الجزء ألأول
ما الذي سيحصل في العراق؟ هذا هو السؤال الذي قد يربح من يجيب عنه المليون ، بل الإثنين وعشرين مليون عراقي.
في الأسبوع الماضي وعلى هامش الأخبار التي سربت عن تراجع الولايات المتحده عن خططها المعلنه سُألت مالذي قد يحصل لو أن الولايات المتحده رضيت بأن يتم تبديل رأس النظام وألأحتفاظ بهيكله ؟ حيث يتم تغيير رأس النظام بسلاسه ويسر وتحول المسؤوليه لأبنه أو لمجموعه من ضمن النظام ولكن خارج العائله الحاكمه؟ ولأجيب على هذا السؤال طرحت بدوري سؤالآ : هل سيكون الأنتقال من الداخل أم بضغط خارجي ؟
فإن كان من الداخل وبترتيب من الدكتاتور ونظامه وعائلته فقد ينجح التغيير للوهلة الأولى وقد يستمر لبرهه من الزمن ولكنه سينهار في النهايه، فقطيع الضباع الممسك بخناق السلطه في العراق لن يدع أحد الضباع يخرج بالغنيمه لوحده ويرضى الآخرون من الغنيمه بالأياب. خصوصآ إذا ما علمنا أن لكل من الضباع أنصاره ومحسوبيه وجيشه الخاص داخل تركيبة السلطه وكل منهم قد هيأ نفسه للحظة الأنقضاض على الغنيمه وإذا كان الأبن الأكبر للطاغيه قد تنحى ظاهريآ من المنافسه فهو مازال مبيتآ النيه للأنقضاض عليها مهيئآ نفسه وأنصاره ليومها وهناك ايضآ المجرم علي الكيمياوي وآخرون أقل أهميه وإن لم يقلوا خطورة عنهما.
إما أن يكون التغيير في ظرف التهديد العسكري الخارجي أو إحتمالاته المباشره فأن القبول بهذا الخيار من قبل النظام يعني نهايته وإنهياره إذ ستكون الأشاره التي إنتظرها الشعب طويلآ للقيام بالأنتفاضه الموعوده وستكون شارة البدء بالنسبه لقواتنا المسلحه التي تعاني أشد المعاناة من ظلم وإهانة النظام للقيام بالثوره المسلحه وإسقاط النظام. فمجموعة الحكم ستجد نفسها فجأة مكشوفه وهم ممن إختارهم صدام بعنايه من ضعاف الشخصيه وربى فيهم عقدة الخوف منه شخصيآ وإعتادوا هذا الخوف وتعايشوا معه ورفع هذه اليد الثقيله عنهم فجأة ستشعرهم بالفراغ الذي سيولد عندهم الرعب وبالتالي سيدفعهم للفرار وسيحصل الأنهيار بأسرع مما يتوقع أشدنا تفاؤلآ.
إن نظام صدام هو هرم مقلوب قمة الهرم(الطاغيه صدام) هو مركز إستناد النظام كله وإزاحته تعني إنهيار أركانه وتدافعها للأسفل وبالتالي إنهياره بأسرع مما توقعنا وتصورنا.
كانت توصيتي هي بأن نراقب الوضع وأن نحضر قوانا ونهيء رفاقنا لهذا الأحتمال حتى إذا ما حانت الساعه وأزيح أو تنحى رأس الهرم وتدافعت نحو مركزه الأركان وجد اللاعبون انفسهم أمام عامل لم يحسبوا له حساب في سعيهم للسلطه ألا وهو الشعب العراقي وقواه المعارضه فنغنم الفرصه ونفرض التغيير المنشود الذي يزيح كامل هذه العصابه من على كاهل شعبنا الذي إبتلى بهذه العصابه الحقيره. و طوينا ألأمر على ذلك و بقينا نراقب الوضع.
منذ أن زار ولي عهد السعوديه ألولايات المتحده وأنا أترقب وأتسقط الأخبار التي قد ترشح عما تسرب من أللقاء وقد عجبت من أن ما تسرب عن اللقاء بين بوش وعبد ألله لم يشمل شيء ذا أهميه عن العراق مع أن الهّم العراقي هو ما أخرج عبد ألله من (مقاطعته) لأمريكا وأرسله هناك وليس الهم الفلسطيني كما أرادوا أن يوهموا الناس، وحين أقول الهّم العراقي فلا أقصد هنا تعاطف السعوديه مع الشعب العراقي فهم أبعد ما يكونوا عن هذا التعاطف ، بل أقصد همهم وخوفهم من إزاحة النظام المجرم في العراق وإحقاق الديمقراطيه فيه وتحوله لواحة سلام وأمان مما يعني بدء دورة الحرب وتشغيل معول الهدم في النظام السعودي لأن الغرب الذي أنشأ هذا النظام المسخ ما عاد بقادر على إحتماله و الدفاع عنه وخصوصآ بعد أحداث سبتمبر و الموقف من عملية أفغانستان وتراكم ألأموال والموقف من حقوق الأنسان. أقول رغم أنه كان هّم عبد ألله الرئيس إلا أنه وللعجب لم يسرب عن لقائه ببوش حول العراق شيء يذكر...إلى اليوم
فقد إتصل بي صديق من واشنطن حيث يعمل وله صله بمراكز صنع القرار الأمريكي وإشترط علي ألا أذكره ليزودني بما دار في لقاء عبد ألله وبوش وسمح لي بنشره إن أنا إلتزمت بعدم ذكره، وأنا أفي بوعدي فالمهم هو ما جاء بالأجتماع وليس من جاء به. كان ما جاء به مفاجأه بمعنى الكلمه ولم نجد لها إلا القول بأن صفوان أخرى في الطريق ولكنها بلا خيمه هذه المره!
ومما شجع صاحبي على الحديث عنه هو تواتر الرسائل العراقيه لواشنطن من أكثر من إتجاه ، من الرياض وأنقره وباريس وموسكو ومن بعض أبناء النظام السابقين ممن خرجوا عنه و صاروا يكتبون المقالات في الصحف السعوديه في الخارج محذرين الولايات المتحده من (عواقب وخيمه ) بأنتظارهم إن هم هاجموا صدام خصوصآ من ناحية الأسلحه الكيمياويه وقتال المدن.
ما المفاجأه في أن يقدم النظام على تقديم التنازلات وقد إعتاد وإعتدنا عليها كلما ضاقت به السبل؟
الجديد هذه المره أن النظام في كل تنازلاته السابقه وحتى في خيمة صفوان لم يعرض التنازل عن الحكم. فقد كان هذا بالنسبه له خط أحمر لا يقبل به نقاش أو مداخله وكان القعر الذي يتوقف عنده مسلسل التنازلات. ولكن ليس هذه المره!
لقد وصلت التنازلات التي عرضها النظام على ألولايات المتحده إلى (التخلي عن الحكم) مقابل توفير ضمانات بالأبقاء على حياته! وعدم تعريضه للمحاكمه بتهم جرائم الحرب! والسماح له بالحصول على اللجوء السياسي في أي بلد يقبل به ! ليتمتع بما بقي له من عمر بألأموال التي نهبها من جوع وحرمان الشعب العراقي.
لم يكن هذا التنازل الوحيد الذي قدمه صدام فقد سبقته سلسله من التنازلات بدءآ بتسليم أسلحة الدمار الشامل كلها و فتح أبواب العقود الأقتصاديه مع الولايات المتحده وتحجيم الجيش وإعطاء التسهيلات العسكريه للغرب! و ألأستثمار الكامل للنفط من قبل أمريكا وأخيرآ تنظيم ألأنتخابات الصوريه لأعطاءه الشرعيه، وإن لم يجدي ذلك فعليهم إيجاد مخرج له يحفظ (ماء وجهه) والقبول برحيله عن العراق إلى المنفى.!
ما الذي دفع صدام لهذا التنازل السخي الذي لم يعتد أحد عليه؟
صحيح أن صدام قد كبر وربما أحس بالتعب من المواجهات غير المنتهيه والعيش في ظل المؤامرات التي يحوكها وتحاك ضده أو تلك التي يتخيل وجودها عقله المريض. وربما ما عاد يثق بأن أولاده وخلفائه المنتظرين سيحترمون تقاعده خلف الستار ليدير اللعبه فهو أعلم بألأفاعي التي ربى.
ولكن الحقيقه ليست هذه أو تلك، الحقيقه أنه لمس خللآ في تركيبة الحكم ولمس بأن البعض من أركان حكمه وعائلته قد بدأ يحضر نفسه للهروب فهم ليسوا على إستعدادللموت في سبيل الطاغيه وكرامته أو كرسيه وهم قد سرقوا من ألأموال ما سرقوا ويريدون إستثمارها في دول أخرى والعيش بسعاده.
كما أن التقارير التي رفعت إليه من أجهزة إستخباراته أثبتت له بما لا يقبل الشك أن الأنفجار قادم وأن الشعب قد صار كالمرجل المكتوم وأن الشعب المترقب للفرصه القادمه يتوعد النظام بالثوره مع أول إطلاقه يطلقها الحلفاء أو ألأمريكان وأن رهانه على قتال المدن رهان خاسر وأن رهانه الآخر على إستخدام ألأسلحه من كيمياويه وبيولوجيه ضد القوات ألأمريكيه والشعب الثائر في خيار شمشوني هو رهان خاسر أيضآ لأن القيادات المرتبطه مباشرة به لن تقوم بإستعمال الأسلحه بنفسها وإنما من خلال سلسلة من المراجع قد تنتهي بضباط صغار لا يملكون ألمصلحه في إرتكاب جرائم حرب قد يدفعون ثمنها غاليآ وأن ألأرجح وألأسلم لهم ألأنضمام للشعب والجيش الثائر وإلقاء تبعة التبعيه لصدام من على كواهلهم والتمتع بمسامحة الشعب و إلتفافه.
كما أن أجهزة إستخباراته العسكريه قد رفعت له تقارير عن جدية النيات المبيته من قبل الشعب لأستغلال ما قد يحصل من فوضى نتيجة العمليات العسكريه لشن هجوم على مواقع الطاغيه وإشعال إنتفاضه أخرى بألأشتراك مع الشعب لخلع الطاغيه وكل نظامه.
من هنا جاء العرض الحاتمي الصدامي وليس حبآ بالشعب أو خوفآ على البلاد.
ولكن هل يمكن ألأطمئنان لوعود الطاغيه؟ والمهم هل تبتلع الولايات المتحده الطعم الذي ألقاه لها صدام؟ وما قصة الأشاعات التي عملت على نشرها السعوديه عن تراجع ألأمريكان عن وعودهم بخلع الطاغيه؟
هذا ما سأجيب عليه في الحلقه القادمه.
يتبع...
[email protected]