أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هذه ليست كُرَة، إنها صديقي!














المزيد.....

هذه ليست كُرَة، إنها صديقي!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2437 - 2008 / 10 / 17 - 09:14
المحور: حقوق الانسان
    


بعدما قرأت "فاوست" جوته، ظلَّ حلمٌ واحدٌ يطاردني لسنواتٍ. أصحو من النوم ولا أجد مخلوقا في الكون! العالمُّ خاوٍ من كلِّ كائنٍ حيٍّ عداي. المحالُ والبيوتُ شاغرةٌ مُشرعةٌ نوافذُها؛ السياراتُ تركها أصحابُها كيفما اِتُفق في عرض الطريق مفتوحةَ الأبواب. أنادي أمي، أخي، جيراننا؛ ولا أحد! هل انتهى العالم ونُسيتُ على الأرض وحدي؟ ماتتِ البشريةُ؟ وأين الجثامين؟ لا شيء هناك. شعورٌ مرعب!
وأنا، أحبُّ الوحدةَ. قد يمرُّ شهرٌ دون أن أكلّمَ إنسيّا. مطمئنةً إلى أنه اختيارٌ وقرار. فالناسُ دائما هناك. والاستغناءُ عنهم لعبةٌ وجوديةٌ فاتنة. الوحدةُ فردوسٌ حينما تذهب إليها مُختارًا. لكنْ أن تُرغم عليها، فشيءٌ يشبه الجحيم.
في فيلم "المتروكُ جانبا"Cast away ، قُدِّر لرجلٍ، توم هاكنْس، أن يسقطَ من طائرة في الأطلسيّ. صارعَ الأمواجَ حتى وصل جزيرةً نائية. شرعَ الرجلُ، بعد أيام من انتظار الذي لا يأتي، في التكيّف مع حياته الجديدة. الوحيدة. ومثلما في الحياة البدائية، بدأ بإشعال النار، أصل الحياة. محاولاتٌ شتى أخفقت، وتمزّقت يداه جراء صكِّ حجر بحجر. وفي فورة وجعٍ وقنوط، أمسك بكفّه كُرَةً، كانت ضمن حمولة الطائرة، وألقاها بعيدا صارخا في ألم. انطبعَ كفُّه الدامي على سطح الكرة، فغدت أشبه بوجه أحد الهنود الحمر. ذهب إليها واحتضنها وأسماها "وِلْسُن"، الذي سوف يغدو رفيقه لمدة 1500 يوم، هي مدة بقائه في الجزيرة القصيّة. أحبَّ الرجلُ ولسن كما لم يحب أحدٌ أحدا. إذْ في الأخير وجدَ أُذنا صبورًا تُصغي إلى كلامه، وعينا ترقبُ صمتَه، وقلبا يحمل معه الوحدةَ والإقصاءَ. خبرَ معه الجوعَ والعطشَ والخوفَ والظلامَ والبردَ. والأهم من كل ذلك، الشعورَ المُرَّ بأنه زائدٌ عن الحاجة. متروكٌ جانبا. كان هاكنس يحاورُ ولسنَ، ويستمع إلى صمته. يغاضبه، يصالحه، يلاعبه، يطبّبه ويعيد رسمَ ملامح وجهه حين يتقشّر الدمُ من سطحه. حتى إذا لاحت، في آخر الفيلم، ظلالُ سفينةٍ بعيدة في عمق الماء، يحملُ الرجلُ صديقَه ولسن ويسبح به أميالا حتى يقترب من النجاة. لكن الموجَ القاسي أطاح بالكرة بعيدا. أنّى للموج بمعرفة المشاعر! صرخَ هاكنس، وبكى صديقَه "الكرةَ"، كما لم يبكِ صديقٌ صديقا.
لماذا اختار اسم "ولسن" ليمنحه صديقه الصامت: الكرة؟ لا شك عندي إنها إلماحةٌ إلى "كولن ولسن" صاحب الكتاب الكارثة "اللامنتمي" الذي يحلل طبيعة الشخصية النافرة عن السياقِ المجتمعيّ، اللا منتمية لقانونه الجمعيّ، الطامحة في عالم مثاليّ غير موجود. متخذا نماذجَ من مشاهيرَ "لامنتمين" مثل نيتشه، ديستوفسكي، فوكنر، كافكا، سارتر، فان جوخ، برنارد شو، وآخرين من أفذاذ هذا الكوكب ومجانينه المبدعين. أليسوا أيضا متروكين جانبا؟ نفروا من المجتمع ولم يقدروا أن يتكيفوا معه، لأن شروطَه "الصعبة" لا تتفقُ مع شروطهم "الصعبة"، وانعكس هذا "اللانتماء" بامتياز في أعمالهم الفنية والفكرية والإبداعية.
المهم، أن الإنسانَ، أيَّ إنسانٍ، حتى ذلك الراغب في الوحدة، الراغب عن الناس، لابد أولا أن يجد هؤلاء الناسَ من حوله، وإن لم يوجدوا، خلقهم. مثلما خلق هاكنس ولسن، ثم بعدئذ، ينأى عنهم ويتوحّد بذاته. لابد من وجود الناس، لكي نشعر بوحدتنا بينهم. وإلا غدا الأمرُ حفر فراغٍ في فراغ، أو صبَّ ماءٍ فوق ماء.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللعنةُ تريدُ أن تضحك
- طبلةُ المسحراتي
- أخافُ اللونَ الأبيض
- هَدْمُ الأهرامات
- عزيزي أنيس منصور.. شكراً
- إلا درويش يا صهيون!
- طار إلى حيث ريتا!
- لأني إذا مِتُّ أخجلُ من دمعِ أمي
- العادات الشعبية بين السحر والخرافة
- تأنيث العالم في رواية ميس إيجب. من الذي قتل مصر الجميلة؟
- على باب فيروز
- شجرةُ البون بون
- قارئة الفنجان
- هنا فنزويلا
- اِستمرْ في العزف يا حبيبي!
- لسه الأغاني ممكنة؟
- ارفعْ مسدسَك عن أنفي، أُعْطِكَ فرجينيا وولف
- سؤالُ البعوضةِ والقطار
- ترويضُ الشَّرِسة
- مَن يخافُ -حين ميسرة-؟


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - هذه ليست كُرَة، إنها صديقي!