|
الأمن ومستقبل المنطقة
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2449 - 2008 / 10 / 29 - 02:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما من أحد يشك بمقدرة أبناء المنطقة على تحدي الصعاب والخروج منها بنتائج إيجابية ، ولكن القضية االيوم تتعلق بمستقبل المنطقة العربية والإسلامية وتقدم شعوبها ، وهذه الجدلية ذات طرفين كما يبدو : الطرف الأول : فيها هم عامة الشعب وقواه الوطنية التقدمية التي تناضل كي يعيش الخير والإستقرار . والطرف الثاني : هم أولئك المغامرون الذين يميلون ويتحركون وفق حساباتهم الذاتية أو حسب ما يملى عليهم من خارج الحدود .
فمشكل المنطقة العربية اليوم هو ليس بكثرة التفجيرات والقتل ورواج الفتنة الجوالة ، التي لا تميز في فعلها بين اصناف الشعب وفئاته ، إنما المشكل الحقيقي هو بهذا التشكيل السياسي القابض على السلطة من دون وجه حق مما يضر بوحدة الفكر ووحدة المصير . ومعلوم للكافة إن ساسة المنطقة العربية والإسلامية اليوم هم عامل أساسي في هذا الإنفلات الإجتماعي والسياسي والأمني ، وفي الإصرار على جعل ذلك الإنفلات سُنة حياة لشعوب المنطقة يعيشونه في وعيهم يُشكل حاضرهم و مستقبلهم ، من خلال التسويف والتهريج في القضايا المصيرية والحاسمة ، وهنا أُشير من غير تساهل على أُولئك الذين يخلطون بين الواجب وبين المُباح ، خلطاً يجعل من الحرام حلالاً ومن الحلال حراماً !!!!
وفي هذا الأمر تبدو عملية الخلط قهرية في قضية الحكم حسب مفهوم الوطن والمواطنة المشكوك فيهما . [ ولا نريد في كلامنا هذا ترطيب الذهن أو التسويق للمعاهدة أو الإتفاقية التي ستوقع بين أمريكا والعراق ، بل نريد التأكيد من جديد على عدم مقدرة ساسة المنطقة في تشخيص ماهو مفيد ونافع بالفعل وماهو ضار وفاسد في الواقع ، والكلام هنا ينطلق أو يتحرك وفق سياقات وأنساق الإحتمالات الممكنة والمُتصورة .. فالعراق مثلاً حين يخلو من روادع وكوابح تحد من نشاط مثيري الفتن أو الحالمين بعودة الماضي أو الراغبين في الإنقلابات العسكرية ، يتعرض كل مشروعه الوطني ووجوده القطري إلى تدمير أكيد وزوال ربما من الخارطة ] .
كل هذا ممكن حين لم يفهم أو يتغافل عقلاء العراق طبيعة الواقع في شكله الآخر ، وتجربة السنيين الخمس تعطينا المزيد من الضوء حول طبيعة وشكل المستقبل الذي يكون ، وكلامنا هذا ليس أفتراضي بل جدُ عملي نقوله : فيما لو خلت الساحة من الناظم الأمني كما هو الآن !! وأُريد هنا القول بان الأخ المالكي يحاول جهده من أجل تعميم نظرية الممكن مع فقدان البديل ، وهذا الجهد لكي ينجح يحتاج من البعض التخلص من عقلية ومن عقدة الإنتماء للغير في القرار أو في الإرادة ، وهذه الرغبة منه أحسها وألمسها وإنها في نهاية المطاف ستكلل بالنجاح الأكيد .
طالما إن الشعور بالأمن وحاجته هو شعور جمعي ، وهو شعور يرتبط بفكرة التحرير نفسها التي قلبت نظام الحكم البائد وجاءت بكل ماهو سائد .
وفي هذا يبدو إن المزاج الوطني والنفسي متفاوت الدرجة في الحرص وفي الهاجس وفي طبيعة الإنتماء للتربة وللهوية الوطنية ، و ذلك منا لا يعني تجريد البعض من عدم إستيعاب مراحل التاريخ وطبيعة الصراع ، حتى وإن تسلل البعض في هيكل السلطة لتخريب ماهو مخرب وزرع الفتنة ، وتعميق الهوة الوطنية والدينية في مجتمعاتنا ، وهذه سياسة قديمة جديدة تستهدف في الأساس تشتييت الوعي وعدم التركيز في حل القضايا المُلحة : أ - ففي العراق وباقي دول المنطقة لم تحل قضية أو فكرة التعايش مع الغير . ب - كما لم تحل في منطقتنا قضية الدين ومفهوم الولاء للوطن ومفهوم المواطنة لا في شكلها ولا في لونها . ج - كما إن وضع الأقليات الدينية في منطقتنا عائم وغير معلوم ولم تحدد بالضبط ولم تُعرف طبيعة الحقوق والواجبات الدستورية لهم . د - وفي منطقتنا هناك تفاوت طبقي وهوة شاسعة بين مكونات شعوبها ، نتج ذلك من خلال إعتماد سياسة أدارية ومالية خاطئة وسيئة . ه - ودساتير المنطقة كُتبت وفق رغبة الحاكم وهواه وهي في كثير من فقراتها وبنودها عبارة عن خواطر وأحلام غير صالحة للأستهلاك البشري . و - ومنطقتنا تعج بشبكة من الأحزاب الشوفينية والشمولية التي تعمل على إعدام الحريات وإشاعة الفوضى والقتل .. كل هذا جعل منطقتنا مركزاً للجريمة والظلم والفساد والرشوة وغياب الرقيب العادل النزيه .. أضف إلى هذا وذاك تداخل الرؤى واختلاف الأنشطة والتجاذبات الأقليمية والدولية في صنع القرار السياسي لحكام المنطقة ، كل هذا أدى ويؤدي إلى ما نشاهد من خلل واختراق سبب جملة هذه الكوارث اليومية التي تعيشها شعوب المنطقة .
كما ان الضعف الملحوظ لدى البعض والأنخراط السلبي في سلم الوظيفة ، والحرص على البقاء فيها ، يجعل إمكانية التغيير والإنتقال إلى المرحلة القادمة ، أمر جُد صعب مما يدل على نقص في الشعور بالمسؤولية الوطنية ، و إلآ ما أهمية الحكم المعجون بالنفاق ، أو عدم العلم بما يجب وماهو واجب بالفعل . يظهر ذلك في طبيعة العمل الغير منسق وخفة الوزن في الأداء السياسي والإجتماعي والقانوني والخرق لمبادئ حقوق الإنسان . إن إعادة الوعي في تركيب السلطة في المنطقة العربية على نحو يلبي إستحقاقات المرحلة المقبلة يتطلب : أولاً : القدر اللائق من الحرص على أهمية الوحدة بين مكونات وطوائف شعوب المنطقة ، ونكران الذات من إجل مصالح وحاجات وطموح أبناء المنطقة ، وهذا يلزمه المواجهة الشاملة مع المشكلات التي تحد من قدرة أبناء المنطقة على النهوض .
وثانياً : الإعتراف بقيمة الأمن كحاجة أولية لحياة الوطن والمواطن في البلدان العربية والإسلامية والحاجة إلى السلام بإعتباره القادر على تحقيق معنى التقدم والنمو .
وثالثاً : يجب على حكام المنطقة القيام بعمل شجاع وجاد ، يتناسب وحجم المرحلة وماتتطلبه من غير مماطلة أو تسويف ورعاية مصالح وحاجات المواطن البسيط .
ورابعاً : وفي العراق يجب العودة السريعة إلى مبادئ القانون في الموقف من الإتفاقية الأمنية لا بحسب ضوابط المرحلة ، بل من حيث يتم إخراج كل من ليس له وضع وصفة تنطبق عليه حال المرحلة ، وتاجيل فكرة التراضي وإظهار الشجاعة الكافية في إتخاذ القرارات المصيرية حتى الإنتهاء من الوضع الحرج الذي يعيشه العراق وشعبه . وخامساً : إعتبار الأمن هو المعضل الرئيسي والعمل على إستقرار البلاد من الإنهيار التام ، وإعادة الوعي إلى الشعب ، وإشعاره بحجم التحديات التي تطاله من أعداء تاريخيين يهمهم بقائه عاجزاً منكسراً غير قادر على أداء دوره في المنطقة والعالم .
وسادساً : على ان يتم كل ذلك بقرار سيادي حقيقي وفعلي ، والعمل على عدم التصادم مع من كانوا مع العراق في محنته ، وإلآ فمسألة تقسيم العراق إلى كانتونات محليه تشبه مناطق الصعيد الأفريقي يعمل من إجلها مغامرين وشعوبيين وطائفيين ، ولايتم هذا من دون دخول العراق في حرب اهلية يعُد لها الجميع كل حسب موقعه ووظيفته ، ومانشاهده يومياً من إعلام مسموع ومقروء يؤكد حتمية الإنقسام والتشرذم الأممي للكيان العراقي وعناصر ذلك متوفرة في السوق السياسي والخطاب الإعلامي والجغرافيا والدين .
إن الإنتقال بالعراق من حال الفوضى واللا أمن إلى حال الأستقرار والبناء حقيقة ترتبط بالفعل والعمل ، وتقليص نفوذ احزاب ومنظمات دخلت الحكم في ظل عدم التخطيط والمنهجية الصحيحة والأستعجال ، ونجاح تجربة العراق ستحسم الصراع في مناطق عربية وإسلامية تعاني القمع والأستبداد والتخلف ، الأمن حاجة ومطلب للجميع يبدأ من العراق ليشمل كل دول المنطقة في شرقنا الأوسط وما حوله ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإتفاقية الأمنية والمرجعية الدينية
-
صور الارهاب - القرضاوي نموذجاً
-
الفرقة الناجية – إشكالية المفهوم والدلالة -
-
إعادة النظر في مباني التفكير الديني
-
شهر رمضان
-
أوباما وخيار التغيير
-
كركوك ومفهوم المبادلة
-
وحدة الليبراليين في العراق
-
لماذا تغيب ملك الأردن ؟
-
مأزق الديمقراطية في العراق
-
فرض القانون .. بشائر السلام
-
قانون الشرايع لدى فلاسفة اللاهوت
-
إيران مرةً ثانية
-
مؤتمر مكة للحوار
-
العراق وامريكا .. إتفاق من أجل الحياة
-
عبد الرحمن الراشد ومنطق العصبية
-
رؤية مغايرة للكتاب المجيد
-
نساء من أجل الحياة
-
إسلامنا بحاجة إلى إعادة نظر
-
السماء لا تمطر ذهباً
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|