من الواضح أن كارثة هولير قد أثرت - إضافةً إلى المشاعر الحقيقية للشارع الكردي - في توجهات السياسة الكردية في سوريا ، بحكم أن القيادات السياسية - ومن خلال قراءاتها للوقائع - يجب أن تكون قد أدركت أن ما أصاب هولير ، يشكل في جوهره جزء من مخطط إقليمي ، يستهدف المسألة الكردية عامةً ، وإن اتخذت آنياً من كردستان العراق ساحةً لمفرداتها . خاصةً وأن تراكمات المرحلة وتداعيات الحدث التغييري في العراق ، توحي بتبلور المسألة الكردية عموماً ، وتساهم في دفعها باتجاه موقعها الطبيعي في عملية التغيير ، كونها تحمل مشروعاً سياسياً ذا طابع ثنائي في الطرح ، فهو ومن خلال نزعته الإنسانية ، يدعوا إلى الديمقراطية والتعددية السياسية والاقتصادية ، وحرية الرأي والتعبير ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، والمساواة بين المواطنين في الدول التي تقتسم كردستان ، واستناداً إلى نزعته التحررية ، يطالب بالحق القومي الكردي ، ومشروعية النضال في سبيل إحقاقه في تلك الدول . لذلك ، فمن الطبيعي أن تحتل القضية الكردية موضع الاهتمام من جانب المشروع التغييري ، وقد يكون دورها في الخطوط الأمامية في الصراعات الدائرة بين البنى القائمة على الثقافة الاستعلائية والذهنية الإقصائية ، وآلة الصهر والقمع من جهة ، والتوجه الذي يدعوا إلى نسف مرتكزات ورواسب هذه البنى من جهة ثانية ، وبالتالي ستكون عرضةً لاستهدافات مخططاتها . من هنا نقول ، بأن الكارثة ، يجب أن تكون قد حرضت بعض المشاعر ، ودغدغت ثنايا الذاكرة المهشمة لدى أولي الأمر في الأطر المفروضة غالبيتها قسراً على كاهلنا ، وبالتالي ، يحدونا الأمل في أن تكون هذه الذاكرة قد استفاقت من سباتها وكبوتها ، لتعيد النظر في حساباتها ، وملفات برامجها ومشاريعها السياسية ، من خلال تغيرها لمفردات خطابها ، ومنهجيتها القائمة على صوابية أناها الحزبوي ، ونسفها للآخر شكلاً ومضموناً .. واضعةً نصب عينيها ، البحث عن أفضل السبل والصيغ للخروج من وضعها السائد ، في خطوة علها تتمكن من مواكبة الحدث ، ومواجهة ما قد يتعرض له الطرح السياسي الكردي من جديد..؟!. وإن كان ما حدث ( الكارثة ) لم يخرج من الفراغ ، أو هو وليد اللحظة . لكن ما علينا إلا أن نقول ، أن نستيقظ ، وإن كان متأخراً ، خير من أن نبقى أبداً في قيلولتنا تحت حمم براكين التغيير ... لكن وأية إفاقة ..؟!.
ومن خلال وقفة سريعة على مجريات الأحداث الدراماتيكية التي رافقت الحدث ، نرى أن مواقف أطرنا الحزبية كانت تنم عن وعي سياسي ، قادر على الإلمام بمفردات الوقائع .؟. حيث ما أن تلقت هذه الأوساط نبأ الجريمة ، حتى تفاعلت معها ، وواكبت تداعياتها . وهذا هو المطلوب ، بل الطبيعي ، بالمقارنة مع الهول الذي أصاب الشارع الكردي ، وما نتج عن المجزرة الوحشية من آثار ، من جهة ، ونتيجة إدراك هذه الأطر بخطورة الموقف ، وبأن ما يمس هولير ، هو مساس بالهوية القومية للشعب الكردي من جهة ثانية ، والأمور هنا نسبية بالتأكيد . فهناك من دعا – وعلى الفور - إلى وقف مظاهر فرح العيد تعبيراً عن شجبها واستنكارها ، والآخر الذي أحزم حقائبه وحط الرحال في هولير ، ليكون شاهداً على الأرض ، ومؤرخاً للحقيقة ، ناهيك عن البيانات والرسائل والبرقيات ، التي تراوحت بين الشجب والاستنكار والمواساة ، إضافةً إلى بيان المثقفين ورسالة الفعاليات الاجتماعية والسياسية ، ورسائل منظمات الأحزاب في مناطق تواجدها ، وبرقيات الشخصيات والأهالي أبناء تلك المناطق أو من الخارج ، وتظاهرة الجالية الكردية في أوربا...إلخ . وأخيراً الوفود الحزبية التي أمت كردستان العراق ، وتنقلها بين هولير والسليمانية ، للتأكيد على التنديد ، ولتقديم التعازي وزيارة الجرحى . وفوق كل هذا وذاك ، لمناشدة الأخوة في قيادة الحزبين الشقيقين ودعوتهما ، الإسراع إلى توحيد الإدارتين . كل ذلك دون شك ، ينم عن المشاعر الإنسانية النبيلة ، والمحتوى النضالي القومي المشترك ، وعن فهم سياسي متبلور وواع لما يجب أن يكون . وهي بالتأكيد ، لا بد أن تكون موضع التقدير والاحترام من جانب كل من يحمل بين جوانحه ، مشاعر النبل وقيم الحق والعدل.. ونحن من جهتنا ، نبارك هذا الطرح ونؤيده ، ونشد على أيادي الداعين له . وقد رسخنا ذلك مسبقاً في رسالة الفعاليات الموجهة إلى قيادة الحزبين الشقيقين .. باختصار ، يمكننا القول ، بأن مشاعر الشارع ومواقف الأطر قد تقاطعت وتفاعلت ، وأثمرت عن البعض من النتائج . لكن ، وعند مقارنة ما تم الإقدام عليه ، وما يتم - هنا - على أرض الواقع ، بل حتى بالشكل الذي تم التعبير من خلاله من جانب الأطر ، نرى أن تلك الدعوات وذاك الفهم من جانبها - بل من جانب قياداتها السياسية تحديداً - تحمل بين ثناياها نوعاً من الازدواجية في الموقف والطرح ، هذا ، إن لم نصفها بجمل أخرى ، ونسمي الأشياء بمسمياتها .
فالبيانات والنداءات ، وزيارات الوفود ، كلها تصب في إطار مناشدة الأخوة في الحزبين الشقيقين ، إلى تجاوز الماضي بتراكماته واحتقاناته ، والعمل على توحيد الإدارات ، لما تجد في ذلك خدمةً لقضيتنا القومية والديمقراطية ، وأن بناء المستقبل السياسي ، لا يمكن له أن يستقيم دون الاحتماء بالعقل الجماعي في السياسة الكردية .
جميل أن يحمل المرء ، في وجدانه مسحة من التسامح ، ويمتلك إرادة القفز من على تخوم تراكمات الماضي ، ذاك الماضي الذي ساهم في بنائه مجموعة من العوامل والمؤثرات ، - والتي سنقف عليها لاحقاً - مستنداً في كل ذلك على ذهنية متبلورة ودراية باستحقاقات المرحلة . لكن الأجمل من كل هذا وذاك - وحتى تكون للدعوة مصداقتيها وصدقها - أن لا يحمل المرء ازدواجية الموقف في الطرح . والسؤال المطروح هنا : إذا كان هناك من يمتلك المشاعر الإنسانية ، ويندد بما هو مسيء لإنسانية الإنسان ، وعلى مستوى من الوعي لأن يقرأ المستقبل ، فلماذا لا يمتلك كل هذه العواطف الجياشة ، والذهنية المنفتحة في معرض تناوله لآلامه اليومية ، وأزماته المستديمة ، وكبواته المستمرة .. ؟!. نعم ، أقول ، إذا كنا نمتلك كل هذا ، فما هي أسباب واقعنا السياسي المزري إذاً ..؟!. أم أننا نستطيع التعبير عن كل ذلك ، حين لا يتعلق الموضوع ، لا بالحالة الذاتية للقضية الكردية في سوريا ، ولا بالنظام السياسي القائم..؟!.
لنتخيل معاً ، من أن أحد المهتمين بالشان الكردي في سوريا ، كان قد قابل أحد الوفود الزائرة في هولير أو في السيلمانية ، وسأله عن فحوى زيارته ، وشرح الوفد له الأمر . أليس من المنطقي والمعقول أن يرد عليهم - هذا المهتم - ويقول لهم ، أنتم أيها السادة ، من ممارسي الازدواجية و… و… ، و… على حساب الشرخ الذي رسختموه في وجدان مؤيديكم ومنتسبي أطركم ، بل وشارعكم . كيف لكم ، وأنتم توصفون لنا الدواء ، وتدعوننا إلى الوحدة .. تتقاطرون مجموعات ومجموعات باتجاهنا ، لكن في الوقت نفسه ، تزرعون الشقاق بين أبناء جلدتكم ، المغلوبين على أمرهم ..؟ ألم يكن من المنطق أن يحمل رسالتكم إلينا وفد يعبر عن وحدة مواقفكم ، حتى يكون لطرحكم مصداقيته .. ألا تعتبرون أن وجودكم هنا ، وبهذا الشكل الفئوي المبعثر ، وإن بعضكم زار البعض ، وامتنع عن زيارة الآخر ، يدعوا للاستغراب والاستهجان ، وأنتم في هذا الموقف والموقع والطرح ..؟ .
أية ازدواجية تتلونون بها ، وأي انسجام يمكن أن يخلق بين ممارساتكم ، ودعواتكم النبيلة هذه ..؟ فإذا كنتم تناشدون حزبين شقيقين ، مزقت أوصالهم الأنفال والأسلحة الكيماوية.. التشريد والدفن في مقابر جماعية ، منذ ما قبل البارزاني الخالد وإلى يومنا هذا ، وأججت المخططات والمشاريع الإقليمية منها والدولية ، الصراع والتناحر فيما بينهم ، وأشعلت مصالح الدول نار الفتنة ، حين استندت إلى دعوات قذرة ، في محاولتها لزرع الشقاق بين مناطق السوران وبهدينان ، إضافة إلى تراكمات الاقتتال الأخوي ، ورواسب المصالح الاقتصادية والسياسية ، وتباينات المواقف .. إلخ . ومع كل هذا وذاك يجمعنا قبة المجلس الوطني ، والتنسيق في المواقف ، والإرادة نحو تحقيق طموحات شعبنا في الإسراع نحو توحيد الإدارات .. فأين أنتم من كل هذا وذاك .. أين أنتم من دوائكم.. وما المختلف عليه وفيه بينكم.؟!. ثم لماذا لا تتجسدون دعوتكم في هياكلكم المشتتة ، أنتم القابعون على صدر أحلامكم الوردية ، والمتمسكون بمشاريعكم التي تبدأ بالاستفهام وتنتهي بالاستفهام ، خدمةً لأهواء تنتعش في الظلمات ، ولرغبات تتمرس فوق صدور البسطاء من بني ملتنا ، وإن كانت تحمل في طياتها بعض الطلقات الخلبية ، والشحنات التي تدغدغ مشاعر أولئك البسطاء ، غير آبهين لا بالتطور ولا بآمال بسطائكم ودعواتها لكم . فقط بتبؤكم المركز ومصادرة القرار ، وجل تفكيركم المستقبلي ، ومشاريعكم الوحدوية ، التي ضاهت مشروع الاتحاد الأوربي نفسه ، متمركزة في ذواتكم ، ومنحصرة في شكل استمراريتكم ..؟!. فأي شكل هذا الذي تمارسونه ، وأين يصنف ..؟.. تدعوننا إلى الوحدة ، مع ما نحمله من انكسارات ، وأنتم متقوقعون في أحد عشر كوكباً ، يحمل البعض منها ذات الأسم وذات الشكل وذات الغاية ، حتى نكاد لا نميز جيدكم عن سيئكم ، ومناضليكم عن مهادنيكم ، وجميلكم من قبيحكم .. بل نحتار عند قراءة أسمائكم المعنونة والمرقمة تحت 1 أو 2 . أين قواسمكم المشتركة ، والحدود الدنيا من الاتفاق على المواقف ، وما هي حدودكم العليا والعصية على الاتفاق..؟!. أين صراعكم الطبقي والقومي ، واختلافكم المنهجي الذي شكل وقود استمراركم على مدى عقود ، وبماذا يتجسد الآن ..؟ . أين تحالفكم بتياراته وأطرافه ومجلسه ، وأين جبهتكم بدعواتها ونداءاتها .. ماذا كانت مصير وحدتكم التسعينية ، ودعواتكم اليسارية.. أين حط الرحال بمشاريعكم الوحدوية كلها ، ومشروعكم الهادف إلى الاتحاد السياسي الثلاثي.. ؟! نعم كلها ذهبت مع الريح ، لكنكم وأبداً باقون .. ألا يحق لنا - أمام هذه اللوحة - أن نهمس في آذان أصحاب بيان مثقفيكم الموجهة إلى قياداتنا ، ونقول لهم ، أليس من الواجب أيضاً ، بل ألم يحن الآوان ، أن يتم دعم ذاك البيان - المشكور عليه - ببيان مماثل ، يعبر عن امتعاضه واستياءه لممارسات وسياسات أطركم ، التي جرت على الكيان المجتمعي الكردي في سوريا ، ما يمكن أن نضعها ونرتبها في حقل المخططات ، التي تقول عنها مصادر قراركم نفسها ، إنها تستهدف قضيتنا ومشروعنا القومي ، وتحاول إفراغه من جوهره النضالي .. فلكم الأمر إن شئتم .
وإذا كانت لنا كلمة أخيرة لا بد من قولها ، فليس لنا إلا أن نقول ، طفح الكيل أيها السادة ، ومرغت سياساتكم ومواقفكم الماراتونية شعبكم في الطين حتى الوجه . فكفوا بلاءكم عنهم وعنا ، فقط فكروا في الحالة التي أنتم عليها الآن..