يظهر أنه ُكتب على الشعب العراقي مزيدأ من المعاناة حتى بعد خروجه من أطول المعاناة وأعمقها وأشملها تحت نظام حزب البعث، الذي دمر البلد من جميع النواحي وضيع أمواله، وجعل العراق أحد أفقر وأكثر بلدان العالم مديونية ً.
إن سقوط نظام البعث في العراق قد فتح الآمال لدى العراقيين وخصوصأ المظلومين والمهمشين خلال نظام البعث المنهار في بناء عراقهم المدمر والتعويض عن عشرات السنوات التي خضع العراق فيها لهيمنة الأغبياء والمتريفين على سيادة البلد مما أدى به إلى هذا الدمار والتحطيم الذي جاء كنتيجة طبيعية حسب فكرة الكاتب والعالم الإجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي، الذي لم يتخلَ عن فكرته رغم الإضطهاد الذي تعرض إليه من قبل نظام الحكم حتى الموت.
ورغم أن سقوط النظام لم يتم كما كان يجب على أيدي القوى السياسية الوطنية التي تضررت من النظام بشكل كبير، بل أن القوى الأمريكية هي التي أسقطت النظام بعد أن يئست من إمكانية عودة هذا النظام إلى جادة الصواب مع تضخيم النظام العراقي من ناحية لقواه العسكرية، ونفخ القوى الإسرائيلية لهذه الإدعاءات من أجل تدمير القوة العسكرية العراقية من ناحية اخرى.
لقد تشكل مجلس الحكم الإ نتقالي بعد أشهر قليلة منذ سقوط النظام ليكون على رأس نظام الحكم في البلد المُحتل والمرتهن في آن واحد، إلا أنه لم يثبت شفافية عالية ولا أقنع الحاكم ( المحتل) السيد بريمير من أنه (مجلس الحكم) جدير في حكم بلده ، بل أن أعضاء المجلس مع الزمن أصبحوا يفقدون تأييد الشعب والكثير من الاحترام الذي كان يجب أن يتمتعوا به، لأن بعضهم يمتلك تاريخأ نظيفأ سياسيأ.
يجب ألا ننكر أن مجلس الحكم إتفق بالإجماع مرة ً واحدة عندما وقفوا ضد تدخل الجيش التركي وأثبتوا بوضوح أن اتفاقهم يجعل قوة الإحتلال تحترم رأيهم ولا تستطيع تجاوزه رغم رغبتها بتدخل الجيش التركي لتقلل من الضغط على الجيش الأمريكي الذي كان وما زال يخسر الدماء تقريبأ يومياً على أرض العراق، لكنهم للأسف لم يعيدوا ذلك الإتفاق بقرار آخر ولم يقووا أنفسهم من خلال خدمة وطنهم وقراراتهم، بل كانت أبرز صفاتهم هي السفرات المبالغ بها لأعضاء مجلس الحكم مقابل الإبتعاد عن شعبهم الذي ينتظر إهتمامهم بالأمن والإقتراب منهم والتفكير بالحاجات والضرورات التي يحتاجها هذا الشعب المتعب والذي يعاني من الكثير من المشاكل اليومية، في حين توضحت اهتمامات أعضاء مجلس الحكم لأحزابهم بالدرجة الأولى وأن شعبهم الذي يحتاج لهم أمس الحاجة ليس هو في أولى الإهتمامات، بل أحزاب وأقارب أولئك الأعضاء هم في مركز اهتماماتهم، مما جعلهم يبتعدون عن هموم وأوجاع شعبهم ويصبحون في أقل قدر من الإحترام أمام الرأي العام، علمأ بأن الكثيرين من الذين أيدوا تعيين مجلس الحكم وفرحوا به ووضعوا الآمال عليه لحل الكثير من المشاكل العراقية، إلا أنهم الآن تخلوا تمامأ عن هؤلاء الأعضاء ، بل أن الكثيرين منهم يتمنون إنهاء مهمة هذا المجلس بأسرع وقت ، لأنه لم يرتق ِ للمهام الكثيرة والهامة كما يجب، ولم يقوم بمهامه بالشكل المطلوب، بل أن العديد من قراراته وعدم شفافيته بالإضافة إلى ارتكابه أخطاءأ ليست قليلة قد عزلت المجلس وأبعدته عن الشعب وبالتالي فأنه لم يجد إحترامأ حتى من قوى الإحتلال التي كانت تراقب المجلس وأعضائه تحت المجهر.في حين كان المؤمل أن يأخذ مجلس الحكم شيئأ فشيئأ سلطة بلده من خلال إخلاصه لبلده وتماسك الأعضاء مع بعضهم. إلا أن شيئأ من ذلك لم يتم، مما أدى ذلك إلى إنحسار شعبية المجلس وعدم الإستجابة لبعض قراراته، وهذا أمر مؤلم ومؤسف في آن ٍ واحد.
يعلم الجميع أن أكثر من نصف الشعب العراقي من كافة قومياته وانتمائاته المختلفة قد خسر دماءً غالية وحياة ً تحولت إلى كابوس حقيقي. فقد قام النظام العراقي بتهجير عشرات الألاف من الأكراد الفيلية والعراقيين الشيعة بحجة انتمائهم إلى إيران، وقام أيضاً بجرائم إنسانية رهيبة ضد الأكراد سواء في حلبجة أو الأنفال أو غيرها وهي كثيرة، كما أن جريمة إنهاء وتيبيس الأهوار وتهجير أهاليها هي بحد ذاتها جريمة إنسانية وبيئية في آن ٍ واحد. كما أن الإضطهاد دخل تقريبأ كل العوائل العراقية البعيدة من نظام الحكم البعثي. فكيف اختار مجلس حكمنا بعض الأشخاص بالذات من بين مئات الآلاف وربما الملايين من المتضررين من العراقيين بأضرار لا يمكن تعويضها ؟ ؟ بين ملايين المتضررين انتبه مجلس حكمنا إلى ضرر رئيس الجمهورية السابق عبد الرحمن عارف، الذي سلم سلطته إلى نظام البعث، والأهم من ذلك أنه منذ عام 1968 ولحد سقوط النظام لم يحرك نفسه لا قريبأ ولا بعيدأ رغم كل الجرائم التي قام بها نظام البعث ورئيسه صدام حسين، ولم يؤثر على النظام بأي شكل . فما الذي دعا مجلس حكمنا مؤخرأ وما الغرض الإنساني أو السياسي أو.. أو .. لإصدار قرار بتسليم الرئيس السابق المرتب التقاعدي له ؟ أما ما هو أمر وأسوأ فهو تذكر أحد أسوأ السياسيين العراقيين وهو عبد الرزاق النايف الذي ساهم بشكل رئيسي بتسليم السلطة للبعثيين عام 1968 ومنح زوجته المقيمة لحد الآن في بيروت براتب تقاعدي قدره 500 دولار أمريكي. بصراحة لم أستطع استيعاب السبب أو المبرر في تذكر هذا الشخص أو الإعتناء به بإصدار قرار خاص به. فهل انتهت مشاكل المظلومين والمآسي التي يعيشها العراقيون الأن لدرجة يتذكرون أحد أسوأ السياسيين العراقيين ويهتموا بالعناية به، وكأنهم أدوا واجباتهم وإلتزاماتهم الأخرى كافة ً.
الخاتمة هو أن مجلس الحكم قد انتهى وظيفة ً وجدوى وسمعة ً، رغم أن الشعب العراقي ما زال يعاني يوميأ من الكثير من المشاكل أولها وبمقدمتها أعمال التخريب والتفجير ، التي يقوم بها أعداء شعبنا من داخل وخارج العراق. في حين نرى مجلس حكمنا "الموقر" بعيدأ كل البعد عن المصائب والمتاعب التي يعيشها شعب العراق المتحرر من النظام الرهيب . إن أعضاء المجلس يمثلون قادة الأ حزاب السياسية التي لم ُتمنح الفرصة لكي تقوم بإسقاط النظام وإذا بها تقوم بنشاطات سياسية تخص أحزابهم بالدرجة الأولى ثم تنتقل لتتخذ قرارات لا يمكن فهمها أو تبريرها بأي حال من الأحوال!!! فمتى يعمل السياسيون من أجل العراق والعراقيين؟
المؤسف أن أعضاء المجلس لم ينجحوا في أولى مهمة استلموها بعد سقوط النظام الصدامي " الرهيب" ، وذلك جعل الألم والخيبة لدى الوطنيين العراقيين كبيرة وجارحة لأن أهم السياسيين العراقيين لم ينجحوا في مهمتهم الأولى حتى بعد أن قام الأمريكيين بالنيابة عنهم بحل العقدة الأكبر والأهم وهي إسقاط نظام صدام الديكتاتوري وتحطيم و حل قوى نظامه التي امتهنت قوى الشعب وسخرتها واستهانت بها على مدى عشرات السنين. طبعأ نحن لا نضع جميع أعضاء المجلس في سلة ٍ واحدة، ولكن عندما يصدر أكثر من قرار خاطئ وغريب من المجلس فإنه بالضرورة تتردى سمعته بصورة عامة، وهذا أمر طبيعي، خصوصأ وأن العلانية والوضوح مفتقدة من قبل المجلس، لأنه لا يحتوي لحد الآن شفافية ً في اتخاذ قراراته ولا مبادراة حقيقية وواضحة من قبل تلك الأحزاب لخدمة شعبها بشكل حقيقي أو التخفيف من معاناته اليومية الرهيبة.
الدكتور سلمان شمسة
هولندا