أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟














المزيد.....

علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 751 - 2004 / 2 / 21 - 09:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


إذا مات العراقي، لأي سبب كان، في هذه الأيام، هل سيعتبر ذلك من سوء حظه أم من حسن طالعه؟ سألتُ  صديقاً هذا السؤال، على سبيل المزاح، وكنتُ أقصد به، ذلك القدر المأساوي الغامض الذي ينتظره العراق والعراقيون، كما ينتظر الأعمى من يأخذ بيده، وهو لا يدري هل سيساعده، فاعل الخير ذاك، على قطع الشارع أم سيدفع به إلى الهاوية.
لم يجبني الصديق عن سؤالي الساخر والمرير، واكتفى بابتسامة غامضة، هي الأخرى، لكنني سرعان ما اكتشفت أن ذلك السؤال العابر، إنما كان حدساً مشئوما بموت صديق عزيز وكاتب مدهش في دأبه وبحثه عن الحقيقة.  لقد مات علي كريم سعيد في لحظة رمادية من حياة العراق، وكان عليه أن ينتظر قليلاً لكي يرى ما سيؤول إليه عراقه المثخن الجراح، الذي حاول كثيراً وطويلاً، بعدّة المناضل حيناً والباحث حيناً آخر، أن يداوي بعضاً من جراحه القديمة.
مات علي كريم سعيد، الذي قضى آخر سنوات عمره المغدور، وهو (يبحّوش) في تلا فيف نصف القرن الماضي من حياة العراق السياسية، عن كل ما أوصل هذه البلاد، المسكونة بالخوف والرعود والمنايا، والآمال أيضا، إلى حالتها الراهنة، لكي يثبت لأصحاب الشأن، ممن أورثونا لوثة الأحقاد والضغائن والكآبات وأمراض التعصب والقناعات المغلقة، أن تلك العقود المريرة، التي ذهبت هباءاً من حياة العراقيين، كان يمكن لها أن تكون عقود رخاء ورفاهية واستقرار، لو أنهم كانوا أقل عنفاً ودموية في صراعا تهم، وأكثر مرونة وواقعية وتفهماً لاختلافاتهم وتنوعاتهم ومذاهبهم الشتى.
وإذ لم يلتفت كثيرون لمعنى ترويض التاريخ وإعادة كتابته بروح مخلصة لنقده تاريخياً، وتخليصه من ركام الشوائب والحزازات وسوء الفهم، باعتباره ماضي المستقبل، فقد تولى علي كريم هذه المهمة العسيرة عن رهط طويل من صنّاع تلك الأحداث الدامية وضحاياها معاً. وكان أكثر أقرانه جرأة على إعادة نبش القبور ووضع الشارات المناسبة على صدور الموتى، شهداء كانوا أم جلادين. وكان يحاول،كلما دخل حقل ألغام من حقول ذلك التاريخ، القابع كالذئب الجريح في عقول ونفوس الكثيرين منا، تشريح ما يمكن تشريحه برهافة جراح أكثر حرصاً من المريض على حياته الباقية، وأكثر حذرا على تجنب ما قد يعيد إنتاج الكارثة بلبوس جديد.
مات علي كريم سعيد ولا أعرف ماذا أقول بموته، فأنا لم أعده أبداً بإن أكتب عنه مرثية، بل كنتُ وعدته فقط أن أكتب عن كتابه الجديد "البيرية المسلحة وحسن سريع" الذي شعرت وكأنه كتبه نيابة عني، ليس لأنني كنتُ أستبعد موته ـ موتنا، في أية لحظة، بل لأنه كان نشطاً وحيوياً وفعالاً إلى درجة لا يمكن أن يتصور المرء معها أن هذا الإنسان يمكن أن يموت هكذا بكل هذه البساطة والعفوية والسرعة.
كان علي كريم من عشاق الحوار والتحاور، مع أي كان وفي أي موضوع، ولذلك كان يقترح علينا، كلما زارنا في المنتدى الثقافي العراقي بدمشق، دزينة من الندوات والطاولات المستديرة وجلسات البيوت، لمناقشة الكتب الجديدة والأفكار والتطورات، بمناسبة ومن دون مناسبة، وكأن لا همّ لديه غير هذا.
مات علي كريم سعيد، إذن، بعدما أتعبه الحوار وأرهقه البحث عما أوصل العراق والعراقيين إلى هذه النهاية الكئيبة من الظلام السياسي والانهيار الاجتماعي وحلكة المستقبل الغامض. مات وهو يحاول أن يجمع شظايا الحقائق من حقول الألغام ومستنقعات التناحر والتعصب، فكان أشبه بأولئك الذين يغربلون مياه الأنهر الراكدة  بحثاً عن ذرات الذهب. وكان يقول لي، وهو مؤمن بما يقول: لو أن العراقي ينصت جيداً إلى منلوغاته الداخلية اليومية، لوجد فيها حواراً قد لا يقبله مع الآخر، أو من الآخر، فالإنسان، كما يقول علي كريم، مختلف في ذاته ومع ذاته، وهو دائم السؤال مع نفسه ودائم البحث عن أجوبة وعن حلول وعن توصلات، فكيف به مع اللآخر، أو ما أجدى حواره مع الآخر.. وكان يختم وهو يتأفف.. كيف أوصلونا إلى هذه الهاوية؟
عندما أنجز كتابه الأول "أصول الضعف" كان حريصاً على أن يناقش من يقرأ الكتاب وأن يشرح له فكرته الأثيرة والمستحيلة، التي كان يريد بها تلطيف علاقة الإسلامي بالعلماني والجمع بينهما في كفاحهما المشترك ضد الدكتاتورية، وإثبات أن الشورى هي الديمقراطية ولكن برداء آخر، لكن فكرته كانت تصطدم دائماً بعصبوية الطرفين.
وعندما أنجز كتابه عن ذكريات طالب شبيب، وزير خارجية حكومة شباط63 ، مقلباً معه صفحات ذلك التاريخ، الأكثر التباسا واختلافا ودموية، في حياة العراق والعراقيين، كان مضطراً لمزيد من الشروح والإيضاحات، لأن ما أثاره، في ذلك الكتاب، لم يعجب أطراف ذلك التاريخ المشؤوم، ضحايا كانوا أم سافكي دماء. بيد أن علي كريم كان أميناً للحقائق أكثر من أمانته للصداقات والإخوانيات والعصبويات. ولأنه كان يغرد خارج الأسراب، فقد اختار، قبل رحيله بسنوات، موضوعاً لم يجرؤ أصحابه على الغوص فيه. فمن يخطر على باله أن يكرّس سنوات من عمره وجهده للبحث عن أصول وفصول وحياة واحد من الأبطال المغمورين في حياة الشيوعيين العراقيين؟
هكذا كان كتابه عن حسن سريّع، قائد انتفاضة معسكر الرشيد (1963) أسطع برهان على نزاهة البحث التاريخي لدى علي كريم سعيد، وأبهى دليل على تخلصه من عصبوية السياسي وروحه الثأرية المقيتة.

ملاحظة: هذه المرثية كتبتها بعد وفاة علي كريم سعيد بأيام، مطلع العام الماضي 2003  أي قبل الحرب والاحتلال، وقبل سقوط نظام الطاغية، وقد وجدتها، ويا للهول، لا تزال صالحة للنشر، بعد كل الذي جرى ويجري، وكأننا لا رحنا ولا جينا! ... ولا أدري الى متى ستظل صالحة للنشر؟ ( التعديل الوحيد الذي أجريته على المرثية هو إضافة عبارة "هل" على العنوان).

 



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة -العقل- أم -الفعل- العربي؟
- عشائر المثقفين!
- أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟