أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. تجربة شخصية!















المزيد.....

-الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. تجربة شخصية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2451 - 2008 / 10 / 31 - 10:06
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


أردت شراء جهاز كمبيوتر محمول (Laptop) فأثار اهتمامي إعلان تجاري يقول فيه المُعْلِن إنَّني أستطيع الحصول عليه (وسعره 520 ديناراً) بـ "التقسيط (حتى 24 شهراً)"، و"من غير وساطة البنوك"، على أن أدفع دفعة أولى مقدارها 150 ديناراً.

العرض جيِّد في زمن الغلاء، فاتَّصلتُ بالشركة للحصول على بعض التفاصيل، فأبلغوا إليَّ أنَّ هناك ضريبة مبيعات (16%) تُضاف إلى السعر (لم أعترض على ذلك). ثمَّ شرح لي مسؤول المبيعات في الشركة مزايا العرض، قائلاً: حَرِصْنا على أن يكون البيع والشراء "حلالاً"، لا أثر فيهما لـ "الربا"، فالبيع إنَّما يتم بموجب "فتوى جديدة" تُدْعى "التأجير حتى التمليك". بدايةً، لم أفهم ما عناه حتى شرح لي الأمر قائلاً: بالإضافة إلى القسط الشهري عليكَ أن تَدْفَع كل شهر مبلغ 20 ديناراً على شكل "إيجار"، فأنتَ "مُسْتأجِر" للجهاز حتى انتهائكِ من دفع كل الأقساط.. وكفى الله البائع والشاري إثم "الربا"!
"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"..

وعليه، لا يمكن فهم "الربا" المُحرَّم، في الدين الإسلامي، إلا عبر "نقيضه" المُحلَّل وهو "البيع". و"الربا" ظاهرة من ظواهر "المال"، الذي لم يكن من "ورق" وإنَّما من "معدن (ذهب، فضة)" عندما حَكَم القرآن بتحريمه، فـ "الربا" ظاهرة تاريخية نشأت حيث نشأ "المال" مع "وظائفه (الاقتصادية)" التي منها:

1 ـ وسيلة لتبادل بضائع، بفضلها ينفصل (زمانا ومكانا) فعل البيع عن فعل الشراء، فأنا (في فعل البيع) أبيعكَ هذه البضاعة الآن، وهنا، فتُصبِح أنتَ مالكا لها، وأصبح أنا مالكا لمبلغ من المال (سعر البضاعة) أخَذْتُه منكَ. وهذا المبلغ من المال، إذا كان من "ورق"، لا يَعْدِل القيمة التبادلية للبضاعة التي بِعْتُكَ إيَّاها. إنَّه فحسب "يَرْمُز" إلى قيمتها تلك. وبهذا المبلغ من المال الذي أخَذْتُه منكَ (إذ بِعْتُكَ البضاعة) يمكنني أن أشتري من غيركَ، في زمان آخر، وفي مكان آخر، بضاعة أُخرى. وفي هذا المعنى وَقَع الانفصال (بفضل المال) بين فعليِّ البيع والشراء.

2 ـ وسيلة للادِّخار، فذاك المبلغ من المال الذي أخَذْتُه منكَ إذ بِعْتُكَ البضاعة قد أدَّخِرَه زمنا قصيرا أو طويلا، أي لا أشتري به، إلى حين، بضاعة أخرى.

لقد رَبِحْتُ إذ بِعْتَكَ البضاعة، فأنا اشتريتها بمبلغ من المال، وبِعْتُكَ إيَّاها بمبلغ أكبر؛ وربحي إنَّما هو الفَرْق بين المبلغين. وهذا الربح (التجاري) حلال دينيا؛ لأنَّه أتى من طريق حلال وهي "التجارة". و"التجارة" قديما كانت عملا ينطوي على مَخاطِر، منها "الخسارة"؛ وكان صاحبها، أو المُشْتَغِل بها، يُنْفِق كثيرا من الوقت والجهد في سبيلها.

ولكن، من أين يحصل هذا التاجر على "الربح الطبيعي"؟ إنَّ الجواب الذي لا أرى من جواب عِلْميٍّ سواه هو الآتي: للبضاعة المُنْتَجَة قيمة (اقتصادية، تبادلية) تفوق، دائما، قِيَم كل البضائع التي اسْتُهْلِكَت من أجل إنتاجها (المواد الأوَّلية والآلات و"قوَّة العمل"..). وهذا الفَرْق يقتسمه صاحب أو مالك البضاعة المُنْتَجَة مع التاجر الذي يحصل على حُصَّته من خلال بيعه لهذه البضاعة، فالتجارة في حدِّ ذاتها، ومن حيث المبدأ، لا تَزيد، ولا تُنْقِص، قيمة هذه البضاعة.

قُلْنا إنَّ التاجر، أو غيره، قد يَدَّخِر مبلغا من المال، أي لا يُنْفِقه في شراء بضائع للاتِّجار بها. وأنْتَ قد تحتاج إلى شيء من المال، فتَذهب إلى هذا "المُدَّخِر"، فـ "يُقْرِضُكَ"، مُشْتَرِطا عليكَ أن تُسدِّده في أجَلٍ مُعيَّن، وأن تُضيف إليه مبلغا من المال (فائدة). هذا "المُقْرِض" هو الآن ما يسمَّى "المرابي"؛ وهذا المبلغ من المال الذي أقرضَكَ إيَّاه، ثمَّ أعدته إليه وقد "ربا (نما وزاد)"، هو "الربا" الذي حرَّمه الدين الإسلامي.

إذا نما المال الذي تملك من غير أن يتحوَّل، قبل ذلك، إلى بضائع (تبيعها) فهذا المال إنَّما هو "مال ربوي"؛ أمَّا أنتَ فما عُدتَّ بـ "مُدَّخِر"، ولستَ بـ "تاجر". إنَّكَ "مرابٍ" فحسب.

إنَّ العلاقة "م ـ ب ـ م"، أي "مال ـ بضاعة ـ مال"، هي العلاقة الاقتصادية التي لا مكان فيها لظاهرة "الربا"، فكل مال ينمو من طريق "إقراضه" إنَّما هو "مال ربوي" محرَّم في الدين الإسلامي. ولا أرى هنا ما يستدعي، أو يُوجِب، النَظَر إلى "المُقْتَرِض، أو معاملته، على أنَّه مُرْتَكِب لِمَا حرَّم الله، فهذه العلاقة ليست كمثل علاقة "الراشي والمرتشي والرائش" التي لعنها الله مع أطرافها الثلاثة.

"المرابي" فحسب هو المُرْتَكِب لـ "الحرام"؛ و"ماله (الذي ينمو بالربا)" هو "الحرام". هذا "المُقْتَرِض" لم يَرْتَكِب "الحرام" إذ اقتَرَض، مضطَّرا، من "المرابي"، وخضع لشروطه الربوية. وهذا "المُقَتَرِض" قد يشتري بالمال الذي اقترضه من "المرابي" بضاعة ليتَّجِر بها. وتجارته هذه يمكن ويجب النظر إليها على أنَّها "حلال". وعليه، لا يمكن فهم ظاهرة "الربا" على أنَّها "حرامٌ خالص"، أو "حلالٌ خالص"، في المعنى الديني (الإسلامي). إنَّها ظاهرة متناقضة، يَجْتَمِع فيه "الحرام" و"الحلال" بمفهوميهما النسبيين.

في الاقتصاد الرأسمالي نرى دائما مبالغ كبيرة من المال عاطلة من العمل، أي غير موظَّفة (إلى حين) في الإنتاج، فأنتَ إذا كنتَ تاجراً تبيع بضائعكَ بالتدريج، أي أنَّها تعود إليكَ مالاً بالتدريج. في هذه الحال، أنتَ لا تستطيع أن تُحوِّل كل مبلغ من المال عاد إليكَ إلى بضائع جديدة. إنَّكَ تَجِد نفسكَ مضطَّرا إلى ادِّخاره (تجميده، تعطيله عن العمل) إلى حين. وغنيٌ عن البيان أن ليس من الحكمة الاقتصادية في شيء أن تظل تلك الفوائض المالية الكبيرة (والمؤقَّتة) مجمَّدة، أو عاطلة عن العمل، فالاقتصاد وغيركَ في حاجة إليها، فَلِمَ لا تُوظِّفها عَبْر "الإقراض"؟!

إذا أنتَ أقرضتني من مالكَ "المجمَّد" هذا فإنني سأوظِّف هذا القَرْض في التجارة (وغيرها من مجالات الاقتصاد) فأرْبَح، فأعيدَ إليكَ مالكَ، مُقْتَسِما معكَ هذا الربح.

إنَّ الخراب الاقتصادي بعينه هو أن تظلَّ تلك الفوائض النقدية الكبيرة مجمَّدة، عاطلة عن العمل، بدعوى أنَّ في إقراضها ارتكاب للحرام المسمَّى "الربا"، الذي شئنا أم أبينا هو قانون من القوانين الاقتصادية الموضوعية للنظام الرأسمالي، الذي شئنا أم أبينا لا يُمْكِنه إلا أن يكون جوهر كل عملية لـ "أسْلَمة" الاقتصاد في عصرنا، فـ "النظام الاقتصادي الإسلامي" الذي، في عصرنا، لا يَتَّفِق في الجوهر والأساس مع النظام الرأسمالي إنَّما هو نظام وهمي لا أساس له، ولا يمكن أن يكون له من أساس، في واقع النظام الاقتصادي العالمي الحالي.

"الربا" يمكن ويجب تحريمه، دينيا أو دنيويا، إذا ما أصبح نشاطا اقتصاديا يَجْتَذب إليه أموالا طائلة يجب أن توظَّف في الاقتصاد الحقيقي للمجتمع، أي في الإنتاج والتجارة..

و"الربا" ظاهرة يمكن ويجب مكافحتها إذا كانت علاقة مالية بين أفراد، فالشخص الذي يَجْمَع ويُكدِّس ويدَّخِر المال من أجل أن يُقْرِضه بفائدة لشخص يحتاج شخصيا إلى هذا القرض (لشراء طعام أو دواء..) إنَّما هو هذا المرابي البغيض الكريه. أمَّا التاجر الذي يُقْرِض البنوك بفائدة، أي يُوظِّف فوائضه المالية المؤقَّتة في النشاط المصرفي، فهو وإنْ ظلَّ "مرابيا"، بحسب التقويم الاقتصادي الموضوعي له، ليس بـ "المرابي البغيض الكريه"، فلا بأس من أن تصفه بـ "المرابي الحميد".

و"البنوك الإسلامية" ليست في واقعها الموضوعي سوى مؤسَّسات مالية رأسمالية، يَظْهَر فيها ويتأكَّد، "الربا" بأطرافه الثلاثة، مهما سعت إلى إظهار نشاطها على أنَّه ليس من "الربا" في شيء، فكل ما قامت به لا يتعدى "التلبيس".

لقد اضطَّرتهم القوانين الاقتصادية الموضوعية للنظام الرأسمالي إلى تحليل "الربا" المحرَّم، مخترعين أسماء وأوصاف لهذا النشاط الربوي وكأنَّ المشكلة تُحل بمثل هذه اللعبة اللفظية!

وليست "البنوك الإسلامية"، في واقعها الموضوعي، سوى البنوك الأكثر استغلالا لِمَن يُقْرضها، ولِمَن يَقْتَرِض منها. أمَّا ما يجعلها كذلك فهو إدراكها لحقيقة أنَّ كثيرا من المسلمين لهم مصلحة في إقراضها، ولهم حاجة إلى الاقتراض منها؛ ولكنَّهم يخشون ارتكاب هذا الحرام المسمَّى "الربا". إنَّهم، أي تلك البنوك، يستثمرون أموالهم على خير وجه في تلك الخشية، فيربحون، بالتالي، أكثر مِمَّا تربح "البنوك الربوية غير الإسلامية". إنَّ ربحهم الطائل من جزأين: جزء يتأتى من الطريق العادية، أي من اقتصاد السوق والعرض والطلب، وجزء يتأتى من "طريق الانتهازية"، أي من استغلالهم لخشية كثير من المسلمين من أن يقعوا في "الربا".

تحريم "الربا" لا يُمكن أن يُعْمَل به بما يوافِق "الربا" معنى ومبنى، من غير أن يفضي ذلك إلى هلاك النظام الرأسمالي ولو أفرطوا في "أسْلَمَتِه"، فإذا أراد المنادون بتحريم "الربا" أن تسمعهم العقول فإنَّ عليهم أن ينادوا، في الوقت نفسه، وفي القدر نفسه، بتحريم النظام الرأسمالي برمَّته، فهُم لا يستطيعون أن يحرِّموا "الربا" وأن يحتفظوا بالرأسمالية في الوقت عينه!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء أكمة البوكمال!
- عندما نعى بولسون -الإمبراطورية الخضراء-!
- -الرأسمالية المُطْلَقة-.. بعد الموت وقبل الدفن!
- -الاقتصاد الافتراضي- Virtual Economy
- العرب.. -يوم أسود- بلا -قرش أبيض-!
- قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!
- .. وإليكم الآن هذا الدليل -المُفْحِم- على عبقرية الدكتور زغل ...
- رجل البورصة ماكين!
- ماركس!
- نهاية -نهاية التاريخ-!
- انفجار -السوبر نوفا- في -وول ستريت-!
- قريع ينطق ب -آخر الكلام في اللعبة-!
- -حقوق الإنسان-.. حديث إفْكٍ!
- الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!
- متى نجرؤ على اغتنام -فرص الأعاصير-؟!
- إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
- مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!
- -الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
- -تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
- -القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!


المزيد.....




- بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا ...
- بسعر المصنعية .. سعر الذهب اليوم بتاريخ 22 من نوفمبر 2024 “ت ...
- سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
- -كورونا وميسي-.. ليفاندوفسكي حرم من الكرة الذهبية في مناسبتي ...
- السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت ...
- وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا ...
- -خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس ...
- أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
- أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
- قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. تجربة شخصية!