|
أبجدية التحضر: منظومة الفكر والممارسة لدى العقول المتفتحة
محمد علي ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 08:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التحضر، في رأيي، هو عملية عقلية-ممارساتية تخضع للتأثيرات المتداخلة لخمس دوائر مختلفة سأعرض لها ولمكوناتها الفرعية في الفقرات التالية من هذه الدراسة المصغرة.. أ: دائرة القيم المطلقة ------------- الإنسانية المطلقة أو المجردة الحق/الخير العدل/السلام الجمال // ب: دائرة الفكر المستنير --------------- المنطق العقلي التفكير التحليلي المجرد التفكير في السياق الاعتقاد في نسبية الأشياء // ج: دائرة الفصل بين الكيانات ------------------- بين الدين والعلم بين الدين والسياسة بين الرأي والحقيقة بين الشخصي والموضوعي // د: دائرة الممارسات المتحضرة -------------------- الانفتاح التعلم المستمر جودة الأداء الرغبة في الإنشاء // هـ: دائرة المعاملات الراقية ------------------ الموضوعية التسامح احترام الحريات
وفيما يلي نناقش مكونات هذا النموذج، أو تلك الدوائر الخمس، بشيء من التفصيل.. ..... .....
أ) دائرة القيم المطلقة ***************** *****************
التحضر يتطلب إيماناً عميقاً بالقيم المطلقة واحتراماً حقيقياً لها، وبخاصة حين يتعلق الأمر بالقيم المطلقة الأساسية التالية:
الإنسانية المطلقة أو المجردة ------------------ كل البشر أخوة ولا يجب التمييز بينهم على أسس تصنيفية اعتبارية كالدين واللون والجنس والعرق لأن العبرة هي بنوايا الإنسان وقيمته العقلية والاجتماعية الحقيقية وليست بأي تصنيفات أو انتماءات أخرى مصطنعة لا دخل للإنسان بأغلبها
البشر بطبيعتهم ليسوا مثاليين ولا معصومين من الخطأ، ولكن من النادر أن نجد إنساناً هو شر خالص ولا إنساناً هو خير خالص لأن البشر كلهم خليط بين هذا وذاك. والإفضل في التعامل مع البشر وفي النظر إليهم بوجه عام هو التطلع إلى النقاط الإيجابية الحسنة فيهم والتسامح مع، أو الترفع قدر الإمكان عن، نقائصهم وسيئاتهم طالما أننا جميعاً لسنا بمعصومين وقد نعاني منها أو نقع فيها
الديانة والجنسية والنوع ولون البشرة والأصل العرقي وغير ذلك هي كلها من الأمور التي يرثها أغلبنا أو يتم تحديدها لنا مسبقاً عند ولادتنا بدون اختيار طوعي منا، وبالتالي فليس من حق أحد أن يعيِّر الآخرين بها أو أن يدعي أفضليته عليهم فيها. وبالمثل، فمن غير المتصور منطقياً أن يتطرف البعض في انحيازه لمسائل لم تكن من اختياره اصلاً وكان من الممكن أن يرث أو ينال عند ولادته نقيضها تماماً لو كان قد وُلد في مكان آخر من العالم أو في عصر آخر من التاريخ
ليس من حق أحد أن يصنِّف الآخرين (إلى أصدقاء وأعداء، أو أخيار وأشرار، أو مصيبين ومخطئين، ... الخ الخ) ولا أن يقيِّمهم ويحكم عليهم بالصلاح أو الطلاح تبعاً لمعاييره الشخصية الخاصة. فمن الأفضل أن ننشغل بأنفسنا وبمحاولة ترقيتها وتحسين قيمتنا الحقيقية في الحياة بدلاً من أن نشغل أنفسنا بتصنيف الآخرين وتقييمهم والحكم عليهم
لا أحد يملك الحقيقة المطلقة أبداً (في الدين أو العلم أو السياسة أو في أي مجال آخر من مجالات التفاعل الاجتماعي) - بل وربما تكون "الحقيقة المطلقة" في حد ذاتها هي مجرد فكرة نظرية تماماً لا وجود حقيقياً لها في عالمنا بعيداً عن دائرة القيم المطلقة
أغلب الظواهر والحقائق في حياتنا لا يمكن تفسيرها على أساس معيار تفسيري واحد فقط، وإنما عادة ما تتداخل عوامل ومعايير مختلفة (فلسفية وعلمية واجتماعية وثقافية ودينية وشخصية) في شرح وتفسير الظاهرة الواحدة. وعليه: فلأغلب الظواهر في عالمنا تفسير ديني وآخر علمي وآخر فلسفي، ولا يصح استبعاد أي منها أو القول بغلبة أحدها على الآخريَن
إنسان أبيض = إنسان أسود
انسان مصري = انسان هندي = انسان دنماركي = انسان روسي = ... الخ الخ
مواطن مسلم = مواطن مسيحي = مواطن بهائي = مواطن لاديني
الأنثى = الذكر
الفقير إنسان يجب أن يكون له كل الحقوق التي يتمتع بها الثري
المعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة بشر لهم كل الحقوق المقررة لنا ويجب علينا إتاحة الفرصة أمامهم لممارسة تلك الحقوق بطبيعية
رجل الدين وأستاذ الجامعة ليسا بالضرورة أفضل - على المستوى الإنساني البحت أو المجرد - من عامل النظافة أو الفنانة الاستعراضية
الفتاة المحجبة والفتى الملتحي ليسا بالضرورة "أفضل" أو أكثر صلاحاً وعفة وأعلى قيمة من الناحية العقلية من الفتاة غير المحجبة أو الفتى غير الملتحي (وكذلك فلا معنى للفظة "أفضل" عند الحديث عن البشر). فالمظهر لا يمكن أبداً أن يكون تعبيراً حقيقياً عن الجوهر والمكنون لأن كثيرين من البشر يجيدون التظاهر والادعاء بغير الحقيقة ولأن الأحكام المظهرية هي دائماً متسرعة وغير موضوعية ومتحيزة
قيمة البشر الحقيقية لا تكمن فيما يملكون من أصول أو في انتماءاتهم التصنيفية وإنما تكمن في ما لديهم من فكر وجهد يمكنهم به الإسهام في الارتقاء بمجتمعاتهم المحلية أو الموسعة أو بالجنس البشري ككل
الحق/الخير ------- عدم الإساءة إلى الآخرين بالقول أو الفعل، الاستعداد لمساعدتهم ما أمكن، الرفق بالحيوان والنبات وربما حتى الجماد، معاملة الآخرين كما نحب أن يعاملونا، ... الخ الخ
العدل/السلام -------- الحياد والموضوعية في الحكم على أعمال ومجهودات وتصرفات الآخرين وعدم التحيز لهم أو ضدهم لاعتبارات متعلقة باشتراكهم معنا أو مخالتهم لنا في الرأي أو في اعتبار تصنيفي أو أكثر (كالدين والأصل العرقي والجنس)، عدم الاعتداء على الغير، التسامح والترفع عن أخطاء الغير في حقنا كلما كان الضرر الشخصي المتوقع ترتبه على ذلك العفو أقل وطأة من الأضرار الاجتماعية التي يمكن أن تصيب الطرفين في حالة تصاعد الصراع، ... الخ الخ
الجمال ---- التذوق الأدبي والفني الرفيع عادة ما يكون ملمحاً مقترناً بالتحضر وبالتمتع بمستوى عالٍ من الثقافة والاطلاع بما يكفي لإكساب المرء القدرة على الاستمتاع بإبداعات الآخرين الراقية
ب) دائرة الفكر المستنير *************** ***************
الإيمان بالقيم المطلقة ليس كافياً في حد ذاته للارتقاء بفكر المرء، وإنما لابد لذلك أيضاً من تبني مفاهيم إضافية من النوع التالي:
المنطق العقلي --------- العقول المتقدمة لا تؤمن بالخرافة (السحر والشعوذة، الحسد وقدرته المادية على تغيير الوقائع، التفاؤل والتشاؤم بأشياء مادية معينة، تفسير الأحلام بعيداً عن مجال دراسات كهربية المخ، ... الخ الخ)، والفكر المتحضر لا يتماشى أبداً مع التفسيرات الخرافية للأشياء والظواهر (فالزلازل والبراكين هي ظواهر طبيعية لها تفسيرات علمية رصينة وليست غضباً إلهياً، ومن المستحيل القول بإن بقعة معينة على الأرض هي مركز الكون طالما أن الكون يتسع بتسارع مطرد وبعشوائية وطالما أنه يستحيل علينا حتى اليوم قياس المركز من خارج الكون، وهكذا). والتفسير الأصوب والأكثر موضوعية للأشياء والظواهر هو إما علمي (البرق والرعد ليسا من مظاهر الغضب الإلهي وإنما هما نتاجان لتصادم بين سُحُب مشحونة بشحنات متضادة) وإما فلسفي (فالشيطان قد يكون مجرد فكرة أو رمزاً للشر والتحريض عليه يفهمه كلٌ حسب قدراته العقلية، وليس بالضرورة كائناً مادياً)، وهكذا
التفكير التحليلي المجرد -------------- فأفضل النتائج والتفسيرات والأفكار هي التي يتم التوصل إليها بعد تفكير عميق منظم يهتم بالتفاصيل ويسعى لاستكشاف ما هو كامن تحت السطح وللربط بين الظواهر والمفردات المختلفة للظاهرة أو المسألة الواحدة. أما التفسيرات المتسرعة التي لم يتعمق أصحابها في التفكير في المقدمات المؤدية إلى نتائجها فهي في الغالب غير ذات قيمة حقيقية وخصوصاً في المنظور الموسع وعلى المدى البعيد. وكمثال: فإن القول بأفضلية اليد اليمنى (على اليسرى في نشاطَي الأكل والكتابة وما إليهما) هو زعم غير موضوعي وغير مبني على أسس منطقية أو علمية ويجافي الطبيعة التي يُجبل عليها البعض، وكذلك فإن القول بتفوق البنين على البنات في علم كالرياضيات هو زعم خاطئ وغير موضوعي آخر لأنه يستبعد الكثير من الاستثناءات اللافتة ولأنه غير مبني على أسس علمية معينة يمكننا تحليلها ورصدها في تشريحية المخ البشري. وكمثال آخر: فإن القول بحُرمة وربوية الفوائد البنكية (على أساس ديني سلفي محض) بدون علم متعمق بحقائق ومفاهيم اقتصادية معاصرة أساسية (كالتضخم والقيمة الحقيقية للنقود وتكلفة الفرصة البديلة واعتبار النقود في الفقه الاقتصادي الحديث سلعة وثمنها هو فوائد خدمة دينها) - مثل هذا القول هو في الواقع لا يعدو كونه إفتاء على جهل بأحد جانبي الفتوى
التفكير في السياق ----------- من الخطأ الحكم على الأشياء وتناولها بمعزل عن السياق العام المحيط بها لأن الظواهر لا تتم في فراغ مطلق وإنما تتم في بيئات حية تتفاعل معها وتؤثر فيها. وعليه: فليس من الصواب اقتطاع فقرة من نص أدبي والحكم على النص بأكمله في ضوء محتوى أو مستوى تلك الفقرة فحسب، ومن الخطأ القول بأن الاعمال الأدبية والفنية التي تتناول ظواهر سلوكية منحلة هي أعمال تدعو بالضرورة إلى الانحلال، ومن الخطأ كذلك الدعوة إلى تطبيق تراث السلف حرفياً في حياتنا الراهنة لأن ظروفها ومفرداتها تختلف جذرياً عن الظروف التي كان ذلك السلف يعيش فيها، وهكذا
الاعتقاد في نسبية الأشياء ---------------- فلا حقائق مطلقة في حياتنا سوى القيم المطلقة (الحق، الخير، السلام، الجمال، ... الخ)، بل وربما حتى هذه القيم قد يختلف تأويلها ومعناها من شخص لآخر. وعليه، فالأحكام الأكثر موضوعية ومرونة هي التي تتسم بالنسبية والتي تراعي أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق وإنما الأمور عادة ما تتغير معانيها بتغير الزمان والمكان والشخوص. وكمثال: فمن غير المعقول أن ينادي البعض بتحريم تناول مرضى السكر للأنسولين الحيواني المستخرج من أمعاء الخنزير طالما أن البديل الوحيد المتاح له صناعياً هو أكثر تكلفة و/أو أقل فعالية، وكذلك فإن الأحكام الفقهية والقانونية المتعلقة بالتحرش الجنسي في الريف غير المزدحم والأقل تمدناً يمكن أن تختلف عنها في المدن المزدحمة والأكثر تمدناً، وشرب الخمر في البلاد الباردة قد يكون له أسباب أو مسوغات إضافية في مقابل الحال في البلاد الحارة، وهكذا
ج) دائرة الفصل بين الكيانات ********************* *********************
يكون التحضر في أبلغ صوره حين نعرف أنه لا يجوز الخلط بين الأمور كلها خلطاً اعتبارياً متحيزاً أو غير منطقي ولا مبرر، وعليه فلابد من الفصل بين عدد من الكيانات الاجتماعية في عقل الشخص المتحضر حتى يستطيع تبيُّن الأمور على حقيقتها ورؤيتها بأحجامها الحقيقية:
الفصل بين الدين والعلم -------------- العالم الحقيقي هو الذي يدخل المعمل وقد تخلص تماماً - مؤقتاً - من أية انتماءات أو آراء أو مُسلَّمات دينية مسبقة لديه، وإلا فإن نتائج بحوثه وتجاربه ستكون متحيزة ومشوهة ومحدودة القيمة العلمية. وكمثال: فرفض نظرية التطور التي قال بها داروين يجب أن يكون على أساس من نتائج البحوث الحديثة في علم الحفريات وعلوم الجيولوجيا والأنتروبولوجيا والبيولوجيا، وليس رفضاً على أساس ديني محض. والقول بإن الأرض خُلقت قبل السماء - وفقاً للتصور الوارد في النصوص الدينية - هو قول ما عاد مقبولاً عقلياً ولا علمياً في العصر الراهن لأننا ندرك الآن عبر نتائج دراسات الأشعة المتقدمة أن الأرض كوكب حديث التكون نسبياً في منظومة مجرتنا المحلية
الفصل بين الدين والسياسة ---------------- دور رجال السياسة (من وزراء ونواب ونشطاء ومنظرين وغيرهم) هو كسب القوة والنفوذ اللذين يؤهلانهم لتحقيق والدفاع عن مصالح جماعات ناخبيهم المحلية أو الموسعة، وبالتالي فلا مجال للحديث عن ممثلين للرب أو الإله تحت قبة البرلمان أو متحدثين باسمه في الاجتماعات الوزارية أو الحزبية. فإقحام الدين في الحياة السياسية هو خطأ فادح من شأنه توليد واحد من أسوأ أنواع القمع والمصادرة السياسية والاجتماعية (كما جرىأيام حكم الطالبان) لأن المعارضة هنا سيتم تصويرها على أنها نوع من الكُفر والمعارضة لكلمة الرب ولممثليه وليست معارضة لآراء وتفسيرات سياسية ودينية صادرة عن بشر غير معصومين من الخطأ ولا منزهين عن الهوى والسعي لتحقيق مآربهم الشخصية
الفصل بين الرأي والحقيقة ---------------- الشمس تشرق كل يوم من الشرق وتغرب من الغرب: هذه حقيقة مؤكدة لا مجال للجدال فيها، أو على الأقل في ضوء معطياتنا العلمية الراهنة
الشمس أقل جمالاً من القمر: هذه ليست بحقيقة مؤكدة وإنما هي مجرد رأي شخصي أو تأويل ذاتي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ وبالتالي فليس من حقي إجبار الآخرين على اعتناقه أو التصديق عليه وليس من حقي الادعاء بأنه حقيقة منزلة غير منازعة
وينسحب المنطق نفسه على الكثير من الأمور (الحقائق والآراء) في حياتنا، في الدين والعلم والأدب وفي سائر المجالات
الفصل بين الشخصي والموضوعي ---------------------- الإنسان المتحضر لا يبني أحكامه على الآخرين أو أراءه فيهم على أسس شخصية بحتة كمدى حبه أو كرهه لهم أو مدى تشابههم أو اختلافهم (مادياً أو معنوياً) معه أو مدى تأييدهم أو معارضتهم للجماعات والتصنيفات المختلفة التي ينتمي هو إليها أو مدى صفو أو توتر العلاقة الشخصية بينه وبينهم، وإنما هو يبني تلك الأحكام والآراء على أسس موضوعية بحتة كالقيمة الحقيقية لأعمالهم أو مجهوداتهم ومدى النفع الذي يعود على المجموع في الحاضر أو المستقبل منها
د) دائرة الممارسات المتحضرة *********************** ***********************
الإنسان الذي يؤمن بالمنظومة النظرية التي عرضنا لها أعلاه ويسعى لتطبيقها في حياته عملياً عادة ما تتسم ممارساته المختلفة بالسمات الأساسية التالية:
الانفتاح ----- التحضر هو ظاهرة مرنة على طول الخط، والإنسان المتحضر لا ينغلق على نفسه أبداً ولا يتردد أبداً في التعرف على تجارب الآخرين ومعتقداتهم ومراجعة تجاربه ومعتقدات باستمرار في ضوئها
التعلم المستمر -------- الإنسان المتحضر يولي أهمية خاصة لفكرة التعلم المستمر أو التعلم مدى الحياة كي ينعش ويجدد مهاراته العقلية ومحتوى عقله المعرفي باستمرار في مواجهة التغيرات والتطورات المتسارعة التي يزخر بها عالمنا في كافة المجالات
جودة الأداء ------- التحضر لا معنى له إن لم ينعكس على أداء المرء وأنشطته الوظيفية في حياته اليومية، ومن ثم فالإنسان المتحضر يهتم بتجويد عمله وتحسين جودته باستمرار، فضلاً عن احترامه الشديد لقيمة العمل والوقت بشكل عام، ما يتجسد بوضوح في النموذجين الياباني والألماني المعاصرين
الرغبة في الإنشاء ------------ الإنسان المتحضر عادة ما يكون من أكثر الناس رغبة في - وقدرة على - الإبداع والابتكار والتوصل إلى تفسيرات وأفكار واختراعات جديدة غير مطروقة من قبل لأنه يؤمن دائماً باستحالة وجود حالة مثالية لا يجوز المساس بها أبداً
هـ) دائرة المعاملات الراقية ******************** ********************
الأصل في الأمور هو أن التحضر لابد أن ينعكس بوضوح على تعاملاتنا مع الآخرين وإلا فإنه لن يعدو كونه مجرد مجموعة من الاكليشيهات والشعارات النظرية التي نرفعها لتجميل صورنا أمام أنفسنا أو لمخادعة الغير بها. وذلك الرقي في المعاملات الاجتماعية يمكن أن يتأتى عبر تبني مفردات سلوكية مثل:
الموضوعية ------- الحكم يكون على العمل وليس على الشخص، والعقاب القويم يستهدف معاقبة فكرة الخطأ في حد ذاتها وليس الانتقام من الشخص المخطئ نفسه، والتحيز لا يكون لمن يماثلني ويشبهني في جانب أو أكثر أو لمن ينتمي إلى نفس ما أنتمي إليه من تصنيفات وجماعات وإنما يكون فقط للعمل الأفضل وللفكرة الأكثر إبداعا وتطوراً وقدرة على إفادة الجماعة والارتقاء بأوضاعها، والأحكام على الغير أو على أعمالهم يجب ألا تكون قاسية أو متشنجة بشدة لأن التسامح والتفهم يمنعان الإنسان المتحضر من استعمال القسوة الشديدة في تقييم الآخرين طالما أنه يعلم جيداً أنه لا وجود لحقائق مطلقة ولا مجال للحديث عن شخص مخطئ على الدوام وآخر مصيب على الدوام
التسامح ----- الإنسان المتحضر لا ينظر لـ "الآخر" (الديني أو الإثني أو أي آخر كان) بوصفه عدواً، بل إنه يسعى في أحيان كثيرة لتفهم وجهات نظره والنظر إلى الأمور من منظوره ووضع نفسه مكانه لمعرفة كيف كنت أنا نفسي لأتصرف لو كنت أنا مكان ذلك الآخر، وهكذا فقط يمكن التوصل إلى أرضيات تفاهم مشتركة معقولة حنى بين أنصار المذاهب والإيديولوجيات الألد خصومة وتنافراً من الناحية التقليدية
احترام الحريات ---------- الإنسان المتحضر يتوِّج منظومته العقلية والسلوكية الراقية باحترامه الشديد لحريات الآخرين: حرياتهم في التعبير وإبداء الرأي، حرياتهم في الخصوصية، حرياتهم في الاعتناق والعقيدة (الدينية والسياسية والاقتصادية)، حرياتهم في الإبداع، وحرياتهم في الاختلاف عنا وفي التصرف على النحو الذي يرونه صحيحاً أو أكثر ملاءمة لهم شريطة ألا تترتب على ممارساتهم الحرة تلك أضرار لنا
..... .....
والأهم مما سبق كله: أن يكون تفاعل تلك الدوائر الخمس في عقل الإنسان المتحضر واستحضاره لمفرداتها في مواقف حياته المختلفة غير متصنع ولا مصطنع - أي أن يكون التحضر حقيقياً وليس محض ادعاء
#محمد_علي_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأكل الطير
-
فوضى.. ولكن
-
لما بنكبر
-
تخاريف بنكهة أندلسية
-
فاتت ليالي كتير، كان الهوى مشاوير
-
قوس كامل
-
حلم وعلم
-
تساؤلات إلى شاري الأيام
-
في الاغتراب وعنه
-
ثم يبدأ البحث عن الشاطئ التالي
-
القرصنة المتأسلمة على الفايسبوك.. ملاحظات ودلالات
-
حاجيات مهجورة
-
حبل وشجرة
-
وديانتي مصري
-
حروف هجاء وجودية
-
مقدمة حائرة إلى عِلم قديم
-
طائر الفينيق
-
تذاكر
-
يوم كاشفتني ذات الرداء الأبيض
-
سكوت مَن ذهب
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|