|
- أية آفاق للعمل اليساري الموحد بالمغرب - ؟
فضاء الدار البيضاء للحوار اليساري
الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 09:34
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
فضاء البيضاء للحوار اليساري مناظرة مفتوحة حول " أية آفاق للعمل اليساري الموحد بالمغرب " ؟
مما لا شك فيه أن لدى جميع مناضلي ومناضلات اليسار ببلادنا أو على الأقل أغلبهم، إحساس عام بعدم الرضى على انحصار إشعاع تنظيمات اليسار في صفوف الجماهير الشعبية ، وفقدانها لعدة مواقع لها أهميتها في توسيع هذا الإشعاع، من بينها على سبيل الذكر لا الحصر ، الحقل الفكري والثقافي ، الشباب والمواقع الجامعية ، الحقل النقابي والمسألة الاجتماعية والنسائية .... وقد ترتب عن ذلك كتحصيل حاصل، هامشية تأثيره في السياسات العامة ببلادنا ، بل وفقدانه المبادرة السياسية ، على خلاف ما كان عليه الأمر في السابق . إلا أن هذا الإحساس بعدم الرضى ، لم يتطور بعد إلى وعي نظري وسياسي وبرنامجي وتنظيمي لدى المناضلين والمناضلات وعلى مستوى كافة هيئات أحزاب اليسار وأدائها العملي . من هذا المنطلق فإن فضاء البيضاء للحوار اليساري ، وعيا منه بهذا الواقع الذي يعتبر من أهم محفزات تأسيسه ، يضع على عاتقه خلق جسور التواصل ومناخ الحوار والإنصات المتبادل بين مختلف مكونات اليسار في المغرب في أفق إعادة بلورة وتحيين مشروعه الديمقراطي المجتمعي وتجاوز واقع تشرذمه على ضوء التحولات الجارية وطنيا وجهويا وكونيا . وفي هذا الصدد، يتم تنظيم هذه المناظرة التي سنعمل على أن تبقى مفتوحة لتلامس مختلف جوانب إشكالية تجديد اليسار وإعادة بنائه على أسس جديدة. واليوم نعطي الانطلاقة لهذه المناظرة المفتوحة بفتح النقاش حول قضايا وأسئلة تتعلق بالراهن السياسي ، بعد قرابة عشر سنوات من الممارسة السياسية المحكومة بدستور 1996 ، وما ترتب عن ذلك من تباين في التوجهات والمواقف بين مكونات اليسار ، وأيضا ما نتج عن هذه العشرية من تبخيس للعمل السياسي وأزمة السياسة . ووعيا منا أن قوة اليسار تكمن في وحدته النضالية، وهذا ما يطرح بالضرورة سؤال " أية آفاق للعمل اليساري الموحد بالمغرب " ؟ ، تتفرع عنه أسئلة على سبيل الاستئناس، من بينها : - ما هي دلالات التعدد الحاصل اليوم في الجسم اليساري المغربي؟ هل ذلك ناتج فقط عن اختلاف التجارب التاريخية وتباين المسالك التي مر منها لحد الآن، كل مكون من المكونات اليسارية؟ وهل للإصطدامات التي حصلت من قبل بين مناضلي هذه المكونات، في محطات تاريخية معينة، دور في تعميق هذه الاختلافات، و زرع الشقاق وفقدان الثقة والتوجس من الانفتاح على الآخر والتقوقع على الذات ؟ ( الموقف من المشاركة في الانتخابات ومن الاستحقاقات التشريعية، الصراعات التي عرفها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الخلافات بشأن الحركة النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل أو الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الموقف من التعديل الدستوري سنة 1996 ومن المشاركة في التجربة الحكومية، الموقف من القضية الوطنية، وكذلك من القضية القومية ومن مسألة الأمازيغية ومن المسألة الدينية ...ألخ) أم أن الأمر يتعلق فقط، بالمقاربات المتفاوتة التي يتبناها كل مكون حاليا، حول المرحلة السياسية الراهنة التي يمر منها المغرب ؟ (رفض المشاركة سواء في المؤسسات المنتخبة أو في المؤسسات التدبيرية، رفض المشاركة في المؤسسات التدبيرية مع قبول المشاركة في المؤسسات المنتخبة، قبول المشاركة في المؤسسات المنتخبة وفي المؤسسات التدبيرية ) - هل نحن لا نزال أمام نفس الأسئلة، التي سبق وأن انطلق منها اليسار في الستينات والسبعينات وإلى حدود التسعينات، لصياغة تصوراته وبرامجه السياسية، أم أن المعطيات قد تغيرت وأن هناك أسئلة جديدة، لا بد وأن يأخذها اليسار في اعتباره ليصوغ تصوراته حول المرحلة الراهنة؟ -إلى أي أحد استطاعت المكونات المختلفة لليسار فهم واستيعاب التحولات الكبرى التي حصلت على الصعيد الوطني أوالكوني، وإلى أي درجة نجحت في ترجمة ذلك من خلال برامجها وتصوراتها ؟
- ما هي الدلالات السياسية لانتخابات السابع من شتنبر 2007؟ هل يمكن أن نعتبر ذلك مؤشرا على نهاية مرحلة سياسية كان لليسار فيها دور مركزي في الحياة السياسية للبلاد، ومن ثم بداية مرحلة أخرى لن يبق له فيها غير دور هامشي أمام تصاعد قوى سياسية أخرى جديدة؟ - هل وجود اليسار هو معطى موضوعي وضروري في المجتمع، أم أن ذلك يبقى مرهونا فقط بمدى قدرته على الإجابة على الحاجيات الموضوعية لانتقال البلاد نحو الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية؟ - ألا يواجه اليسار حاليا خطر الاندثار نهائيا من الساحة، وأن يكون مصيره مشابها لما حدث لليسار في مجتمعات أخرى كتونس أو مصر أو تركيا؟
- هل ما زال اصطلاح " الانتقال الديمقراطي " يصلح كعنوان للمرحلة السياسية الراهنة ؟ وهل التفاوت الموجود حاليا على هذا المستوى قد يمنع من أن ينجح أي تقارب بين مكونات اليسار؟ - وهل التفاوت الحاصل بين مكونات اليسار، على مستوى التقدير السياسي للمرحلة قد يمنع من التنسيق وتطوير العمل المشترك على المستويات الأخرى، الثقافية منها مثلا أو الاجتماعية أو النقابية أو الشبابية.....؟ - هل لا زال اليسار مهددا بظاهرة الانشقاقات المتكررة التي عرفها في السابق، أم يكون قد حصل عند مناضليه وعي بالخطر الذي يمثله واقع البلقنة والتشتت على مصيره بمختلف مكوناته؟ - ما هي الدروس الإيجابية الممكن استخلاصها من التجارب الوحدوية الأخيرة التي وقعت داخل اليسار: اندماج عدد من المكونات في إطار الحزب الاشتراكي الموحد، اندماج الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الاتحاد الاشتراكي؟ - ألا يكون العمل بمبدأ التيارات الحزبية هو الحل الناجع لتدبير الاختلافات وسط اليسار، وتجنيبه خطر انشقاقات جديدة؟ - ما هو المصير المحتمل للتحالفات السياسية التي ينتظم في إطارها اليسار حاليا: الكتلة الديمقراطية، تجمع اليسار .... ألخ؟ وهل هناك صيغ أخرى ممكنة للتحالف والعمل المشترك بين مكوناته؟
- أخيرا هل يمكن أن يتقدم اليسار بمختلف مكوناته الحالية ، إلي تنظيم مناظرة عامة لليسار المغربي، لتطارح كل القضايا والتصارح بشأن كل العوائق التي تعرقل اليوم العمل الوحدوي بين أطرافه؟ .
هذه بعض الأسئلة التي سيساهم في الإجابة عنها مجموعة من الرفاق باختلاف مواقعهم وانتماءاتهم التنظيمية ، و كل أملنا في الفضاء أن يصبح هذا الهم حاضرا بقوة داخل كل مكونات اليسار المغربي. ومن جهتنا نعدكم أننا سنعمل على استمرار هذا التناظر وذلك بتحديد قضايا موضوعاتية تساهم في اكتساب الوعي المطابق والسديد ليسترد اليسار موقعه المبادر لتحقيق ونجاح الديمقراطية في بلادنا .
تقديم أحمد دابا نظم فضاء البيضاء للحوار اليساري يوم الخميس 25 شتنبر 2008، مناظرة مفتوحة قدم لها أرضية تضمنت عدة أسئلة، أسئلة بعضها يتعلق بالراهن السياسي، وبعضها الأخر يتعلق بوضعية اليسار المغربي وأفاق تطوره في سياق تحولات سياسية ومجتمعية بالغة السرعة. المناظرة المفتوحة انطلقت بجملة من المداخلات، والفضاء أكد أنه سيواصلها بتحديد موضوعات سيعلن عنها في حينه، ولأن الهدف كما تم التأكيد عليه في افتتاح هذه المناظرة هو تحويل قضايا الراهن السياسي وموقع اليسار ضمنه، إلي نقاش عمومي سأحاول من جهتي المساهمة في هذا النقاش من خلال هذه الورقة الأولية. سأكتفي في هذه الورقة بإثارة بعض القضايا المرتبطة بمحور الدلالات السياسية لانتخابات السابع من شتنبر، تطرح أرضية النقاش في هذا المستوي سؤالين جوهريين في نظري في سياق مناقشة دلالات هذه الانتخابات: هل يمكن أن نعتبر أن ذلك ـ المقصود هنا الدلالات السياسية لانتخابات السابع من شتنبر ، ونتائجها وما أشرت عليه من تحولات في المجتمع ـ مؤشرا علي نهاية مرحلة سياسية كان لليسار فيها دورا مركزي في الحياة السياسية للبلاد، ومن تم بداية مرحلة أخري لن يبق له فيها غير دور هامشي أمام تصاعد قوي سياسية أخري جديدة؟ السؤال الثاني: هل وجود اليسار معطي موضوعي وضروري في المجتمع، أم أن ذلك يبقي مرهونا فقط بمدي قدرته علي الإجابة علي الحاجيات الموضوعية لانتقال البلاد نحو الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية؟ إن هذين السؤالين، والسؤال الذي يليهم أي سؤال ألا يواجه اليسار حاليا خطر الاندثار، وأن يكون مصيره شابها لما حدث لليسار في تركيا ومصر وتونس إلي حد ما؟، هذين السؤالين ـ المرتبطين بمصير ومستقبل اليسار ـ لا يكتسيان مع ذلك أهمية خاصة في حد ذاتهما، وإنما يكتسبان أهميتهما من زاوية أن اليسار مهما للبلاد فقط بمدي قدرته علي المساهمة النوعية والحاسمة في انتقال بلدنا حقا وحقيقة للديمقراطية والحداثة. 1 ـ هل نحن بصدد نهاية مرحلة سياسية، وأن ما نعيشه اليوم هو بداية مرحلة سياسية جديدة؟ إذا كان المقصود بنهاية مرحلة سياسية، المرحلة التي أطرت بسقف دستور 1996، وما نتج عنها اليوم من نتائج سياسية، فإن الأمر كذلك علي الأقل من زاويتين: أ ـ لم تؤد الاختيارات السياسية الكبرى ـ بما فيها التصويت شبه الإجماع علي دستور 1996 ـ التي أطرت المرحلة إلي انتقال فعلي للمغرب نحو الديمقراطية علي العكس من ذلك عاد المغرب لنفس التحكم ولنفس الانغلاق الذي ميز تاريخيا الحقل السياسي، وهو ما يعني أن المغرب ضيع الفرصة التي توفرت له في بداية التسعينات. ـ إدا كان التناوب «التوافقي» قد تزامن مع مجموعة من المكاسب الذي تحققت فإن أهم تلك المكاسب تتعرض اليوم للإجهاز يكفي هنا أن نشير إلي: ـ التلكؤ في متابعة وتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وبروز انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان. ـ لم تؤد التطمينات والتنازلات السخية التي قدمت لبعض الأطراف المتن فذة خاصة في الجيش، وكذا لبعض المصالح من ذوي قطاع المال والتأمين إبان مرحلة التهيؤ للتناوب التوافقي، لتراجع جشع هؤلاء بل العكس هو الذي حصل، كما أدت أهم الإجراءات الاقتصادية إلي مزيد من الاحتكار، وإلي مزيد من الأرباح الخيالية للشركات العملاقة من جهة علي حساب الأجراء ومن جهة ثانية علي حساب المقاولات المتوسطة الصغيرة. ـ لم تتوقف آلية الإفساد والفساد والرشاوى الكبري، رغم الحديث السابق عن عدم الرغبة في متابعة وتعقب الساحرات ـ من غرائب الصدف اليوم أن يعيد عباس الفاسي رغم مرور عقد من الزمن عن التناوب التوافقي نفس الحديث ـ والذين لازالوا في فسادهم مستمرين. ب ـ أخيرا عبر أغلب المغاربة بهذا الشكل أو ذاك عن قلقهم وعن توجسهم وعدم ثقتهم في اللعبة السياسية كما هي جارية في بلادنا. موقع اليسار في الراهن السياسي: مما لا شك فيه أن اليسار بكل مكوناته يعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخه، لا حاجة هنا لأن نسرد تجليات هذه الأزمة فهي بادية للعيان وعلي أكثر من مستوي، لكن من الضروري ورفعا لكل التباس أن نؤكد أن أحد أسباب أزمة اليسار تكمن في المأزق الذي تجد البلاد نفسها فيه في نهاية كل الفرص التي توفرت للمغرب ليشق طريقه نحو الديمقراطية، يجد اليسار نفسه وهو الذي جرب كل أشكال النضال الممكنة في مواجهة مباشرة مع تحديات الأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر منها البلاد. إن هذا يعني أن الخروج من أزمة اليسار رهين وإلي حد كبير بمدي القدرة علي تقديم إجابات علي هذه الأزمة، إن الراهن السياسي يفرض علي اليسار: ـ تقيم شامل وموضوعي للمرحلة السياسية التي دخلها المغرب منذ بداية التسعينات. ـ إعادة بناء الخط السياسي لليسار علي أسس جديدة تتماشي مع مستجدات المرحلة السياسية الجديدة. إن هذين الإنجازين لا يمكن أن يتحققا من دون أن يعي اليسار أن قوته في قوة مكوناته مجتمعة، وان مستقبله رهين بمدي مساهمته في إخراج البلاد من مأزق انتقالها نحو الديمقراطية الحقة.
مداخلة مصطفي بوعزيز اخترت في تدخلي أن يكون تدخلا نقديا، ورغبتي أن لا أتدخل لصالح أحد ولكن أنتصر فقط للفكر النقدي. فنحن بحاجة في هذا الوسط اليساري إلى تعميم النقاش. مداخلتي ستتوزع بين شقين: الأول سيتم فيه التركيز على رؤو س أقلام حول مفاهيم وملاحظات لها علاقة بالوضع الراهن، والثاني لإعطاء مقترحات لتجاوز ما هو قائم. 1/ السمة الأولى التي أشير إليها في هذه الورقة: هامشية اليسار في الحقل السياسي المغربي كنتيجة لهامشيته في الحقل الثقافي. فإذا كانت هناك ثقافة يمكن أن نسميها يسارية فهي ثقافة هامشية في المجتمع. إن الثقافة الحاضرة والمهيمنة هي ثقافة محافظة، أما الثقافة اليسارية كجزء من الثقافة الحداثية الديمقراطية، هي ثقافة هامشية. وهذه الهامشية في ثقافتنا كيسار، ونحن نمارس السياسة، تؤدي إلى أننا نضيع البوصلة ونخرج من مركز الحقل السياسي ونسير نحو هامشه. و من أجل عودة اليسار إلى مركز الحقل السياسي، ذلك يتوقف أو يتطلب أن نعيده إلى مركز الحقل الثقافي. هذه خلاصة أولى. السمة الثانية، 2/ تباطؤ الفعل الاجتماعي من هذه الناحية يمكن أن نكتب عن الحركات الاجتماعية وعن عددها، ولكن ذلك لا يعبر عن النهوض، وإنما يعبر عن التدهور. وهذا التدهور أو التقهقر، إنما يعبر عن تطاحن اجتماعي، وهو ناتج عن بطء فك ارتباط الحقل الاجتماعي بالحقل السياسي. وأننا سنضيع مدة طويلة، حتى تتحرر المسألة الاجتماعية نسبيا بطيبعة الحال، من هيمنة السياسي. لأن هذا التحرر هو معطى من معطيات الحداثة. فما يميز المجتمعات الحداثية، هو فك الارتباط النسبي بين الحقول. أما التداخل العضوي، وهيمنة الحقل السياسي على كل الحقول الأخرى، فهو سمة للمجتمعات المحافظة، وهو يؤدي إلى تبعثر الفعل الاجتماعي. وهذا الوضع خلق لنا ما أسميه قلق في العمل الاجتماعي. وهذا القلق يعطينا التسابق والجدل ما بين المركزيات النقابية من جهة، وما بين التنسيقيات المختلفة التي تحاول أن تملأ الفراغ. وهذا يتم بطبيعة الحال في إطار نظام اجتماعي يمتاز بعلاقات زبونية أو بسيادة الزبونية. 3/السمة الثالثة، اتجاه الحقل السياسي نحو الإنغلاق، مع اتجاه الحقل الاجتماعي نحو توسيع فضاءات الاحتجاج في ظل هيمنة للزبونية، واتجاه الحقل الإقتصادي نحو مركزية المضاربة العقارية والمالية، والهشاشة أمام صدمات نظام الاقتصاد العالمي. ويجب أن لا تقع الغشاوة على أعيننا فيما يسمى بالأوراش الكبرى، التي قد يكون لها أثر ظرفي، ولكن في آخر المطاف ماذا نحصد منها ، وكم هي وخيمة نتائجها على الفوارق الطبقية؟ 4/السمة الرابعة انغلاق مكونات اليسار على نفسها عموما، وانسياقها وراء ديناميات سابقة مكبلة لإبداعها ولإشعاعها. والسبب في ذلك أن المبادرة والنهوض والصعود في بداية التسعينيات، كانت نتيجة لتلاقي حركتين: الحركة المطلبية من طرف المركزيات النقابية، والحركة الإصلاحية المطالبة بالإصلاح السياسي والمطالبة بالانتقال إلى الحداثة وإلى نظام ديمقراطي. التقاء هاتين الحركتين أعطت دينامية في المجتمع. لكن ابتداء من أواسط التسعينات، وبالخصوص منذ ما يسمى بتجربة التناوب ، بدأ فك الارتباط ما بين هاتين الحركتين، خصوصا بعد نكوص الحركة الإصلاحية التي عمليا فقدت بوصلتها. هذا هو ما يميز الوضع الراهن لليسار. الشق الثاني من المداخلة أقدم فيه مقترحات الكل يتذكر شعارنا السابق كيساريين وثوريين: " سوا اليوم سوا غدا الثورة ولا بد" هذا الشعار يعبر عن حتمية في تفكيرنا، وهو ما يعتبر إحدى المثبطات لفكرنا النقدي. فقد يكون الإصلاح، وقد تكون الثورة، وقد يكون الانتقال الديمقراطي، وقد لا يكون. فالأساس هو مرتبط بالفعل، بمدى إعطاء معنى معين للعمل الجماعي، بمدى التقاء الأفكار بحركة اجتماعية حاملة لهذه الأفكار. انطلاقا من هذه الاحتمالات والانشغالات، انتقلت كمناضل يساري كان يدافع عن الحتمية، من هذا الزمن الحتمي إلى الزمن الاحتمالي. هناك احتمالات، وأراهن على احتمال من بينها، وأعطي أو أوفر شروط للإحتمال الأحسن. وربما من الناحية الإحصائية، قد لا يكون هذا الاحتمال يتوفر على أكثر من 10 أو 15في المائة، من الحظوظ، لكنه مع ذلك قد ينجح، إذا ما نحن وفرنا له الشروط المناسبة. من هذه الشروط: 1/ المقترح الأول: أن نؤسس داخل اليسار، قناعة بتحالف استراتيجي على قاعدة مشروع مجتمعي واضح المعالم. وألخصه في مجتمع العلم والمواطنة. علما أننا بعيدين عن هذا المشروع سواء في برامجنا أوفي تصريحاتنا أوقناعاتنا الفكرية. ولا أتخيل أن يكون هناك وجود لليسار في المغرب، من دون أن يكون حاملا لهذا المشروع. لذلك فإن هذا التحالف الاستراتيجي، يتطلب أن نتجاوز خلافاتنا التنظيمية، أن نسمو عن تموقعاتنا السياسية الظرفية. قد يشارك فريق ولا يشارك فريق آخر في الحكومة، وقد يشارك فريق ولا يشارك فريق آخر في البرلمان. ولكن تحالفنا الاستراتيجي هو أن يكون قائما ومجسدا في الميدان. 2/ المقترح الثاني: أين يمكن أن نجسد هذا التحالف ميدانيا؟ يجب العمل على إعطاء معنى للحركة الاحتجاجية واسترجاع المبادرة في الحقل الاجتماعي بإيجاد صيغة عملية منتجة لتكوين التنسيقيات وللتنسيق فعليا بين المركزيات النقابية. وقد يكون هذا التنسيق سهل في الصياغة، لكنه بالتأكيد صعب في إعطاء برنامج عملي وأصعب في تنفيذه في الميدان. وهو ما يتطلب منا بذل جهد لتجاوز كل الجراحات السابقة، وكل الأحكام القيمية الراهنة، وكذلك كل المثاليات المختلفة. يجب المراهنة على ما يجمع، على ما يوحد، على ما يعطي معنى، وليس على الفئوية الضيقة أو النتيجة المباشرة. 3/ المقترح الثالث الاجتهاد لإرساء صيغة جديدة للفعل في الانتخابات المحلية المقبلة. وكأول امتحان في هذه المناسبة، أقدم مقترحا بسيطا: اختيار 10 نقط في المغرب كله، في البادية أو المدينة لتجريب الترشيح المشترك فيها. ، وأن نوجه كل جهودنا كيساريين، للعمل على الإطاحة برؤوس الفساد المعروفة يهذه النقط . و قد نعتمد في ذلك مسطرة بسيطة، وهي الاعتماد على الكفاءة وعلى الشفافية في اختيار المرشح المناسب، وتجاوز الجغرافيا الحزبية. ونعين لذلك الغرض لجنة للحكماء في كل نقطة. إن القيام بهذه التجربة الجديدة في 10 نقط فقط، هو تحدي وامتحان للذات. وإذا حققنا نتائج على هذا المستوى، سنكون قد تجاوزنا عدد من المعيقات الذاتية بالخصوص. 4/ المقترح الرابع إعداد طويل النفس، لخوض المعركة الثقافية ضد المحافظة بكل أشكالها، والعودة إلى مركز الحقل الثقافي المغربي. هذا عمل على المدى الطويل، و يتطلب تكثيف اللقاءات من هذا النوع. مع العلم أننا بقينا في هذا اللقاء، عند عطشنا لأننا علينا أن نتكلم بشكل مكثف وسريع، وربما سننفعل مع بعضنا ولن نعطي نتائج مفيدة. لذلك أقترح على الفضاء القيام يتنظيم ثنائيات، حيث المهم فيها هو المقابلات، لأن نقف عند ما يفرقنا وما يجمعنا. وبالتأكيد أن ما يفرقنا فيه الكثير من سوء التفاهم. ويجب توفير الوقت لنتطارح فيه، ورفع الغموض والالتباس. فالإلتباس في تجربتنا اليسارية سلبي، حيث كل ما ظهر الالتباس بيننا نسير إلى نمط من التعارض وإلى التقوقع. ولذلك فرفع الالتباس هو المرحلة الأولى للتفاهم. يجب توسيع مرحلة رفع الالتباس، وترك الجنين يتبلور حتى يولد بشكل سليم. كما يتطلب منا أن نقوم بتعميم ما نقوم به، وأن نستفيد من الصورة والإعلام. أن نفتح هذه الواجهة الإعلامية بشكل مشترك: مواقع الكترونية ومكتوبة مشتركة، ولماذا لا موقع إعلامي مشترك كإذاعة أو تلفزة، إذا توفرت الشروط لذلك. مع احترامنا بطبيعة الحال للتعددية والاختلاف. وبطبيعة الحال، أن ننتج في إطار هذا العمل الثقافي، خطابا سياسيا يساريا واضحا ومتميزا. قد نسير نحو عمل عميق من أجل صياغة دستور حداثي بالمغرب، يمر عبر محطات مختلفة، من ضمنها محاولات تطويرية في البداية،ثم صياغة تركيبية محكمة ثم حملة معرفية وتحسيسية .... هذه مجموعة من المقترحات وضعتها خارج الظرفية الراهنة، باستثناء المقترح المتعلق بالانتخابات المقبلة المتعلق فقط بإعطاء مثال عملي. بإمكاننا إذا توحدنا وإذا اجتهدنا في ذواتنا، أن نتجاوز معيقاتنا، فمقارعة اليقين باليقين لا تعطي غير الانحطاط. أما إذا بقينا على حالنا، فإنني أنصح نفسي أن أذهب لأكتب مذكراتي.
مداخلة عبد الهادي خيرات
هناك حاجة لتحديد بعض المفاهيم لأنه في كثير من الأحيان إما عند اليسار أو عند جزء منه ، لا فرق بين الصديق وبين الحليف وبين العدو ، إذ كثيرا ما يوضع البيض في سلة واحدة . الجانب الثاني الذي أريد أن أثيره في هذه المناسبة ، هو أنه في كثير من الأحيان ، اليسار لا تكون مواقفه مبنية على تحليل وفهم للواقع المعقد، بل في الغالب الأحيان تبنى على مواقف الآخر . الجانب الثالث وتتعلق بأزمة المجتمع وعلى مختلف المستويات من الأسرة إلى المؤسسات ...حيث ليس هناك مجال لم تشمله هذه الأزمة ، وهي ناتجة عن تحول المجتمع من مجتمع تقليدي إلى مجتمع شبه عصري أو شبه حديث ، وذلك بناء على تحولات مجتمعية داخلية ، وبناء أيضا على تحولات كونية، بعضها مرتبط بالتطورات التكنولوجية الهائلة وبعضها مرتبط بتأثيرات العولمة وغيرها من العوامل . إن هذه التحولات التي تمر في ظل فترة انتقالية ، تجعل البعض يؤدي فاتورتها ، والبعض الأخر يستفيد من هذه التحولات. إن اليسار ـ ومع كامل ـ لا يتوفر على دراسة وتشخيص لواقع هذه التحولات ، حيث البعض يحاول أن يجاري هذه التحولات ويحاول أن يوجد له موقع قدم ضمنها ، في حين البعض الآخر يعتبر مجاراة هذه التحولات، تنكرا للماضي ولما سبق. الجانب الآخر ويتعلق بتطرف البعض ، وهو في جانب منه نتيجة من نتائج هذا التحول نفسه . من خلال هذه الجوانب سأحاول أن أتطرق لبعض القضايا ومنها : - جانب متعلق بالديمقراطية. - جانب متعلق بالإصلاحات السياسية والدستورية . - جانب متعلق بالوحدة الترابية. إن الديمقراطية تأخذ عندنا عدة أبعاد ، فالبعض منا يرى أنها تحتاج لبعض التدرج ، البعض الآخر منا يعتبرها تابعة لأبعاد أهم وهو في ذلك لا يزال سجين أطروحات الماضي، المرتبطة بتجارب ما كان يعرف سابقا بالمعسكر الاشتراكي ، والتي كانت تعتبر الديمقراطية ثاوية في الأبعاد الأخرى ، ولم يتم النظر إلى الديمقراطية كصيغة حضارية تكونت في الغرب . إن الانهيارات التي حدثت في ما سمي سابقا بالمعسكر الاشتراكي أعادت للديمقراطية حيويتها ، وهي تفرض على اليسار اليوم نقاشا جديا . الإصلاحات السياسية والدستورية وفي ارتباطها بقضية الديمقراطية وما تطرحه من قضايا وما تفرزه من خلافات ، لايزال البعض يتحدث عن دستور ديمقراطي ، مفهوم هنا من حيث الشكل بإسناد مهمة وضعه للمجلس التأسيسي ، لنعود بذلك للنقاش الذي سبق أن طرحه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . إن اليسار اليوم مطروح عليه أن يعيد فتح النقاش حول ما نريده كإصلاحات سياسية ودستورية لا من زاوية البحث عن الحقيقة ، ولكن من زاوية الفاعلية السياسية ، أي من زاوية أن اليسار فاعل سياسي يتعاطى مع الواقع الملموس وبمختلف تعقيداته . الوحدة الترابية في هذا الجانب يتفق كل الفاعلين السياسيين في الكون كله ، أنه وقبل أن نبني نظاما ما أو نناقش شكله، لا بد أن ننطلق من وطن له مقومات وموجود في جغرافية وله حدود. أريد أن أثير كذلك قضية مهمة لها علاقة باليسار، إن اليسار كان يعيش في السابق نوعا من المد.. أعتقد أن الأمر كان طبيعيا ، ذلك أن المجتمع تعاطف مع اليسار كضحية من جهة لأنه كان مقموعا ، ومن جهة ثانية لأنه كانت له الشجاعة ليعبر عن مواقف. إن كسب هذا التعاطف اليوم غير ممكن بدون القدرة على الإتيان بمكاسب ملموسة للمواطنين، وبدون ما عبر عنه بوعزيز بثقافة القرب ، لذلك السياسة اليوم تحولت ولم تعد هي القدرة على المناورة ، بل هي القدرة على التعاطي مع هذا الواقع العنيد . جانب آخر ويتعلق بالتحولات التي مست العديد من المواقع ، ومنها الحركة النقابية ، اعتقادي اليوم أنه يجب أن نكون مع الصراعات الاجتماعية بغض النظر عن اللون النقابي. إن الواقع اليوم يقول إنه لا وجود لحركات نقابية قوية. إن ما يحدث اليوم من نضال اجتماعي تخوضه إطارات أخرى مثل تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار ...إن اليسار مطروح عليه اليوم أن يفتح نقاشا هادئا وعميقا حول الحركة النقابية ، نقاش بدون مزيدات ، لأنه في كثير من الأحيان هذه المزيدات كانت سببا في أن يضيع اليسار العديد من المواقع كالحركة الطلابية ، والنضال النقابي العمالي ... مطروح علينا اليوم أن نعيد بناء القطاعات ، والابتعاد في هذا الشأن عن المزايدات السابقة ، لقد كان في السابق مطروح علينا أن نواجه الرأسمال وأن نعادي الباطرونا ، اليوم مطروح علينا كيف نستقطب المستثمرين ونقوي من الاستثمار لإنعاش الشغل. إن اليسار بكامل الصراحة يجد نفسه في مواجهة أشياء جديدة وأسئلة جديدة فرضتها التحولات وفرضتها العولمة. إن الواقع يفرض علينا كيسار أن نفتح نقاشا جديا وهادئا حول ما نتفق عليه وما نختلف عليه ، علينا أن نستمع لبعضنا البعض لأنه في كثير من الأحيان المزايدات وعدم الإنصات المتبادل ضيع علينا الكثير. إن الواقع الحالي يؤدي باليسار إلى التهميش وسيزداد اليسار هامشية إن لم يلتقط هذه الفرصة ليوسع من دائرة الحوار . لليسار امتدادات مهمة أكثر بكثير ممن هم اليوم منخرطون بشكل مباشر في صفوفه، وهي تشكل قطبا مهما إلا أنها اليوم تعيش تآكلا حقيقيا ،و إذ لم نوقف في ما بيننا التنابز بالألقاب فلا أمل في أن نتطور .
مداخلة مصطفى ابراهمة
مساهمتي في هذه المناظرة التي ينظمها فضاء البيضاء للحوار اليساري أريد أن أطرح مضامينها لنناقشها بكل هدوء . إن اليسار اليوم يعيش أزمة هوية ، من هو وما هو اليسار اليوم ؟ ، إن النضال الديمقراطي يعيش أزمة قيادة ، من يقود النضال الديمقراطي ؟ وهل النضال الديمقراطي لا يزال مطروحا على اليسار المغربي ؟ كما سأسائل الأسئلة التي طرحها الفضاء ، ما دلالة التعدد الحاصل اليوم في الجسم اليساري ؟ وهل لهذا التعدد علاقة بالاختلافات الحاصلة في تقدير المرحلة السياسية الراهنة؟ أعتقد أن التشرذم الحاصل اليوم ، له علاقة بما هو تاريخي، له علاقة بالحزب الشيوعي والانشقاقات التي حصلت ، وله علاقة بميلاد اليسار الجديد الذي انتقد إصلاحية هؤلاء وطرح البديل الثوري ، ثم له علاقة بالانشقاقات التي عرفها الاتحاد الاشتراكي انشقاق حزب الطليعة، منتقدا الخط الانتخابي ثم الحزب الاشتراكي ، ثم التنظيمات اليسارية الناشئة من الجسم اليساري . هناك أيضا أسباب إيديولوجية ، لقد انتسبت الحركة اليسارية للشيوعية والاشتراكية ، وهناك اليوم من هو لا مع هذه ولا مع تلك ليتبنى الديمقراطية الاجتماعية ، هناك أيضا أسباب طبقية غيرت من المواقع الاجتماعية السابقة وتحول نتيجة ذلك العديد من أطر اليسار من أطر ذات رأسمال رمزي إلي أطر ذات رأسمال مالي وإلى مجال المقاولات ، ثم هناك سبب سياسي أغلب الانشقاقات ارتبطت بما هو سياسي وبالضبط جانب الخلاف بني على المسافة القائمة بين الحزب وبين السلطة ، وكذا التفاوتات التي تحصل في تقديرات المرحلة السياسية لقد برز اليسار الجديد لينتقد إصلاحية الاتحاد والتحرر والاشتراكية وليطرح البديل الثوري ، ومختلف الأحداث اللاحقة المتحكم فيها، كان هو المسافة الموجودة بين الحزب والسلطة. اليوم في تقديري نحن أمام ذاكرتين : ذاكرة تتشكل من الاتحاد ومن حزب التقدم والاشتراكية وجبهة القوي الاشتراكية والحزب العمالي وبعض الاشتراكيين بين هؤلاء وأولئك، والجامع بينها أنها باركت ما سمي بالتناوب التوافقي وانخرطت فيه وهي مستعدة اليوم للاستمرار في المشاركة في العمل الحكومي رغم التجربة التي نعرف اليوم جميعا نتائجها ، وهي تعتبر أن المرحلة هي مرحلة انتقال ديمقراطي . ذاكرة ثانية وتتشكل من اليسار الديمقراطي ويضم تجمع اليسار الديمقراطي ، وهو اليسار الذي يربط بين أوضاعه واستمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدهورة للشعب المغربي ، كنتيجة مباشرة لسياسة التناوب التوافقي التي دخلتها القوى الديمقراطية وفق عقد اذعان ، وبتوافق كان مشروطا بشروط المخزن ، وبالرغم من بعض المكاسب التي لا يمكن إنكارها فإن الحصيلة العامة كانت لصالح المخزن . ما هي الدلالات السياسية لانتخابات السابع من شتنبر ؟ أولا يجب الإشارة الى أن السابع من شتنبر هو عنوان لصناعة الخلط ولزراعة الوهم ، لأن الذي جرى في هذه الانتخابات هو أن 80 في المائة من المغاربة أكدوا أن هذه الانتخابات لا تشكل بالنسبة لهم رهانا ، وأن لا خير يرجى منها إذ في المغرب الحكومة لا تحكم ، والبرلمان لا يشرع ، والقضاء ليس سلطة دستورية ، والأحزاب ليست وسيلة للوصول للسلطة بل هي فقط لتأطيرالمواطنين ، وبالتالي الذي يحكم لا ينتخب والذي ينتخب لا يحكم ، مما يجعل اللعبة الديمقراطية متحكما فيها . إن النتيجة المباشرة لكل ذلك تظهر في تشابه البرامج الانتخابية للأحزاب ، وتظهر في ترشيح الأحزاب للأعيان وليس المناضلين ، النظام استطاع أن يغرق الحقل السياسي بالعديد من الأحزاب بحيث لم يعد في حاجة إلى التزوير كما في السابق ، إن ما يهمه اليوم ليس النتيجة وإنما المشاركة ، أريد أن أؤكد أيضا أن المرحلة السياسية الراهنة ما زالت تفرض النضال الديمقراطي مع الإشارة هنا الى أن القوى التي قادت هذا النضال في السابق قد فشلت ، وأن المطروح اليوم هو من سيقود هذا النضال وهو السؤال المطروح على اليسار المغربي . السؤال الثالث : هل يمكن لليسار في ظل الأوضاع السياسية الراهنة أن ينتقل لتنظيم مناظرة عامة للحوار اليساري ؟ أولا ما هي الأوضاع القائمة ؟ في نظري إن النظام يعيش أزمة سياسية عميقة، ذلك أن المسلسل السياسي كما جرى قد استنفد كل إمكاناته للتطور ، وأن النظام من الصعب عليه أن يحكم بنفس الطريقة ، باستثناء خرجات من نوع التخريجات الجارية حاليا بهدف تأسيس حزب الدولة ، والتي لن يكتب لها النجاح . فشل القوى الديمقراطية التي اندمجت في سياسة النظام ، ومشاركتها في حكومة طبقت برامج الحكم وليس برامجها ، الجانب الآخر في الأزمة هو غياب بديل لقيادة النضال الديمقراطي ممثلا في قيادة الطبقة العاملة وقوى يسارية من غير اليسار التقليدي ، إن النتيجة السياسية المباشرة لأزمة من هذا النوع أنها تقدم شيئين اثنين إما : انقلاب عسكري وهو ما ليس قائما في المغرب بحكم أن الحقل العسكري مؤطر ، لكن علينا أن نلاحظ المستجد القائم والمتمثل في انتفاضة المدن الهامشية والهامش عموما . ما هو المطلوب اليوم ؟ استراتيجيا، المطلوب من اليساريين والاشتراكيين هو العمل علي بناء الأداة السياسية وبناء التحالف الطبقي . مرحليا اللحظة تتطلب بناء قطب سياسي اجتماعي يلتف حول برنامج . سياسيا، مواجهة المافيا المخزنية والقيام بإصلاحات سياسية ودستورية من أجل نظام برلماني. اجتماعيا ، حماية المرفق العمومي والدفاع عن المدرسة العمومية . حقوقيا ، عدم الإفلات من العقاب اقتصاديا، محاربة اقتصاد الريع وحماية المكاسب الاجتماعية ، وهو البرنامج الذي بإمكانه أن يلف حوله القوى الديمقراطية واليسارية بعد أن تكون بعض هذه القوى قد قطعت مع تجربة المشاركة في الحكومة في ظل هذه الأوضاع .
مداخلة أحمد العراقي كما هو الشأن اليوم يستمر اليسار في التساؤل عن أفاق عمله ، إنه الذي يستوجب منطقيا توضيح موضوع الانشغالات بعلاقة مع الأهداف المتوخاة. في هذا السياق ،لا حاجة مبدئيا للحديث عن المقاصد والمقومات التي يمكن تلخيصها في التزام اليسار بالقيم العالمية المثلى من أجل المساهمة من مدخل اجتماعي في التنمية . فحتى وإن كانت المستجدات الوطنية والكونية تستدعي تحيين المشروع ، فإن إنجاز المهام يحظى بما يكفي من الضوابط الفكرية ، علي الأقل ، بالمقابل لا مفر لليسار المغربي من ترشيد استراتيجيات عمله التي تندرج حتى سنة 2008 في مقاربتين مرتبطتين بالعلاقة مع الحكم . المقاربة الأولي تتبناها المجموعة التي أقرت، خاصة منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، بالتشارك مع الحكم من أجل بناء صرح الديمقراطية ، تتشبث هذه المجموعة باختيارها بصفة متفاوتة قبلت بالتراضي والتوافق من أجل إنجاز الإصلاحات المؤسساتية تزعمت حكومة تناوب ، بقيت في الحكم حتى بعد تعيين وزير أول من خارج المنظمات السياسية سنة 2002 . المقاربة الثانية تتبناها المجموعة التي عارضت منذ البداية أو بعد أجرأة القرار الفارط ، رغم بعض محاولات التوحيد ، تبقى مواقف هذه المجموعة متشتتة وأحيانا متباينة بشأن نفس الموضوع ، أي العلاقة مع الحكم . وهكذا يتضح أن ورش أفاق عمل اليسار المغربي يشتمل علي استخلاص العبر من التجربة الماضية في تحيين مشروعه واستراتيجياته ، ولابد في هذا السياق من توصيف واقع الحال بصفة مندمجة . فمما لا شك فيه أن استحقاقات شتنبر 2007 تمثل حدثا بارزا في تشخيص الأوضاع ، فقد عبر الشعب المغربي عن سخطه علي المؤسسات الشكلية ، بالامتناع عن التصويت بنسب عالية ، حاول البعض ويحاول أن يحمل مسؤولية اللامبالاة للمنظمات السياسية وخاصة منها منظمات اليسار . لكن ذنب هذا الأخير يتلخص إما في استمراره في البحث عن التغيير من داخل أجهزة تفتقد اختصاصاتها ، وإما في انتقادات غير مؤثرة . أما من حيث جدوى رد الفعل الشعبي ، فلقد خلصت الأمور إلي جعل الهيئات التشريعية والتنفيذية في موقف ضعف لم يسبق له مثيل.. في نفس الوقت اكتسبت أجهزة الحكم الحقيقية مقومات استمرارها . لقد تجدد بعبارات أخرى الوضع السياسي المغربي من دون أن يتغير . بالموازاة مع ذلك يمر الوطن من مرحلة تتسم باتساع الفوارق المجالية والاجتماعية المؤسسة للمزيد من الإقصاء من جهة، وللمزيد من إتلاف الثروات الوطنية بالحواضر والقرى من جهة أخرى . ينضاف للسلبيات تأثير التغيرات المناخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية علي فئات متزايدة . يحصل كل ما ذكر بفعل سياسة تميزية مجالية واجتماعية قاومها اليسار إبان الحماية وبعدها ، إنها السياسة التي يدعمها حاضرا الاستسلام باسم الواقعية لإملاءات قوى عابرة للجنسيات . هكذا ومن دون أي تردد يحق التأكيد على أن حاجة الوطن لليسار حقيقية ، يبقي فقط استكشاف التكنولوجيات الكفيلة بخلق شروط مشروع وطني تنموي مشترك واقعي وقابل للتنفيذ وهو مبدئيا مشروع اليسار . ليس هناك أمام هذا الأخير في الحاضر بديل عن التحالف المرحلي بل التوحيد الاستراتيجي من أجل التأثير على الأحداث إنه الورش الذي يشتمل على أربعة رؤوس أقلام رئيسية : - التصالح مع الشعب عبر التعريف بالمقاصد والهوية أولا ، التجانس مع المقومات واعتماد الشفافية في ربط العلاقات مع الأطراف الأخرى ثانيا ، منح الأولوية لإصلاحات دستورية تؤسس لمحاسبة المؤسسات حسب اختصاصاتها ثالثا ، التعاطي مع المستجدات والاستحقاقات الظرفية بالواقعية الضرورية ضمن الاختيارات المذهبية رابعا . على اليسار المغربي بعبارة واحدة أن يتجنب السقوط في فخ «الحركة التأخرية«. عليه أكثر من أي وقت مضي أن يصنع فعله ، عليه مباشرة استبدال المؤخذات المتبادلة بمخطط عمل يأخذ بعين الاعتبار في جدولته وفي مضامينه وفي توزيع أدواره سبل رفع التحديات المطروحة، شريطة ترشيد الاستراتيجية. يحق بكامل الموضوعية في الخلاصة التأكيد على أن أفاق اليسار المغربي مشرقة,
مداخلة كمال لحبيب
ما الذي يعيق تطور اليسار في المغرب وتوسيع قاعدته الاجتماعية بالرغم من أنه الوحيد الكفيل بإعطاء أجوبة للأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر منها البلاد؟ ماهي العوائق أمام توحيد اليسار بالرغم من كل المحاولات والنداءات في اتجاه جمع الشتات؟ يمكن تلخيص هذه العوائق في ثلاث نقط: 1 ـ المستوى الفكري أو ما يطلق عليه بالهوية: الملاحظ هو أن اليسار لم يعد ينتج أفكارا وبدائل انطلاقا من التراث الكفاحي للشعوب، أفكار تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي شاهدها العالم بعد اندحار حائط برلين. ان اليسار إما انه اكتفى بإعادة كتابة الايديولوجية الماركسية وإعادة نشرها (كما وقع للقائمين على جريدة اليسار الموحد الذين نشروا البيان الشيوعي للرد على أطروحات سياسية داخل الحزب) وهذا أهون الشر في الحقيقة لأن ضعف الفكر والايديولوجية والبحث، فتح المجال واسعا لاختراق الاحزاب اليسارية بالفكر الليبرالي والفكر الديني والكل تحت غطاء شعارات شعبوية غير منسجمة مع الاختيارات السياسية المعلنة. إن هذا الغموض الفكري طبعا أدى الى تحاليل لا تمت الى الواقع بصلة وأنتج خطأ سياسيا واستراتيجية متضاربة وغير منسجمة: بالرغم من كون اليسار خرج من السرية وقبل العمل في ظل المشروعية الحالية، وبالتالي قبول الاحتكام الى القوانين الجاري بها العمل، وبالرغم من أنه دخل اللعبة الانتخابية وبحماس، فإنه لم يقطع مع خيارات أخرى وهذا لا يعني التقليل من أهمية الاستراتيجية الانتفاضية أو استراتيجية الكفاح المسلح وإنما يؤاخذ على اليسار وبالخصوص ما يطلق عليه باليسار الجذري هو عدم الانسجام السياسي: إن اختيار خط سياسي يستدعي الانسجام في هذا الخط: إن الانتقادات والشعارات التي يرفعها اليسار الجذري اليوم تستدعي منطقيا الاستعداد لخوض العنف الثوري وحرب العصابات والحرب الطويلة الامد. إن اليسار الجذري بالرغم من خيار العمل في إطار الشرعية الحالية (المشاركة في الانتخابات، بناء أوهام على التجذر الشعبي لليسار، الوجود في البرلمان، إيهام الرأي العام بأن اليسار سيفاجأ بنتائجه في الانتخابات، وجود اليسار في مؤسسات تنعت بأنها غير شرعية وغير دستورية). بالرغم من هذا كله ان اليسار لم يحدد بشكل واضح علاقته مع الدولة ومؤسساتها. إذا كان الاتحاد الاشتراكي قد انخرط في صيرورة الانتقال التوافقي، فـإنه أخطأ في حق الشعب المغربي إذ كان بوسعه ان يفرض انتقالا ديمقراطيا حقيقيا يؤسس لدولة الحق والقانون ولديمقراطية تعتمد دستورا يفصل بين السلط. أما اليسار الجذري، فإنه انزلق في فخ الصراعات الداخلية دون تحقيق أمرين: التوحيد على أسس تنظيمية جديدة والتوحيد على أساس خط سياسي واضح وأضاع الفرصة للتجذر في صفوف الجماهير وتقوية قاعدته. وطبعا اليسار يعيد مسؤولية فشله الى الدولة علما بان الحاكمين في المؤسسات لا يمكن ان يتخلوا عن مصالحهم وسلطتهم إلا على أساس ميزان قوى يفرض عليهم التنازل على حصص من سلطتهم، ناهيك عن ان العولمة تضع الدول الضعيفة تحت مراقبة وتوجيهات المؤسسات الدولية. التحالفات: طبعا بناء على الضعف الاول والثاني إن تدبير التحالفات عامل يساعد على تغيير ميزان القوى. إن المقاربة السياسية للعلاقة مع الدولة أدت الى إضعاف اليسار. إن بناء استراتيجية على أساس الخط الفاصل بين اليسار الحكومي واليسار غير الحكومي أدى الى تمزيق اليسار أكثر من تقويته، إذ تحالف اليسار الديمقراطي لم ينتج أي شيء يذكر في اتجاه تطور المسلسل الديمقراطي في البلاد. كما ان التحالف الثلاثي لم يعط أية نتيجة انتخابية تذكر، ناهيك عن نقط الضعف التي شابته باعتماد مرشحين تحوم حولهم عدة انتقادات. كما ان الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية لم يراعيا مصلحة البلاد ومصلحة الخيار اليساري وبقيا في موقفهما المتعالي والمهيمن دون استيعاب ان التحالف اليوم لا يمكن ان يكون لا مع اليمين الليبرالي ولا مع اليمين الديني. ضمنيا نرى أن البديل اليوم ينبني على هذه النقط الثلاث: ـ تعميق وتوضيح الفكر والهوية اليسارية علما بأن مرحلة الأوثان قد اندحرت: أوثان الزعامة، أوثان التنظيم المنغلق ولو تحت غطاء المركزية الديمقراطية، أوثان الفكر الواحد الحامل للحقيقة، وأوثان مفهوم الطليعة. إن على اليسار استخلاص الدروس من تجربة أمريكا اللاتينية، وبالخصوص تجربة البرازيل والتجربة الغنية للحركات الاجتماعية التي أوصلت لولا الى السلطة. ـ توضيح الخط السياسي بما ينسجم مع المرحلة السياسية التي تبقى مهامها هي تحقيق الديمقراطية وإرساء دولة الحق والقانون، أي دولة تحمي حقوق المستضعفين. دولة يحتكم الناس فيها الى عدالة مستقلة ونزيهة، دولة تضمن العيش للجميع في الكرامة ـ إعادة النظر في التحالفات وإعادة النظر في الثقافة الموروثة في مفهوم الطليعة وملك الحقيقة.
#فضاء_الدار_البيضاء_للحوار_اليساري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|