مصطو الياس الدنايي
الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 04:49
المحور:
حقوق الانسان
سؤالٌ جوابه واضح جداً ، إذ أن الأخبار التي تردنا من داخل الموصل و نتابعها عبر وسائل الإعلام المختلفة تشير و بلا شك أن مستقبل الأقليات بات في الخطر المحتوم ، فقد وصل عدد العائلات المسيحية الهاربة من الموصل إلى أطرافها إلى الألف حسب مصادر عراقية رسمية تحدثت عنها إذاعة بي بي سي البريطانية ، و سبقتهم بذلك العائلات من الديانة الأيزدية التي كانت تسكن في الموصل .. و هؤلاء تركوا منازلهم و ممتلكاتهم و محلاتهم و كل ما يخصهم في ديارهم هناك ، بعد أن أخذت الجماعات الإرهابية المنظمة بقتلهم و تهديدهم مع سبق الإصرار و الترصد و مع وجود حكومة عراقية في الموصل بكافة مؤسساتها الأمنية و العسكرية .
في البداية .. تكالبوا على أفراد الديانة الأيزدية و أخذوا يقتلون كل مَن يحمل في هويته عنوان ( الديانة : يزيدي ) ، بحجج مختلفة و منها حادثة مقتل الفتاة دعاء و كيف أنهم فبركوا قصتها ليملئوا أفكار الضعفاء بأن مسألتها دينية بحتة ، حتى قتلوا من الأيزدية الكثيرين و لعل حادثة عمال معمل نسيج الموصل و الضحايا من أهالي بعشيقة و بحزاني الذين سقطوا شهداء في تلك الحادثة كان دليلاً واضحا على بدء نهجهم التكفيري و العنصري في الموصل بالإضافة إلى فصل العديد من الموظفين من الوظائف التي كانوا يشغلونها في الموصل ، تخللها حوادث قتل متفرقة هنا و هناك في داخل مناطق الموصل و توابعها بحق الأيزديين ( الشرطي الذي كان يخدم هناك ، و الأشخاص الذي كانوا متواجدين في أحد المعارض ، حوادث القتل في البورصة و سوق المعاش .. إلى أخره من ضحايا الفتاوى الحاقدة على الإنسانية ) ، حتى ضربوا ضربتهم القاضية في مجمعي كرعزير و سيبا شيخ خدرى و حصدهم لأرواح مئات الأبرياء من أطفال و نساء و أهالي المجمَّعين .
كل هذا حدث بحق الأيزديين ، و في خضم ذلك كانوا يسلبون أرواح الأخوة المسيحيين أيضاً و أينما سنحت لهم الفرصة بذلك ، لكن ليس بذلك النحو المباشر الذي تعاملوا به مع الأيزديين ، و يبدو أن خططهم منظمة و مدروسة و ذلك بإفراغ الموصل و مناطقها من أبناء الأقليات الدينية و الذين هم الشعوب الأولى في توطين هذه المنطقة من العراق .. و لأنهم كانوا مخططين لما ذكرناه آنفا و بعد أن انتهوا من الأيزديين ، صعدوا من وتيرة اعتداءاتهم بحق المسيحيين و لعل حادثة قتل ( المطران رحو ) و استشهاده بأيدي هؤلاء الإرهابيين كانت أكبر دليل على نهجهم ذلك ، و قد سبق استشهاده .. استشهاد العديد من رجال الدين المسيحيين و الأفراد في الموصل ، بالإضافة إلى تعرض كنائس و أديرة للتفجيرات داخل الموصل .
و عندما صوَّتَ البرلمان العراقي ضد حق الأقليات في وطنهم العراق الذي كانوا له أفراداً و ضحوا في سبيله الغالي و النفيس على مرّ العقود و الأزمنة ( و في هذه الفقرة .. مجرد وصف المواطنين من أبناء الديانات الأقلية بالأقلية .. تجعلنا أن نشعر بالضعف و الأقل من الآخر .. فَكيف لو تم هضم حقوقنا القليلة تلك أيضا ) ، كانت فرصة إضافية أخرى لهؤلاء البهائم و الإرهابيين كي يصعدوا من مخططاتهم الخبيثة تجاه أبناء تلك الأقليات ، و في هذه المرة كان حصة المسيحيين الكبرى من مخططاتهم ، و حسب الأخبار الأخيرة المقروءة بوسائل الإعلام و النت .. أنه تم قتل أكثر من عشرة أشخاص منهم داخل الموصل خلال الايام الماضية و تفجير بعض المنازل ، مع توزيع منشورات في المناطق التي يقطنونها تفسر لهم بتهديد بحياتهم لو لم يغادروا الموصل ، و كما أشرنا في بداية موضوعنا ، فقد حصل فعلاً عملية هروب المسيحيين ( حسب الأخبار ) من الموصل إلى أطرافها .. إذا العملية المخططة و هي إفراغ الموصل من الأقليات الدينية غير المسلمة و هذا بالضبط شعار و أهداف إمارة الدولة الإسلامية في الموصل ، أن هذه الاحداث تعيدنا إلى الأزمنة البعيدة الماضية ، أما أن يسلموا أو يدفعون الجزية أو يهربون .
كل هذا حصل و ما زال يحصل .. و الشعارات التي كانت ترفع و تنادي بخطة فرض القانون و بعملية زئير الأسد و عملية أم الربيعين لتنظيف الموصل من الإرهابيين و أزلامهم .. و الجيش القادم لطمأنة المواطنين الموصلّيين بأن أيام الخوف ستَولِّي و كأنهم كانوا ينذرون الإرهابيين بأنهم آتون كي يأخذوا حذرهم .
الوطن .. الأرض .. التاريخ : كل تلك المسميات أصبحت أعداء للأقليات في العراق ، فالبرلمان المنتخب ديمقراطيا ضرب الأقليات بديمقراطيته ، و الإرهابيين القتلة يمارسون شعائرهم و طقوسهم المعتادة في القتل و التهديد و هم ماضُّون قُدماً ببناء إمارتهم المعلنة في الموصل و هذا ما نلمسه من توجهاتهم و أفعالهم ، فَعجبي من ساسة الحكومة .. يشعرون بحساسية موضوع الفدرالية التي ينادي بها إقليم كوردستان و لا يقلقون من أمر هؤلاء الطامحين بإمارة الدولة الإسلامية و ما تفعله بأبناء الأقليات غير المسلمة في الموصل !
إن سردنا للأوضاع في الموصل هو خير مثال لما يعيشه العراق و العراقيين اليوم و بالذات الأقليات ، و أخيراً .. أريد أن اذكّر فئة الأغلبية من العراقيين الذين أصبحوا اليوم عراقيين أكثر من الأيزدية و الصابئة و المسيحيين بأن الكابتن ( عمو بابا ) المدرب العراقي الأشهر ، مواطن من أبناء الديانة المسيحية و سجله في خدمة العراق مشرّف فَطالما أدخل الفرحة بقلوب العراقيين ، و طالما جعل حصة العراق الرياضية من الأوسمة الذهبية و البطولات الكبيرة .. هل للأغلبية القدرة بأن تفعل ما فعله عمو بابا ، و هل هؤلاء الإرهابيين أكثر استحقاقاً من أبناء ديانته و أقرانه بالعيش في الموصل و في العراق على وجه العموم ، و هل أنهم وطنيون أكثر من السيد مثال الآلوسي ( هذا الرجل الإنسانيّ ) !!! .. برأيي كَمواطن من الفئة 1000 و ليس من الدرجة الثانية أو الثالثة .. لو تم إلغاء وزارة حقوق الإنسان من منهاج الوزارات العراقية و وزعت مصاريفها على بقية الوزارات لَكان أفضل بكثير من توهمنا بوجود حقوق للإنسان العراقي في ظل المعطيات الآنية ، أو جعلها فقرة ، ليصوت عليها أعضاء البرلمان لصالحهم كما فعلوا عندما صوتوا من أجل زيادة رواتبهم و سمة الجواز الدبلوماسي التي تخصهم و عائلاتهم بالسفر المريح إلى دول العالم !!!
#مصطو_الياس_الدنايي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟