|
أثر أزمة القوقاز على العلاقات الأمريكية الروسية
رفقة شقور
الحوار المتمدن-العدد: 2440 - 2008 / 10 / 20 - 06:44
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يعتبر حقل العلاقات الدولية من أكثر الحقول تعقيدا في علم السياسة، وذلك لدرجة التشابك والتعقيد العالية التي تحيط بأشخاص المجتمع الدولي والمتمثلة بالدول المختلفة المصالح والأهداف، والتي تستمد إستراتيجيتها الدولية من طبيعة هذه الأهداف المستقبلية والآنية دونما انفصال عن تاريخها والظروف التي رافقته وأحاطت به، ومن هنا تأتي أهمية استعراض الحقل الزمني المشترك(الماضي والحاضر والمستقبل) بين الفاعلين في أزمة القوقاز من أجل الوصول إلى منظومة ضابطة لطبيعة العلاقات بين هذه الدول وأفق هذه العلاقات. خلفية حول اللاعبين الأساسيين في الصراع: اتسم تاريخ العلاقات الجورجية الأوسيتية بالتوتر، حيث كانت روسيا تغذي الفورات القومية في هذه المناطق لأهداف إضعاف السلطات في تبليسي ومعارضة السيادة الجورجية في أوسيتيا. وحالما تولى الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي السلطة عام 2004م؛ عبر عن رغبته في استعادة السيادة الجورجية الكاملة على المنطقتين الانفصاليتين في أوسيتيا وأبخازيا، إلا أنه وبحكم عوامل متلاحقة جعلت الظروف مواتية لتجميد النزاعين. إلا أن القوات في تبليسي مالت للخيار العسكري حيث ألمح كبار المسؤولين الجيورجيين أنه لم يكن مستبعدا، وبفعل المساعدات من قبل الولايات المتحدة وتركيا تم تحديث الجيش الجورجي وفقا لمعايير الناتو، وتلاحقت الأحداث والتوترات مابين أوسيتيا والقرى الجيورجية لكن الهجوم الواسع ليلة 8 آب 2008 على مدينة تسخينفالي وعلى قواعد القبعات الزرق الروسية من قوات الفصل أخذ طابعا مغايرا لما سبق فقد قدر الرئيس الجورجي أن بمقدرتهم السيطرة على العاصمة الإقليمية الصغيرة، إثباتا للسيادة الجيورجية على المنطقة دونما تدخل من الروس كما أنه قدر أن تنهال عليه المساعدات من قبل حليفه الأمريكي إلا أن الحرب أثبتت أن الحسابات الجورجية كانت خاطئة وعلى درجة من سوء التقدير وفقا للتطور الدراماتيكي للأحداث. وعند إلقاء نظرة إستشرافية على تاريخ العلاقات الروسية الجورجية يسهل ملاحظة أجواء المد والجزر التي سادته؛ فلطالما رغبت روسيا بالقضاء على الخيار الأطلسي بالنسبة لجورجيا؛ إلا أن تطور الأحداث أدى إلى تدهور العلاقات فيما بين البلدين، ورغم الخطوات التي اتخذها الكريملين الروسي من تهديد بالتدخل العسكري على الحدود مع الشيشان والغارات الجوية ورفع الحصار عن أبخازيا، إلا أن جملة هذه التهديدات دعمت العلاقات فيما بين تبليسي وواشنطن بشكل ملحوظ. وفي المقابل اتخذت الولايات المتحدة عدة خطوات مضادة للسياسات الروسية فقد تم ووفقا لمبادرة أمريكية عام 1997م تشكيل"جمعية الدول المعارضة للموقف الروسي في المناطق الانفصالية GUMA حسب الأحرف الأولى لأسماء هذه البلدان وهي جورجيا وأوكرانيا وأذربيجان ومولدافيا". علاوة على ما قامت به في العام2002م عملت _الولايات المتحدة_ على نشر مستشاريها العسكريين في جورجيا، في الوقت الذي أصبحت فيه جورجيا حلقة وصل لنقل النفط ومشتقاته من بحر قزوين إلى الغرب، ووصلت العلاقات الروسية الجورجية ذروة التأزم عندما قام الرئيس ساكاشفيلي عام 2006م باعتقال أربعة ضباط روس حيث أحدثت هذه الأزمة ضجة إعلامية ونظمت موسكو حملة معادية لجورجيا وقاطعت النبيذ الجورجي. وقد وجه الرئيس السابق لروسيا فلاديمير بوتين تحذيرا صريحا إلى المسؤولين الأمريكيين حيث أكد معارضته لأي توسع لحلف شمال الأطلسي يضم أوكرانيا وجورجيا، حيث يرى الرئيس بوتين أن هؤلاء قد استغلوا حالة الضعف الروسي بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي بغية رسم خريطة جيوسياسية جديدة لتلك المنطقة بحيث تكون خارج النفوذ الروسي، إلا أن روسيا وكما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة ترفض أن يحدث أي تدخلات على حدودها. إلا أن الأعمال الاستفزازية التي قامت بها الولايات المتحدة عن طريق مشروع الدرع الصاروخي والضغوط الأمريكية خلال قمة بوخارست في نيسان/أبريل 2008م، من أجل تسريع انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي ؛ ساهمت في الأمريكية الروسية. وجاء العمل العسكري الجورجي في أوسيتيا الجنوبية ذريعة للكريملين من أجل استعادة المبادرة، حيث عمل الحانب الروسي على حماية القبعات الزرق وأوسيتيي الجنوب، كما عمل على توجيه ضربة محكمة للقوة العسكرية الجورجية وتعزيز سيطرته على المنطقتين الانفصاليتين. ومن خلال هذا الاستعراض لجذور الأزمة فيما بين الطرفين الروسي والأمريكي يلاحظ أن العلاقات الأمريكية الروسية خرجت من رحم الحرب الباردة وهي يشوبها التوتر؛ وقد غذت الصراعات في تلك الأقاليم حالة المد والجزر في العلاقات الروسية الأمريكية وحول الإقترابات العلمية في محاولة تفسير انعكاسات الأزمة وأبعادها وتداعياتها على مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية؛ اجتهد المحللين والمراقبين في التشخيص والتنبؤ بطبيعة التحولات التي ستطرأ على مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية، وبخاصة أن ما قامت به روسيا قد شكل رسالة إلى الناتو والولايات المتحدة مفادها أن روسيا باتت خياراتها مفتوحة إزاء ما يهدد سلامة أراضيها، وأنها قد تسعى إلى مواجهة مسلحة للحفاظ على إستقرار الأوضاع الحالية في محيطها الإستراتيجي والأمني والدول الملاصقة لها.
اتجاهات الجانبين الروسي والأمريكي في صياغة إستراتيجياتهم الدولية اتجاه بعضهما البعض: عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة ولايته على إخراج روسيا من حالة التفكك والضعف التي كانت تعاني منها وقد ساعده في ذلك إستراتيجية المحافظين الجدد اتجاه روسيا حيث أنهم تخلوا عن سياسة إحتواء روسيا ومصادرة قوتها النووية مما أدى لإعطاء البرنامج النووي الروسي حيزا واسعا من الوقت بعيدا عن الضغوط الدولية حتى يصل إلى مراحل متقدمة. وقد كانت السياسة الأمريكية في عهد بوريس يلتسن متركزة على الوصول بروسيا إلى درجة من الإنحلال والإنهيار الإقتصادي والأمني والإجتماعي والثقافي؛ فأتت الهزيمة الروسية في الحرب الصربية والغرق في المديونية نكسة حقيقية في النفوذ الروسي. واستمر الحال كذلك إلى أن تسلم الرئيس بوتين الحكم في روسيا؛ ومجيء المحافظين الجدد وإهمالهم متابعة تفكيك روسيا ومهاجمتها حيث جعلوا من الحرب على الإرهاب أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، كذلك سعيهم في سبيل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير من أجل ضمان تحقيق الأهداف الصهيونية، فعمدت الولايات المتحدة لعقد صفقات مع روسيا من أجل تمرير سياساتها في الشرق الأوسط، مقابل تغاضي الولايات المتحدة عما تفعله روسيا في الداخل والجوار، وقد استفادت عدة دول من التركيز الأمريكي في الشرق الوسط كالهند والصين حيث عملت على توسيع نفوذها العسكري والإقتصادي والسياسي. ووفقا لهذا السياق فقد جاءت حرب القوقاز لتعيد روسيا بقوة على الساحة الدولية كدولة يحسب لها حساب وشريك في النظام الدولي فيما بعد الحرب الباردة، حيث تنبهت الولايات المتحدة لضرورة التراجع عن سياساتها فيما يخص المهادنة اتجاه الجانب الروسي. مما سبق يلاحظ أن المتغيرات الدولية خلال السنوات السبع السابقة واستعادة روسيا لعافيتها على الصعيد الدولي والتراجع الملحوظ في المشاريع الأمريكية نتيجة للسياسات الخارجية للمحافظين الجدد عملت هذه السياسات على دفع الدول المنافسة للولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية ووضع الدول التي من المحتمل أن تنافس النفوذ الأمريكي في المرتبة الأولى من اجل إعطاء الوقت برمته لخدمة المشروع الصهيوني، وهذا خطا استراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات السبع السابقة أتاحت المجال لتنامي النفوذ الروسي ونفوذ غيره من الأطراف. وعلى ضوء ما سبق يجب أن يقرأ أثر الحرب الجورجية الروسية على العلاقات الروسية الأمريكية، حيث أن الولايات المتحدة تعمل على درجة من التنسيق مع الجانب الجورجي ويكشف عن هذا التنسيق قيام الولايات المتحدة بنقل المقاتلين الجورجيين من ساحة الحرب في العراق إلى ساحة الحرب الجورجية كذلك الحشد الإعلامي الأمريكي ضد روسيا. أهم تداعيات حرب القوقاز أنها أعادت لروسيا هيبة الدولة الكبرى عسكريا وبخاصة في أوروبا، حيث أن خروج روسيا بطريقة سلمية بعد هذه الحرب جاء من مصلحتها وفي سياق بداية تغيير في الإستراتيجية الأمريكية، تقتضي وضع أولويات موحدة من قبل الحزبين وهذا ما لم يتبعه المحافظون الجدد. ومن المفترض أن تعمل هذه الإستراتيجية الأمريكية على أن تضع في أولوياتها محاصرة روسيا والصين، وإعادة تقديرها لطبيعة علاقاتها مع مختلف الدول حيث سيرتبط المعيار للعلاقات بين الدول بالموقف من الأولويات الجديدة التي ستحددها الإستراتيجية الجديدة. الواضح أن حرب جورجيا ستشكل في تداعياتها علامة لإعادة تشكل العلاقات الروسية مع أمريكا، وبهذا تعود المعادلة الدولية لتحترم موازين القوى الحقيقية والواقعية بعيدا عن أغراض المحافظين الجدد، وأيديولوجيتهم في تقدير الموقف على كل صعيد. وحول طبيعة الحقبة التي أرست لها الحرب الجورجية فيما يتعلق بالعلاقات الروسية الأمريكية هناك من يرى أنها دشنت حربا باردة جديدة، وفي الجانب الآخر هناك من يرى أن طبيعة المصالح العليا المشتركة ودرجة تعقيدها للدول الكبرى وتشابك المواقف في عدة جبهات في العراق وإيران والقرن الإفريقي أو في جنوب آسيا وأواسطها يشي بان هناك عملية ترحيل للأزمة الحالية إلى الإدارة الأمريكية القادمة واحتمال دخولها خانة المساومات لا الحرب الباردة. ورغم أجواء التوتر الشديد الظاهرة في أجواء العلاقات الروسية الأمريكية إلا أنها تأخذ طابعا جديدا مغايرا لذلك الذي شهدته في حقبة الحرب الباردة وذلك يعود للعوامل المختلفة _سالفة الذكر_ والتي تحدد أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وتلك الروسية، ولكن يبدو عدم وضوح لشكل هذه العلاقات المستقبلية كونه لم يتبد بعد الوزن والأولوية الذي سيمنحه البيت الأبيض برئيسه المرتقب للنفوذ الروسي رغم المؤشرات التي تلوح في الأفق والتي تشي بإعطاء الملف الروسي الأولوية في المرحلة القادمة.
المراجع: منير شفيق، الحرب الروسية الجورجية مقدمات وأبعاد،عن الموقع الإلكتروني: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F8D6BBA7-70D9-45FE-ACA2-387B08ED20E3.htm
تقرير إخباري حول رد جورجي ايجابي على التعهدات الروسية،عن الموقع الإلكتروني: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_7605000/7605521.stm
تقرير إخباري، روسيا تهدد الغرب بتزويد إيران بأنظمة صاروخية متطورة، عن الموقع الإلكتروني: http://ar.timeturk.com/news_detail.php?id=8098
تقرير إخباري، روسيا: مستشارون أمريكيون شاركوا في حرب جورجيا عن الموقع الإلكتروني: http://ar.timeturk.com/news_detail.php?id=8081
مفكرة الإسلام، معركة القوقاز..خلفيات الصراع الجو رجيـ الروسي وأبعاد،عن الموقع الالكتروني: http://www.almoustshar.com/ArticleDetails.aspx?id=729&Photoid=564
روسيا تواصل التحدي وتقيم قاعدتين عسكريتين في أوسيتيا وأبخازيا، عن الموقع الإلكتروني: http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=164867&pg=2
الحرب الباردة بين روسيا والغرب، وتأثيرها على المنطقة، عن الموقع الالكتروني: http://www.alalam.ir/site/vote/index1.asp
دياب نصر، حرب القوقاز،جريدة القدس، السبت 13-9-2008م.
جان رادفان، عندما يلعب الكبار في أوسيتيا، لوموند ديبلوماتيك، أيلول 2008م، العدد 12.
#رفقة_شقور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثر الأزمة المالية العالمية على المساعدات المقدمة للسلطة الو
...
-
أثر الأزمة المالية على المساعدات المقدمة للسلطة الوطنية الفل
...
المزيد.....
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
-
فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
-
لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط
...
-
عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم
...
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ
...
-
اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا
...
-
العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال
...
-
سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص
...
-
شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك
...
-
خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|