قبل سقوط النظام جرى الحديث بأسهاب و شبه مبالغة في الكثير من صحف المعارضة و في العديد من الندوات و المؤتمرات التي سبقت هذا السقوط عن أن الحكومة التي ستأتي ستكون من التكنوقراط و بعيدة عن صيغة المحاصصة الطائفية و القومية التي بدأت أولى بوادرها في مؤتمر صلاح الدين و من ثم ترسخت بشكل أكبر نتيجة أصرار البعض في مؤتمر لندن الأخير للمعارضة العراقية .
و لكن بعد سقوط النظام و جدنا بأن هذا الكلام لم يكن سوى أضغاث أحلام و حبر على ورق و أن صيغة المحاصصة التي أقرّها البعض في مؤتمر صلاح الدين قد أضحت قدراً على العراقيين و أخذت بعين الأعتبار عند تشكيل أول مجلس للحكم بعد سقوط النظام و تقبلنا الموضوع بروح أكثر من رياضية و لأسباب عديدة منها أن الحال آنذاك لم يكن يحتمل التأخير أكثر لتشكيل حكومة تدير البلاد و أن الوضع العام بعد سقوط النظام كان يستدعي أيجاد سلطة حاكمة مهما كلف الأمر أضافة الى أننا وجدنا أن أغلب أعضاء المجلس هم من الشخصيات الوطنية المشهود لها و لتأريخها بالنضال و كما يقول المثل العربي ( ليس بالأمكان أفضل مما كان ) .
و لكن تكرّر الأمر و بشكل مؤسف عند أختيار الوزراء فقد شهد مجلس الحكم مخاضاً عسيراً عند ولادة أول وزارة عراقية بعد سقوط نظام صدام و ذلك من أجل التوفيق بين أعضائه المختلفين حول مسألة تعيين الوزراء و كيفية توزيع الحقائب الوزارية بين أحزابهم فجاء هذا التعيين أمتداداً للتعيين السابق لأعضاء المجلس على أساس المحاصصة و التوافق .
و قبل أيام تكررت المأساة للمرة الثالثة عندما أعلن المجلس عن أختياره لوكلاء الوزارات على أساس المحاصصة و التوافق و هي خطوة خاطئة 100 % و لا مبرر لها مهما حاول البعض تبريرها .. فهل أصبح العراق كعكة كما يصفه البعض ليتم تقسيم كل شيء فيه على أساس المحاصصة و التوافق ؟ .. و هل سيأتي اليوم الذي سيتم فيه أختيار حتى موظفوا الدوائر الحكومية و لاعبوا المنتخب الوطني و طلاب الجامعة و ... و ... على أساس المحاصصة و التوافق ؟
و المضحك المبكي في الموضوع هو أن السفير الأمريكي بول بريمر و كعادته تدخل في اللحظة الأخيرة و علّق القرار لأنه رفض أستمرار العمل بهذه السياسة حتى في مثل هذه الأمور الحساسة التي يجب أن تكون الأولوية فيها للكفاءة و الخبرة .. و هذه هي المرة الثانية التي يكون فيها فيتو بريمر طوق النجاة للعراقيين فلولا هذه الفيتو لمرر القرار137 و من بعده قرار تعيين و كلاء الوزارات و القراران غير صائبان بالمرة .. فماذا كنّا سنفعل لولا فيتو بريمر الذي رفضه البعض و لا يزال مطالباً بأعطاء مطلق الصلاحية و كامل الحل و الربط لمجلس الحكم الحالي ؟
و السؤال المهم هنا هو ....
من وراء هذا الموضوع أمريكا أم مجلس الحكم ؟
فهل أمريكا تغذي و تحرك مثل هذه الأمور ليبقى لدى العراقيين بشكل عام شعور دائم بالحاجة الى أمريكا و لرعايتها الأبوية ؟
أم أننا و بأعتبارنا أمة قاصرة كما ذكرت في مقالة سابقة نحتاج فعلاً الى شخص كبريمر من عالم أكثر تمدناً ليصحح أخطائنا و يصلح نفوسنا التي أصابها العطل ؟