أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الخميسي - مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط















المزيد.....

مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 752 - 2004 / 2 / 22 - 04:00
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدرت المجموعة القصصية " مضارب الأهواء "  للكاتب الكبير إدوار الخراط فلم تلق العناية الواجبة في ظل موجة الاهتمام الطاغي بالرواية , كأنما لم يعد أحد يلتفت كثيرا إلي فن القصة القصيرة . وأذكر في هذا الصدد قول الروائية العظيمة إيزابيل اللندي : " على الكتاب أن يكتبوا الكثير من الروايات ليتعلموا كتابة القصة القصيرة ، لأنها الفن الأصعب ". وقد تعرف الأدب المصري على إدوار قصصيا لامعا مع  صدور مجموعته الأولى " حيطان عالية " عام 1959 التي أثارت انتباه جيل الستينات إلي أن للقصة دروبا أخرى وأفقا غير الذي حلق فيه يوسف إدريس بكل طاقته . لكن المجموعة الثانية لإدوار الخراط " ساعات الكبرياء "  لم تصدر إلا بعد أكثر من عقد من الزمن سنة 1972 ، وظهرت مجموعته الثالثة " اختناقات العشق والصباح " عام 83 ، وأخيرا " مضارب الأهواء " . خلال تلك السنوات أعطى إدوار الكثير لفن الرواية ( نحو أربع عشرة رواية وعشرين كتابا مترجما غير الدراسات النقدية ) ، وفي تلك الأثناء احتفظ إدوار الخراط بلمعته ومذاقه الخاص كأحد ألمع كتاب القصة القصيرة . 

وتضم مجموعة " مضارب الأهواء " الصادرة عن دار البستاني 14 قصة قصيرة تترك كلها انطباعا واحدا : أن إدوار الخراط قد تخلى – أو أنه يتخلى - عن حرصه القديم الشديد على جرس كل كلمة ، وعلى كثافة البناء إلي نوع من الشعور بالأمن والطمأنينة ومن ثم البساطة التي قد لا يحبها إدوار الخراط  ذاته كثيرا ، رغم أن هذه البساطة تختلف من كاتب لآخر . سأضرب مثالا بقصته " وسط البلد " من مجموعته الأخيرة والتي يحكي فيها عن التغيرات الاجتماعية والسياسية والنفسية التي طرأت على وسط البلد من خلال ذكريات تقفز بنا من زمن لزمن ، ومن قيم لقيم ، ومن حال لأخرى . يبدأ إدوار القصة على لسان الراوي قائلا : " ليس من المجهول تماما أنني اسكندراني المولد .. ، لكنني اليوم سأحكي قليلا عن وسط البلد في القاهرة " . وهكذا يحكي الخراط ببساطة دون أن يستنكف اللجوء إلي أحد أبسط أساليب السرد المعروفة . وتختلف لغة إدوار كثيرا فيكتب : " العادي والماشي " ، و " سكر سنترفيش " ، و " انفتاح السداح مداح " وغير ذلك . هناك أيضا قصته البديعة المسماة " في حارة فرط الرمان " حيث يرسم إدوار ببراعة مذهلة صورة امرأة هي قطة أو هي " لبؤة شرسة ترد على الشتائم البذيئة بأوقع منها " حين يتربص الأولاد بابنها عمر ، فتدوي في الحارة صرختها " يادهوتي " ، ثم تمزق فتحة جلابيتها لترهب الحارة بصدرها شبه العاري ، إلي أن يأتي قريبها الحاج عوض الفنجري فيؤدبها ، فإذا بها تتحول في اليوم التالي إلي سيدة مهذبة تطل على الجيران بفستان مقفل وتصبح عليهم بصوت سلس وناعم ومستريح . يضع إدوار الخراط يده في الواقع على تحول ظاهري مبالغ فيه لجوهر لم يطرأ عليه أي تغير ، فيثير بذلك الدهشة الممتعة التي تنجم عن عمل فني حقيقي . هناك أيضا قصته الجميلة المسماة " كوميونة في ملوى " . وسنجد في الوقت ذاته تلك القصص التي مازالت تعكس إحساس الكاتب الشديد بالمسئولية خلال الكتابة إلي الحد الذي يثقل عليه هو شخصيا كمبدع . من تلك القصص : " تراكيب على الهامش" وغيرها . إن ميل إدوار الخراط للتخفف من عبء اللغة قد اتضح من قبل في روايته السابقة " طريق النسر " ، ومكنه هذا الميل من البقاء روائيا في متناول يد القراء كل حسب فهمه ، وفي الوقت عينه ذلك المبدع صاحب القاموس اللغوي الخاص والفريد الذي أثرى اللغة العربية .

وفي اعتقادي أن إدوار الخراط  يمر بلحظة خاصة ، يواصل فيها من ناحية التجريب الأدبي للانتقال بالكتابة إلي مستويات أعلى واكتشافات جديدة ، لكن صوتا باطنيا عميقا يدعوه بكل ما له من خبرة أن يكتب دون ذلك الاهتمام المرهق بالكتابة . وأظن أن تلك هي اللحظات التي أثمرت تلك القصص الجميلة الباهرة  من نوع " في حارة فرط الرمان " . إنني أدعو الكاتب الكبير لكي " يترك نفسه " لتكتب ، ذلك أن هذه النفس مسلحة بخبرة طويلة وخاصة ومتألقة ستحميها تلقائيا من شبهة الأشياء التي نقرأها كثيرا دون أن نتوقف عندها . 

ينبغي القول أيضا إن ثمة جوانب عديدة قد لا ينتبه إليها الكثيرون في عالم إدوار الخراط . فقد تعرفت إليه شخصيا عام 1967 ، أو بعد ذلك بعام في منظمة التضامن الأفرو – آسيوية ، وكنا ثلاثة نعمل هناك : الراحل العزيز أمل دنقل ، والشاعر أحمد فؤاد نجم ، وأنا . ومنذ ذلك الحين وعلى مدى ثلاثين عاما لم تنقطع علاقتي بهذا الكاتب الكبير . وكانت الأيام تضاعف من إعزازي له ، وتقديري لدوره الأدبي والثقافي . وعلى امتداد علاقتي به ، أنا أو غيري ، كان إدوار الخراط مستعدا دوما لقراءة أعمال الجميع باهتمام وتدقيق كبيرين ، وإبداء ملاحظاته ، ومد يد العون ، أيا كان مستوى الأعمال بروح من يحب أن يقول كلمة نافعة وخيرة للعالم ولمن حوله . كان إدوار ومازال يهبني دوما شعورا بتقديسه للعمل كقيمة إنسانية كبيرة . وقد أدهشني بمواقف عديدة . ففي الستينات كان إدوار الخراط يعمل مع الكاتب الراحل يوسف السباعي ، ولكنه لم يكتب حرفا واحدا عن يوسف السباعي ، لكي لا يحسب ذلك عليه تملقا أو نفاقا . وعندما كان الاتحاد السوفيتي قائما ، كان الكثيرون يطبلون ويكتبون عن الدولة الاشتراكية والثورة والعالم الثالث ، حتى أصبح ذلك حرفة ، ومصدرا للتكسب . في تلك السنوات لم يكتب إدوار الخراط شيئا عن ذلك ، لكن عندما زال الاتحاد السوفيتي ، وانطفأت المصابيح الكبيرة وانحسرت موجة الكتابة عن الاشتراكية ، خرج إدوار الخراط في هذه اللحظة بالذات ليعلن في مقال له عن إيمانه العميق بالاشتراكية ذات الوجه الديمقراطي الحقيقي . أذكر لكاتبنا أيضا موقفه المعارض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والذي أعلنه بوضوح في مجلة إبداع منذ أربع سنوات، كذلك مواقفه الأخرى الكثيرة من كل قضايا الوطن الرئيسية . في الاحتفال بعيد ميلاد الخراط في العام الماضي ، أشار إدوار إلي قضية العراق قائلا إن لديه إيمانا عميقا بأن المستقبل للشعوب وأن للطغيان الأمريكي نهاية . أقول كل هذا لأن تلك  التفاصيل غير بعيدة في تقديري عن جوهر الكاتب الكبير الذي أسعدني الحظ حين تعرفت إليه ذات يوم منذ ثلاثين عاما ، ومازلت أحس به حين أراه أو أقرأه أنني إزاء كاتب وإنسان كبير حقا ، جدير بالمكانة التي يشغلها في تاريخ أدبنا ووطننا .

 ***

أحمد الخميسي – كاتب مصري

 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة الإسرائيلي في مصر
- ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة
- زراعة الكارثة في مصر
- الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي
- بطاقة لطفل فلسطيني عام جديد .. يا حبيبي
- زهور قليلة في حقل الهزيمة
- عام ثالث .. على - حوار متمدن
- جائزة الثقافة الأمريكية في مصر
- نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف
- صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
- المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
- اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
- السياسة أقوى من الحداثة أو الحكايات المختلقة
- نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن
- إسرائيل من الحرب إلي الثقافة
- ذكرى ناجي العلي
- حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أحمد الخميسي - مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط