أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي















المزيد.....

وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2445 - 2008 / 10 / 25 - 09:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تنطوي تصريحات الشيخ القرضاوي وفي جانبها الأخطر، والأسوأ، ربما، والأشد قتامة وظلامية، عن أبعاد أكثر مأساوية ألا وهي أن التشكيلات الدينية والعشائرية والقبلية والمشاعية الغريزية الماقبل وطنية وسياسية هي المفصل والمعيار، وهي التي تحكم طبيعة العلاقات المجتمعية والسياسية. وأن الكلام عن حالة وطنية مثلى متقدمة في المسار والسلم الإنساني الرفيع، ما تزال على مسافة جد بعيدة، ومن المبكر تناولها والحديث عنها بذاك الشكل النوستالجي الذي يسرده بها بعض من رومانسيي العمل السياسي. فتلك النزعات اللا وطنية هي في الحقيقة، ما تقف خلف ستار تلك اللوحة التي يسمونها بالوطنية فما زال شيوخ الإسلام ينظرون لمصر كدولة سنية خالصة، لا كوطن عصري حاضن لكافة مكوناته، يطوي وراءه آلام الماضي ومخاضاته الدينية ومخازيه، ونازعين عنه، في ذات الآن، أي بعد حضاري وتعددي تميز به عبر التاريخ، ولا يمكن لتاريخ ابن العاص أن يلغيه أو يجاريه في شيء، ونعني به التاريخ الفرعوني المبدع الخلاق العظيم.

فالخوف، والرعب المضمور في عمق الوعي واللاوعي المجتمعي والعقل الباطن للشيوخ، ولغيرهم هو ليس من فقر ولا جهل ولا تخلف ولا احتلالات ولا رثاثات مجتمعية طافية بكثافة مستنقعية على وجه هذه الجغرافيات المفككة بنيوياً والمتحللة إيديولوجياً، ولكن الخوف الحقيقي الذي يستفز الجميع، نخباً وعامة، هو وجود ذاك التنوع والتعدد العرقي والإثني والطائفي، والذي هو من مميزات أي مجتمع عصري حديث، ما بعد وطني وعولمي. وأن الانخراط في كينونات مجتمعية تحكمها أسس المواطنة والعلمنة واحترام خصوصيات وحق الغير في الموجود، ما يزال ثقافة غريبة مستهجنة تخيف كثيرين، كما يخوف بها كثيرون الآخرين، ويعتبرونها، بحجم انهيار وكارثة أو أخطر حتى من احتلال أجنبي.

ولقد أصاب الشيخ إصابة بالغة حين قال أن هناك مجتمعات سنية خالصة، ولكن سماحته لم يكن يدري أنه يغمز من قناة التسنين التي حاربت التشيع تاريخياً حتى وصلت لتلك المرحلة من النقاء و"الخلوص" والتي هي مرحلة مشاعية غير حداثية الطابع. فلقد قامت التجمعات القديمة على أسس عائلية وعشائرية وقبلية خالصة كخلوص مصر الحالي. وفي ذلك إدانة "خالصة"، وغير مباشرة، إلى عصب وجوهر تلك المجتمعات التي يمكن وصفها بمجتمعات الشمولية الدينية التي لا ترغب، وترفض أن ترى في جنباتها شيعياً واحداً، لا بل تستنكر ذلك حسب ما تستبطن تصريحات الشيخ الجليل. كما تشي تلك التصريحات، وبكل أسف، أن تلك الحركة الدؤوب، لمنع رؤية شيعي واحد، في المجتمعات ذات الغلبة السنية الخالصة لم تفلح مطلقاً، وأن تلك العملية كانت عبثية، وأن أصل الأشياء هو التعدد والتنوع لا النقاء الديني والعرقي كما يحلم ويريد الشيخ الجليل.

وفي الأمر ما فيه، أيضاً، من نفحات فاشية ونازية، نربأ بشيخنا الجليل أن يكون قد فكر فيها، أو نوى عليها مطلقاً. ويحضرني هنا، وعلى الفور هلوسات فوهرر الرايخ الثالث وهو يخطب بحماس خالص عن آرية الألمان وصفاء عرقهم وتفوقهم النوعي. أو عن هذيانات اليمين الأوروبي والأمريكي المتطرف النازي الجديد، اليوم|، الذي يرفض، وبناء على نزعات عنصرية بحتة، رؤية عرب وهنود ومسلمين في مجتمعات أوروبية وأمريكية يريدها "خالصة"، ومغلقة على أعراق، وديانات وطوائف بعينها. فهل هذا بعض مما رامه وما قصده شيخنا الجليل، أم لا مجال للمقارنة بين الموقفين؟ فمن الذي يجرؤ في عالم اليوم بالكلام عن النقاء والصفاء الديني والعرقي إلا الشيوخ ووعاظ السلاطين الذين يتحدون قوانين الكون ويسفهونها لأنهم مشمولون برعاية النظام الرسمي العربي ومؤسساته السلفية الديناصورية التي لا تخضع لأي شرع عصري، ولا تعترف بميثاق إنساني، وشرعها البدوي اللا آدمي فوق الجميع. ألا يفتون يومياً، وعلناً، بقتل أناس أحرار في كل مكان من العالم، كما فعل الشيخ القرضاوي حين حكم، ضمناً، بردة وتكفير، وبالتالي قتل، أكثر من مئتي مليون شيعي في طول العالم الإسلامي بطوله وعرضه، هكذا وبجرة قلم، حين قال إن الشيعة مبتدعون، والكل يعلم القاعدة القائلة كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟

فهل يمكن لأحد في عالم اليوم أن يدعو لمجتمعات مسيحية خالصة، أو بوذية، أو هندوسية، أو سيخية خالصة؟ فحتى الصين البوذية، والشيوعية سابقاً على طريقة المغفور له الشيخ ماو رحمه الله، فيها أقليات مسلمة، لا يقبل الشيخ أبداً أن يرفض أحد وجودها هناك بناء على انتمائها الديني الذي لا يتلاءم مع البوذية "الخالصة" في الصين خلوص المذهب السني في المحروسة وأم الدنيا. وحين يرفض الشيخ وجود الشيعي في مصر السنية الخالصة، عليه أن يرفض ويستنكر، بنفس القوة، والحماس، وجود المسلم حتى السني، وليس الشيعي، في مجتمع صيني بوذي خالص، يحترم ذلك المسلم ولا يكفره، ولا يدعو لاستئصاله كما يفعل شيخنا الجليل، مع المسلم الشيعي.

وفي الحقيقة فهذه المجتمعات لا تحتاج لأي نوع من نكأ الجراح في هذا الجانب المؤلم الحزين، وما فيها يكفيها من علو كعب الخطاب التحريضي العنصري، وهي بحاجة لتجاوز، والتطلع إلى أبعد من هذا الجانب الما قبل وطني والما قبل سياسي. فالتصنيفات الدينية والعرقية والطائفية هي ما يضفى على الخطاب اليومي بشكل عام. والتقسيمات الإدارية والمناطقية والتجمعات السكنية تنطلق، وتنبني، في الغالب، من هذا الجانب المفزع الشاذ المقيت. فهناك دولة وهابية الطابع مثلاً، وهذه دولة مالكية المذهب، وتلك مدينة درزية، وهذا قضاء ماروني، وهذا ناصبي، وذاك رافضي، وهنا عرب، وهناك بربر وأمازيغ، أو ودرافوريون، وجنوبيون، كما في المثال السوداني.

كما وتنطوي تلك التصريحات وفي جانبها الأسوأ والمأساوي، عن انحسار الدور الريادي، والقيادي، التوجيهي، وغياب الوظيفة الحيوية المنوطة بالنخب التنويرية، وانعدام تأثيرها المجتمعي النهضوي، ولجم صوتها، يقابله استمرار وتسيد وسطوة لرجال الدين المعممين والملتحيين وحشر أنوفهم في قضايا سياسية بحتة، ولا علاقة لها بأي دين من الأديان، إذ أن جوهر أي دين، عبر التاريخ، هو تنظيم علاقة الإنسان الروحية، وليس السياسية، بهذا الكون الغامض الفسيح. وما تربع هذا الشيخ السلفي وأمثاله على عروش الفضائيات البدوية إلا تجل مرعب لظاهرة الاحتلال والطغيان الديني والتوغل المجتمعي الرهيب، واستعراض لذراعهم وقوتهم الضاربة مجتمعياً وعبثهم بالوعي المجتمعي، ولعبهم على الوتر الطائفي، الذي يؤدي، بعد عملية من التراكم الكمي والزمني، إلى تفجير مجتمعي لا ندري إن كان الشيخ يعلم أو لا يعلم بأنه سيفت في عضد أي بناء وطني، ولن يستثني منه لا سني ولا شيعي. وإن تناولها بذاك الشكل الاستعلائي اللاحيادي الرفضوي المستقوي بالأنظمة الديناصورية الحاكمة ما هو إلا إذكاء لنيران الفتن الكامنة في باطن لا وعي هذه المجتمعات التي لم تفارقها الانقسامات الدينية والعشائرية والقبلية أفقياً، وعامودياً منذ عهود ما قبل التاريخ.










#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرضاوي:هل هو خوف من تشيع ديني أم سياسي؟
- نهاية فوكوياما
- من هي الدول الفاشلة؟
- حول طائفية إعلان دمشق
- العنصرية وعرب الخليج الفارسي
- عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
- عار السعودية الأبدي
- سحقاً للقتلة والجبناء
- القرضاوي وهشاشة الفكر الديني
- السّعُوديّة أولاً!!!
- حروب الشيوخ الكارتونية
- لا لأي تدخل سوري في لبنان
- عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
- تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
- لماذا صوم رمضان فقط؟
- مهند ونور، وهشام وسوزان
- 11/9 جديدة: اللهم شماتة
- المعارضة السورية وسياسة التضليل
- هل يكرهوننا حقاً؟
- هل انتهت مغامرة خدام؟


المزيد.....




- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - وجوه أخرى لتصريحات القرضاوي