قبل الحديث في موضوع الفدرالية لكوردستان العراق لا بد لنا من وقفة مع الذات ونعيد لذاكرتنا دورها لكي تبدأ الحديث قليلاً عن المآسي والويلات التي جنت على رؤوس الأمة الكوردية في جميع مناطق كوردستان المغتصبة من قبل أكبر جلاوذة التاريخ وأكثرهم جبروتاً وطغياناً عل ذلك ينير الطريق لطرح فكرة الفدرالية الكوردية على الشارع العربي والإسلامي وبالأخص في شارع الدول التي تحتل كوردستان إلى يومنا هذا.
الكورد أو الأمة الكوردية خلقها الله عز وجل كأي قومية أخرى كأي أمة أخرى في أرض وجدت نفسها عليها فهم ولدوا على أرض كوردستان المغتصبة اليوم ولم يهاجروا كما هاجر أجداد العرب من الجزيرة العربية واستوطنوا في بلاد مابين النهرين ( ميزوبوتاميا ) ووادي النيل وبلاد الشام وما يسمى اليوم المغرب العربي ولم يهاجروا كالترك من أواسط آسيا واستوطنوا في منطقة تركيا اليوم بل وجدوا على أرضهم التاريخي ومنطقتهم السكنية منذ آلاف السنين فهم أمة يمتد جذورها في التاريخ بعمق أبعد من الوجود العربي والتركي في المنطقة وهذا ما تثبته المكتشفات الأثرية والرقم التاريخية وبشهادة علماء عرب وأجانب أي أن الكورد لم يهاجروا ولم يتنقلوا من منطقة إلى أخرى ولم يتركوا ولا مرة جبالهم وانحدروا إلى سهول الغير واحتلوها عنوة وغصباً عن أهلها وأعلنوا أنفسهم دول وممالك وأمارات كالتي نشاهدها اليوم والأمثلة كثيرة لا داعي لسردها لكي لا نجرح شعور غيرنا كما هم لشعورنا جارحين ويغضون الأبصار عن معاناتنا كقومية وكبشر.
تلقت كوردستان ولا زالت تتلقى الكثير من اللكمات من دول جوارها فتركية خمدت المئات من ثورات التحرر الكوردية ولم يردعها ذلك حتى ولو كان الثمن آلاف القتلى وملايين الجرحى والمشردين ومئات القرى المهجورة والمحترقة وكل ذلك لم يحن قلبها على هذا الشعب الذي كان يسانده ويؤازره ويقف إلى جانبه أهكذا يكون رد الجميل والمعروف والإحسان.
أما إيران العلمانية في زمن الشاه أو حتى إيران ا لمسلمة في زمن الخميني وآيات الله فلم ينالوا من الشاه إلا القتل والتدمير والتشرد والإذلال والمؤامرات الخيانية ولم يحصلوا من آيات الله العظام إلى نكص العهود والمواثيق و خرج الأكراد من الثورة بدون حمص كما يقال.
أما في سوريا فلا وجود للأكراد وهم أناس هاجروا من تركية وسكنوا في الشريط الحدودي المجاور لدول سورية وهذه الرؤية رسمية من قبل الدولة والحكومة وهي آراء الأغلبية الساحقة من المثقفين والسياسيين السوريين العرب والذين لا يتنازلون ولو لمرة واحدة للاعتراف بالأكراد كقومية ثانية في البلاد.
أم الويلات والدمار والخراب الذي لحق بالمعبودة المعذبة فهي كوردستان العراق والتي هي محور حديثنا اليوم فلازالت القبور الجماعية تستكشف وتظهر لنا بقايا عظام ورفات الآلاف المؤلفة من جماجم وهياكل عظمية لأناس قتلوا بدون ذنب أو جريمة ارتكبوها وحلبجة شاهدة على مر العصور والأنفال الباقية في ذاكرة هذا الشعب الجريح الذي ضحى كما ضحى كل أبناء العراق في سبيل الخلاص من طغيان صدام وجبروت جلاوذته وأنصاره الذين قادوه إلى دفة الحكم ومروا فوق جثث وعظام الملايين من أبناء العراق.
كل تلك الويلات والمصائب وانتهاكات حقوق الإنسان وليس من حق الأكراد أن يحصلوا على مأوى أمن يقيهم هذه الكوارث والمجازر ألا يحق للأكراد أن يطالبوا بفدرالية تحميهم من بطش وجبروت رؤساء مثل صدام ولو كان قول المثقفين والسياسيين العرب والمسلمين الذين يرون في فدرالية كوردستان خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ويتهمونهم بالخيانة لأنهم تعاونوا مع قوات تحرير العراق من براثن الطاغوت ويلفتون عناية الأكراد بأن الأمريكان والبريطانيين سينكثون بعهودهم وسيتخلون عن الأكراد كما تخلوا عنهم في غابر التاريخ فلنقل أن كلامهم صحيح واتفقنا معهم فكيف للأكراد أن يثقوا بالعرب مرة أخرى وكيف نتكهن بأنه لن يأتي لحكم العراق شخص شبيه لصدام ويمنح الأكراد المجازر والكوارث مرة أخرى وهل الأمريكان فقط لهم مصالح في المنطقة والعرب والفرس والترك ليس لهم مصالح فيها وكيف نصدقهم ونثق بهم أسئلة على العرب والشعوب الأخرى المجاورة لكوردستان الإجابة عليها.
كان حري بالرئيس السوري بشار الأسد أن يبحث مع المسئولين الأتراك في أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى تركيا منذ استقلالها قضية لواء الأكسندرون المغتصب و ويتساءل عن موضوع تقسيم مياه نهر الفرات وفق القرارات التوصيات الدولية وأن يتباحث معهم من أجل رفع حالة الطوارئ على حدود البلدين ولا أن يحذر الأكراد من مغبة القدوم في مسألة الفدرالية و ويضع لها خطوط حمراء بل كنا ننتظر من رئيسنا الشاب والذي نتطلع من خلاله إلى مستقبل زاهر ومشرق أن يتكاتف مع أكراد العراق وكون سورية كانت دوماً حليفة ومناصرة لهم بل ودعمت المعارضة العراقية منذ أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد.
كان على القائد الأسد أن يحل أكبر قضية سياسية في البلاد وباقي القضايا المدرجة على لائحة الإصلاح التي بدأها منذ استلامه الحكم في سوريا ويمنح الأجانب والمكتومين الهوية السورية ويعطي الأكراد حقوقهم السياسية والثقافية وقبل كل ذلك حقوقهم الإنسانية ومساواتهم كباقي أبناء الطيف الاجتماعي الفسيفسائي الذي يتكون منه الشعب السوري وحل الأزمات والمشاكل الأخرى.
لماذا لا نسمع تحذيراً من الأمة العربية والإسلامية من مغبة انفصال جنوب السودان على أساس ديني ولكننا نراهم يولولون على فدرالية كوردستان العراق ويكأن السودان ليست دولة عربية ولا يجب المحافظة على وحدة وسلامة أراضيها ولكن العراق فقط محسوب على العرب والسودان دولة إفريقية ولكن الجواب واضح وبديهي المسألة مسألة أكراد وليس كما يعلن عن وحدة العراق وسلامة أراضيه ولا يريدون للأكراد أي كيان يقيهم من غدر وبطش حكوماتهم ورؤسائهم.
كان من واجب الرئيس المصري حسني مبارك أن يلتفت إلى جبهته الداخلية ويعطي الأقباط حقوقهم السياسية والثقافية وهم السكان الأصليين لمصر ولا يعارض قيام أي فدرالية كوردية في كوردستان العراق لا بل على العكس لطالما كنا ننتظر رداً معاكساً من رئيس عربي كمبارك وخاصة في دولة مثل مصر راقية حضارية ومتنوعة سياسياً وثقافياً واجتماعياً وهي من الدول العربية السباقة إلى تطبيق قوانين حقوق الإنسان في بلادها التي طالما عرفت بالتعدد السياسي والحقوقي والرقي الثقافي.
كان الأجدر بتركيا أن تحل المشاكل العويصة لأكرادها والتي يتوقف انضمامها إلى الإتحاد الأوربي على حل مشكلة الأكراد ولا تتدخل في شؤون كوردستان العراق بل واجبها حل مشاكل حقوق الإنسان والمعيشة في بلادها ثم تلتفت إلى القضية الكوردية في دول الجوار.
على إيران أن تكمل مشوارها في إعطاء الأكراد ومنحهم كامل حقوقهم السياسية والثقافية لكي يعيش أكرادها كباقي الأثنيات العرقية الأخرى الموجودة في إيران أو كانت ترد الأراضي العربية المغتصبة من العراق كعربستان المحتلة ولا تبدي بأنها خائفة على وحدة العراق وسلامته.
إن الفدرالية هي اتحاد وكلمة الفدرالية مشتقة من الجذر الاتحادي وهي تعني بكل منى الكلمة اتحاد على أساس معين قد يختلف باختلاف المطالب السياسية والعرقية والدينة ...الخ ولا تعني أبداً كلمة الفدرالية الانفصال وحتى لو كان يبت الأكراد في قلوبهم شيئاً أكبر من الفدرالية فهذا حقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم.
إن الذي يعارض قيام فدرالية كوردية في كوردستان العراق يعارض قيام دولة فسلطينية على أرضه فالأمر لا يختلف أبداً لأن الأكراد ظلموا وشردوا ودمروا وقتلوا وكذلك الفلسطينيين وكما هو معروف احتلال إسرائيل لأراض عربية احتل العراق كورستانها وضمتها إليها بريطانية العظمى.
على العرب والفرس والأتراك وجميع معارضي قيام فدرالية كوردية في كوردستان العراق أن يتفكروا ملياً قبل الحكم على مصير الأكراد وهم الأكثر معرفة بأن الكورد من الأمم التي تحافظ على قدسية الجوار وهم أكثر حلفائهم والذين أثبتوا ذلك على مر العصور وأكدوا لكل شعوب المنطقة بأنهم أناس مسالمون لا يريدون سوى المحافظة على حياتهم لكي يعيشوا بسلام وطمأنينة في أرض كانت أرضهم منذ ولادة الخليقة وبان لغيرهم بأنهم تعلموا دروساً من ماضيهم ولن يلدغوا من جحر مرتين.