سعاد نصر مخول
الحوار المتمدن-العدد: 2446 - 2008 / 10 / 26 - 01:26
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
المساواة والمشاركة - ركنان اساسيان في بناء مستقبلنا
سياستنا وإستراتيجيتنا يجب ان تكون مبنية على أساس اختراق حدود " الغيتوهات" التي رسمت لنا، وان لا نضع لأنفسنا طواعية، حدودا وسياجا ، ناضلنا وناضل أباؤنا وأجدادنا طويلا من اجل إزالتها.
بقلم: سعاد نصر مخول- مخططة مدن
ومديرة المركز الهندسي للدراسات والتخطيط-حيفا
أحاول في هذه المقالة ان أسلط الضؤ على رؤيتنا المستقبلية لمدينة حيفا من خلال موقعنا كمواطنين عرب فلسطينيين في هذه المدينة ومن خلال محاولة التركيز على احتياجاتنا وتطلعاتنا الآنية والمستقبلية.
ما هي خطتنا الإستراتيجية بالنسبة لمستقبل تطور أحيائنا؟ ما هي تطلعاتنا بالنسبة لمدى مشاركتنا في بناء هذه المدينة, اقتصاديا واجتماعيا وتنظيميا؟ كيف نريد ان نرى مستقبل تطور المراكز التجارية والمرافق الاقتصادية العربية ؟ كيف نريد ان نرى مستقبل التعليم العربي في المدينة؟ ما هي احتياجات الأجيال الناشئة؟ والعديد العديد من الأسئلة التي ليس من السهل الإجابة عليها في ظل سياسة الحصار المفروضة على الجماهير العربية في اسرائيل عامة، وسياسة الحصار التي تحاول المؤسسة الحاكمة ان لا نتعداها.
أولا- تحديد رؤيتنا الإستراتيجية العامة
من المهم تحديد رؤيتنا الإستراتيجية العامة التي يجب ان تشكل أساسا لمستقبل السكان العرب في المدينة .
في تحديد هذه الرؤية يجدر التركيز على محورين أساسيين :
1. المحور الأول- المساواة-
نعم , نحن سكان هذه المدينة ومن حقنا ان نحصل على مساواة تامة في السكن, في الخدمات , في التعليم, في بناء اقتصاد المدينة, في فرص العمل, في الخدمات الترفيهية, في خدمات المسنين, في الصحة.في الخدمات الاجتماعية, الخدمات الرياضية... الخ.
موضوع المساواة ليس شعارا- بل هو أساس بقائنا في هذه المدينة وأساس لمستقبل أجيالنا الناشئة.
ان موضوع المساواة يجب ان يكون ركنا محوريا من أركان خطتنا الإستراتيجية ليس فقط في مدينة حيفا بل على مستوى الجماهير العربية.
ان طرح مشروع هنا ومشروع هناك –-مثل بناء حي عربي او بناء مدرسة على أهميته – واعتبار ذلك برنامجا للجماهير العربية، ليس بمقدوره أن يفي بتطلعات جماهيرنا ولا بالتعبير عن طموح أجيالنا الناشئة، ما دام ذلك يتم بمعزل عن رؤية شاملة ومترابطة تطرح قضايانا بشكل واع ومدروس، وتنطلق من الاعتراف بحقنا الكامل بالمواطنة والمساواة في الحقوق اليومية والقومية، وبموقعنا كشركاء كاملين في بلورة الرؤية الشاملة للمدينة التي يسكن فيها الشعبان وموقع قضايا الجماهير العربية في اطار هذه الرؤية.. والصحيح ان المؤسسة البلدية- والمؤسسة الاسرائيلية عامة – مستعدة في ظروف معينة، تتفاوت من ادارة الى اخرى- ان تقدم مشروعا هنا ومشروعا هناك ، تجاوبا مع متطلبات الجماهير العربية التي عانت تاريخيا من التمييز، لكن ذلك يتم خارج اطار مفهوم رؤية استراتيجية متكاملة شراكة فاعلة.
2. المحور الثاني- مضمون المشاركة
نعم- نحن السكان العرب في المدينة نطمح ان نكون مشاركين في إدارة البلدية نريد ان نكون شركاء في وضع سياسة بناء مدينتنا, في بلورة الرؤية المستقبلية للمدينة وان نكون شركاء في اخذ القرار. وفي هذا الاطار نريد لأجيالنا الناشئة فرص متساوية في بناء المرافق الاقتصادية والاندماج فيها مثلا ، والمشاركة في وضع المخططات المستقبلية للمدينة (الطاقم الفني الذي يشرف على وضع المخطط الهيكلي للمدينة لا يشمل أي متخصص عربي من مدينة حيفا). والمشاركة في تحديد اولويات التطوير، فمثلا :هل سياسة توزيع الميزانيات في البلدية يجب ان تصب في خدمة الشركات الاستثمارية بعضها ممثلا بالشركات التابعة للبلدية ، ام ترصد للخدمات الاجتماعية. هل ندعم بناء الأبراج السياحية على شاطئ البحر او ندعم تطوير الأحياء.وماذا مع التلوث البيئي في المدينة ؟ هل هذه قضية تخص سكان المدينة اليهود وحدهم ؟
لا نريد لأجيالنا الناشئة ان تقف متفرجة على ما يجري في المدينة من بعد.. وفي احسن الحالات ان تنتقد ! نريدها فاعلة ومشاركة بقامة منتصبة ووعي ناضج.
ان هذه التطلعات ذات الإبعاد الاجتماعية, البيئية, الاقتصادية هي تطلعات مترابطة ولا يمكن تحقيقها من خلال تحزبات على أساس عرقي والدعوة الى الانغلاق القومي .
ان التستر وراء قائمة جوهرها الاساسي انها عربية، من شأنها ان تعزل الشباب العربي وتضعه على الهامش، وتلعب في ساحة الأيدلوجية الصهيونية التي ترفض ان ترانا مشاركين في بناء مستقبلنا.. بل تريدنا مجرد متفرجين .
ثانيا- السكن والاحياء العربية- التوسع والانتشار ام العزل والحصار؟
منذ النكبة 1948, عملت السياسات الإسرائيلية العامة على تركيز السكان العرب في مناطق جغرافية محددة, ومنع ترابط القرى العربية وقطع تواصلها عن طريق بناء المستوطنات الخ.
ولقد عانت مدينة حيفا القسط الأوفر من سياسة "التركيز" و"التقطيع" هذه .. فبعد تهجير ما يقارب ال- 70.000 عربي من سكان المدينة بقي في المدينة ما يقارب ال- 3500 عربي، قامت السلطات بتجميعهم في حي وادي النسناس ووضع السياج حول الحي، ومنعهم من مغادرة الحي، ناهيك عن ان السكن في مناطق أخرى في المدينة كان حلما يصب نيله ، وفقا للأوامر العسكرية التي بقيت سارية حتى عام 1965. ومن هنا شبه حي وادي النسناس بالغيتو ..
اليوم الأحياء العربية تنتشر على محاور عديدة في المدينة ويعيش السكان العرب بشكل واسع في أحياء لم يجر تخطيطها لهم أساسا، (حي الهدار والهدار العلوي,وغرب حيفا ، حي كريات اليعزر, حي بات غاليم, الكرمل الفرنسي شارع الثاني من نوفمبر وغيرها الكثير). وفي العديد من المناسبات عبر قسم من الاستراتيجيين وبعض واضعي السياسة اليمينيين ، محليا وقطريا، والعديد من المنظرين الديموغرافيين والمحللين العنصريين، عن انزعاجهم وقلقهم من هذا الانتشار الصحي ، وأخذوا يطلقون تحذيراتهم من خطورة هذه الظاهرة ويحاولون جهدهم بالأساليب المختلفة تحديد سكن المواطنين العرب وحصرها في أحياء عربية وفي الاحياء العربية التقليدية بشكل خاص. ويعتبرون تجاوزها تهديدا للمدينة.
سياستنا وإستراتيجيتنا يجب ان تكون مبنية على أساس اختراق حدود " الغيتوهات" التي رسمت لنا، وان لا نضع لأنفسنا طواعية، حدودا وسياجا ، ناضلنا وناضل أباؤنا وأجدادنا طويلا من اجل إزالتها.
ان مطلب السكان العرب في مدينة حيفا وفي المدن المختلطة يجب ان يكون الحق في توفير الخدمات في الأحياء التي تسكنها أغلبية عربية، من منطلق المساواة في الحقوق والحصول على الخدمات وفقا للمعايير العامة التي يعمل بها .
ان المطلب ببناء حي عربي مثلا – كما جاء في أحد البرامج الانتخابية - هو في رأيي، مطلب ميكانيكي ،فارغ من المضمون, منسوخ من برامج انتخابية كانت مطروحة قبل عشرين عاما، وهو مطلب غير مدروس تجاوزه الزمن وتجاوزه واقع وشكل التطور الطبيعي الذي ميز انتشار المواطنين العرب في حيفا في كل احياء المدينة، وعاجز عن الاجابة على احتياجات المواطنين العرب . ان المطالبة ببناء حي - فقط لاننا اسميناه "عربي" دون تحديد شيء من طبيعته سوى انه عربي ،لا يستطيع ان يشكل خطة استراتيجية ولا ان يعطي حلولا لمستقبل تطور الاحياء التي يسكنها السكان العرب. بل قد يشكل تراجعا عما انجزته الجماهير العربية حتى الان. ان هذا المطلب الذي كان مبررا قبل عشرين عاما هو مثال صارخ لضرورة طرح البرامج والمطالب في اطار رؤية شاملة ومتكاملة ، والا صرنا نلقي البرامج جزافا .
السؤال المركزي الذي يجب ان يطرح هنا هو: هل نريد للسكان العرب في المدينة احياء مغلقة ؟ ام نريد المحافظة على التطور الطبيعي للاحياء التي اصبح يسكنها السكان العرب والتي تضاعفت مساحتها عما كانت عليها قبل عقود من الزمن ! هل نريد ان نبني المزيد من الغيتوهات لانفسنا؟ وان نعزل انفسنا واحياءنا بعد كل ما حققناه من انجازات خلال 60 عام؟؟
نعم, هنالك تمييز تجاه احيائنا, وهنالك الكثير من الخدمات التي تنقصنا, ومعالجتها تحتاج الى المثابره وتكثييف الجهود دون الاستهتار بما حققته الجماهير العربية في حيفا خلال العقود الماضية.
ثالثا - المرافق الاقتصادية- العزل ام الدمج؟ الانغلاق ام الانفتاح على المدينة؟!
ان حي وادي النسناس يشكل حيا تجاريا اضافة الى كونه حيا سكنيا. بالاضافة الى العديد من المصالح العربية التي تنتشر في مناطق مختلفة في المدينة. ان العديد من العائلات من مدينة حيفا ومن خارجها تمتلك مصالح اقتصادية في المدينة .
هنالك ظاهرة نهوض لمصالح عربية في المناطق المختلفة في المدينة. المصالح العربية منتشرة في جميع أنحاء المناطق الجغرافية في المدينة من شاطئ البحر وحتى مناطق الكرمل. العديد من العيادات للأطباء العرب والمصالح المتخصصة تقوم في مناطق الكرمل وفي احياء مختلفة من المدينة وتوفر الخدمات للسكان العرب واليهود, المصالح التجارية منتشرة في جميع المناطق كذلك الورش الصناعية والخدمات السياحية والترفيهية كالمطاعم والمقاصف.
ما هي رؤيتنا المستقبلية بالنسبة لتطوير المرافق الاقتصادية العربية؟ هل نريد لحي وادي النسناس ان يكون مغلقا على ذاته ام نريده مرتبطا مع المراكز التجارية والإدارية الأخرى في المدينة والمتواصلة معه كمنطقة الهدار والبلدة التحتي, لتشكل وحدة اقتصادية يستفيد من خدماتها سكان المدينة ؟ اليس اقتصادنا مرتبط باقتصاد المدينة ككل؟
كيف نشجع ظاهرة انتشار المزيد من المصالح العربية في المناطق المختلفة في المدينة؟
ان إستراتيجيتنا يجب ان تكون مبنية على دعم الظواهر الايجابية التي تدعم اقتصاد السكان العرب في المدينة. وان نعمل على فتح الأسواق والمصالح العربية أمام جميع مواطني المدينة.
ان الشعارات الرنانة الخالية من المضمون ،ودعوات الانغلاق "العروبي" تقود مباشرة الى خنق الاقتصاد التابع للسكان العرب وعزل المصالح العربية.
رابعا- الهوية
الهوية ليست شعارا يردد.. الحفاظ على الهوية ليس معناه معاداة الأخر والتناقض معه . لقد حافظ السكان العرب في المدينة خلال 60 سنة على هويتهم وفي الوقت نفسه على علاقات جيدة مع المواطنين اليهود . اليس تضاعف السكان العرب في المدينة بعشرات الإضعاف يعكس نجاحا في الحفاظ على الهوية؟ اليس انتشار السكان العرب في الأحياء المختلفة في المدينة هو تعزيز لهويتنا ؟ اليس تعامل السكان اليهود في المدينة مع اسواقنا ومصالحنا التجارية هو تعزيز لحضورنا والتعامل بشكل طبيعي مع هويتنا؟ أليست مؤسساتنا الثقافية والسياسية والصحافية التي التي صمدت ونشطت على مدار العقود الماضية في حيفا هي صقل للهوية ، يتجاوز التعامل الرومانسي مع هذه المسألة؟ ان وعي سكان المدينة وبدعم وتوجيه من قيادتهم الحكيمة على مر السنين , عززت من مفهوم هويتنا وغيرت من المعادلة التي ارادوها لنا، من انعزال وانكماش وهجرة الاجيال الشابة من المدينة.
حفاظنا على هويتنا في المدينة يكون اولا، بتوفير الاجواء الصالحة في المدينة بين الشعبين – هذه هي استراتيجيتنا! ان استقطاب مدينة حيفا لهجرة ايجابية من القرى العربية وخصوصا الاجيال الشابة منهم وتحولهم الى مواطنين فيها , هو ناتج ايضا عن الاجواء الايجابية التي تسود المدينة وخصوصا بين السكان العرب واليهود , رغما عن تحريض العنصريين ! نحن بحاجة ان نعزز هذه الاجواء لان في ذلك ما يعزز بقاء اجيالنا الشابة في المدينة لا تيئيسها!
حفاظنا على هويتنا هو بانتزاع حقنا في المشاركة الفعالة في ادارة شؤون المدينة هذه المشاركة المبنية على اسس المساواه الكريمة الكاملة والاحترام المتبادل وليست على اساس التقوقع العرقي.
ان ما انجزه السكان العرب في مدينة حيفا، هو نموذج يحتذىللمدن المختلطة ..وهناك الكثير مما علينا تحقيقه مستقبلا ..ومسؤلية كل مواطن عربي وكل ديموقراطي في مدينتنا أن يحافظ عليه .. فلا تعطوا الفرصة للعبث بتضحياتنا كأقلية قومية في المدينة ولا بمستقبلنا. .
تشرين اول 2008-حيفا
#سعاد_نصر_مخول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟