|
سيكولجيا الصراع في المجتمع العراقي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2434 - 2008 / 10 / 14 - 08:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لماذا يحصل صراع بين جماعات تعيش في مجتمع واحد ،كالمجتمع العراقي مثلا؟. ستقول : بسبب المصالح . وهذا صحيح . فهنالك نظرية تقول : ان الصراع بين الجماعات ينشأ نتيجة لتضارب المصالح . فعندما ترغب اثنتان من الجماعات في تحقيق هدف بعينه ولا يتهيأ الوصول اليه الا لواحدة منهما ، فان ذلك يؤدي الى نشوء العداء بينهما . وتؤكد لك هذه النظرية أنك حين تقرأ تاريخ الصراعات بين الجماعات ستخرج بنتيجة خلاصتها :"ان زيادة التنافس على الموارد الشحيحة ، أو المحدودة ، يزيد العداء بين الجماعات ". وأسأل جنابك : هل ترى أن تضارب المصالح او التنافس على مصادر الثروة يعد شرطا كافيا لحدوث الصراع بين الجماعات ؟. انظر الى المجتمع العراقي مثلا تجد أن مصادر الثروة في العراق هائلة وليست شحيحة ..ومع ذلك فان الصراع بين الجماعات العراقية موجود . وهذا يعني أن التنافس على المصالح لا يعد شرطا كافيا لخلق الصراع بين الجماعات ، كما رأت نظريات لها مكانتها في علم الاجتماع ومنها " نظرية الصراع الواقعي " لعالم الاجتماع المعروف مظفر شريف . ان العداء بين الجماعات يمكن ان يظهر حتى في غياب التنافس على مصادر الثروة . فمجرد الانتماء الى جماعة معينة يمكن أن يكون سببا كافيا للعداء ضد الجماعة الأخرى . ذلك أن اللاشعور الجمعي للجماعات يقوم بتصنيف الناس الى صنفين :" نحن ..الجماعة التي ينتمي لها الفرد " ، و " هم ..الجماعة الأخرى ". وهنا تجري عملية سيكولوجية تعمل في أغلبنا ونحن عنها غافلون . تأمل ذلك في نفسك . فأنت اذا كنت عربيا" أو كرديا" أو تركمانيا" ، أو سنيا" أو شيعيا" .. أو لنقل اذا كانت الجماعة التي تنتمي لها " س " مثلا" ، فانك ترى ان جماعتك هذه تمتلك صفات رائعة : شجاعة ، كرم ، صدق ، لطافة ، أفرادها محبوبون .. فيما ترى في الجماعة الاخرى ولنقل " ص " مثلا" انها تمتلك صفات سلبية : جبن ، بخل ، نفاق ، كذب ، عجرفه ، أفرادها مكروهون .. فالذي يحصل ، ربما عندك وانت لاتدري ، ان عينك ترى كل ما هو جميل في الجماعة التي تنتمي لها وتضخّمه ، ولا ترى فيها ما هو سلبي ، وان عينك نفسها ترى في الجماعة الاخرى كل ما هو سلبي وتضخّمه ، وتغلقها عما هو جميل فيها . وتلك هي علّة معظم الجماعات في مجتمعنا العراقي . فالسنّة مثلا" يرون انفسهم انهم افضل من الشيعة . والشيء نفسه يعمله الشيعة في نظرتهم للسنة . والعرب يقولون عن انفسهم انهم خير أمّة ، وربما الكورد يقولون الشيء نفسه عن امتهم ، والتركمان ايضا" . وهذا هو السبب السيكولوجي الرئيسي في حدوث الصراع السياسي والاجتماعي بين الجماعات بالمجتمع العراقي . فضلا عن أننا ، وبخاصة في السياسة ، لا نميز بين " التنافس " و "الصراع ". ففي التنافس يحاول المتنافسون أن يحققوا الهدف نفسه باعتماد "قانون " تركيز الأطراف المتنافسة على الفوز وليس على ايذاء أو قتل الطرف الآخر ، كما هو الحال في الانتخابات الديمقراطية بالمجتمعات المتمدنة..أمريكا مثلا ، حيث يحاول كلا الحزبين " الجمهوري والديمقراطي " الفوز في عملية تنافسية لا يكون فيها الا فائز واحد . ولكن عندما لا تلتزم الأطراف المتنافسة بهذا " القانون " عندها يصبح قهر الطرف الآخر غاية أو هدفا يحاول الطرفان الوصول اليه ، كما هو الحال في المجتمعات غير المتمدنة ، أو المجتمع العراقي الذي سادت فيه لقرون ثقافة الصراع في حلّ الخلافات والنزاعات بين الجماعات . وهنالك نظرية في علم النفس الاجتماعي تنطبق على ما حدث من صراع بين الجماعات العراقية بعد السقوط (2003) تسمى نظرية ( الحرمان النسبي ) ترى : أن اختلاف توقعاتنا (بشأن ما نرى أننا نستحقه ) عن انجازاتنا الواقعية يولّد احباطا ، وفي الحالات التي تقل فيها انجازاتنا عن توقعاتنا بكثير يكون الحرمان النسبي على أشدّه ، فيثير الشعور بالظلم الذي يدفع الجماعة الى ازالته . وهذا ما حصل بعد التغيير . فلقد شعر السنّة أنهم استبعدوا من العملية السياسية أو همّش دورهم بعد أن كانوا هم أهل السياسة وأصحاب السلطة في العراق لأكثر من ألف عام . وزاد في تأجيج حدّة الصراع عامل نفسي آخر هو أن من كان يعدّ نفسه ضحية " الشيعة " قد صار في موقع السلطة ، فخشي المزاح عنها " السنّة "أن يبطش به من صار في موقع " الجلاّد ". وتطور الصراع الى احتراب بين الجماعتين ، توحّده عملية نفسية تفسرها نظرية أخرى تقول : عندما يعتقد أفراد جماعة أن حياتهم معرّضة للأصابة بالأذى أو مهددة من قبل جماعة أخرى ، فانهم يبدأون بالاهتمام الجمعي بمصيرهم ومستقبلهم ، يوحّدهم شعور عام بالكراهية ضد مصدر التهديد . وحين تتحول الكراهية الى عداء " وكلاهما شعور نفسي " ولا توجد هنالك وسائل لخفض هذا الشعور فان العداء يتحول الى فعل .." احتراب " بين الجماعتين ، يتملك احداهما الشعور بالانتقام والأخرى الشعور بالرعب . وهذا ما حصل عندنا ، فقد وجّه بعض السياسيين من السنّة نداءات بطلب الحماية والانقاذ من حملة ابادة . وكاد الاحتراب بين الجماعتين " السنّة والشيعة " أن يتحول الى حرب أهلية لولا أن ادرك الناس في الجماعتين أن هذا العمل المجنون هو من صنع السياسة وليس حقيقة اجتماعية ، وبعد أن أدرك السياسيون المتطرفون من الجماعتين أن الاحتراب اذا استمر فان ناره ستأتي عليهم ايضا . ولهذا السبب فانهم كفّوا عن التحريض على الاستمرار في اثارة الصراع ، وليس " لعقلانية " هبطت عليهم ولا حتى لتأنيب ضمير ، الأمر الذي ينبغي أن ينتبه اليه الناس في الانتخابات المقبلة بأن لا ينتخبوا من هو معبّأ سيكولوجيا بأفضلية " نحن " على " هم ". والمفارقة أن هؤلاء السياسيين يشيعون بين الناس أن الصراع بين الجماعات العراقية قد انتهى وهم يعلمون أن ناره مغطاة برماد يمكن أن تنفخه (وسيكونون هم أول النافخين ) ما ستحصل من اتهامات بالتزوير في الانتخابات المقبلة ، فضلا عن عبوات ناسفة أخرى ناهيك عن قنبلة كركوك . ان الصراع موجود في كل المجتمعات والفرق بين مجتمع وآخر هو في وسائل حلّ هذا الصراع ،اذ يعتمد المجتمع المتحضر الحوار والتفاوض فيما يلجأ غير المتحضر الى حلّه بوسائل العنف . وعلاجنا هو في ازالة أسباب التنافس واحلال الأهداف المشتركة العليا التي تتطلب التعاون من أجل تحقيق مصالح ترضي الجميع .وهذا لا يأتي بالكلام السياسي بل في ثقافة جديدة ، لا تجعل من امّة أخير من امّة ، وجماعة افضل من جماعة .. ثقافة انسانية تجعل المعيار الانساني وليس العرقي أو الديني هو الحكم بافضلية جماعة على اخرى أو انسان على اخر . فهل تستمع لهذه النصيحة أحزابنا السياسية واجهزة الاعلام ومواقع الانترنت العراقية التي صار بعضها أخطر وأقوى تأثيرا من القنوات الفضائية ؟. فلقد وجدت في أغلبها أن هذه العلّة متحكمة فيها بتكرار التباهي بالنفس علنا بهدف تبيان أفضليتها ، وبعضها تعجن هذا العداء ب"شوكلاته" الزهو بالأمجاد التاريخية ، وكأن الجماعات الأخرى بلا أمجاد تاريخية . ان الجميل والقبيح موجود في كل أمّة..في كل جماعة ..في كل انسان ، ومن يدّعي أن أمّته او جماعته أو نفسه أبرياء من كل قبيح فهو مريض نفسيا ، وما أكثرهم بيننا نحن العراقيين ، والسياسيين منّا بشكل خاص !.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنت في الجولان
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 3-3
-
الى الشاعرة لميعه عباس عماره
-
في سيكولوجيا مسلسل الباشا
-
أمسية دمشقية مع ..مظفر النواب
-
حملة الحوار المتمدن - البديل المنقذ ..مرّة أخرى
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 2-3
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3
-
دور وسائل الاعلام في اشاعة ثقافة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
-
هيئة النزاهة تستخدم جهاز كشف الكذب
-
الشخصية العراقية ..وسيكولوجيا الخلاف مع الآخر
-
الاتفاقية العراقية الأمريكية ..وسيكولوجيا الورطه !
-
نحو بناء نظرية في الابداع وتذوق الجمال في العالم العربي (الح
...
-
في سيكولوجيا الدين والتعصب
-
دروس من 9 ابريل / 4- العراقيون ..وسيكولوجيا الانتخابات
-
دروس من 9 أبريل 3- تبادل الأدوار بين السنّة والشيعة
-
دروس من 9 أبريل- تحليل سيكوسوسيولوجي
-
دروس من 9 أبريل / 1- سيكولوجية الاحتماء
-
الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة /مدخل لثقافة المص
...
-
الكراهية والتعصب..واذكاء الشعور بالمواطنة(مدخل لثقافة المصال
...
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|