سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2442 - 2008 / 10 / 22 - 08:15
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
في الوضع الاستثنائي, وحيث عدم توفر النوايا الجادة للحوار المصالحة, ففي مثل هذه الحالة يقال"أن الحق لايرضي اثنين", وفي حال أصر الفرقاء كل على شروطه أو معطياته أو رؤيته لشكل الحوار أو قضاياه الخلافية أو آليات تطبيق ما يتم الاتفاق عليه, وضمان تفادي مخاوف وخشية كل طرف من الفرقاء جراء المصالحة, على أساس عدم توفر الثقة وان الحوار وربما المصالحة تكون نتاج ضغوطات وحسابات ليست في مصلحة الطرف الذي يثبت انه يتعمد وضع العصي في الدواليب كلما سهل الوسطاء مسيرها, وهنا يبرز الدور المصري الذي ينطلق بقوة من مصلحة إستراتيجية ومصيرية مشتركة بين مصر والفلسطينيين, تعلم القاهرة جيدا مدى تعقيد الأزمة الداخلية الفلسطينية, خاصة بعد الصدامات الدموية, والإصرار على قمع الآخر وشطبه حتى لو كان ذلك وهما, وهو كذلك فمن المستحيل أن يشطب قطب القطب الآخر, بل ربما أسباب تعقيد الأزمة إضافة إلى العبث الإقليمي الخارجي, والعبث الدولي كذلك , حيث يريد هؤلاء للقضية الفلسطينية ومقاومته وسياسته, أن تخدم مصالحه لدى أطراف أخرى, أي أن نكون وكلاء لهم عن طريق الصدام, وان نكون لهم ورقة يكتبوا عليها جمل الغزل السياسي والتقارب وصولا للوئام, وكل هذا يدار بوقود الدم الفلسطيني وعلى حساب النسيج الوطني الذي استعصى على مدار نصف قرن على عبث ومؤامرة كل الأعداء, فهناك كذلك أسباب داخلية يعتقد أنها من أهم عناصر تعقيد الأزمة, حيث من لايخدم الحوار والمصالحة مصالحه, يقدم الخشية من مصالحة تتجاوز دماء الضحايا التي سقطن جراء الانقسام, وبالمقابل من لايخدم الحوار والمصالحة مصالحه, يقدم الخشية من مصالحة تجعله عرضة للعقاب أو الانتقام, وان صلحت النوايا لحوار حقيقي ورغبة جادة للمصالحة, تكون تلك الخشية والخشية المضادة شيء مشروع يمكن وضع آليات لتفاديه, بدل توظيف هذه الخشية لوضع العصي في دواليب الحوار, مما يعيق إخراج جهود الحوار بالشكل والمضمون الذي ينتظره كافة شرائح شرفاء الشعب الفلسطيني.
تعلم القيادة المصرية وتدرك ماهي مقدمة عليه من تفكيك للألغام المزروعة بفعل الانقسام والعبث الإقليمي والدولي, بان المهمة شاقة وعسيرة, لكننا نلمس منذ اللحظة الأولى للانقسام والصدام, جهودا مصرية مباركة ودون توقف, وهذا انطلاقا من الدور المصري العروبي والالتزام الصلب باعتبار القضية الفلسطينية هي أساس الحرب والسلام في المنطقة مهما توهم البعض غير ذلك, إضافة إلى أن مصر وهي المتاخمة لحدود غزة وقد استشعرت خطرا على أمنها القومي نتيجة الصدام الفلسطيني وليس نتيجة الوفاق, لأنه عندما كان الوفاق الفلسطيني مستتبا, كانت الأمور تسير بشكل منظم وميسر مع الجانب المصري, هذا بموازاة الحصار الصهيوني ومخططاتهم التي أسقطتها القيادة المصرية كما أسقطها الشعب الفلسطيني, بمحاولاتهم الغبية التي لا تتوقف عن تصفية القضية الفلسطينية, على أساس غزة تحت الإدارة المصرية , والضفة للإدارة الأردنية, وكنت أكثر من كتب طالبا أن يعلو صوت مصر بالمصارحة في ذروة الزج بمصر كطرف من أطراف الحصار, بان طالبنا القيادة المصرية أن تعلن موقفها بصراحة ودون لبس, هل تعتبر مصر حدود غزة معها"حدود صهيونية مصرية"ويتم التعامل معها أمريكيا ودوليا وصهيونيا على هذا الأساس, فيتم تفهم السلوك المصري, أم هي حدود مصرية فلسطينية وفي هذه الحالة تقع مصر تحت شبهة المشاركة في الحصار؟وكان الصمت المصري ربما يترجم سلوكا دبلوماسيا من حيث عدم الركون لعدم الإجابة, بل حقيقة الأمر يتم التعامل مع تلك المساحة بخبث صهيوني ودبلوماسية مصرية, على أنها مازالت بينهم"حدود مصرية مع الاحتلال الصهيوني".
انطلاقا من هذا السياق, لم تسلم مصر بواقعية الانقسام الفلسطيني, ولم تستخدمه كورقة عبث لتحقيق مصالحها مع الكيان الصهيوني, بل استنفرت كل إمكاناتها السياسية والأمنية من اجل رأب الصدع الفلسطيني, وتفويت الفرصة على كل المخططات الإقليمية والدولية الخبيثة ليس انطلاقا من حرصها ومسئوليتها التاريخية تجاه الشعب والقضية الفلسطينية فحسب, وإنما انطلاقا من امتدادها الأمني الإقليمي فما يدور في فلسطين تتأثر به سواء في مقارعتنا مع الاحتلال, أو في مقارعتنا للصراع على سلطة أوسلو وسقوط حرمة الدم الفلسطيني , وانتهاك بكارة اللحمة الوطنية المقدسة, فباركت إرهاصات الحوار في مكة واليمن, واثنت على وثيقة الوفاق الوطني في حينها, وأنشأت غرفة عمليات باهتمام أعلى هرم قيادتها, سواء على مستوى السياسة والاتصالات الخارجية العربية والإقليمية والدولية, أو على مستوى الداخل الفلسطيني المنشطر والمتفجر, ولم تؤول جهدا من اجل الإعداد الجيد لجمع الفرقاء بداية بالتهدئة مع الاحتلال حين رأت الفصائل رغم غياب فتح أن تلك التهدئة مصلحة وطنية, وانطلقت في ظل أجواء التهدئة مع المحتل لتعلن أن التهدئة والحوار مع الشقيق الخصم يحتل الأولوية الوطنية, وجرت جولاتها المكوكية بين الفرقاء ومفاتيح الفرقاء, كي تجلب الفرقاء لأرضية خصبة لإنجاح الحوار في القاهرة, بعدما وصل الوضع الفلسطيني الداخلي إلى ذروة المهزلة والضياع,. بانشطار أثلج صدور الأعداء وما خلف الأعداء, حتى بات هؤلاء الأعداء يجزلون الدعم والإطراء لهذا وذاك أو مع هذا وضد ذاك من اجل إبقاء الوضع المتأزم والمأساوي على ماهو عليه, ومن بعد مصالحهم القذرة ليأتي الطوفان.
نعم رغم اختلاف البعض على هذا, فان مصر شهادة للتاريخ, تقف بمسافات شبه متساوية من الفرقاء, ولم تحسم أمرها بعدوانية في وضح النهار كما يفعل الآخرون, في صف طرف بالمطلق ضد الطرف الآخر بالمطلق, حتى أن القيادة المصرية ابتعدت عن تقمص دور الحاكم والقاضي لتقول أنا مع الحق ضد الباطل, ولا مع الباطل ضد الحق, بل اتخذت لنفسها مكانا قصيا اقرب مايكون في الابتعاد والاقتراب لمصلحة إنجاح الحوار الموقع الوسطي, فعلى سبيل المثال لا الحصر, عندما ترغب حركة فتح بان يكون الحوار شاملا وليس بين فتح وحماس, انطلاقا من اعتبار الحوار سقفه اكبر من إنهاء الانقسام بل, إنهاء الانقسام والشراكة الوطنية الشاملة , بالمقابل طالبت حركة حماس أن يكون الحوار ثنائيا بين فتح وحماس, على اعتبار أن الخصومة وأسباب الانقسام هو لدى قطبي المعادلة الوطنية وعلى أساس أن مابين ذلك القطبين من فصائل وطنية لإخلاف لفتح وحماس مع تلك الفصائل, وعندما تمسك الأطراف كل بناصية شرطه لبدء الحوار, لم تنفض مصر يدها من ذلك ولم تنحاز لشرط طرف ضد الآخر, بل اتخذت لنفسها موقعا ومسافة متساوية, وترجمت دورها كوسيط لديه المصداقية والإصرار والإمكانية لإنهاء الانقسام, وطرحت موقعها لتخريج أزمة الشروط, لتقترح مخرجا يشمل المطلبين ويتفادى حدوث احدهما دون الآخر"حوار شامل وعلى هامشه أو بموازاته حوار ثنائي", وأسوق لتحديد الموقع الحقيقي المصري على خارطة ومسافات الحوار معالجة وسطية أخرى, حيث ترى وتطالب حركة فتح بان تكون الحكومة "تكنوقراط" أي ليست حكومة ذات صبغة حزبية لافتح ولا حماس, إنما حكومة متخصصين بالمؤسسة وربما تكون الأحزاب السياسية من خلف العديد من المرشحين لتولي حقائب وزارية في تلك الحكومة, وبالمقابل ترى وتطالب حركة حماس بان تكون الحكومة "حكومة وحدة وطنية" وقد فسر ذلك على أساس المحاصصة بين فتح وحماس دون أي اعتبار لما تم تسميته الأحزاب الصغيرة أو الهامشية, فما كان من القيادة المصرية إلا كالمعتاد اتخذت لنفسها موقعا ذكيا ودبلوماسيا وسطا بين هذا وذاك, وطرحت حكومة" وفاق وطني" أي ليس تكنوقراط تغيب بروز البصمة الحزبية, وليس حكومة محاصصة ثنائية حزبية بالمطلق, بل طرحت مخرجا وسطا "حكومة وفاق وطني" أي حكومة يتوافق عليها جميع الأحزاب ويتم تسمية مرشحيها بعيدا عن القيادات البارزة في فصائل المقاومة , كي تؤدي مهمتها بداية برفع الحصار والمقدرة على تاسييس لمؤسسة أمنية سليمة تقوم على أساس وطني لاحزبي, ولا يكون رموزها مثار جدل وتذمر لدى الجماهير المنقسمة بناء على انقسام الفصائل.
ليس مهمتي هنا الدفاع عن الموقع المصري, بل عندما يكون الموقع والموقف المصري ظاهرا في حياديته بين الفرقاء يجب أن نصرح بذلك, كما صرخنا وصرحنا سابقا في وجه مصر من مواقف تضعها في دائرة الشبهات, ولمن نسي ذلك فعليه بالعودة إلى عشرات لا بل مئات مقالاتي سيلمس أن أقلامنا التي استلت من غمدها, لم تهادن أحدا في شبهة الباطل ولم تتورع لحظة عن التعبير بالامتنان عن المواقف المشرفة لأي قطر عربي أو أي قيادة كانت, فلم نسمع قط من مصر أنها تبنت رؤية فتح بالمطلق, كما لم تتبنى رؤية حماس بالمطلق كما يفعل من لايعنيه إلا تجسيد الانقسام وامتلاك مفاتيح العبث بالدم الفلسطيني في يده لتحقيق مصالحه ومن بعدها الطوفان.
لذا فإنني ومثلي الكثيرون نشد على يد القيادة المصرية, أن لا تترك مجالا للفرقاء للابتعاد بعد اللقاء, وان لا تترك مكانا للمتصيدين في المياه العكرة بتحريض القيادة المصرية ضد احد الفرقاء من اجل هدف الاستفزاز وابتزاز موقف يأس مصري لتنفض يدها من مسئولية إنهاء الانقسام بكل الإمكانات والوسائل المتاحة, ونناشد الإخوة الفرقاء جميعا أن يصفوا النوايا ويصدقوا العمل, فالشعب الفلسطيني عامة وفي غزة برميل البارود خاصة, أن يتقوا الله في شعبهم الصابر الصامد المرابط وإلا يكونوا ورقة رخيصة في يد العابثين, لان المركب التي ستغرق في حال استمرار الانقسام هي مركب واحدة, وان دعاة امتلاك قوارب الإنقاذ والنجدة عندما يحين الحين ويجد الجد والله ثم والله ثم والله لن يخرج موقفهم عن تصريح هنا وآخر هناك, وحفنة دراهم هنا وأخرى دولارات هناك, ويا أخوة المصير والدم, إن الدم الفلسطيني ووصايا الشهداء لهي أثمن وأغلى وأقدس واطهر من كل تلك الخزعبلات الخارجية, العدو يتربص بنا من كل حدب وصوب ولم ولن يفرق بين دم فتحاوي ولا حمساوي, القضية من ضياع إلى ضياع, وصيتكم هي ما أوصى به الله ورسله والأكرمين منا الشهداء, الوحدة والمقاومة أن فرطتم بهما فعليكم وعلى قضيتكم السلام. وكلمة أخيرة أقولها ناصحا صادقا, لن يستمر هذا الوضع على حاله طويلا, إن أفشلتم الجهد المصري, فتوقعوا نتيجة الاحتقان هبة جماهيرية قد يخال للبعض الذي لم يقرأ ويشاهد التاريخ أنها بعيدة, وهي هبة جماهيرية ضد الانقسام وضد القمع وضد القهر وضد كل من يعتبر أن له ضدا, فالجماهير وان بدا للبعض غير ذلك معظمها إن لم يكن كلها مع الوفاق والحوار والمصالحة , وضد استمرار الانقسام والحصار, وهبتها والتي باتت في الأفق المنظور سلمية لادموية داخلية, وعنيفة صاخبة في مواجهة المحتل الصهيوني أس كل البلاء, لن تقبل مساومة الصهاينة على ثوابتها, ولن تقبل العبث بمقاومتها, ولن تتردد في انتزاع صمام أمان وحدتها, وعليه الجميع مسئول أمام الإرادة الجماهيرية المحبطة والحالمة بغد تتوحد فيه الأجندات مابين السياسة والمقاومة, غد تزف لتلك الجماهير البشرى من قاهرة المعز وارض الكنانة إلى الوطن الكنعاني الأصيل, فلا تجرعوا تلك الجماهير مزيدا من اليأس والإحباط والقهر والخذلان, ولا تفشلوا الفرصة المصرية النادرة للحوار والمصالحة, فطوبى لكل من قال نعم للحوار والمصالحة, وسحقا لكل من إصر على إبقاء الانقسام وتنمية العداء مع الشقيق وتنمية المودة مع الأعداء وختاما" هل ستسمح مصر بإفشال متعمد لجهودها والحوار؟؟؟"" , وشكرا لكل من كان من العرب والمسلمين محضر خير لا محضر شر, فان خطر المصالحة أهون بمليون مرة من أخطار استمرار الانقسام.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟