|
عودةٌ إلى الواقع الحضري والإقليمي!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 2443 - 2008 / 10 / 23 - 08:21
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عندما تقطع بك السيارة الطريق بين محافظتي العمارة والكوت تجد أن الطريق طويلةً جدا ومملةً أيضا بسبب عدم وجود بساتين كثيرة ولا عوارض تُحرّك المشهد العريض. لا أدري ..هل درس المخططون الحضريون والإقليميون إقامة استيطان جديد في مثل تلك المناطق الشاسعة والتي لا تتخللها سوى مراكز حضرية محدودة مثل مدينة علي الغربي وعلي الشرقي أو شيخ سعد وبعض النواحي والقرى الصغيرة مثل كميت وأخريات قليلة. لا أدري لماذا لم يفكّر أحد في الإستفادة من هذا الفضاء الواسع لأغراض التطوير الحضري فيما بين مدينتين مهمتين وحيويتين هما العمارة والكوت. وعندما تنظر إلى تلك الأراضي الخلاء تماما تتذكّر وضع محافظات أخرى من مثل محافظة البصرة على سبيل المثال والتي تُعاني من تزايد مضطرد جدا في عدد النازحين والمهاجرين إليها رغم عدم وجود أراضي خالية تصلح للسكن لا في مدنها الرئيسية ولا ضمن محتواها الإقليمي ومعروف لدى كل الجهات المعنية ما تُعانيه هذه المدينة من محددات تضيّق على قدرتها على التوسع رغم المخالفات التي اتُّبعت في العقود الأخيرة والتجاوزات الأهلية والحكوميّة على محرمات عدد من الهيئات ذات النفع العام والخاص فقد تم التجاوز على محرمات خطوط النفط والحقول النفطيّة وتم التجاوز على محرمات الآثار التي تؤلف تاريخ وذاكرة المدينة كما تم التجاوز على محرمات خطوط نقل الطاقة وأنابيب نقل الغاز والكيبلات المحوريّة وخطوط الإتصالات الأرضيّة والطرق العامّة وخطوط السكك الحديديّة وتُحاصرها أراضي محجوزة للأغراض العسكريّة وكذلك مياه الأهوار والمستنقعات والأراضي الكبيرة غير الصالحة في الوقت الحاضر للإستثمار بسبب كونها إما مغمورة بمياه المد أو الأمطار أو حاجتها إلى البزل الواسع للتخلص من الأملاح القلويّة التي تتعارض مع أي نوع من الإعمار والتطويرأو بسبب ضعف قابلية تربتها على تحمّل القوى الناتجة عن المباني والعمران الإنشائي ودع عنك التجاوزات على أراضي ليست مملوكة للدولة بل ضمن أراضي الملك الصرف وبدون وجه حق ،فضلا عن المحدد الستراتيجي الكبير وهو محور شط العرب الذي لا قبل للسلطات المحليّة على اقتحامه إلى الجانب الآخر لما يتطلبه ذلك من جهود وإمكانيات وأموال طائلة وحلّ معضلات كبيرة لا مجال لحصرها هنا. إن عددا من المدن الكبيرة عندما تستعصي مشاكلها على الحلّ وتتضخّم بشكلٍ واسع عندذاك ؛لابدّ من التفكير بالإنتقال إلى مدينة جديدة كليّا كما حصل في البرازيل حيث انتقلت العاصمة من ريو إلى برازيليا الجديدة . إن المدن التي تحتويها الأزمات والإختناقات ولا تعود هي تحتوي تلك الإختناقات والأزمات فإنها تضمحلّ أو تموت أو تفقد بريقها أو تتخلّى عن عدد من وظائفها وغنيّ عن القول ان هناك عبر التاريخ كثيرٌ من المدن انتهت إلى أن تُصبح مجرّد اطلال! هذا من ناحية ومن الجانب الآخر فإن صلاحية وتحمّل تربة البصرة مثلا لا تتيح الإنشاء والبناء إلى أكثر من طابقين أو ثلاث بما يضمن العوامل الإقتصادية إلاّ إذا تم القفز إلى بناء الأبراج والمباني الشاهقة حيث يعود إلى الظهور عامل الإقتصاد في النفقات لأن بناء خمسة أو ستة طوابق مثلا سيحتاج إلى استعمال أسس دق ركائز وهذا أسلوب يمكن الإستمرار معه لإنشاء مباني أعلى من خمسة أو ستّة طوابق بكثير ولكن من الناحية الإجتماعيّة والحضريّة نجد ان النسيج الإجتماعي والتطور الحضري لم يتقدم بعد لاستقبال مثل تلك الأفكار التي تتطلب تقبلا لعادات وتقاليد اجتماعيّة لم يعد ممكنا اعتمادها لتراجع المستوى الحضري كثيرا وعودة المجتمع إلى التقاليد الريفيّة والقبليّة وعدم القدرة على تحديد حجم الأسرة وليس ممكنا كما هومعروف ان يتقبّل التقدم الحضري تقديرات لحجم الأسرة يفوق العشرة أفراد مع استعمالات داخليّة ومحددات يصعب جدا تعويد أبناء الريف على الإلتزام بها ولا الإستغناء عن تقاليدهم الريفيّة بسهولة. إن مثل هذه المدن كالبصرة بحاجة ماسّة إلى خفض عدد سكّانها ووقف أيّة هجرة إليها من المحافظات الأخرى ولو بالقوّة لكي تستطيع السلطة المحليّة أن تقوم بواجباتها وترفع من مستوى الخدمات التي تقدمها لمواطنيها كما أن استمرار الهجرة غير المبررة إلى تلك المدينة سيجعل من المستحيل على المخططين أن يستمروا في تطوير أهدافهم ومقاصدهم بسبب التغيير المستمر في الواقع السكاني فضلا عن أن الواقع الإجتماعي يسير نحو التقهقر والسير إلى الوراء لأن أغلب المهاجرين هم من أبناء الريف والأهوار وذوي تقاليد غير حضريّة يصعب معها تطبيع أوضاعهم مع التقاليد السائدة في المجتمعات الحضريّة الكبرى وقد تأخذ مثل هذه المهمة أجيالا عديدة لكي ينصهر المواطنون الريفيون في النسيج الحضري الذي اصبح هو الآخر مهلهلاً جداً بل قل ممزّقا تماما.ولا ينعكس ذلك على عملية الإسكان فقط إذ أن المهام الحرفيّة والإنتاجية مختلفة تمام الإختلاف بين الريف والمدينة فالمزارع والفلاح أو لنأخذ الفلاح فإنه يعمل في الأرض ولا يحتاج إلى مهارة متطورة أو تقنيات محددة ولكن العمل في المدينة يتطلب ذلك ولهذا نجد أن الفلاحين القادمين من الريف عندما يدخلون في عالم العمل يصعب جدا تعويدهم على علاقات إنتاج متطورة بعد أن قضوا في ما تعودوا عليه نصف عمرهم أو قل عمرهم كله؟وهذا يُلجئهم إلى الرجوع إلى اختبار العلاقات القبلية وتقاليدها في الوسط الجديد ويدخل الجميع في دوّامة عويصة! إن وضع دراسة إقليميّة عاجلة من شانها أن توضح مدى إمكانية توقيع تجمعات حضرية أو ريفيّة في مناطق تـُبعد عن المدن الكبرى اعباء الهجرة غير المبررة والتي تجري على قدم وساق وبدون تخطيط ولا مواجهة فاعلة ، إن السماح لأية مجموعة من المستوطنين الجدد للإستيطان في اي مكان حتّى ولو كان نائيا سيجعل منهم عبئا مستمرّا من حيث الوضع التخطيطي العام ومن حيث إسداء الخدمات التي سيكون الأمر معها شبه مستحيل وأن تقديم الماء والكهرباء سيكون أمرا صعبا جدا وعلى مدى عقود قادمة ولن يحظى هؤلاء المهاجرون بالإهتمام لانشغال المؤسسات المحليّة بحجم مهول من الطلبات والمشاكل. إن توقيع أماكن استيطان حضري أو ريفي في المساحات الواسعة ضمن محافظاتهم سيجعل الحلول أيسر بكثير أمامهم وأمام المؤسسات المحليّة في كل من المحافظات التي وفدوا منها وكذلك توفر الجهود على مؤسسات المحافظات التي يفدون إليها كما أن أول المهام كما يبدو في الوقت الحاضر، أن نوقف تلك الهجرة التي كما يبدو واضحا أنها لا تتم بسبيل البحث عن العمل أو الحصول على الخدمات لأن هذا كما هو واضح غير متيسّر حاليا في كافة المدن ولا سيما الكبيرة منها إنما أو ربما يتّضح أنها تتم بسبب دوافع طائفيّة سياسيّة، أو استقطاب عشائري، ويستهدف بعضها تغيير الواقع السكاني(الديموغرافي) وهذه حركة رائجة وخاطئة جداهذه الأيام بسبب قلق الأوضاع الأمنيّة أيضا. إن السبيل الأمثل يكمن في إعداد الدراسات التخطيطيّة للواقع الحضري والإقليمي للبلاد وتوقيع إستثمارات مناسبة لتوطين مختلف المواطنين في مناطقهم التي يُقيمون فيها أصلا وإقناعهم بان التوازن الإنمائي سيكون متجانسا فيما بين مختلف المناطق الحضريّة والريفيّة كبيرها وصغيرها. وليعلم كافة المواطنين أن الخدمات في مناطق حضرية متوسطة الحجم أفضل بكثير من منها في المدن الكبيرة والتي اصبح إصلاح أوضاعها الخدميّة يتطلب صرف اموال طائلة وجهود جهيدة قد لا يتمتعون معها في الحصول على ما يتمنون أبداً ونظن أن العراقيين من الشهامة والنبل بمكان بحيث لن يقبلوا أن يتركوا أخوانا لهم في الوطن في مواقع كثيرة دون خط الفقر في الوقت الذي يتمتع فيه نفرٌ قليل باوفر الخدمات(إن وجدت!) إن هناك مدنا كبرى تُعاني من مشاكل عويصة قد لا يُدركها من هاجر إليها حديثا وقد يكون بعض من تلك المشاكل قد بدأ يظهر للعيان بالنسبة للمهاجرين الجدد.! إن خدمات المجاري الثقيلة ومجاري مياه الأمطار والماء الصالح للشرب والكهرباء والطرق والخدمات الصحية والتعليمية والخدمات القطاعيّة والأسواق والمناطق التجاريّة واختناقات النقل والمرور وتضرر البيئة بل التخريب الحاصل فيها والإفتقار إلى المناطق الخضراء ستجعل من سكنى المدن الكبيرة اتجاها غير مرغوب فيه، أنظروا إلى معظم الدول ألأوربيّة ستجدون أن أغلب السكان الأصليين يسكنون الآن في الضواحي لأن الخدمات أوفر والأزمات أقلّ أما المدن الكبيرة فإنها ما عادت تقتصر إلاّ على الغرباء والزائرين ومؤسسات الحكومة. ونتمنى أن تقوم الهيئات التخطيطيّة المسؤولة بالمباشرة في إعداد الدراسات والخرائط من أجل وضع برامج تنمويّة للأقاليم والأنشطة الحضريّة والريفيّة وفق الأسس العلميّة المجربة. وللحديث صلة والسلام عليكم.
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجرد المساس بقدسيّة قوانين السوق لا يعني الإشتراكية!
-
ماهي مؤشرات ومعالم تلاشي شبح الحرب الأهليّة؟!
-
هل أن شعوبنا لا تقرأ.. حقاً؟
-
خصخصة Χ عمعمة
-
تحسين الأداء من أهم دعائم النزاهة ومواجهة الفساد!
-
ثقافة الفساد
-
أضواء على جوانب من الواقع الحضري والإقليمي العراقي
-
قطعة أرض وبضعة آلاف بلوكة!؟هل هذاهو حل أزمة السكن؟
-
هل هي مقبرة للمواهب فعلا؟!
-
فضاءُ جهنَّم..!
-
نداء لمنع توزيع الأراضي لأغراض السكن!
-
هل أن ثورة تموز أسّست فعلاً لظاهرة الإنقلابات؟
-
كان هناك أستاذٌ كبيرٌ وتُوفّي!
-
مالشرف ومالشريف؟!
-
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم...وجاراتُكم غرثى يبِتنَ خمائصا
...
-
المستقلون عناصر تُثري الحياة السياسيّة لا ينبغي قمعها!
-
فجرٌ جديدٌ جداً ،حقّاً!
-
الحلّ..! في فن العمل بين الجماهير.
-
الشِّعريّةُ وقصيدةُ النثر !
-
رداءُ الإفلاس
المزيد.....
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|