لم يخل بيان سياسي أو برنامج عمل لحزب أو تجمع عراقي من حق الأكراد في الفيدرالية أو مايشير الى ضرورة أنصافهم ومنحهم الحقوق التي يستحقونها قبل أن تسقط السلطة الصدامية ، ويبدو أن اجماعاً وتأكيدا من جميع الأطراف السياسية العاملة في المجال السياسي المعارض على الأقرار بحق الكرد ، وعزز هذا الأمر في أجتماعات المعارضة العراقية سواء منها في مؤتمر صلاح الدين أو واشنطن أو لندن أو مؤتمر الناصرية الأخير .
وشكلت تصريحات ومقابلات شخصيات سياسية عراقية معارضة للصحافة والقنوات الفضائية موقفاً واضحاً وصريحاً ومشرفاً من القضية الكردية وقضية الفيدرالية .
كما اكدت المؤتمرات القانونية التي تمت فيها مناقشة أطر المحاكمة والأتهام لأقطاب السلطة والقبض عليهم والتحقيق معهم والنظام القانوني والقضائي في العراق ، والتي حضرتها نخبة مميزة من القضاة والحقوقيين العراقيين المعارضين لسلطة الدكتاتورية ، والتي اكدت وبقناعة كاملة على حقوق الأكراد في الفيدرالية وضرورة تحقيق هذه الحقوق بما يخدم أستقرار العراق ويحقق الطموحات المشروعة للشعب الكردي في كردستان العراق .
وكان الشعب الكردي يحتضن هذه الحركات ويضفي عليها الحماية وماتمليه عليه موجبات الشراكة الوطنية والأخوة الحقيقية ، بالأضافة الى موجبات الأنسانية ، ويقدم لها كل المساعدات الممكنة لعقد مؤتمراتها وأجتماعاتها على أرض العراق يعتقد جازماً أن هذه الحركات والأحزاب السياسية تدرك جيداً معنى هذه المواقف ويمليه عليها الضمير العراقي من تبعات التفكير بحلول ترسم مستقبل لجميع العراقيين عربا واكراداً وتركمانا واشوريين وكلدان .
والموقف الي سجلته هذه الحركات والأحزاب والشخصيات العراقية في مؤتمراتها ومقابلاتها لم يكن نابع من مجاملة الشعب الكردي على حساب العراق ، وانما كان نابعاً من أيمان هذه الأحزاب والحركات والتجمعات والشخصيات بحق الكرد الحقيقي في أختيار الشكل الدستوري في الحكم للمنطقة الكردية ، مع معرفة الجميع بأختيار الأكراد للفيدرالية وبالأجماع في قرار البرلمان الكردي عام 1992 كشكل من اشكال الأنظمة الدستورية المعمل بها في دول عديدة فقيرة أو غنية متخلفة أو متطورة .
وأذا كان هذا الخيار مطلباً جماهيرياً يكاد أن يجمع عليه الشعب الكردي بجميع أحزابه وتجمعاته السياسية ، مما يلزمنا ويترتب علينا أولاً احترام هذا الخيار من خلال أحترامنا لكلمة الأجماع التي أصدرتها الجماهير الكردية المطالبة بحقها المشروع في شكل الحياة التي تريد في العراق .
هذه المواقف التي سجلها التاريخ للأحزاب العراقية قبل أن يسقط ويتهاوى نظام صدام ، حين لم يكن لنا ملاذ سوى أرضنا الطاهرة في كردستان العراق ، وحين كانت هذه الأرض القواعد الحقيقية للعمل السياسي المعارض ضد سلطة الطاغية ، سواء منها المسلح أو السياسي ، أو اعتبارها محطة ارتباط وأتصال بين الداخل المحكوم بالحديد والنار وبين خطوط الخارج العاملة بمثابرة وجهد ملحوظ .
فأذا كانت المواقف مسجلة في صفحات التاريخ العراقي ، وأذا كانت الذاكرة العراقية لم تزل نشطة ولم تندثر المواقف والتصريحات والبرامج لهذه الأحزاب والشخصيات ، فمن أن تستمد هذه الأحزاب والشخصيات التي بدأت تماطل وتتلكأ في أحقاق الحق وتلبية مطلب اخوتهم الكرد في تحقيق الفيدرالية ضمن العراق .
الأشاعات والأراجيف التي تطلقها بعض الأصوات النشاز بقصد ذر الرماد في العيون واحداث الفرقة في المواقف المتباينة أزاء قضية الفيدرالية ، لايراد منها الخير للعراق ولالمستقبل الشعب العراقي ، ولاتشكل حلا جذرياً لمشكلة الأكراد والعراق بشكل عام ، ولادفعاً لتحقيق الديمقراطية في العراق والتي تكون الفيدرالية من أول خطواتها الديمقراطية .
لنعيد ذاكرتنا العراقية الى ماقبل سقوط سلطة الطاغية ، ولنتذكر المواقف التي سجلتها قوى المعارضة العراقية في حينها ازاء القضية الكردية وضرورة تلبية نداء الشعب الكردي في تحقيق الفيدرالية ونقلب صفحات الألتزام الأخلاقي والوطني والتاريخي الذي سجلته المؤتمرات واللقاءات التي عقدتها الأحزاب العراقية .
ولنعد بذاكرتنا الى أصدارات هذه الأحزاب وقراءة مواقفها الوطنية والواضحة في أدبياتها ونشراتها الداخلية والخارجية لنجد حق الأكراد في أختيار الشكل القانوني الذي يناسبهم فقرة اساسية ومهمة ولازمة من لوازم الاهداف العراق ية بعد أسقاط سلطة الدكتاتور .
وأذا كانت هذه المواقف تشكل موقفاً ضميرياً تمليه علينا المصلحة الوطنية والثبات على الكلمة والمواقف الثابتة والوفاء للعهد وستراتيجية الأهداف العراقية التي تخدم آلية العمل الديمقراطي في العراق ، خاصة ونحن نحاول أن نحقق مشروعنا الديمقراطي في المجتمع المدني ، ونطبق كل تشريعات حقوق الأنسان في هذا النظام السياسي والذي من اهم أسسه أن يتمتع الأنسان بكافة الحقوق والحريات التي اوردها الأعلان العالمي لحقوق الأنسان دون اكتراث للجنس او اللغة او العنصر او الدين او العقيدة السياسية .
فاذا كان للأكراد حقوق في هذا العراق ، واذا كان من حقهم أن يختاروا لأول مرة في العراق ممارسة حقهم في خيار الفيدرالية ، واذا كان هذا الأختيار بأجماع الأكراد ويحقق لهم مطلباً مشروعاً كما أنه حلاً جذريا لمشكلة عراقية تحمل فيها الشعب العراقي عربا واكراداً واقليات اخرى المصائب والمصاعب وفقد من الأ{واح البريئة الكثيرة التي نزفت في حروب الجيش العراقي مع الشعب الكردي على أ{ض كردستان العراق ، وأذا كان هذا الخيار منسجم مع شكل النظام الدستوري والقانوني الذي سيقدم عليه العراق ، وأذا كانت الأحزاب العراقية التي ناضلت ضد سلطة البائد صدام وضحت وأعطت الشهداء تقر بهذه الحقوق وتعمل من اجل تحقيقها ، فعلينا ان نشخص العائق الحقيقي الذي يروم عرقلة مسيرة الديمقراطية في العراق والتي ترتبط بشكل لايقبل الأنفصال مع تحقيق الفيدرالية للشعب الكردي في العراق . أن للعراقيين عموما حقوقا اساسية وثابتة منها ماهو منصوص عليه في الدستور ومنها في القوانين المتفرعة عن هذا الدستور ومنها مامقرر بشكل ثابت واكيد في القرارات والوثائق الدولية التي تمس حياة الانسان بشكل عام ، وأذا كانت هذه القرارات والوثائق الدولية الملزمة فان سريان الزامها يمتد الى الشعوب قبل الحكومات ، بأعتبار أن عصرنا الراهن مع وجود هذه القرارات الأنسانية لايسمح بتجاوز اية سلطة أو منظمة على حقوق الأنسان وأرتكاب الجرائم ضد الأنسانية ، ومن هنا انطلقت الفكرة التي التزمت بها جميع الدول ، من أعتبار القاعدة القانونية الدولية ملزمة في القانون الوطني ويتم الألتزام بها وتنفيذ ماورد فيها .
واذا كنا نلتزم كمجتمع متحضر حق الأنسان في الحياة والأختيار ، علينا أن نجنح للقبول بخيار الملايين الكردية بشكل الثوب التي ترتديه وبشكل ترتيب البيت المشترك الذي نعيش فيه ابداً .
علينا ان ننظر بعين المساواة وليس دونها للشركاء في هذا الوطن ، وعلينا أن نقر بما لهم من حقوق مغبونة وممنوعة طيلة هذا الزمن الذي اوصل صدام الى السلطة واوصل العراق الى ماهو عليه الحال الان .
او على الأقل دعونا ننظر الى مامنعه النظام الصدامي من حقوق للأكراد لنعمل على تحقيقها بدلاً من الأنسجام مع دعوات السلطة البائدة وهي التي تعتمد كلمة الحق التي يراد بها الباطل ، في الحرص على وحدة العراق وسيادته وكرامته ، وليس اكثر منها من فرط بكرامة العراق وسيادته وحقوقه .
ننظر الى القضية بعيداً عن التطرف والتعصب القومي الأعمى الذي استطاع الفكر المتعصب العربي ان يتشره بين عقول بعض الأخوة العرب فأعماهم عن تلمس الحقيقة والحق ، هذا الفكر المنغلق والمعادي لحقوق الأنسان والمتلبس بأفكار الحصري وعفلق والبيطار والذي دحرج العراق الى الخلف مئات السنين ، هذه العقلية يجب أن نرميها الى مزابل التاريخ العراقي لكونها لاتصلح نهجاً ولافكراً انسانياً يتناسب وينسجم مع هذا الزمن ، وأن نبدأ زمانا جديداً تتعزز فيه الحقوق وتتأكد فيه الشراكة الحقيقية بين العرب والأكراد والقوميات المتآخية الأخرى في هذا الوطن الثري والمعطاء والذي احالته العقول المبتلية بالعماء الأيدلوجي المنغلق الى دون خطوط الفقر .