|
هل من بديل أفضل من الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية الراهنة؟
جاسم الحلوائي
الحوار المتمدن-العدد: 2445 - 2008 / 10 / 25 - 09:33
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هل من بديل أفضل من الاتفاقية الأمنية العراقية ـ الأمريكية الراهنة؟ جاسم الحلوائي
وأخيراً جرى الإعلان عن نص مسودة الاتفاقية، وصار بالإمكان تقييمها وإبداء الرأي فيها بملموسية أكبر وبعيداً عن العموميات، وبعيداً أيضا عن عُقد الاتفاقيات القديمة في عهد الاستعمار والمنطلقات الأيديولوجية لظروف الحرب الباردة.
تجمع القوى السياسية الأساسية المساهمة في العملية السياسية على ضرورة الاتفاقية للعراق، في حين ترفضها بالأساس القوى المعادية للعملية السياسية. وهناك بعض القوى التي تساهم في العملية السياسية ولكنها ترفض الاتفاقية، والقوى الأخيرة تلتقي، أو تتحالف سراً أوعلناً، مع قادة الجمهورية الإسلامية في إيران الذين هم من ألد أعداء العملية السياسية في العراق لأنها تهدد، بتقدمها واستقرارها، نظامهم الاستبدادي من جذوره. إن حكام إيران هم الوحيدون الذين يدّعون علناً ويحّرضون على رفض الاتفاقية مع أن الأمر شأن داخلي عراقي، مدفوعين بأطماعهم في بسط نفوذهم على المنطقة الجنوبية في العراق تحت لافتات دينية. ولا يخلو معسكر الرفض من تيارات ذات اجتهادات نزيهة وغير معادية للعملية السياسية، إلا أنها لم تطرح مشروعاً واقعياً بديلاً.
لقد آن أوان خروج القوات الأجنبية من بلادنا، ولا يمكن أن يتم ذلك بدون اتفاقية تنظمه. وفي نفس الوقت ليس من مصلحة العراق خروج أمريكا وقواتها العسكرية من العراق بدون التزامات منها تضمن مصالح العراق ومستقبله وحمايته من تدخلات إقليمية. كما ليس من مصلحة العراق استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، بما في ذلك استمرار العراق تحت طائلة البند السابع، الذي يتطلب التحرر منه تلقي الدعم من دولة عظمى. وليس هناك دولة جديرة بذلك، شئنا أم أبينا، سوى الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا تكمن ضرورة الاتفاقية.
توفر مسودة الاتفاقية الأمنية العراقية ـ الأمريكية، بتحديدها جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق، إمكانية واقعية لتحقيق السيادة الكاملة للعراق بعد ثلاث سنوات ، والى ان يتم ذلك فأن سيادة العراق ستبقى نسبية . ان تحقيق سيادة وطنية نسبية هو أفضل، في كل الأحوال، من الوضع القائم الآن والذي تتمتع فيه القوات الأجنبية بحرية كبيرة جداً. ولا يبدو بأن هناك تحّفظ على جدول زمن الانسحاب، لحاجة العراق إلى هذه الفترة ليستكمل جاهزية قواته الأمنية. وفي هذه الحالة فإن التحسينات التي يمكن أن تُدخل على الاتفاقية ستبقى في إطار تحسين عناصر السيادة الوطنية النسبية، مادامت القوات الأجنبية موجودة على الأراضي العراقية.
إن وجود القوات العسكرية الأمريكية في العراق سيختلف عن وجودها في الكثير من دول العالم جراء طبيعة مهامها في العراق والواردة في المادة الرابعة من الاتفاقية، وبالتالي فلا يصح مقارنة العراق بالمانيا أو اليابان وحتى بالكويت وقطر. فلا توجد للقوات الأمريكية مهمة محاربة القاعدة أو المجموعات الأخرى الخارجة عن القانون في هذه البلدان. إن هذه المهمة ومستلزمات تنفيذها من قبل القوات الأمريكية يحد من السيادة بهذا الشكل أو ذاك، وفي الاتفاقية الكثير مما يؤكد ذلك، إذا ما نظرنا للسيادة بالمعنى الحقيقي. إن تأكيد الاتفاقية على سيادة العراق مراراً وتكرارا ما هو إلا بالمعنى القانوني الصرف، حيث أن وجود تلك القوات هو بطلب من الحكومة العراقية. وبإمكان الحكومة العراقية الطلب بخروج تلك القوات متى ما تشاء. ولا يمكن أن يبّدل من هذا الواقع، واقع السيادة الوطنية النسبية أية تعديلات على الاتفاقية من قبيل زيادة نفوذ ولاية القضاء العراقية أو تفتيش البريد وما إلى ذلك، فهي أمور يمكن أن تحّسن الاتفاقية ولكن بحدود الكم. ومن مصلحة الولايات المتحدة القبول بها إن كانت حريصة على توقيع الاتفاقية.
إن البديل المطروح من قبل القوى المترددة أو المعارضة للاتفاقية داخل العملية السياسية، بصرف النظر عن دوافعها أو الضغوط التي تتعرض لها، هو الطلب من مجلس الأمن تمديد ولاية القوات المتعددة الجنسيات لمدة ستة أشهر أو سنة أخرى بأمل الحصول على شروط أفضل من الإدارة الجديدة، وبعد أن يستلم الإدارة الديمقراطي باراك اوباما في بداية السنة القادمة والتي بات من شبه المؤكد بأنها ستكون برئاسته. فهل أن المراهنة على هذا الاحتمال محسوب بشكل جيد سياسيا؟ كلا، في نظري.
فبدافع الطموح نحو تحقيق الاتفاق مع العراق باعتباره انجازاً للولايات المتحدة، التزمت إدارة بوش بتعهدات سياسية واقتصادية مهمة جداً للعراق، واضطرت إلى إجراء تنازلات لم تفكر بها سابقاً، سيكون اوباما في حِلّ منها وهو غير مضطر لقبولها. إن كل ما في جعبة اوباما إزاء العراق هو ربما تقليص مدة الاتفاقية إلى نصف مدتها الراهنة، وهي مدة غير كافية لاستكمال القوات العسكرية العراقية لجاهزيتها، باعتراف أكبر مرجع في هذا الشأن وهو وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي، والذي صرّح في المجلس السياسي للأمن الوطني بأن العراق بحاجة إلى أربع سنوات لاستكمال جاهزية قواته العسكرية (قناة الشرقية فجر 22 تشرين الأول 2008). هل إن المترددين أو المعارضين للاتفاقية داخل العملية السياسية، متأكدين بأن أوباما سيلتزم بما يلي:
ـ تتعهد الولايات المتحدة بأن تبذل أفضل جهودها لمساعدة العراق على الخروج من تحت طائلة البند السابع (من المادة السادسة والعشرون). وتظل الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة العراق بشأن الطلب الذي قدمته إلى مجلس الأمن الدولي لمد الحماية والترتيبات الأخرى بشأن البترول ومنتجات البترول والغاز الطبيعي الناشئ في العراق، والموارد والالتزامات الناشئة عن هذه المبيعات، وصندوق التنمية للعراق، وهي الترتيبات المحددة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 (2003) والقرار 1546 (2003). ويسعى الطرفان في سبيل: أ- مساعدة العراق في الحصول على أكبر قدر من الإعفاءات المتعلقة بالديون الدولية الناتجة عن نظام الحكم السابق. ب - السعي من أجل التوصل إلى قرار شامل ونهائي بشأن مطالبات التعويض التي ورثها العراق عن نظام الحكم السابق ولم يتم البت فيها بعد، بما في ذلك متطلبات التعويض المفروضة على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي (من المادة السابعة والعشرون). فهل سيمنح اوباما مثل هذا التعهد للعراق وهو الذي استكثر علينا ما نملك من رصيد في صندوق التنمية وطالب بالصرف منه على العراق بدلا من الخزينة الأمريكية؟ هل سيلتزم أوباما بتنفيذ ما جاء في نص المسودة من أنه:
ـ في حال بروز أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه الجوية، أو قابلية مؤسساته الديمقراطية للبقاء، يقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فوراً في مداولات إستراتيجية، وفقا لما قد يتفقان عليه في ما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي مزيج منها، لمواجهة مثل هذا الخطر. 2- يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات الأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفقا لما قد يتفقان عليه في ما بينهما، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية، من أجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والمجموعات الخارجة عن القانون، وذلك بناء على طلب من حكومة العراق. (المادة الثامنة والعشرون).
هل سيكون اوباما مهتماً بمحتوى هذا النص، وهو الذي يعتبر أفغانستان من أولوياته في مكافحة الإرهاب الدولي، ويسقط العراق ومتطلباته من حساباته؟
وبما أن المترددين أو المعارضين للاتفاقية داخل العملية السياسية، لا يوجد لديهم دليل أكيد على أن اوباما سيمنح مثل هذه التعهدات السياسية والاقتصادية التي مر ذكرها، فإنهم سيجرون العراق إلى مصير مجهول، ويفرطون بمصالحه جراء قراءتهم السياسية الخاطئة، أو خدمة لأجندات لا يجمعها جامع مع المصالح العليا لوطننا.
ويشير سامي العسكري النائب عن كتلة الائتلاف في حديث لصحيفة واشنطن بوست نشرته في 21 تشرين الأول 2008 إلى "أن هناك قلقا في الائتلاف من الفقرة الخاصة بإمكانية تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق إلى ما بعد عام 2011 وهو تأريخ انسحابها من العراق بموجب الاتفاقية. وأضاف العسكري أن هذه الفقرة تفتح الباب للحكومة العراقية الجديدة لتمديد الوجود العسكري الأميركي، مشيرا إلى أن العراق على موعد مع الانتخابات التشريعية السنة المقبلة".
هل إن هذا القلق في محله؟ ولماذا يعتبر البعض أن المجلس النيابي القادم أقل تمثيلا للشعب من المجلس الحالي، أو أن نوابه أقل ذكاء وأقل شعوراً بالمسؤولية تجاه مصالح الوطن ومصيره من بعض نواب الائتلاف، غير الواثقين من إعادة انتخابهم من قبل الشعب لفشلهم الذريع، وفوق ذلك يرومون أن يضعوا أنفسهم أوصياء على مجلس النواب القادم؟
ونظراً لعدم وجود بديل حقيقي عن هذه الاتفاقية سوى استمرار الوضع الراهن، أي تمديد ولاية القوات المتعددة الجنسيات والمجازفة بمكتسبات سياسية واقتصادية مصيرية ، فإنني أعتقد بأن مصلحة العراق العليا، تقتضي توقيع الاتفاقية، بعد تحسينها جهد الإمكان، قبل انتهاء ولاية بوش، وإذا بات ذلك شبه مستحيل لضيق الوقت، فلابد أن يتم ذلك قبل انتهاء ولاية القوات المتعددة الجنسيات في نهاية هذه العام وتجنب القفز إلى المجهول. وإن توفرت إمكانية لتحسين الاتفاقية في عهد اوباما، فذلك ممكن فمسودة الاتفاقية تنص، في مادتها الواحدة والثلاثون، على إمكانية تعديلها في أي وقت باتفاق الطرفين.
لقد لعب المفاوض العراقي دوراً بارزا في إنجاز هذه الاتفاقية، وخاصة في تثبيت الجدول الزمني للانسحاب الذي من شأنه ضمان تحقيق السيادة التامة للعراق في الأفق القريب . إن جميع القوى الحريصة على مصير العراق مدعوة إلى عدم المقامرة بمستقبل البلاد والعملية السياسية، والعمل على شل تذبذب المترددين والمضي قدما في عرض مسودة الاتفاقية على المجلس النيابي والتوقيع عليها.
24 تشرين الأول 2008
#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تتركوا المالكي وحده!
-
ترسيخ الديمقراطية في العراق الضمان الأكيد لتحقيق طموحات الشع
...
-
تعقيب على مقال الأستاذ عبد الخالق حسين -هل كانت ثورة 14 تموز
...
-
بمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز عام 1958
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب - عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوع
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
-
قراءة نقدية في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|