من اختلاف .. أقرب الى فتنة
-
2700 ليتر من المياه لصناعة قميص واحد !! ..حروب تخفي الحروب
-
دائرة
-
من ضرب العراق بايران الى ضرب العراق بالعراق..
-
الصديق الذي قتلته -النشرة-
-
قصة قصيرة :الأجندة
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|