منذ سنة إحدى وستين للهجرة والشيعة رجالا ونساء ا ،و أطفالا يحتفلون بمناسبة استشهاد نسل السلالة الطاهرة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين –ع-،الذي شاء الله أن يراه قتيلا ،وبكاه جبرائيل ،و مكائيل ،واسرافيل ،و نحن أيضا لا زلنا نبكيه ونبكي مصارع أخوته ،وأعوانه ،و أنصاره وجميع المستشهدين بين يديه .
إلا زينب ربيبة الرسالة المحمدية ،ورضيعة قيمها ،لم تتمكن من البكاء عليه حيث أنها منعت بعد مقتله من إقامة مآتم العزاء له ،ولكل المستشهدين بين يديه و أصحابه ،و أنصاره .
زينب هذه الصفحة البيضاء النقية التي تمتعت بخصائص حباها الله عز وجل بها ولم تتمتع بها نساء الأرض قاطبة بعد أمها الزهراء الطاهرة ،إضافة إلى ما اكتسبته من بيئة التربية ،والتنشئة الاجتماعية السليمة من قيم ربانية أخلاقية سامية ،ومبادئ روحية ربطتها بالله ،وجعلتها لا تخشى في الله لومة لائم كانت ،ولا زالت خير قدوة لنساء الشيعة ،بما قامت به من أدوار تاريخية فريدة أبان عهد أبيها علي بن أبى طالب –ع- ،وعهد أخويها الحسن والحسين-ع -،هذه الأدوار التي اتضحت فيها أولى بوادر مشاركتها الاجتماعية في مجتمع النساء بدأت عندما قاست زينب لوعة فراق أمها الزهراء لأبيها السراج المنير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفجيعة فقد أمها ،ومن ثم أزداد هذا الدور ،وتطور ونما حينما سافرت السيدة الحوراء مع أبيها إلى الكوفة حيث طلب منها أبوها-ع- أن تعلم النساء أمور دينهن في منزلها حيث حولته إلى حوزة ،أو مدرسة علمية للنساء ،وكانت النساء تؤم بيتها بكثافة عالية ،وكانت هي سعيدة بالقيام بأول أدوارها في تفقيه النساء في الكوفة ،وهذا الأمر يؤكد لنا أحقية المرأة المسلمة بالتعليم ،والتفقه في الدين ،و أحقية كل المسلمات في حق تولي مهمة العمل كفقيهات حيث هذا الأمر لم تقم به عقيلة الهاشميين بأمر منها بل بطلب من أبيها ،وهذا الأمر كانت تقوم به أمها الزهراء في مدينة الرسول أيضا حيث تعلمت قدوتنا الثانية زينب أصول الدين والفقه ،وقواعد التعامل الإيماني مع الله ،ومع الناس من بضعة الرسول الزهراء البتول ،ولم يمنعهما من حقهما في ممارسة هذا الدور الرائد والعملاق أي أحد في ذلك الزمن ،كما تمنع – المرأة- اليوم في الكثير من أواسط الأسر الشيعية في مختلف البلدان الإسلامية التي تتواجد فيها الأسر الشيعية وغيرها من ممارسة حقها في المشاركة الاجتماعية سواء كانت تتعلق بكونها دارسة للفقه وأمور الدين الشرعية ،أو العلم الدنيوي ،حيث يصادر الكثير من الأزواج ،وكذلك الأباء في منطقة الخليج وسواها حق تعلمها خارج نطاق مدنها، وبهذا تحرم بعض الفتيات من حقهن البديهي الذي فرضه الله عليهن من مواصلة طلب العلم خارج حدود المدن ،أو القرى ،أو خارج نطاق أوطانهن! بحجة التقاليد و الأعراف البالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ،و التي لا زال هؤلاء الرجال ومنهم علماء الدين أيضا يحاصرون المرأة المسلمة بها ،وذلك نظرا لقصورهم في فهم الدين الشرعي ،كما و يهمشون دورها الاجتماعي ، و يحصرون دورها فقط في نطاق أسرتها الضيق (الزوج ،تربية الأبناء،وطهو الطعام ،وتنظيف البيت )، بينما نجد الرسول الأعظم يسمح للنساء بالتعلم في المساجد، ويخصص لهن من وقته ،لكون النساء شقائق الرجال متساويات في الحقوق والواجبات معهم حيث أنهن مكلفات من قبل الله ومحاسبات على أخطائهن ،كما سمح لفاطمة الزهراء –ع-بالتعلم منه جميع العلوم الشرعية ،وعلوم الطب والفلك وسواها من العلوم ،ومنحها حق تعليم الصحابيات أمور دينهن ،ولا زلت أذكر حتى الآن صوت ووجه زميلة لي كانت تدرس معي في المرحلة الثانوية،وكانت من الممتازات في مدرستنا ،وكان لها أحلام وطموحات وئدها والدها بعد التخرج ،حتى عمدت إلى تمزيق شهادتها الثانوية بسبب جهل والدها بأهمية تعليمها ،وتحولت تلك الفتاة النظرة الملامح إلى مريضة نفسية تبكي على واقعها المرير ،ووائد مستقبلها ،وأحلام الفراشة التي كانت تجوب المدرسة نشاطا بتفوقها الملموس .هذا نموذج من ضمن مجموعة كبيرة من النماذج التي تعج بها مساكن المسلمين الذين يحرمون النساء والفتيات من حقهن في العلم ،أو الانخراط في العمل الاجتماعي التطوعي وسواه ،هذه الأمور لم تكن موجودة في قاموس سيدة النساء زينب فقد كانت شعلة متوقدة من النشاط ،وتوقد الذهن ،والتحفز للعمل خدمة للإسلام فلم يمنعها كونها سليلة الحسب والنسب ،ومنبع الرسالة ،من أن تكون خطيبة ،وفقيهة ،ومعلمة تتلمذت على يديها نساء الكوفة ـإضافة إلى كونها خطيبة بارعة عجز البلغاء من حسن منطقها وتأدبها ،ومن تفوقها في العلوم المختلفة وتفوقها أيضا في تربية أبناءها واكسابهم قيم الإسلام ومبادئه وأدبه ،كيف لا وهي ابنة سيد البلغاء علي ،إلى جانب نقل المحدثين عنها أيضا للأحاديث التي روتها عن جدها وأبيها حيث كانت تتمتع بالذكاء ،والفطنة وبقوة الحافظة ،مع القدرة الفائقة على الاسترجاع ،ومواقفها المشرفة البطولية التي سجلتها في ثورة الأمام الحسين ضد الظلم والقهر خير دليل على أن زينب الحوراء –ع- لم تمنع من مزاولة حقها حيث لم يمنعها أخوها الحسين من ممارسة دورها السياسي ،والشرعي ،والاجتماعي أيضا حيث كانت تعول أسر الفقراء والمحتاجين ،وتولي عناية فائقة بالأيتام والأرامل قبل خروجها مع أخيها الحسين من المدينة، وتفقه النساء في أمور دينهن ،وكانت تقوم بدور التثقيف والتوعية والإرشاد لهن لإكسابهن حقوقهن الشرعية ،وحقوقهن الزوجية ،والمجتمعية ،حيث كان الحسين دائم الاستشارة لأخته الحوراء فيما يعترضه من مسائل اعتزاز برأيها واحتراما لعلمها و جزالة معرفتها ،ولا سيما أيتام وأرامل أخيها الحسين بعد استشهاده في كر بلاء السعيدة الحزينة ، ومن الأمثلة الرائعة التي تفردت بها شخصية السيدة العالمة زينب –ع- عن سائر النساء دورها الرسالي أبان ثورة كر بلاء المقدسة وبعدها ،ومن ومواقفها التي تبهر النساء والرجال في وقتنا الحالي صمودها وقوة صلابتها ،وقدرتها العجيبة على الصبر رغم فظاعة المواقف التي تعرضت لها وبشاعتها امتثالها لأمر أخيها الحسين وسفرها معه بحثا عن تلك الأرض الموعودة بالدماء الطاهرة وهي المرأة ذات العفاف والصون التي تمتعت بحماية أخوتها وحبهم وإجلالهم لها ،حيث قاست حرارة الشمس ولهيبها الحارق ،وقاست ألم المسير ومرارته ،وألم هجرها لمدينة جدها ،وهجرها لقبر أمها الزهراء في سبيل إحقاق الحق الذي آمنت به ،وآمن به سيد الشهداء ،فسارت زينب مع أخوتها إلى كر بلاء والمنايا تسير معهم ولكنها لم تكترث لذلك ،ولم تخر عزيمتها ـ بل كانت هي من قوى عزيمة الرجال بالنصر ـ وآزرهم وزرع في نفوسهم الإيمان بالقضية العادلة التي خرجوا يجاهدون في سبيل الله من أجل إحقاقها ،هذه السيدة العظيمة التي استطاعت أن تقهر بصبرها وبرباطة جأشها ،واستقامتها ،وبسالتها ،وصمودها رجال إمبراطورية الشر المتمثلة في طواغيت عصرها آن ذلك بني أمية المجرمين ،الذين استباحوا دماء الحسين وآل بيت الرسالة ،وأقوى مثالا على رساليتها وصمودها معاينتها لمقتل أنصار الحسين ،وتوديعها له عليه السلام الوداع الأبدي حيث إن هذه الصلابة والشجاعة لو اهتزت قدر أنملة لربما كانت سببا في تغير مجرى تاريخ الثورة الحسينية ولكانت هذه الثورة شبيهة بأي ثورة أخرى تمت على مر التاريخ ،لكن صمود الحوراء صنع من معركة كر بلاء وقتلاها معركة أخرى جديدة ضد قوى البغي المتمثلة في دولة الأمويين بعد أسرها و أسر نساء الآل ، ومن المواقف البطولية لسيدة الشموخ والنضال زينب بنت أمير المؤمنين أثناء المعركة حراستها لخيام الحسين حينما كان وحيدا في ميدان القتال يقارع المجرمين الذين حسبوا انهم أبطال ،والذين لولا كثرة عددهم ،ولولا مشيئة الله في أن يراه شهيدا على هذه الأرض المسماة بأرض كرب وبلاء لأفناهم عن بكرة أبيهم ،ومن ضمن مواقفها أيضا التي تبهر المرأة المسلمة القارئة لسيرتها العطرة اليوم تلك الصلابة التي أظهرتها حينما وقع السبط الطاهر مغشيا عليه على أرض المعركة حيث هرعت إلى الشمر وهو جاثم على صدره يحاول حز منحره الشريف فوبخته ،محاولة إثناءه عن فعلته إلا أنه فعل ما أراد في جسد سيد الشهداء كي ينال جائزة يزيد اللعين ،ويتطور دور السيدة الطاهرة زينب ويصبح الحمل أكبر من أن تطيقه امراة سواها في تلك اللحظات الحرجة ،والعصيبة من عمر سيد الشهداء في عرصة المعركة الخالدة حيث أنها بعد أن قدمت لإخيها جواد المنية وجهزت له ثيابه المرقعة طلبت منه أن يكشف لها عن منحره الشريف لتنفذ وصية أمها الزهراء وتقبله في نحره ،صارعت مع الأشرار هجمتهم على خيام النساء ورعاية الإمام العليل زين العابدين عليه السلام ،وأعظم موقفا جسّد صلابة وشجاعة السيدة المغواره زينب هو لحظة فصل الرأس عن الجسد هذه اللحظة المؤلمة الموجعة المهلكة التي صمدت فيها زينب صمودا عجيبا استطاعت به أن تجمع بعده نساء وأطفال الحسين ،وتمهدهم الى السبي ،وتحمل الجوع والعطش ،وألم القهر والذل بعد العزة والكرامة التي كن ينعمن بها ،هذه الادوار التي لعبتها سيدة النضال ،وسجلها لها التاريخ باحرف من نور وضياء تبعتها أدوار أخرى قامت بها بعد الثورة الحسينية حيث كان بكاؤها الضئيل على القتلى أثناء سيرها من العراق إلى الشام ،وحرصها على نشر مبادئ الثورة الحسينينة وحقيقتها في كل بلد طافت بها مع الأشرار كانت الرسالة الإعلامية التي هيجت بها الرأي العام المسلم في بلاد الاسلام قاطبة آن ذاك على قادة الأمبراطورية الأموية واتباعهم وذلك من خلال خطبها البليغة التي كانت بمثابة قناة فضائية ،أو إذاعة متنقلة تنشر فضاء القضية وتبلغ الرسالة دون وسائط للنشر .
وأخيرا أقول أن على الفتاة والمرأة الشيعية الجعفرية بل كل مسلمة تتوق لنيل السعادة السرمدية ،والموفقية الأبدية ،أن تعلن عن نفسها بقوة ـ فلقد آن الاوان لتكون كسيدة الصمود ،والطهر ،والكفاح والصبر،كما وان عليها طي صفحات الإنكفاء والصمت وان تستلهم استراتيجية حياتها من دستور كعبة الطهر ،وركن العفاف ،وقلعة الصمود ،وحصن البطولة والفداء زينب بنت علي صنوة الزهراء وحجة الجبار ،وأم السادة الأطهار عليهم سلام الله وصلواته.
وتتخذ من زينب الفداء التي قادت مسيرة الثورة الحسنينة المباركة إلى الخلود والبقاء الإعلامية الحقة التي فضحت إجرام بني أمية وظلمهم في حق ذرية المختار، القدوة والمثل الذي يقودها نحو التميز في مجتمعها الحديث الذي يتطلب منها المشاركة الجادة في بنائه والمساهمة في نهضته ،كما أن على المرأة والفتاة الجعفرية في كل مكان بالدنيا وبخاصة تلك التي أتيحت لها الفرصة في الولوج في عوالم الفكر ،والثقافة والإعلام ،أن تستنير بفكر السيدة الطاهرة زينب ،وثقافتها ،وببلاغتها ،وبصبرها ،وبقوتها ،وبجرأتها في النطق بالحق في ساحات الحكام والملوك والجبابرة والطغاة ،وبحسن تدينها وتأدبها ،فلقد كانت هي الإعلامية الأولى في سماء الشيعة التي قادت الرأي العام آن ذاك ،وألبته على يزيد ،وطغات بني أمية حتى قوض الله دولتهم في الوقت الذي كانوا هم يتوهمون أنهم صنعوا النصر ،بعد أمها البتول فقد كان يزيد وثلته يعجبون ويبهتون من فصاحة زينب في إلقاء خطبها في مجلس الكوفة ،ومجلس الشام ،وكلنا يعلم ان الخطابة ضرب من ضروب الإعلام الإسلامي الهادف .
فهي سلام الله عليها عندما كانت تنطق ،وتتحدث كانت تتحدث بمنطق وإيمان محمد، وصبر فاطمة ،وبفصاحة وبلاغة علي ،وحلم الحسن ،وبمظلومية الحسين الشهيد ،وبقهر بنات الرسالة في الإسر ،لذا هزت أركان مجلس الشر يزيد ،وأبكت الحضور ،وفضحت زيف يزيد بكون آل الرسول خوارج انتصر عليهم ببأسه وقوة جيشه ،وكثرة عدده.
ويظهر الدور الإعلامي العظيم والخطير الذي انتهجته زينب التي طافت بالثورة الحسينية الأقطار (العراق ،الشام ،دمشق،مصر ،حلب،المدينة) ،وحثت فيها النفوس على مجابة الظالم في دورها بعد مقتل السبط بجلاء حيث شكلت الوجه الآخر لتلك الحرب التي بدأها أخوها الطهر في بطاح كربلاء ،وكان لهذا الدور الإعلامي العظيم والخطير ،والأكثر بروزا، الذي قامت به سيدة العفاف وسليلة أشرف بيت في الإسلام في إحداث التأثير ،وانقلاب الأمة على الطغاة ،وإعادة تشكيل الرأي العام انتصارجديد للحسين وثورته المقدسة .حيث كان لأسرها وأسر نساء الآل وتعذيبهم ،وتكبيلهم مع زين العابدين بالحبال أثر الهزة العنيفة في قلوب الأمة الإسلامية آنذاك.
من أجل هذا كله وسواه حريا بكن يانساء الشيعة و يابناتهم أن تقتدين بسيدة الطهر زينب التي حولت صول الخيل ـوقعقعة السيوف بفضل ذكائها، وصبرها ،ورباطة جأشها ،وبقربها الروحي مع الله إلى معركة روحية حصدت نتائجها الأمة الإسلامية خيرا وفيرا .
وإذا كان الإسلام محمدي الوجود ،حسيني البقاء ،فإن الثورة الحسنية المقدسة حسينية الوجود زينبية البقاء والخلود .
نقطة عبور :
هيا يا نساء الجعفرية ..
استنهضوا الهمم ،وشمرن السواعد .
فقد حان دوركن في خدمة مستقبل النساء ، والفتيات المسلمات .
هيا استلهموا الدروس والعبر من سيرة الطاهرة ..
واقتدين بها ..
فهي لم تكن مربية لأبنائها الشهداء فحسب ..
بل كانت خطيبة ،وبلاغية ،ونحوية ،وفقيهة عالمة غير معلمة .
فلا تنشغلن بأمور الموضة والمكياج ،وأمور التربية ..
وتنسين دوركن المكمل لدور التربية ..وهو إنجاح موسم عاشوراء
القادم ليس في كثرة البكاء، والنواح والعويل ولكن ايضا في حث الأخريات واستنهاضهن ودفعهن نحو المشاركة المجتمعية الفاعلة ،والمشاركة السياسية ليكون لهن دور فاعل ومؤثر كما السيدة الفاضلة زينب أبان معركة الظفر كربلاء ،وبعدها والتي بقيت آثارها خالدة حتى يومنا هذا .
كاتبة وصحافية سعودية مستقلة
سيهات القطيف المنطقة الشرقية