شاعرنا العزيز... دعني إسامرك وألاغيك , في ليلك الشتوي
البارد , وعزلتك اللندنية الطويلة , لأفكر معك بهدوء
ورويّة , رغم توحشك ورفضك لمؤآنسة الآخرين , فيما توصلت
إليه من قرار صائب بالإعتزال والتوقف عن السياسة ,
لتتفرغ للرسم والشعر , متعب أنت إذاً ؟ لابأس عليك
ولاتتريث , ولتطمئن نفسك في ملكوتها الشعري , فللمحارب
القديم أن يرتاح , وللمقاتل المثخن بالجراح أن يؤوب إلى
عشه الظليل , ليحمل الآخرون عنه الراية , ويتقدموا
الصفوف . وقد تتساءل ما لهذا المتطفل الغريب , يقحم
نفسه علي , ليحثني فيما لايخصه ولايعنيه ولكن ما العمل
؟ وأنت قد أصبحت شاعراً جماهيرياً في ذاكرتنا الوطنية
محسوباً علينا , بعد أن جعلوك أحد أصنامنا المقدسة التي
يشير إليها بالبنان , ونحفظ لك أشعاراً وأبياتاً جميلة
لاتنسى , ويسيئنا ما تتلفظ به الآن وأنت في الغربة لا
ندري ما الذي أصابك , فربما أحداً سقاك مادة صفراء أو
خضراء أفقدتك صوابك , أو أن إمرأتاً غجرية لعبت برأسك
وفؤادك , لترسل مثل هذه الشتائم السوقية إلى إصدقائك
ورفاقك القدماء .
شاعرنا الملهم ... كلانا , أنت وأنا لسنا مدعوين للأسف
لإجتماع منتدى بنات آوى في باريس ,لننعم مثلهم بأكلات
المطعم الفاخر الأنيق الذي سوف يجتمعون فيه , وكلانا
لحسن الحظ , غير مهددين بأن تحصدنا القنابل الموقوتة في
شوارع بغداد والموصل وتكريت , لأننا إخترنا أن نكون
بأمان , في بلدان بعيدة حالمة , فلماذا تزايد على هؤلاء
البؤساء وتحسدهم لأيام معدودة , سوف يقضونها في باريس ,
وتقحم نفسك مع من يحملون المكانس البدائية لينظفوا
شوارعهم , دعك منهم واتركهم لمصيرهم المحتوم , مع
المستعمرين الأمريكان , يفعلون بهم ما يشاءون , ويكفي
أنك حذرتهم أكثر من مرة , فلا داعي لأن تستفزهم أكثر
وتطلق عليهم القاب الخونة والعملاء .
كان من الممكن مثلاً أن تصفهم بالمغفلين والسذج الأغبياء
يبدلون جلودهم وغيرها من الألقاب والصفات المعقولة
والمسموح بتداولها في المجتمعات الديمقراطية الحرة التي
نطمح للوصول إليها , والتي أنت أدرى بها في مستقرك
اللندني الأخير . وصدقني أن مثل هؤلاء على علاتهم ,
وعيوبهم خيراً لنا من أمثال البطل الملهم , والزعيم
الخالد , والذين يتحولون مع الوقت إلى أنصاف آلهه ,
لانستطيع الخلاص منهم إلا باللجوء إلى القوة الخارجية
القاهرة , كما حدث مع القائد الضرورة .
وأخيراً فإنك سوف تلقمني وأمثالي حجراً , لو قررت الآن
ترك كل شيئ , لتعود لوطنك تشارك إخوانك الآخرين هناك
كفاحهم المرير والشجاع , لصنع العراق الحر السعيد كما
أنت تحلم .
أحمد المعرفي / البحرين