طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27 - 06:57
المحور:
الادارة و الاقتصاد
من الحقائق الاقتصادية المعروفة ان العراق يعتمد بنسبة عالية جدا وتكاد ان تكون شاملة على ايراداته النفطية لتغطية احتياجاته في شتى مناحي الحياة , وذلك بعد ان تهشم اقتصاد البلاد ووصل ناتجه القومي الى الحضيض , من هنا ينظر الى النفط على انه المنتج الحيوي الذي يجب ان يكون موضع اهتمام السلطات العراقية لتأمين تدفقه بكميات تكفي لتلبيه حاجة البلاد ومستقبل مواطنيها .
لعل من باب التكرار ان نكشف ان القطاع النفطي العراقي تعرض الى التدمير مرات عديدة اولها اثناء الحرب العراقية الايرانيه ثم حرب الخليج الثانيه , واخرها العمليات العسكرية التي جرت عام 2003 لاسقاط نظام صدام حسين , والتي رافقتها عمليات واسعه من الحرق والتدمير والنهب . لقد كان انتاج النفط العراقي قدبلغ الذروة قبل عام 1990 عندما سجل معدلات قدرها 3,5 ثلاثة ملايين والنصف المليون برميل يوميا , ثم اخذ بالانخفاض حتى وصل ادنى مستوياته على اثر قرارات مجلس الامن الدولي عام 1991 التي نتج عنها فرض الحصار الاقتصادي على العراق . وفي العام 1996 عاد انتاج النفط الى الانتعاش قليلا بعد توقيع مذكرة التفاهم مع الامم المتحدة المعروفة بأسم النفط مقابل الغذاء والدواء , وقد بلغ الانتاج انذاك حوالي 1,5 مليون ونص مليون برميل يوميا , يضاف اليه كميات بسيطة كان يهربها النظام السابق عبر ممرات الخليج العربي . وطبقا لمذكرة التفاهم الي اشرنا اليها فأن واردات العراق من النفط المصدر تذهب الى صندوق في منظمة الامم المتحدة تدفع منه تكاليف الغذاء والدواء الذي يشتريه العراق , ثم تسدد عن طريقه الديون والتعويضات التي تقرر ان يدفعها بعد خسارته حرب الخليج الثانيه .
عندما سقط نظام صدام حسين كانت المنشات النفطية العراقية في اشد الحالات سؤا هذا فضلا عن التدمير والنهب الذي تعرضت له اثناء العمليات العسكرية وبعدها . وقد بدأ الانتاج المتواضع وقدرت السلطات الامريكية كلفة اعادة تأهيل المنشأت النفطية بحوالي 170 مليار دولار , وهذا المبلغ يمثل رقما خياليا اذا قيس بوضع العراق المالي آنذاك , لذلك قامت الولايات المتحدة بأنفاق بعض المبالغ لغرض اعادة تاهيل الابار وانابيب الضخ وغيرها , ونتيجة تلك الجهور المحدودة طبعا وصل الانتاج الحالي الى 2,5 مليونان وخمسمائة الف برميل يوميا بضمنه الانتاج الذي يستهلك محليا , وتبلغ الطاقة التصديرية الان اقل من مليونين برميل يوميا بضمن ذلك انتاج حقول الشمال المتعثرة .
من الواضح ان الوضع الاقتصادي الحالي للعراق وحاجته للمزيد من الاموال لاعادة الاعمار والتي تقدر ب 400 مليار دولار , يجعل الاهتمام بزيادة الموارد عن طريق رفع معدلات الانتاج النفطي مسألة اساسية وملحة , وذلك بغيه الحصول على اعلى ايرادات تلبي الحاجة وتنتشل العراق من وضعه المتردي في كافة الميادين . وهذا بأختصار الهدف الوطني الداعي الى التشغيل الامثل والسليم للحقول النفطية والارتقاء بألانتاج لتحقيق ارقام تلبي الحاجة , وفي هذا الصدد نرى ان على العراق ان يحقق انتاجا لايقل عن 4-5 مليون برميل يوميا وهو موضوع لايمكن تحقيقه الا عن طريق .
1. اصلاح وتأهيل الابار المنتجة وخطوط النقل الحالية
2. حفر المزيد من الابار ضمن الحقول المكتشفة والجاهزة للانتاج
3. تشغيل ماهو متيسر من الحقول غير المنتجة والقريبه من عقد الانتاج
لقد فشلت وزارة النفط بأمتياز في الوصول الى نفس معدلات انتاج الحكم السابق عام 1990 البالغ 3,5 ثلاثة ملايين وخمسمائة الف برميل يوميا , فألسياسية النفطية في العراق تعرضت الى الفوضى و الضبابيه بعد التغيير شأنها شان واقع البلاد بشكل عام . ونعتقد ان الجانب الامريكي كان الجهه المحركة لتطوير وتأهيل الحقول النفطية ودفع العملية الانتاجية الى الامام , وعلى هذا الاساس تم اعداد مسودة لقانون النفط والغاز في شهر اب عام 2006 , وتضمنت المسودة اعادة تاسيس شركة النفط الوطنيه ليناط بها استثمار النفط من الحقول المنتجة وكذلك من الحقول غير المنتجة القريبة من عقد الانتاج البالغه (52) حقلا , اما بقيه الحقول فهي المعنيه بعقود المشاركة والخدمة . وقد تم تعديل المسودة وقدمت الى مجلس الوزراء في 15-2-2007 وفي شهر حزيران 2007 اقر مجلس الوزراء الصيغه النهائية للقانون , بعد الاخذ بنظر الاعتبارملاحظات مجلس شورى الدولة حول بعض نصوصه وقد ارسل القانون الى مجلس النواب وهو ينتظر منذ سنه ونصف تقريبا , دون ان تلوح في الافق فرصة لمناقشته ولاقراره , وهذا بحد ذاته يعد هدرا للوقت واستخفافا بأستحقاقات العراق والوطنيه , ومن المؤسف ان نذكر هنا ان مجلس النواب العراقي اقر رواتب ومخصصات النواب خلال جلسه واحدة فقط وهو عاجز عن مناقشة قانون النفط الذي يهم مصير الشعب العراقي ومستقبله .
لقد نتج عن طريق تأخير البت في مشروع القانون مشاكل كثيرة قامت بين الحكومة المركزية وبين اقليم كردستان ناهيكم عن المشاكل الاقتصادية والاثار المالية السلبيه التي تصيب الدولة بشكل عام جراء هذا التأخير . ويمكن ان نجزم القول ان لااحد يستطيع ان يجيب على السؤال المطروح وهو لماذا لم يناقش مجلس النواب قانون النفط والغاز طيلة هذه الفترة ومن هو صاحب المصلحة في تعطيل اقراره .
قد لا يختلف اثنان في الرأي ان العراق بحاجة الى مساعدة الدول والشركات الاجنبيه لدفع العملية الاقتصادية وترميم اقتصاد البلاد المهشم وعلى الاخص قطاعه النفطي , وعلينا ان نقر ان قطاع النفط الذي تعرض للدمار والى النقص الحاد في الخبرات البشرية التي تركت العراق لسبب او لاخر , لذا فأن الحاجة اصبحت ماسة للاستعانه بالخبرة والرأس مال الاجنبي لتجاوز هذه المرحلة من الركود , وهنا تثار مسألة مهمة واساسية تتعلق بشكل ونوع العقود التي يجب الاخذ بها عند التفاوض مع الشركات المستثمرة , هل هي عقود المشاركة ام عقود الخدمة , وهذه المسألة بلذات اثير حولها الكثير من الجدل وضياع الوقت دون اتخاذ اي قرار يحفظ مصلحة العراق ومستقبل ثروته النفطية بعيدا عن الشعارات السياسيه الوطنيه التي اصبحت غير واقعيه وتثار حولها الشكوك بكونها مدفوعه ومسندة من دول خارجية تريد الابقاء على العراق في هذا البحر من التخلف والتراجع الاقصادي والجتماعي .
عقود المشاركة التي جرى الحديث عنها كثيرا مطبقة في دول اخرى مثل اندنوسيا ونيجيريا ومصر وليبيا والجزائر وقطر الامارات العربيه المتحدة وغيرها , وبنفس الوقت هناك عقود خدمة في دول كثيرة اخرى , ولكل من عقود المشاركة والخدمة مزايا وعيوب ولكن المهم ليس في اختيار نوع العقد بقدر ماهو اختيار السبيل الامثل لتحقيق شروط تحفظ حقوق العراق وتيسر له افضل العائدات . المهم اذا هي المسارعه في حسم هذه المسالة الي اخذت وقتا طويلا لامبرر له , وقد اخذت تلوح في الافق مخاطر جسيمة جراء بقاء الحقول والمنشأت النفطية على حالها , واكدت بعض التقارير الامريكية ان انابيب نفط الجنوب متأكلة وعرضة للانفجار في اية لحظة وهي بحاجة الى تحديث وهذه نقطة في غاية الاهمية , ولانعلم ماهي اجراءات وزارة النفط لمعالجة هذه المخاطر , والوزارة حسب مانعتقد تفتقد الى الكثير من الامكانات الفنيه والماليه كي تقوم بتأهيل وتطوير حقولها النفطية والانابيب الناقلة , مثال على ذلك ان الوزارة فشلت في حفر مئة بئر مقررة عام 2008 بسبب ضعف الاداء وقلة الكوادر الفنيه العاملة, وقد اشير ان الوزارة تمكنت من حفر حوالي فقط 20 بئرا من ضمن ماكان مقررا لها .
من الواضح ان وزارة النفط تود ان تضع نفسها كبديل عن شركة النفط الوطنيه الملغاة و المناط بها حوالي 90%من حقول نفط حسب مسودة قانون النفط والغاز , وبموجب هذا التوجه دخلت الوزارة منذ بداية هذا العام في توجيه دعوات ومن ثم مفاوضات لابرام عقود نفطية مع عدد من الشركات العالمية ذات السمعه الواسعه , وقد تم اختيار( 35) شركة لغرض التعاقد معها لتاهيل وتطوير سته حقول نفطية عملاقة ومهمة ,وقد دارت المفاوضات وانصب جميعها على ابرام عقود خدمة قصيرة الاجل وليس عقود مشاركة , وفي النهاية تخلت الوزارة عن تلك المفاوضات بدون ان تبدي اسبابا مقنعه , وفجأة انتقل السيد وزير النفط مع مجموعه من مستشاريه الى لندن للبحث في عقود جديدة للمشاركة وليش للخدمة , ولكن بصيغه مستحدثة وغريبه على اساس تملك الحكومة العراقية 51% من راس مال المشروع وتملك الشركات 49% منه , والملاحظ ان الوزارة طلبت من الشركات دراسة المقترحات المقدمه حتى شهر شباط 2009 , ثم عقد اجتماعات لمناقشه الموضوع في شهر حزيران 2009 , وهذا يعني ان المسالة مؤجلة للمناقشة 9 شهور وهو امر ملفت للنظر وقد يعني ان وزير النفط العراقي ( مترهي ) اي لا اهمية لديه لعامل الزمن , وقد يعكس هذا الموقف امرا مهما اخر وهو ان السيد الوزير لا يملك صلاحية البت في عقود النفط وهو يعمل للظهور بانه منشغل في هذه القضية لااكثر ولا اقل .
سبق لي ان كتبت مقالا حول النفط والغاز نشر في جريدة الصباح البغدادية قبل حوالي السنه ,وقد اشرت في المقال المذكور الى اهمية عامل الوقت في موضوع النفط وضرورة وضعه في الحسبان عند البحث في العقود المنوي ابرامها مع الشركات الاجنبيه , وقلت في حينه ان النفط مادة تتحدد اسعارها في السوق العالمية وليس لنا شأن في تحديد تلك الاسعار , وهي غير مرشحة للارتفاع دوما . هذا المحذور الذي اشرت اليه واشار اليه غيري من الباحثين ثبت صوابه حيث اتخفض سعر النفط خلال اقل من شهر من 145 دولار الى 62 دولار للبرميل الواحد . هذا الهبوط سوف تكون له اثار سلبيه كبيرة على اقتصاد العراق حيث صرح بعض المسؤولين انه تقررتخفيض الميزانيه التكميلية للسنه 2008 كما ان ميزانه 2009 سوف يعاد النظر فيها بقصد الضغط على النفقات وخفضها بما يتناسب مع عوائد النفط التي ستنخفض بسبب تدهور الاسعار وهو امر يلقي بلمسؤولية على مجلس النواب والحكومة بسبب المسيرة السلحفاتيه التي تعالج بها مهمات ضرورية وعاجلة تتعلق بمصير هذا الشعب ومستقبله .
ان الخوف والتردد والتمسك بشعارت وطنيه زائفة سوف لن يساعد على الخروج من الواقع الاقتصادي الاليم الذي يعيشه العراق ولابد من خطوات جريئة وحاسمه في سبيل تحرير ثروة البلاد من الركود الذي هي فيه وفتح الابواب امام افكار جديدة اكثر حيوية واشد نفعا .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟