يتعرض الحزب الشيوعي العراقي من جديد الى حملة إعلامية عدائية ظالمة وغير مبررة،أثارت وتثير الإستغراب،وتطرح الكثير من التساؤلات ..
إن المتتبعين للشأن السياسي العراقي جيداً يعرفون أن الحملات المعادية للحزب الشيوعي العراقي ليست أمراً جديدأ.فقد شهدت العقود السبعة من عمره المديد الكثير الكثير من الحملات المسعورة، المنظمة والمتواصلة، التي شنت عليه منذ عهد " التحقيقات الجنائية" ومديرها سيء الصيت بهجت العطية، ورئيسه نوري السعيد، الذي عمل المستحيل، سياسياً وفكرياً وبوليسياً، كي تكون " دار السيد مأمونة" لأسياده الأنكليز..وإنتهاءاً بعهد الدكتاتور الجبان صدام حسين،بطل الإبادات الجماعية والمقابر الجماعية،التي لم تتوقف حتى اَخر يوم قبل سقوطه المهين، مختتماً إياها بإعدام الآلاف من المناوئين لتسلطه وجرائمه، وفي مقدمتهم الشيوعيون العراقيون..وقد مات كمداً كل من بهجت العطية، ونوري السعيد، وسعيد القزاز، وغيرهم من عتاة المعادين للحزب الشيوعي العراقي، الذين كانوا يتباهون بقمعه،واعدين وعد الواثق بالقضاء عليه، بينما بقي الحزب حياً وفاعلاً.وسيموت صدام حسين كمداً، أيضاً، لبقاء الحزب الشيوعي العراقي شامخاً، معافى، متجدداً، ومناضلاً جسوراً في سبيل قضايا شعبه ووطنه !
وكان معروفاً أيضاً كيف إتسمت تلك الحملات المعادية للحزب الشيوعي العراقي، عموماً، بالتنوع من حيث أساليبها ووسائلها، على إختلافها، بيد أن هدفها كان واحداً - السعي لتصفيته، على أمل التخلص من أفكاره وتأثيره في المجتمع العراقي.ومن هنا كانت أبرز ذرائعها ومبرراتها: "العمالة للأجنبي" و "خيانة الوطن" و" الكفر" و " الإلحاد"، وما الى ذلك من إتهامات باطلة..وكلنا نعرف المصير المحتوم الذي اَل إليه أبطال تلك الحملات الإجرامية: مزبلة التأريخ العفنة،غير مأسوف عليهم، رغم ما عرفوا به من خبث ودهاء!
واليوم، حيث يعيش العراق مرحلة جديدة، بعد أن تخلص من أعتى نظام قمعي،داس بأقدامه القذرة على كل حقوق الإنسان العراقي، وتلوثت أيادي الآلاف من أزلامه ومؤسساته الإرهابية بدماء مئات الآلاف من العراقيين الأبرار،وحطم وأذل الشعب العراقي، وغير ذلك، يفترض أن لا يكون في العراق بعد اليوم،مكاناً لمثل تلك الحملات، لا سيما وأن المرحلة الإنتقالية الراهنة تستلزم، أكثر من أي وقت مضى،بتقدير المحللين السياسيين الموضوعيين، بناء وحدة وطنية عراقية واسعة ومتينة، لبناء العراق الجديد- الحر والديمقراطي والمستقل،على أساس التفاهم والعمل المشترك، وفق قواسم مشتركة،وتجاوز الخلافات الثانوية، ومواجع الماضي وسلبياته، بروح التسامح الأخوي،وبنكران ذات،بما من شأنه تغليب مصالح الوطن والشعب العليا على المصالح الذاتية، بعيداً عن الإنتقام، والأحقاد، والضغائن،والإستئثار، والتسلط،ونبذ الكراهية والطائفية والشوفينية والعنصرية، الى جانب إحترام الآخر، والدفاع عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني،وكل ما من شأنه ان يمد جسر التعاون والتلاحم بين كافة قوى الشعب الخيرة والفاعلة، وفي مقدمتها تلك التي ناضلت وقدمت التضحيات في النضال لإسقاط النظام الدكتاتوري البائد.فلا سبيل اَخر لها إذا ما عزمت على تحقيق طموحات الشعب العراقي.وهذا الهدف النبيل يستلزم من كل عراقي مخلص وشريف، في الداخل والخارج، ان يدعمه ويكرس جهوده لتحقيقه !..
بدلاً من هذا، نشهد، للأسف، من جديد، حملة مسعورة ظالمة، وغير مبررة، ضد الحزب الشيوعي العراقي، الذي عرف بوطنيته العراقية الأصيلة ودوره النضالي الوطني والديمقراطي المتميز،الذي يشهد له به العدو قبل الصديق.ومن بين ذرائع الحملة الجديدة- كما يزعم "أبطالها"- دخول الحزب في مجلس الحكم الإنتقالي العراقي، مستكثرين عليه إنضمامه الى بقية الأحزاب السياسية والقوى الوطنية ، التي تمثل غالبية ألوان الطيف السياسي والقومي والإثني والمذهبي العراقي، مفتين بأن عمله في مجلس الكم يعد "خدمة" للمحتلين و " تنفيذاً" لمخططاتهم، متجاهلين من الذي جلب الغزو والإحتلال،صامتين كالخرسان عن إدانة العصابة الحاكمة، بينما كان الحزب الشيوعي العراقي -كما يعرف القاصي والداني- من أوائل من تصدوا للدكتاتورية والحرب، وأول من أدان علناً وبكل وضوح خيار الحرب والغزو والإحتلال،وما أنفك يناضل في سبيل رحيل المحتلين وإستعادة السيادة الوطنية بأسرع وقت ممكن،وبذات الوقت يعمل، مع بقية الأحزاب والقوى الوطنية الحريصة، من أجل بناء العراق الجديد- الحر والمستقل والديمقراطي، معتبراً مجلس الحكم الإنتقالي أحد مجالات الصراع القائم، ووسيلة سلمية لخوض النضال الراهن في سبيل قضايا الشعب والوطن المصيرية، وللمشاركة الفعلية في تقرير مصيره..
والغريب العجيب أن الأحزاب والقوى الأخرى، الموجودة في مجلس الحكم، لم تتعرض مثلما تعرض، ويتعرض له الحزب الشيوعي العراقي، مع أنه اَخر من وافق على الإنضمام إليه، ورفض رفضاً قاطعاً "الدور الإستشاري"، الذي رسمه المحتلون للأحزاب والقوى الوطنية في المرحلة الإنتقالية.وقد وجهت له الدعوة للمشاركة كحزب شيوعي عراقي.ولم يرشح نفسه لعضوية الرئاسة الدورية لمجلس الحكم انطلاقاً من رفضه المبدئي لتكريس المحاصصة القومية - الطائفية في واقع المسؤولية.
والى جانب هؤلاء ثمة من رفع عقيرته ضد الحزب الشيوعي العراقي، مروجاً لإتهامات بالية قديمة، مثل "الإلحاد" و "الكفر" و " الزندقة"، وغيرها من التفاهات. وفي هذا السياق راح هؤلاء ينبشون في الماضي، ويروجون لأكاذيب، ومزاعم، أكل الدهر عليها وشرب، كان يروجها أقطاب النظام الملكي البائد وأبواقه، وأعداء ثورة 14 تموز المجيدة،والحاقدين على إنجازات تلك الثورة ومكتسباتها الوطنية والديمقراطية.
ومما يميز الحملة الجديدة عن سابقاتها أن "أبطالها" هذه المرة لا يمثلون، ظاهرياً، الأجهزة القمعية وأبواق السلطة وخدم الحاكم "القائد الضرورة "..وإنما هم خليط غريب، ما بين أفراد خارج الوطن إنتحل أحدهم إسم الحزب الشيوعي العراقي وأضاف له "-الكادر"،إتضح أنه مطرود من الحزب منذ عام 1982 لأسباب أخلاقية،وله صلات قديمة مع المخابرات البعثية العراقية،إنكشفت أكثر عقب ظهوره مؤخراً على قناة "الجزيرة"..و "شخصيات " سياسية منبوذة، وهزيلة ومفلسة.. و" كتاب " مبتدئين،وآخرين متسترين برداء الدين، ورجعيين، ومشبوهين، وظلاميين، وضعوا أنفسهم في خدمة محاربة الحزب الشيوعي العراقي.
لا يعتب أحد على الأذناب والأيتام والمرتزقة المأجورين والمشبوهين والظلاميين المنبوذين، فهؤلاء لا يستحقون أكثر من الإزدراء والإحتقار، فهو خير رد لامثالهم .. إنما عتبنا على أولئك الذين إنجروا وراء هذه الحثالة، وإنحدروا الى دركها، بينما هم يعتبرون أنفسهم وطنيين مخلصين وحريصين. وبين هؤلاء، للأسف، من كان يوماً ما قائداً شيوعياً، أوماركسياً، أوسياسياً وطنياً ..لا ندري كيف إرتضى هؤلاء أن يضعوا أنفسهم، شاءوا أم أبوا، في خدمة أعداء الحرية والديمقراطية والتقدم، وأعداء الشعب والوطن، وراحوا يرددون ويروجون لإفتراءات ظالمة، لا يروج لها سوى أيتام صدام حسين وبقايا المخابرات والبعثيين العفالقة الفاشست، والمأجورين، خدمة لمشاريع أسيادهم وأهدافهم .. فما الذي يجمعهم مع حثالات ومجرمين وسماسرة وأبواق صاخبة ومسيئة، حاقدة، وطائفية، وشوفينية، وعنصرية، تحسب نفسها على الإسلاميين، والقوميين، والعروبيين، تحت هدف لا يشرف أي عراقي مخلص وشريف، بغض النظر عن توجهاته السياسية المختلفة مع برنامج الحزب الشيوعي العراقي وأهدافه- ألا وهو محاربة هذا الحزب الوطني المناضل، قبل غيره، تحت يافطة " الدفاع عن الوطن "، والوطن منهم براء، وأهله في الداخل يتساءلون: أين كان هؤلاء، ولماذا لم ينبس أحدهم ولو بكلمة واحدة، علنية وصريحة،عندما كان النظام الدكتاتوري المقيت، وزمره الفاشية، تعيث في البلاد فساداً وخراباً، وحطمت الشعب العراقي وأذلته أيما إذلال، وأهدرت ثرواته، وفرطت بسيادته، وكانت مستعدة لبيع الوطن بأبخس ثمن وتسليمه " أرضاً بلا بشر" لقاء الحفاظ على كرسي " القائد الضرورة" و" "البطل العروبي" و" العبد المسلم " صدام حسين ؟!! .. بينما كان الشيوعيون العراقيون يتصدون، مع بقية مناضلي الأحزاب العراقية المناضلة في الداخل، للأجهزة القمعية البعث-فاشية في عقر دارها، وقدموا التضحيات الغالية الجسيمة في سبيل إسقاط نظام القتلة وإقامة البديل الديمقراطي المنشود.
إنه لمن المؤسف حقاً ان تسخر مواقع عراقية على شبكة الإنترنيت، مثل:" كتابات" و" موسوعة النهرين" و" الحوار المتمدن" و " صوت العراق" وغيرها، صفحاتها لمقالات عناصر تافهة وهزيلة، لا تجيد غير السب والشتم والتجريح – راجع على سبيل المثال لا الحصر المقال المنشور في "موسوعة النهرين" ليوم 19/2/2004،وعنوانه: |الأحزاب العراقية الحالية ومدى الإستجابة لمتطلبات العراق الجديد"، وكاتبه بعثي سابق- كما يعترف- وكويتب نكرة، يصف فيه الحزب الشيوعي العراقي بـ"حزب فاشل ملحد منحط خلقياً" و" إن إسم الحزب الشيوعي يثير الإشمئزاز والإحتقار".. وبعد كل التطاولات البذيئة التي سطرها يدعو: " اللهم يارب إحفظ عراقنا الحبيب وإنصرنا ووحد كلمتنا "!!..
ولعل أكثر المساهمات الإعلامية العدائية،ضمن فئة المعتوب عليهم، تلك التي سطرها كاتبان معروفان.الأول، وهو سياسي مخضرم، عرف بكونه مهندس التحالف الفاشل بين البعث والشيوعي، ومن ثم أحد حملة لواء " الدفاع عن الوطن" ودعاة "الحوار الوطني" مع الدكتاتور صدام حسين.من مساهماته: "رسالة مفتوحة الى احزاب النضال العربي من اجل التحرر والتقدم والديمقراطية" - كشف النقاب عنها الصحفي ناهض حتر- يستجدي فيها دعم وتضامن "التقدميين العرب"، ويكذب فيها، وهو الشيخ الثمانيني، بأن" اكثرية مناضلي الحزب الشيوعي واليسار العراقي قد عارضوا سياسة قيادة الحزب الحالية, وان الكثير منهم قد اطلعوا على هذه الرسالة مسبقا".على ذكر الإطلاع، نتحداه لو نشر 50 إسماً، لا أكثر، من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي الذين "إطلعوا" على رسالته.ومن عناوين مقالاته:" "قيادة الشيوعي العراقي تنكّرت لوطنية حزبها" و"آخر صرعات العولمة: شيوعية الاحتلال".والسياسي المخضرم هذا هو من كتب، بدون حياء، عشية سقوط النظام:" العراق بعد العفو العام مبادرة الى الإنفتاح الديمقراطي"..والمقصود العفو الذي أصدره المجرم صدام حسين وأطلق بموجبه صراح المجرمين العاديين، ولم يشمل أي معتقل سياسي من معارضي نظامه الدكتاتوري المقيت.وطيلة خمس سنوات لم نقرأ له ولا كلمة واحدة يدين فيها جرائم صدام حسين ونظامه، ولم يسميه حتى بالدكتاتوري..!!
الكاتب الثاني، وهو معروف بغزارة كتاباته، ومن بين بعضها الجاد، مثل بحثه مع المفكر العراقي الفقيد هادي العلوي في إشكالية الطائفية وتداعياتها السياسية والإجتماعية..وقد جعل من الحزب الشيوعي العراقي عدوه اللدود، ولا نعلم ما هو سر ذلك. من عناوين مقالاته:"الاعتداء المدان على مقر الحزب الشيوعي –اللجنة المركزية – لن يجعل الانتهازيين ثوريين!"، و"جناح اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بين عارين : من عار التحالف مع البعث- إلى عار التعاون مع الاحتلال !" و" تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وتحديات المرحلة!: شيوعيو الشعب يتصدون للاحتلال و –شيوعيو- الاحتلال يصوتون للطائفية !"و " اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بين عارين: التخلي عن ماركس والإستشهاد بالجنرال سانشيز" و " بين فهد و" حميد" ما الذي تغير"..
ولو تمعنت في طروحاته فلن تجد فيها نقداً بناء، ولا حرصاً على تقويم سياسة الحزب، ومواقفه، بل تجدها- وعناوينها خير شاهد- مليئة بالتجريح والإساءة للحزب وقيادته ( من تعابيره:" الدرك الأسفل من الانتهازية السياسية الذي بلغته جماعة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي" !!)، ولم يتوان حتى عن ترديد إفتراءت دنيئة للمخابرات العراقية أطلقتها، منذ عدة سنوات، ضد عضو المكتب السياسي للحزب مفيد الجزائري.وكتاباته مفرطة بالأحكام القاسية، وبالفتاوى الجائرة، وبسلاطة لسان لا تخلو من الإستعلاء والغطرسة الفارغة،وقد فرض من نفسه" قيماً " و " مقيماً" للحزب وقادته( فهو يدعي: "معروف على نطاق اليسار والحركة الديموقراطية العراقية ككل أن السيد حميد مجيد لا يتمتع هو الآخر بأية تميَز، وليس له إنجازات فكرية أو ثقافية معروفة، باستثناء بعض اللقاءات الصحافية والخطابات ذات اللغة المناقبية المألوفة التي تعكس إمكانياته الشخصية المتواضعة" !!). ومثل هذه التقييمات المجحفة،والتعابير السوقية، التي عودنا عليها مثقفو الأبراج العالية، تجدها عنده ممزوجة بمواعظ مملة وتنظيرات بعيدة كلياً عن الواقع السائد في عراق اليوم ومشكلاته الإجتماعية والسياسية والفكرية الوخيمة !..
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو التالي: لمصلحة من تنشر مثل هذه الإساءات ؟ ولماذا تسمح المواقع العراقية، غير المرتبطة بالنظام المقبور، بنشرها؟ ولماذا في هذا الظرف بالذات ؟!!