سعد محمد رحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 08:45
المحور:
حقوق الانسان
من الصعب جداً تفنيد مزاعم أولئك المتحدثين عن كوارث قادمة، ولاسيما حين يركنون إلى الأدلة الدامغة ولغة الأرقام. فلا شيء أصدق وأفصح من هذه اللغة في حقل العلوم ( طبيعية كانت أو اجتماعية ) بشرط أن تكون دقيقة وموضوعية تصدر عن جهات تشعر بالمسؤولية وتتصف بالكفاءة والمهنية. وقد لا تكون الأرقام التي تتصل بواقع المجتمعات الإنسانية بالغة الدقة بنسبة 100% لكنها يمكن أن تقترب كثيراً من واقع الحال إذا ما استخدم في استخراجها الأدوات والوسائل العلمية والإحصائية. وإذا كانت مؤسسة عالمية مثل منظمة الأغذية والزراعة الدولية التابعة للأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن مصائر مئات الملايين من البشر يهددهم الجوع فلابد إذن أن يتنبه العالم. والناطقون باسم هذه المنظمة لا يصرِّحون جزافاً وإنما يمطرونك بأرقام مخيفة لابد أن تهتز لها ضمائر من لهم ضمائر. فهم يقولون لك أن مليار شخص ( كائن إنساني ) مهددون بالمجاعة، وان طفلاً واحداً يموت في مكان ما من عالمنا كل خمس ثوان بسبب نقص الغذاء، وان واحداً من كل أربعة أطفال يولدون في البلدان الفقيرة ليست لديهم فرصة لبلوغ سن الخامسة، ويمكن إيراد عشرات الأمثلة من هذا القبيل المرعب والتي لا تتسع لها هذه السطور.
هناك فوضى ضاربة بأطنابها في أربعة أركان الأرض خلقها الجشع والشراهة، أو بالأحرى هي تحصيل حاصل لتمادي رأسمالية متغولة في الحصول على الثروات من غير رادع أخلاقي أو ضابط قانوني يتحكم بسلوكها ويجعلها تلتفت للثمن الإنساني الباهظ الذي يتحمله الفقراء العائشين في البؤس ودوماً على حافة الكارثة، فيما الأغنياء يتمتعون بحياة البذخ والتبذير.
ونعلم من لغة الأرقام أيضاً أن 20% وربما أقل من سكان الكوكب يحصلون على أكثر من 80% من الدخل العالمي ليبقى أقل من 20% من ذلك الدخل حصة لأكثر من 80% من السكان الفقراء ( في العالم المتخلف وفي العالم المتقدم كذلك ). وقد ذكرت وسائل الإعلام أن ثلث الغذاء المستهلك في الولايات المتحدة يلقى في حاويات القمامة في مقابل وجود 30 مليون فقير أميركي يحصلون على معونات غذائية من الحكومة ببطاقة ( تموينية )!.
والآن فقط تنبهت الحكومات الغربية بعد الأزمة المالية العالمية ونذر الكساد على ضرورة وجود روادع وقوانين ورقابة صارمة تضبط الشراهة المدمرة لأصحاب ومدراء البنوك والشركات. والطريف أن وسائل الإعلام قد رددت مؤخراً خبر الإقبال الواسع في معرض فرانكفورت للكتاب، في هذا الشهر، على شراء مؤلفات كارل ماركس.
نقلت هذا الخبر الأخير لعدد من أصدقائي من الماركسيين السابقين، وكل على حدة. وفي كل مرة كان ( واحدهم ) يصفن قليلاً في وجهي ليرى ويستوعب وقع هذا الخبر عليه، ثم يبتسم قبل أن يطلق ضحكة تشفٍ عالية.
#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟