فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 09:35
المحور:
الادارة و الاقتصاد
من الصعب القول ان الاقتصاد الاردني لن يتأثر في الازمة الاقتصادية التي يشهدها النظام الرأسمالي, على الرغم من بعض التطمينات, صحيح ان نسبة استثمارات الاردنيين في اسواق المال العالمية متواضعة, الا ان ملكية غير الاردنيين في الشركات المساهمة الاردنية تشكل حوالي 50% من رأسمال هذه الشركات, وان حالة الفزع والذعر انتقلت سريعا لاسواق المال العربية, ان كل الاسباب متوفرة للعولمة الرأسمالية لتصدير ازمتها الى مختلف دول العالم وفي عدادها الاردن, خاصة وان شبح الازمة الاقتصادية يلف معظم الدول الرأسمالية, ومع اشتداد الازمة عشرات المؤسسات المالية اعلنت افلاسها لعدم الثقة بقدرة برنامج الانقاذ الامريكي في وقف الانهيار, والاقتصاد الرأسمالي داخل في دورة كساد قد تستغرق سنوات قبل الخروج منها, بدأت اثارها ملموسة بانخفاض معدلات الانتاج في المصانع العملاقة وفصل عشرات الالاف من العمال عن العمل, بعد اغلاق المؤسسات المالية, والمفاجأة التي تشكل صدمة حقيقية للامريكيين نبأ تبخر تريليونين من صناديق الادخار الاجتماعية نتيجة انهيار البورصات.
قد نشعر بالارتياح لانخفاض اسعار بعض السلع والمواد الاولية بسبب الكساد, الا ان هذا العنصر الايجابي في الازمة نتاج مرض اقتصادي وليس ناجما عن ظاهرة صحية, ونحن لسنا محصنين من عدوى هذا المرض لهشاشة اقتصادنا وضعفه من جهة, ولعولمة رأس المال من جهة اخرى, وخاصة في ظل مناخ اقتصادي عالمي لا يشكل حافزا لتقديم المنح والمساعدات للدول الفقيرة مما قد يحرمنا من بعض المساعدات الخارجية في السنوات القادمة. ان حزمة من الاجراءات الوقائية والضرورية في بلادنا سوف تسهم بتخفيف اثار هذه الازمة, خاصة وان الاقتصاد الاردني يعاني من تداعيات السياسة الليبرالية التي طبقت في السنوات الاخيرة, ومنها خصخصة مؤسسات للدولة كانت تدر دخلا للخزينة قبل التخلي عنها لصالح الرأسمال الاجنبي, اضافة الى السياسات الانكماشية التي طبقت بزيادة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة لتمويل الموازنة, وما رافقها من زيادة في النفقات العامة لا تتناسب مع نمو ايرادات الخزينة, الامر الذي ادى الى زيادة الاعتماد على الاقتراض لتمويل عجز الموازنة. هذه السياسات اضعفت قدرة الاقتصاد الوطني على المرونة في مواجهة الازمات, فالموازنة تعاني من عجز يفوق المليار ونصف المليار دينار, حوالي 25% من النفقات العامة, والميزان التجاري يعاني من عجز تجاوز الثلاث مليارات ونصفا خلال النصف الاول من العام الحالي, والمديونية مرتفعة على الرغم من استخدام عائدات التخاصية لتسديد ديون دول نادي باريس, والتضخم تجاوز كافة الخطوط الحمر »15%« خلال الاشهر الثمانية الماضية من العام الحالي, مما ادى الى تردي الاوضاع المعيشية للمواطنين بسبب تآكل الاجور الفعلية نتيجة الغلاء الفاحش.
منظرو الليبرالية الجديدة اداروا ظهرهم لها بعد فشلها في امريكا والعالم, والتغيير الذي يجري الحديث عنه في هذه الايام يفترض ان ينطلق من طرح سياسات اقتصادية جديدة لحماية الاقتصاد الوطني والمجتمع عامة من الازمة الاقتصادية, ويمكن تناول ابرز عناوين الاجراءات المطلوبة في هذه المرحلة.
1- تخفيض اسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية للاقتصاد الحقيقي لتمويل المشاريع الاستثمارية بما يتناسب مع الميل العام نحو انخفاض الفائدة عالميا, وتخفيضها على قروض الاسكان وفق الشروط التي كانت سائدة عند تعاقد العملاء مع المؤسسات المصرفية, حيث شهدت البلاد اقبالا واسعا على الاقتراض من ذوي الدخل المحدود بسبب انخفاض معدلات الفائدة التي تراوحت ما بين 5.5% و7.5%, قبل ان تصل الى حوالي 10% ما شكل عبئا ثقيلا على نفقات الاسرة واحتمالات عدم تمكن بعضها من الوفاء بالتزاماتها خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وحالة الركود الاقتصادي المتوقعة خلال المرحلة المقبلة, لذا لا بد من التدخل الحكومي لتصويب قرارات البنوك العشوائية وتجنيب البلاد ازمة مالية.
2- تعزيز وتطوير تكثيف الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية وشركات البورصة, ورفع نسبة التأمينات بما يتناسب مع حجم تعاملاتها في السوق المالي, وزيادة نسبة الاحتياط النقدي الالزامي, مع توفير الضمانات الكافية لحماية اموال المستثمرين والمودعين بشفافية عالية.
3- اتباع سياسة مالية تقوم على الاعتماد على الذات, بضبط النفقات العامة وطرح سياسة تقشفية في الدوائر والمؤسسات الحكومية, خاصة في مجال النفقات المظهرية والمكافآت والعقود الخيالية التي تبرمها الوزارات مع »المستشارين« والنفقات الرأسمالية التي لا تسهم في توليد الدخل وحصر هذه النفقات في مجالات تطوير القطاعات الصحية والتعليمية والبنية التحتية الضرورية جدا وتحريم الاقتراض لتمويل النفقات.
4- تصويب الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني بزيادة دور الاقتصاد الحقيقي المتمثل بالقطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية باستثمار الثروات الوطنية في البلاد, ومن المفيد التذكير ان من اهم اسباب الازمة الاقتصادية في النظام الرأسمالي انخفاض نسبة الاموال الموظفة في الاقتصاد الحقيقي التي لا تتجاوز الثلث وثلثي الاستثمارات في القطاعات الخدمية والمالية والمضاربات في البورصات.
5- تخفيف عبء المديونية والتخلي عن سياسة الاقتراض ووقف بيع سندات الخزينة لتمويل الانفاق الحكومي التي تمتص السيولة في الاسواق المحلية, وتسهم بزيادة الاعباء على الخزينة لتكلفتها المرتفعة.
6- تحقيق اصلاح ضريبي يسهم بزيادة ايرادات الخزينة من الضريبة المباشرة وتخفيض ضريبة المبيعات واستخدام السياسة الضريبية كاداة لتطوير القطاعات الانتاجية.
7- وقف سياسة الخصخصة ومحاولة انقاذ المؤسسات التي تم التخلي عنها لصالح الرأسمال الاجنبي. مع الغاء اي شكل من اشكال خصخصة قطاعات التعليم والصحة, ووقف محاولة تطبيق هذه السياسة في مستشفى الامير حمزة كنموذج لخصخصة القطاع الصحي.
8- اعادة الاعتبار الى وزارة التموين لمراقبة الاسعار وكسر احتكار السلع الرئيسية وحماية المستهلك من جشع التجار واستغلالهم واخضاع التجارة الخارجية للمصالح العليا للبلاد.
9- محاربة اشكال الفساد المالي والاداري كافة ومعاقبة الفاسدين, وتوفير الاليات المناسبة لتحقيق الشفافية.
10- من اجل تحقيق هذه الاهداف لا بد من تحقيق اصلاح سياسي, وهذا يتطلب اصدار قانون انتخابات جديد يعتمد على القائمة النسبية واجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة, وتطوير القوانين العامة المرتبطة بالحريات العامة وبناء دولة القانون والمؤسسات, وتوفير مناخ ملائم للتداول السلمي للسلطة تتحمل الحكومة مسؤولياتها كافة تجاه الوطن من خلال برنامجها المقر من قبل مجلس النواب المنتخب.
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟