المهدي مالك
الحوار المتمدن-العدد: 2435 - 2008 / 10 / 15 - 03:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة
ها نحن نستقبل عيد الفطر السعيد بعد ان ودعنا ضيف عزيز علينا كامة اسلامية و يتميز هذا الضيف بانه مدرسة روحية نتعلم منها قيم الصبر و الامساك عن شهوتي البطن و الفرج طوال النهار حتى اذان المغرب و كما نتعلم من هذا الضيف المبارك الاهتمام بالدين من خلال قراءة القران او الاستماع اليه عبر وسائل الاعلام و هذا الاهتمام بالدين هو واجب على كل مسلم مؤمن برسالة رسولنا الاكرم صلى الله عليه و سلم ,
و يشرفني بهذه المناسبة ان استمر في بحثي المتواضع عن المسار التاريخي للحركة الامازيغية عموما و مسار الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي التي ادركت مبكرا بان هناك حيف كبير يمارس ضد الامازيغية تحت ذريعة الحفاظ على هوية المغرب الاسلامية بمعناها السلفي و العروبي ,
و من اجل هذه الغاية اخترعت الحركة الوطنية اسلاما يقوم على سبعة اركان أي بزيادة العروبة كايديولوجية عنصرية و الطرب الاندلسي نسبة الى الاندلس التي كانت تعيش فيها مختلف الاعراق و الديانات و يعد الطرب الاندلسي من الفنون المغربية الاصيلة لا اقل و لا اكثر.
فاسلام الحركة الوطنية المشرقي فكر في طريقة لمحو الامازيغية نهائيا من برامج مغرب الاستقلال فاخترع اكذوبة الظهير البربري القائلة بان الامازيغيون أرادوا التنصير و القضاء على الشريعة الاسلامية من خلال اقامة محاكم لتنظيم العرف الامازيغي او العرف الجاهلي كما يسمى عندهم لكن العهد الجديد حاول محو هذه الاكذوبة من خلال خطاب اجدير التاريخي الذي اكذ فيه جلالة الملك امام جميع مكونات الامة المغربية بان الامازيغية مكون اساسي لشخصيتنا الوطنية منذ فجر التاريخ بمعنى ان جلالته قد اقبر اكذوبة الظهير البربري بشكل نهائي الا انني لحظت في هذه المدة الاخيرة رجوع تلك الاكذوبة بشكل مخيف و قوي على مستوى الاعلام المكتوب حيث تتذكرون المقال الذي نشره المسمى عبد الله اوباري في جريدة التجديد بتاريخ 16 ماي الماضي ,
و على مستوى الاعلام البصري حيث شاهدت برنامجا بثته الاولى بتاريخ عشر رمضان الاخير بمناسبة ذكرى وفاة المرحوم محمد الخامس و هذا البرنامج قد اعاد ترويج هذه الاكذوبة بشكل حقير يجعل المشاهد له يعتقد انه مازال يعيش ما قبل خطاب اجدير حيث يسمع مصطلحات كالبرابرة و قراءة اللطيف الخ ,
و السؤال المطروح هو لماذا رجعت هذه الاكذوبة الان بالضبط؟
تاريخ مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي
ان الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي قررت في اول الامر جمع الانتاج الامازيغي الديني الذي يتكون من كتب حول الفتاوى و النصوص و الشروحات الفقهية و هذه الاخيرة تتوفر على رصيد مهم مما جعل الجمعية تفكر بشكل صريح في وضع مشروع يهدف تحقيق بعض هذه المخطوطات الثمينة لانها شاهدة على وجود حضارة دينية عريقة لدى الامازيغيين منذ القرون الاولى من الفتح الاسلامي,
و في هذا السياق أنجزت الجمعية تحقيق كتاب الحوض الخاص بالفقه المالكي للشيخ سيدي محمد اوعلي اوزال سنة1977 و قام بهذا العمل التاريخي المرحوم العلامة عبد الله الجشتيمي باعتباره واحدا من خريجي القرويين و كذا المدرسة العتيقة ب ئمي ن اوكشتيم , و كما قام كذلك في نفس الاطار بتهييء كتاب العمل السوسي الذي هو في جزأين اصدر الجزء الاول في سنة 1984 ادركته الوفاة قبل اصدار الجزء الثاني ,
و يحكي الاستاذ اخياط في كتابه الامازيغية هويتنا الوطنية عن واقعة حدثت بعد صدور الجزء الاول من العمل السوسي تفسر الى حد كبير معاناة مناضلو الجمعية الذين كانوا يعانون منها من قبل الاطراف المناهضة للامازيغية حيث تدخل المرحوم المكي الناصري الذي يعد من فقهاء الحركة الوطنية و كان انذاك رئيس المجلس العلمي للرباط و سلا,
و تدخل هذا الفقيه لدى العديد من المسؤولين بهدف منع هذا الكتاب بل ذهب بعيدا حيث طالب بحرقه و محاكمة صاحبه ,
و بعد ذلك قامت الجمعية باتصالات بلغت الى علم الجنرال مولاي حفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية الذي حسم المشكل بعد ان تأكد ان الكتاب لا يمس المقدسات انذاك و اشار الاستاذ ابراهيم اخياط في كتابه على ان المرحوم المكي الناصري ذو نزعة عنصرية تجاه اهل سوس خاصة و الامازيغية عامة و كان عاملا على مدينة اكادير و هذه المعلومة لم اكن اعرفها .
و بعد انجاز الجمعية لهذان العملان في المجال الديني الامازيغي توجهت جهودها نحو تحقيق الحلم الكبير و المتمثل في مشروع ترجمة القران الكريم الى اللغة الامازيغية أي ترجمة معانيه و يعتبر الاستاذ امحمد العثماني اول مرشح للقيام بهذا العمل العظيم حيث كان من العلماء الفاعلين داخل الجمعية إذ أنهى رسالته الجامعية في موضوع ألواح جزولة و التشريع الاسلامي بدار الحديث الحسنية سنة 1976 تحت اشراف الاستاذ المرحوم علال الفاسي المعروف بمواقفه الواضحة تجاه الامازيغية.
و لم يكد الاستاذ العثماني ان ينتهي من مناقشة رسالته الجامعية الفريدة من نوعها لانها تتعلق بمسالة العرف الامازيغي و التشريع الاسلامي حتى اقترحت الجمعية عليه في شخص رئيسها المناضل و المرحوم عبد الله الجشتيمي القيام بترجمة القران لما هو معروف عنه من نبوغ في العلوم الدينية و في اللغتين العربية و الامازيغية ,
و لم يتردد الاستاذ العثماني في قبول هذه الفكرة بل قدم للجمعية نموذجا لذلك بترجمة البسملة الى الامازيغية و اشترط على الجمعية لاتقان عمله وجود فقيه اخر لمساعدته في انجاز هذا العمل الكبير فوقع الاختيار على فقيها من المدرسة العتيقة بافران الاطلس الصغير.
و لكن الظروف التي كانت سائدة في عقد السبعينات و الثمانينات لم تسمح بمجرد الاعلان عن مشروع ترجمة القران الكريم الى الامازيغية بشكل رسمي لان في ذلك الوقت بالضبط كانت القضية الامازيغية في مرحلة التاسيس لخطاب ثقافي صرف و كان مناضلوها يتعرضون لهجمات ايديولوجية من طرف اصحاب اسطوانة الظهير البربري و كانوا يسمونهم بعدة اسماء كاحفاد ليوطي و دعاة التفرقة الخ بمعنى ان المناخ السياسي السائد لم يكن يسمح بظهور الامازيغية كثقافة و كبعد ديني .
و امام تلك الظروف اضطرت الجمعية الى تاجيل هذا المشروع الكبير الى ان يتوفر المناخ المناسب لكن الاستاذ العثماني ادركته الوفاة رحمه الله و هو والد الاستاذ سعد الدين العثماني الذي احترمه شخصيا.
و في عقد التسعينات قررت الجمعية ادخال مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي ضمن عملها الثقافي و بادرت على اقتراح الفكرة على عضوها البارز في المجلس الوطني الاستاذ الكبير و الشاعر الامازيغي المعروف الحسين جهادي ابن قبائل ايت باعمران ,
و ولد هذا الاخير في سنة 1943 بمدينة الدار البيضاء مثلي و تلقى تعليما دينيا بالمدرستين العتيقتين الاولى هي مدرسة تنالت و الثانية هي مدرسة ئمي ؤكشتيم و ثم تابع دراسته بمعهد محمد الخامس في تارودانت ليلتحق بعد ذلك بكلية الاداب و العلوم الانسانية بالرباط فتخصص في فن التاريخ كما سماه ابن خلدون .
و يقول الاستاذ اخياط في كتابه ان الاهتمام العفوي للاستاذ جهادي بلغته و ثقافته الام كان سببا كافيا لاصداره ديوانا بالامازيغية يحمل عنوان تيماتارين أي العلامات , و بعد هذا العمل مباشرة اقترحت عليه الجمعية القيام بانجاز السيرة النبوية باللغة الامازيغية تاغاراست ن ؤرقاس ن ربي الصادر عن منشورات الجمعية سنة 1995 كتمهيد اولي لعمل كبير كان ينتظره الا و هو ترجمة القران .
و تم الاعلان رسميا عن هذه الترجمة بمناسبة المؤتمر الحادي عشر للجمعية سنة 1999 ببوزنيقة و قوبل هذا الاعلان في حينه بكثير من المواقف المختلفة حيث كان من بين الحاضرين في ذلك المؤتمر التاريخي ان صح التعبير صحفي انجليزي الذي اذاع الخبر باذاعة ال بي بي سي العربية بلندن ,
و تناولته المجلة الصادرة كذلك بلندن ليثير بذلك نقاشات حادة حول الابعاد السياسية و الثقافية لهذه الترجمة .
و قد نشرت المجلة السالفة ذكرها مقالا بتاريخ 6 مارس 1999 تحت عنوان البربر و الاسلاميون في المغرب هل بدات المعركة بسبب مشروع ترجمة القران الى الامازيغية ؟
خلاصة
و قد تحقق حلم الجمعية الكبير بخروج كتاب ترجمة معاني القران الكريم الى الامازيغية بفضل ايمان الاستاذ الحسين جهادي باسلامنا المغربي الذي تطبعه مجموعة من الخصوصيات الاصيلة و هذا الاسلام لم يعترف ابدا في تاريخ المغرب الحقيقي بشيء اسمه السلفية و الوهابية بل اعترف بالاجتهاد المناسب مع مقاصد الشريعة الاسلامية و مع البيئة المغربية بمعنى ان اسلام الحركة الوطنية بعيد كل البعد عن حضارتنا الدينية المغاربية ككل.
مشروع رد الاعتبار لبعدنا الديني يعتبر امتداد طبيعي لمشروع تمزيغ الفكر الاسلامي
اولا ان مشروع رد الاعتبار لبعدنا الديني يعد اجتهاد شخصي كانسان معاق استطاع ان يؤسس لمفاهيم جديدة من خلال كتابه تاملاتي الفكرية كانسان
معاق المنشور في عدة مواقع الكترونية منذ صيف 2007 ,
و من بين هذه المفاهيم مفهوم رد الاعتبار للبعد الديني الضخم حقيقة لدى الامازيغيين,
و بدات هذه الفكرة تشغلني منذ صيف سنة 2006 حيث شاهدت الفيلم الامازيغي تامغارت ؤورغ الرائع و الحامل لرسائل متعددة و من بينها ان الامازيغيين هو مجتمع يطبعه التدين و التقاليد المحافظة كحرمة البيوت و الاعراض و هو بعيد كل البعد عن التنصير و مساعدة الاستعمار كما يقول اصحاب اللطيف ,
و احب ان استمع الى اغاني الروايس الدينية في الاذاعة الامازيغية و هذه الاغاني تعد بالمئات تعنى بالدين الاسلامي كفرائض و قيمنا الاسلامية و شعر المقاومة و قصص الانبياء الخ لكن هذا التراث ظل مقصيا من حقه الشرعي في قنواتنا التلفزيونية الى حد اليوم و في مهرجانات الاغنية الدينية المغربية المنظمة في كل رمضان بمدينة الدار البيضاء فالاغنية الدينية الامازيغية هي متعددة الاشكال و الجغرافية حيث نجدها في الريف و الاطلس المتوسط و سوس و اقول ربما سنجدها في الصحراء المغربية بلاد قبيلة صنهاجة.
و ثم لحظت ان اعلامنا البصري قد همش الامازيغيين دينيا من خلال مجموعة من الممارسات العنصرية حيث اتذكر جيدا ان قناة السادسة في سنة 2006 كانت لا تعترف بوجود شيء اسمه الامازيغية كبعد ديني
نهائيا في خريطة برامجها .
و كما ان هناك تقليد عنصري يرجع الى الاستقلال و هو بث الطرب الاندلسي على كافة قنواتنا التلفزيونية في جميع مناسباتنا الدينية و خصوصا في وقت الافطار كأنه يعتبر الموسيقى الدينية الوحيدة في مغربنا المتعدد و هذا اعتبرته صراحة قمعا مباشرا لبعدنا الديني عموما و تراثنا الغنائي الديني خصوصا .
و في هذا الاطار فكرت في كتابة موضوعا كاملا في رمضان لسنة 2006 و سميته الحركة الوطنية و البعد الديني لدى الامازيغيين نظرية نقدية المنشور في كتابي و ثم حررت بيان المهدي مالك حول رد الاعتبار لبعدنا الديني حيث اقترحت فيه عشر مقترحات جوهرية في نظري المتواضع كسترة الامازيغية بكل ابعادها الثقافية و الدينية و الفدرالية و حذف كل ما يتعلق بايديولوجية الظهير البربري من مناهجنا التعليمية و من الاعلام الوطني بكل مكوناته و كذا من مشهدنا الديني الرسمي.
و منذ ان نشرت كتابي على الشبكة العالمية في صيف 2007 ظهرت بعض الثمار حيث بدات قناة السادسة في بث بعض البرامج الخاصة بالامازيغية حول التوعية الدينية و الامداح النبوية غير ان بقية قنواتنا الاخرى ظلت على نهجها القديم في احتقار هذا البعد حيث لم نرى أي برنامج ديني او حصص للامداح النبوية بلغتنا الام .
و اما بخصوص افاق مشروع رد الاعتبار لبعدنا الديني فاعتقد ان المناخ السائد حاليا قد أرجعنا كثيرا الى الوراء و من بين مؤشرات هذا الرجوع هو اقبار القناة الامازيغية التي تعتبر مطلبا شعبيا اكثر من قناة الافلام الحالية و ثم الصورة الهزيلة التي ظهرت فيها هويتنا الامازيغية في قواتنا العروبية خلال رمضان الاخير بحيث انها قدمت فيلم امازيغي وحيد طوال هذا الشهر المبارك و بالاضافة الى رجوع اكذوبة الظهير البربري بشكل مخيف الى وسائل الاعلام كما قلت في بداية هذا المقال و غيرها من هذه المؤشرات القائلة بان الهوية الامازيغية مازالت تعيش في المشاكل الحقيقية بالرغم من وجود الإرادة الملكية و بالرغم من وجود المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي يستعد بعد ايام للاحتفال بالذكرى السابعة لتاسيسه .
#المهدي_مالك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟