أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين















المزيد.....

كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 07:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سأكتب ما يجيش في خاطري دون أي اعتبارات أو مجاملات. لقد سقطت القداسة من عليائها وتبخرت النرجسية التي تحيط بمتطفلين يعتاشون على الخداع وتكشفت دعاوى وألاعيب النزاهة والتعفف والزهد والتصنع وكل شيء يجعل منهم على درجة أقرب من الله أو التاجر والسلطان.

كل ما في الأمر أنهم يسعون لرأس مال معنوي يجلب في طريقه رأس مال مادي، وهي تخمة روحية ضرورية جدا لكسب وجاهة تبسط لهم موائد الدنيا ونعيمها، فهم في كل مكان يهيمون، وعلى كل مائدة يتطفلون، وكل شيء يتقنون، إنهم شفعاء السماء ووجهاء الأرض، خطباء فصحاء علماء أدباء أتقياء زهاد.. وتجار!

يتجرون بكل شيء، بالعبادة والمال والأخماس والأوقاف والمعاملات وحتى الأحزان، وكل شيء له ثمنه بالطبع..

وإني هنا لا أعمم لأنني أتحدث عن ظاهرة عامة يمكن أن تحظى ببعض الاستثناءات أو الشذوذ ولكن الظاهرة لا تقاس بالشذوذ بل بالسمات الغالبة وإلا فكل شريحة اجتماعية ستجد فيها بعض التفاوت في انطباق السمة الغالبة على أفرادها، نحن نتحدث عن رجال دين يعتمدون كليا على الأخماس دون إعمال أي جهد فكري أو جثماني في مقابل ما يتقاضون من مرتبات جاهزة، نتحدث عن رجال دين يتمظهرون بكل أنماط القداسة لخلع المهابة على سلوكياتهم وتصرفاتهم التي تنبع من جشع خليق بتاجر وليس برجل دين يفترض به الزهد والورع، لقد تمكنوا بهذه التمظهرات المزيفة من خلق حاجز رفيع وسميك يمنع ممارسة النقد تجاههم، وإلا فلماذا يتحسسون من أي نقد أو مطالبة من العوام البسطاء؟ كل الفئات والشرائح في المجتمع تستوعب النقد بروح "رياضية" منفتحة إلا هذه الشريحة المتمقدسة، وقداستها هذه ليست إلا وهم لأنهم بشر مثلنا يخطئون وينامون وبعضهم يشخر في نومه حتى الظهيرة مطمئنين على مستقبلهم لا سؤال ولا هم يحزنون، يضاجعون النساء، بل ولهم ميزة الجاه "المعنوي" الذي سيجلب لهم فرصة التنعم بجوارٍ حسان تحت غطاء زواج المتعة كما يفعل السلفيون على الضفة الأخرى الذين يتنقلون بين الأحضان تحت غطاء زواج المسيار، هم بشر عاديون جدا كما هو الاختصاصي في أي مستشفى في العالم بل إننا قد نظلم هذا الاختصاصي الذي يجهد نفسه من أجل شفاء مرضاه فيما رجل الدين يتلحف برداء القداسة لكي تهبط عليه بركات العوام البسطاء الطيبين تحت القبب المزينة بأصناف الدجل والشعوذة دون أي جهد أو مشقة.

لقد سمعنا جميعا عن العريضة المهمة والشجاعة التي تتناول الخمس ومعضلاته و"بلاويه"، إنها خطوة جريئة وشجاعة ليس فقط لأنها تتناول قضية على درجة عالية من الحساسية والخطورة في المجتمع بل لأنها تتميز بجدتها في الوسط الشيعي، إذ لم يسبق أن تمرد حفاة وأقزام على أسيادهم يطالبونهم بالشفافية والتوزيع العادل لإيرادات الخمس، على الأقل في منطقتنا هذه، لهذا كانت الصدمة قاسية أصابتهم بنوبة صرع وهستيريا جعلتهم يكشفون عن معدنهم الحقيقي في رفض أي إصلاح يحد من مكتسباتهم، هذه العريضة تنم عن رغبة صادقة في الوقوف بوجه الفساد الذي ينخر الجسد الديني الماثل في رجالات الدين ومؤسساتهم إن صح تسميتها بمؤسسات وإلا فهي أشبه بالمافيا التي تضحك على ذقون الناس وتذر رماد التبتل والزهد المصطنع في عيونهم لنهب خيراتهم وأرزاقهم. هنا أتذكر علي شريعتي الذي لم يدخر جهدا في محاربة هذا الوباء المستشري في المجتمعات الشيعية، حيث يصفهم بالمستحمرين الذين يزيفون الواقع ويهمسون في آذان المساكين بأن عليهم بالصبر والزهد والقناعة ثم يفتشون في جيوبهم لعل فيها شيئا من المال.

وأنا هنا لا أريد أن أضيف شيئا إلى هذه العريضة المهمة وما رافقها من مقالات واعية تكشف عن حجم الفساد والسرقة وحالة المافيوية بين العمائم، ولا أريد أن أتحدث عن معضلات الخمس، الذي هو بمثابة ضريبة عالية جدا "20% من فائض المغانم والمكاسب" كان يمكن أن تساهم في رفد الاقتصاد الوطني وفي دفع التنمية الاجتماعية، كان يمكن أن تحدث توازنا طبقيا معقولا في المجتمع ببناء مشاريع تنموية واقتصادية تستهدف الطبقات الدنيا، كان يمكن أن تساهم في الحد من الفقر والفاقة، كان يمكن أن تفعل الشيء الكثير فيما لو كانت ضريبة الخمس الدينية تخضع لنظام تدوير يجلب الخير والمنفعة لهذا المجتمع، لا أن يتم استنزافها في مصالح فردية أو تهريبها للخارج، كان يمكن الاستفادة من الأخماس "مع أني لست معنيا بها" فيما لو خضعت للرقابة والشفافية والمحاسبة، كما يحدث في أي شركة أو مصرف، ولكن على من تعزف مزاميرك يا داوود؟ لا محاسبة ولا هم يحزنون. لهذا يمكن القول أن النظام المتبع في التعامل مع الخمس يجعل من السرقة غير واضحة المعالم ولا يمكن إثباتها -أو إنكارها طبعا- حتى لو اختلست الملايين من هذه الموارد الضحمة التي كان يقدر لها أن تضيع هباءً منثورا أو تختفي بقدرة قادر لتتحول إلى أرصدة لهذا الشيخ أو ذاك الملة بعد أن يقال أنه ينتمي إلى عائلة أرستوقراطية وغنية.

في الحقيقة أنا أحسد رجال الدين، فلا احد إطلاقا بإمكانه أن يحصل على كل هذه الحظوة التي يمتاز بها رجل الدين، فإلى جانب موارد الخمس التي يتقاسمونها هنالك أيضا خيارات لا تقل أهمية عن الأخماس، الاشتغال بالوعظ والقراءة الحسينية يمثل هو الآخر مورد مالي ضخم، يكفي أن يحفظ كم بيت وكم كلمة هنا أو هناك حتى يعتلي المنبر ويقدم وجبة "ليست شهية تماما" من الأحاديث الشعبية والشفهية الساذجة جدا، فتتردد همهمات العجائز بالموافقة والتأييد. لكل وجبة يقدمها ثمن خاص، يترواح بين 500 ريال إلى 2000 ريال، حسب عدة اعتبارات، فالقراءة في محرم أرفع ثمنا بطبيعة الحال من القراءة في غيره، ويمكن أن يخضع الأمر لسوق مزاد على خطيب واحد يمتلك صوت جهوري وطلة بهية وعمامة ملتفة بإتقان ولحية كثة وشارب منتوف وظهر محدودب إلى حد ما، هذا الخطيب بهذه المواصفات سيكلف بلا شك مبلغ وقدره (أترك ذلك لمخيلة القارئ ) في موسم محرم وحده وفي مجلس واحد، أما إذا كان هذا الخطيب رجلا متمكنا وشابا فإن بإمكانه أن يقرأ في الليلة ثلاثة أو أربعة مجالس فبذلك يتضاعف ذلك المبلغ "وقدره... " ثلاث أو أربع مرات... وفي هذه خرج علينا أحدهم بتقليعة جديدة، إذ دعا إلى إحياء عشرة أيام في ذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق سماها بالعشرة الجعرفية، لكن هذا المعمم في الحقيقة كان يهدف من جملة ما يهدف رفع المدخول عبر زيادة أيام القراءة، لا تعجبوا أيها السادة فهذه هي الحقيقة!! أما أنا فسأسأل هنا: هل تنقصنا أيام الأحزان والمصائب لنزيد عليها؟ عشرة كاظمية وأخرى رضوية، والايام الزينبية و الفاطمية ووالخ، ماذا بقي من أيام السنة؟!

وبينما يحرص رجال الدين على مبدأ العمل التطوعي ويحثون عليه، نجدهم لا يقومون بأبسط عمل دون مقابل، فإلى جانب استغلالهم ريع ضريبة الخمس نجدهم يتجرون حتى بالعذابات، يتحينون الفرص من أجل مضاعفة الثروة حتى وإن كان عملا يحمل في طياته قسوة حفار القبور الذي ألف مواراة الميت واهالة التراب عليه، ولعلنا نعرف جميعا أن بين رجال دين "الخطباء منهم" عرف خاص لدى حدوث أي حادثة وفاة، ففيما أهل المصاب يذرفون الدموع يأتي أحدهم وإن لم يكن على صلة بأهل المتوفى، ليشارك مصطنعا الحزن بعض المراسم في الجنازة لكي يطلب إليه إحياء محفل العزاء "الفاتحة" مقابل مبلغ وقدره ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف أو خمسة آلاف حسب مكانة القارئ وصوته وهندامه وطبقته ووالخ

إنه إتجار بالألم يحمل في طياته قسوة وغلاظة بعيدة كل البعد عن الرقة وخفة الروح اللازمة لمدعي القداسة والتورع والتقوى، هل يجب أن يحي هذه الاحتفالات رجل دين لا يجيد سوى الهذيان والتخريف والطرح الساذج والذي في مجمله عبارة عن قصص كتلك التي نجدها في الموروث الشعبي الشفهي؟ أما إذا كان ولابد منها فلكيف هذا المدعي القداسة عن اعتبار نفسه رجل من خامة القديسين والكروبيين وليعترف لنفسه قبل الآخرين بأنه لا يختلف كثيرا عن أي تاجر أو صاحب مهنة يتكسب لمعيشته على أن تخفض هذه المبالغ لأنها مبالغ فيها ولا أظن أحد يقر بأن بضع كلمات أو أبيات لمدة نصف ساعة فقط تستحق هذا القدر من المال!

أقول في الختام: نحن لا نريد إلغائهم بل كل ما نصبوا إليه هو إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي ليمارسوا أدوارهم كمثل أي شريحة أخرى من دون أي زوائد تضفي عليهم مهابة وكاريزما دينية!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني
- الاختلاط ضرورة حضارية 1-2
- شاكر النابلسي و مغازلة الأصولية!
- خطوات على طريق الأنسنة 2-2
- خطوات على طريق الأنسنة 1-2
- يا صعاليك العالم اتحدوا !!
- توضيح حول تحريم السيستاني للمسلسلات التركية
- السيستاني والمسلسلات التركية
- لا تحجبوا أكسجين الوعي!
- مشاكسات على هامش الفقه!
- فقهاء ولكن..!
- إلى من يتغنى بالموت ليل نهار!
- لماذا كذب وليد جنبلاط؟
- آمنوا ولا تفكروا!
- حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين