ذكرى مرور 156 عاما على صدور "البيان الشيوعي"، وفي العالم هذا العدد الضخم من الشيوعيين، عدد يعادل امما بأكملها، شاهد على صواب ما جاء به البيان الشيوعي. عندما صدر في شباط 1848، وكانت طليعة الاشتراكية العلمية يومذاك قليلة العدد جدا. وبعد اربعة اعوام من صدوره حرم قانونا عند صدور الحكم على الشيوعيين في كولون في تشرين الثاني 1852، وغاب "البيان" لفترة، لكن توسع الصناعة الكبيرة، كما يقول انجلز، كان يشدد الرغبة بين العمال في ادراك موقفهم كطبقة عاملة في علاقتها مع "الطبقات المالكة" ويقود الى اشتداد الحركة الاشتراكية فتعاظم الطلب على "البيان". لقد اثبت التطور خلال 156 عاما صواب الفكرة الاساسية التي تشكل جوهر البيان، وهي، بتعابير انجلز، وكما كتبها في كانون الثاني 1888 في مقدمته الطبعة الانكليزية: "في كل عصر تاريخي يشكل النمط الاقتصادي السائد في الانتاج والتبادل مع التنظيم الاجتماعي المنبثق عنه بالضرورة، يشكل الاساس الذي ينشأ عليه التاريخ السياسي والفكري لهذا العصر، والذي فقط بالاعتماد عليه يمكن تفسير هذا التاريخ. وبالتالي فإن كل تاريخ البشرية (منذ انحلال النظام القبلي البدائي وملكيته المشاعة للارض) قد كان تاريخ الصراعات الطبقية صراعات بين الطبقات المستغلة والمستغلة السائدة والمضطهدة. وان تاريخ هذه الصراعات الطبقية يمثل سلسلة من مراحل التطور، التي بلغت اليوم مرحلة لايمكن فيها للطبقة المستغلة والمضطهدة – البروليتاريا – ان تحقق تحررها من نير الطبقة المستغلة والسائدة – البرجوازية – دون ان تحرر في نفس الوقت والى الابد المجتمع بأسره من كل استغلال واضطهاد، من كل الفوارق الطبقية والصراعات الطبقية". هذه الفكرة، فكرة نمط الانتاج الذي يحدد بنية التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، هي حجر الزاوية في الفهم المادي للتاريخ، والتي صار لها في علم التاريخ وتطور المجتمع، كما تنبأ انجلز، الاهمية التي خصتها نظرية دارون عن تطور الكائنات العضوية. ويوم كتب البيان الشيوعي لم تكن كل انماط الانتاج معروفة لديهما، فجاء الحديث فيه عن عهد الرق والاقطاع والرأسمالية وعن مجتمع الغد: الشيوعية ولذلك جاء القول: "بان تاريخ كل مجتمع الى يومنا – يوم صدور البيان – لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات"، وبعد اتضاح وجود المشاعية البدائية، كتب انجلز ملاحظة في الطبعة الانكليزية عام 1888، بين فيها ان تاريخ كل مجتمع باستثناء المشاعية البدائية هو تاريخ الصراع الطبقي. وان المجتمع البرجوازي هو آخر مجتمع تناحري، اذ ان البروليتاريا في تحررها تحرر المجتمع بأسره وتقضي على كل استغلال واضطهاد. وقبل هذا التاريخ، في عام 1859، اشار ماركس الى نمط لم يشر اليه بالبيان الشيوعي. هو نمط الانتاج الاسيوي. اضافة الى انماط الانتاج المذكورة بالبيان واشار الى ان هذه الانماط بما فيها الاسيوي يمكن اعتبارها بمثابة عهود متصاعدة في التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية، موسومة بخطوطها الكبرى. ومع الفكرة الاساسية التي تنتظم البيان كله، بين البيان ما حققته البرجوازية، ويحدد الشرط الاساسي لوجودها وهو تكديس الرأسمال الذي لا يوجد بدون العمل المأجور، وكذلك يبين مراحل تطور البروليتاريا وتنظيمها في طبقة، وتحول البروليتاريا الى طبقة سائدة والظفر بالديمقراطية، الخطوة الاولى في ثورة العمال، التي تبني "على انقاض المجتمع البرجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية مجتمعا جديدا تكون حرية التطور والتقدم لكل عضو فيه شرطا لحرية التطور والتقدم للجميع". مجتمع فيه حرية تطور وتقدم كل فرد فيه شرط لتقدم وتطور المجتمع وليس مجتمعا تكدس فيه طبقة من مستغلين الثروات على حساب حرية الفرد. ويناقش البيان الافكار والاراء الاشتراكية الاخرى التي كانت موجودة يومذاك، والتي تعكس مفاهيم وآراء الطبقات والفئات غير البروليتارية، ويفندها. ثم يرسم تاكتيك الشيوعيين والتحالفات الطبقية والسياسية. فالشيوعيون "يناضلون في سبيل المصالح والاهداف المباشرة للطبقة العاملة، الا انهم في الحركة الحالية يدافعون في الوقت نفسه عن مستقبل الحركة"، هذا المبدأ يعتبره لينين "المبدأ الاساسي لتاكتيك النضال السياسي للبروليتاريا. وهم "يؤيدون في كل قطر من الاقطار، كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي والسياسي القائم، ويعملون على الارتباط والتفاهم بين الاحزاب الديمقراطية في جميع الاقطار". ويفند البيان العديد من التهم التي كانت توجه لهم حتى اليوم في بعض الاقطار. ومن بين تلك التهم التي فندها البيان ورد عليها – هي: "اتهام الشيوعيين بالرغبة في الغاء الوطن والقومية. والكثير من المناهضين للشيوعية وخصومها لا يرددون في البيان الشيوعي سوى عبارة وردت في معرض الرد على اتهام الشيوعيين بالغاء الوطن والقومية، وهي عبارة "ليس للعمال وطن" محاولين بذلك الانتقاض من وطنية الشيوعيين، وهل حقا ان هذه الفقرة هي الوحيدة في البيان عن الوطن والقومية والامة؟ وكيف جاءت عبارة "ليس للعمال وطن؟" وماذا تعني؟ يصف البيان اولا دور البرجوازية الاخذة باستثمار السوق العالمية وكيف انها "تصبغ الانتاج والاستهلاك بصبغة لا وطنية (كوسموبوليتية) وتنزع من الصناعة اساسها الوطني، فتنقرض الصناعات الوطنية التقليدية القديمة او تصبح على وشك ان تنقرض، وتحل محلها صناعات جديدة لم تعد تستعمل المواد الاولية المحلية بل المواد الاولية الاتية من ابعد مناطق العالم. وتقوم مكان الانعزال المحلي والوطني السابق والاكتفاء الذاتي، تقوم بين الامم صلات شاملة وتصبح الامم متعلقة بعضها ببعض في كل الميادين. وما يقال عن الانتاج المادي ينطبق ايضا على الانتاج الفكري. فثمار النشاط الفكري عند كل امة تصبح من المستحيل اكثر فأكثر على اية امة ان تظل محصورة في افقها الضيق ومكتفية به. ويتألف من مجموع الاداب القومية والمحلية أدب عالمي. وتجر البرجوازية الى تيار المدنية كل الامم، حتى اشدها همجية تبعا لسرعة تحسين جميع ادوات الانتاج وتسهيل وسائل المواصلات الى ما لا حد له. وتجبر البرجوازية كل الامم، تحت طائلة الموت، ان تقبل الاسلوب البرجوازي في الانتاج وان تدخل اليها المدنية المزعومة، أي ان تصبح برجوازية. فهي بالاختصار تخلق عالما على صورتها ومثالها". وان النظر الى ما كانت عليه بلادنا العربية يومذاك وكيف اصبحت اليوم رغم كل محاولات الوقوف بوجه "المدنية الغربية" حفاظا على التقاليد كما زعموا، يثبت صحة الماركسية في دور الصناعات الحديثة في جعلها النشاط المادي والفكري ملكا مشتركا لجميع الامم، وتتسارع هذه العملية مع تحسين جميع ادوات الانتاج وتسهيل وسائل المواصلات، فما يحصل اليوم في عصر الرحلات الفضائية ونقل الانباء عبر الاقمار الصناعية ليس كعهد – قوافل الابل – وبريد الحمام الزاجل. وماذا بعد. "فالبرجوازية بقضائها على تبعثر وسائل الانتاج والملكية والسكان دمجت المقاطعات المستقلة التي كانت العلاقات بينها تكاد تكون علاقات اتحادية، والتي كانت لها مصالح وقوانين وحكومات وتعريفات كمركية مختلفة، انما جمعتها كلها ودمجتها في امة واحدة، ذات مصلحة قومية طبقية واحدة". ان البيان يشير الى تحول القوميات الى امم، تشكل الامة البرجوازية، كما ويشير الى قيام البرجوازية بفرض نمط الانتاج البرجوازي على كل الامم، فتصبح امما برجوازية. وقد كانت ايطاليا مهد تكون اول امة برجوازية، وشهد دانتي تكونها. ان البيان الشيوعي عبر عن الطابع الاممي لعصبة الشيوعيين التي تحولت تدريجيا من عصبة المانية الى عصبة اممية عمليا بحكم تنوع قوميات اعضائها "فعلاوة على الشغيلة السويسريين انتمى ممثلو القوميات السكاندنافية والهولندية والمجرية والتشيكية والسلافية والروسية والالزاسية، ونظريا بحكم الاعتقاد انه لابد لكل ثورة ان تكون اوربية لكي تحرز النصر"، وكان الشعار الذي اختتم به البيان "ياعمال كل العالم اتحدوا!" لكن هذا المنطلق الاممي لم يحجب حقيقة ان على البروليتاريا في كل قطر من الاقطار ان تقضي قبل كل شيء، على برجوازية وطنها، أي ان نضال البروليتاريا ضد البرجوازية يتخذ في بادىء الامر شكل نضال قومي وطني، شكله لا محتواه. ويشير البيان في مكان آخر الى ان البروليتارية ماتزال قومية، وان لم يكن بالمعنى البرجوازي للكلمة. وهي كذلك لان عليها ان تغدو الطبقة القائدة للامة، وان تصبح هي الامة، مكونة بذلك الامة الاشتراكية. ويبين ان البروليتاريا ستعمل على ازالة الفواصل القومية والتناقضات بين الشعوب اكثر عندما تستولي على الحكم، وبزوال التناحر الطبقي داخل كل امة، أي بتحول الامم الى امم اشتراكية، يزول العداء والحقد بين الامم. فالبيان يشير الى ان على البروليتاريا ان تناضل لتحرر وطنها وتصبح هي الامة، ولكنها لن تنعزل وتنغلق على ذاتها بل ستزيل الفواصل القومية والتناقضات بين الشعوب، وستعيش، الامم فيما بينها دون عداء ولا احقاد. وفي مقدمات البيان نجد الاهتمام الكبير والتقييم الصائب للمسألة القومية، لمسالة الاستقلال الوطني والوحدة القومية، بشكل واضح وصريح. ففي مقدمة الطبعة البولونية التي كتبها انجلز في شباط 1892 يؤكد على ضرورة الاستقلال الوطني لكل الامم واهميته في اقامة التعاون الاممي فيكتب: "ان انبعاث بولونيا مستقلة قوية امر لايهم البولونيين وحدهم وحسب، بل يهمنا جميعا ايضا. ولايمكن ان يقوم أي تعاون أممي مخلص بين الامم الا اذا كانت كل هذه الامم مستقلة تمام الاستقلال... ولايمكن ان يظفر باستقلال بولونيا غير البروليتاريا البولونية الفتية، وهو مضمون في يدها. ان استقلال بولونيا ضروري لعمال سائر اقطار اوربا بقدر ماهو ضروري للعمال البولونيين انفسهم". وفي اخر مقدمة كتبها انجلز للبيان الشيوعي، وهي المقدمة للطبعة الايطالية في شباط 1893، يتحدث عن الاهمية الكبيرة للوحدة القومية لكل الامم، فيشير الى ما سببته التجزئة والنزاعات الداخلية في المانيا وايطاليا من اضعاف الامتين الالمانية والايطالية، ونتيجة ذلك كان وقوعهما تحت نير السيطرة الاجنبية. فايطاليا تخضع لامبراطور النمسا، والمانيا يثقل كاهلها نير قيصر روسيا. ويقرر في هذه المقدمة انه: "بدون اعادة الوحدة والاستقلال لكل أمة يستحيل تحقيق اتحاد البروليتاريا من مختلف الامم او تحقيق التعاون السلمي والواعي بين هذه الامم في سبيل الاهداف المشتركة". هذا هو موقف البيان من الوطن والامة، من المسألة القومية، قضية الاستقلال والوحدة القومية. ومع ذلك وجهت التهمة للشيوعيين انهم لا يهتمون بالقضية القومية – الوطنية، بل انهم يريدون إلغاء الوطن والقومية. واشار البيان الى هذه التهمة ورد عليها: "ويتهمون الشيوعيين بالرغبة في إلغاء الوطن والقومية وليس للعمال وطن، فليس في الاستطاعة سلبهم ما يملكون" وواضح ان هذه العبارة جاءت تقرر واقعا قائما. وهو ان العمال لا يملكون وطنا فكيف يمكن سلبهم ما لا يملكون. انهم لا يملكون وطنا، فالوطن وخيراته للمستغلين والمضطهدين (بالكسر) والكدح والفقر للعمال والمضطهدين (بالفتح). ولقد سبق للامام علي بن ابي طالب ان قال "الفقر في الوطن غربة"، الفقراء غرباء ليس لهم وطن. ومثلما اراد ابو ذر الغفاري الفقراء ان يمتلكوا الارض والوطن بحد السيف "عجبت لامرىء لايجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه"، لذلك اشار البيان الشيوعي الى ان الطبقة العاملة ستغدو الطبقة القائدة وستصبح هي الامة، ولها الوطن، ولكل الكادحين. ان البيان الشيوعي اليوم بعد 156 عاما من صدوره، اول وثيقة برنامجية للاشتراكية العلمية تصح عليه كلمات ماركس وانجلز مثلما كانت بعد مرور 25 عاما على البيان الشيوعي والتي كتباها في مقدمة الطبعة الالمانية في حزيران 1872: "ورغم ان الظروف تبدلت كثيرا خلال السنوات الخمس والعشرين الاخيرة، فالمبادىء العامة الواردة في هذا "البيان" لاتزال بالاجمال محافظة حتى اليوم على كل صحتها، وان كان يجب ادخال بعض التعديل على عدد من الفقرات. ان "البيان نفسه يوضح ان تطبيق هذه المبادىء يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين... وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في الصناعة الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الاخيرة وما رافق هذا الرقي من تقدم الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي، ونظرا للتجارب الواقعية التي تركتها ثورة شباط اولا، ثم على الخصوص كومونة باريس حين كانت السلطة السياسية لاول مرة بين ايدي البروليتاريا لمدة شهرين". وسيظل البيان محتفظا بحيويته وبتأثيره ذلك لأنه: "يعرض بوضوح ودقة عبقريين المفهوم الجديد للعالم، يعرض المادية المتماسكة التي تشمل ايضا ميدان الحياة الاجتماعية، والديالكتيك، بوصفه العلم الاوسع والاعمق للتطور ونظرية الصراع الطبقي والدور الثوري الذي تضطلع به في التاريخ العالمي البروليتاريا، خالقة المجتمع الجديد، المجتمع الشيوعي" كما يقول لينين.