|
العنصرية وعرب الخليج الفارسي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 08:53
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
نقل تلفزيون بي بي سي العربي عن مسؤول إماراتي قوله علينا ألا نستغرب إذا ما رأينا وزيراً من أصل هندي في حكومتنا. (أي محذراً من العمالة الآسيوية المتنامية في دول الخليج الفارسي الذي أصبح على أرض الواقع خليجاً سيريلانكياً وهندياً وفيليبينياً وتشادياً وإثيوبياً وصومالياً وباكستانياً ونيبالياً وبنغالياً، ولكنه بالقطع لا يحمل أي طابع أو وجه عربي، هذا وعلى افتراض أن في العرب والعروبة أي شيء ذي قيمة يمكن الفخر به، أو التعويل والندم والأسف عليه).
وفي الحقيقة، فإن هذا الخبر ليس ذا قيمة البتة، إذا ما كنا نعرف الواقع بشكل جيد، أو إذا ما تعاملنا معه على قاعدة إن الخبر الصحفي المثير ليس هو إذا ما عض كلب رجلاً، ولكن إذا عض الرجل كلباً. وبناء عليه، فإن خبر الوزير الإماراتي، مع كامل الاحترام لشخصه الكريم، غير ذي قيمة من الناحية الخبرية والمهنية، من هذا المنطلق والأساس. لأن خبره، ولكي يكون صحيحاً وواقعياً وحقيقياً ينبغي أن يكون: "علينا ألا نستغرب إذا ما رأينا وزيراً من أصل عربي في حكوماتنا المستقبلية"، لأن الحكومات ستكون مستقبلاً ، وبمشيئة الله، ووفق مقدماتها المنطقية، وعن بكرة أبيها من الهنود والآسيويين الباقيين حصرياً. وسيصبح الأعراب، بعون الله، هم يهود التاريخ كما تنبأ بذلك مظفر النواب في رائعته الخالدة دندنات ليلية حين يقول:" سنصبح نحن يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى". المهم وما علينا، إنه اليوم أيضاً، وفي هذه اللحظة، سيكون خبراً مثيراً، ونصراً كبير للعرب والعروبة إذا ما وجدنا أحداً يكلمنا أو يفهم علينا باللغة العربية نفسها، في هذه المشيخات النفطية المتناثرة على رمال الخليج الفارسي، وليس مستقبلاً كما يتخوف المسؤول الأماراتي. فالمستقبل محسوم أمره منذ اللحظة، ومن ضرب ضرب، ومن هرب هرب، ولقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
فمشيخات الخليج الفارسي هذه، يسيطر عليها الآسيويون اليوم من الباب للمحراب، فقط، والفتى العربي فيها غريب اليد والوجه واللسان كما يقول المتنبي في "مغاني الشعب طيباً في المغاني كمنزلة الربيع من الزمان، ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان، هل من قبيل الصدف أن يتكلم المتنبي عن "الترجمان" هنا؟ وهناك أحياء كاملة من الآسيويين ليس فيها أي أثر لشيء عربي، أو ملمح من ملامح عروبتهم وكل الحمد والشكر لله. وهناك يولد اليوم، الجيل الرابع، أي الحفيد الرابع لبعض المهاجرين الآسيويين الذين دخلوا دول الخليج منذ قرابة السبعين عاماً، وانفجروا سكانياً وقد غيروا، وإلى الأبد من الطابع الديمغرافي لدول الخليج الفارسي. (يتظارف بعض الكتاب والمحللين الخلايجة والعرب بالقول أن الآسيويين هم قنبلة موقوتة في الخليج، غير مدركين، ويا سبحان الله، بأن هذه القنبلة قد انفجرت من زمن بعيد، وربما لم يسمعوا شيئاً من ضجيج وصخب ذاك الانفجار الديمغرافي المدوي الكبير). وفي بداية تسعينات القرن الماضي كنت في دبي، وذهلت لما شاهدت عيني، فقد كان الهنود هم الأغلبية الساحقة فيها، ويطلقون عليها، حتى اليوم، اسم بومباي، فماذا تبقى من عروبتهم التي يتغنون بها؟
ولقد أدت السياسات العنصرية لحكومات الخليج الفارسي في التعامل مع الوافدين والمهاجرين في هذه الكوارث الوطنية التي ستأتي، ولا بد، على السيادة والاستقلال الوطني لهذه الدول، كونه من المتعذر حالياً، السيطرة على الوضع المتفاقم، وكون هذه العمالة قد أصبحت ورقة بيد أكثر من جهة إقليمية ودولية ستستخدمها في وقت غير بعيد للحصول على تنازلات وإملاءات سياسية ضد هذه المشيخات ستصب في غير طواحين سيادتها واستقلالها الوطني. وظلت تلك الأقليات القبائلية تتعامل بنوع من الريبة والتوجس والتمييز مع الأجنبي والغريب منكرة عليه أي نوع من الحقوق والتعامل الإنساني، ورافضة الاعتراف بكينونته الإنسانية، إضافة إلى استخدام نظام الكفيل العنصري، الذي لم يطبق يوماً لا في ألمانيا الهتلرية، ولا في روما القديمة، أو في أشد الحقب ظلامية، وبدائية، وهمجية ويكاد يقترب كثيراً من ممارسة النخاسة وتجارة الرقيق بشكل شرعي. وإذا كان الخلايجة يظنون بأن كل تلك الممارسات الهمجية والعنصرية ستمضي هكذا ودون أثر، فهم ولا شك واهمون.
ومن وحي تجارب شخصية خاصة، فقد اتجه بعض من زملائنا في الدراسة والمهنة إلى الغرب الصهيوني والنصراني العلماني الكافر، والعياذ بالله، للعمل والإقامة، فيما غضب الله علينا، مع بعض من المغضوبين من أمثالنا المسكونين بخرافات وخرابيط وأوهام الأمة العربية الواحدة، ويممنا وجهنا شطر مشيخات الصحراء. وبعد انقضاء جل هذا العمر، اكتسبنا شيئاً واحداً وهو معايشة ومعرفة معنى التمييز والتفرقة العنصرية والإذلال على أرض الواقع. وذهب كل تعبنا وجهدنا هباء، وأدراج الرياح. وخرج كل من سافر من "العرب"( ولا تقرفوا)، من هناك بدون أية ضمانات مستقبلية وتقاعدية أو تأمينات من أي نوع كانت. فيما ينعم أترابنا في الغرب الكافر، اليوم، بجنسيات ترفع الرأس، ربما يحسدهم البعض عليها، وبضمانات اجتماعية وصحية وتعليمية وتقاعدية أبدية تقيهم شر الفاقة والعوز والشيخوخة، وبتأمينات ضد البطالة والمرض مع أطفالهم وأسرهم.
وأجدني مشفقاً جداً على هذا المسؤول الإماراتي الذي ما زال متفائلاً بأنه سيبقى للعرب أي كيان في الخليج العنصري مستقبلاً. فواقع الحال، وتجارب التاريخ، لا يبشران بأية ديمومة لأي أنموذج رث وظالم ومتخلف متغطرس وعنصري. وتتراكم اليوم في مختلف أرجاء مشيخات الخليج الفارسي عوامل انفجار اجتماعي وسياسي كبير لن يستطيع أحد التحكم به مستقبلاً، أو كبح جماحه. ونود أن نهمس في إذن ذلك المسؤول الخليجي بمعلومة جد بسيطة، وهي أن دولة كبرى وعظيمة كالولايات المتحدة قامت فقط على أكتاف المهاجرين والعمال الوافدين الذين يتمتع أحفادهم وأبناؤهم اليوم بميزات وحقوق ونمط حياة وامتيازات أخرى لا تتوفر حتى لمواطنين خليجيين، فيما ينافس أبناء أولئك المهاجرين اليوم على منصب الرئيس ذاته( أوباما من الجيل الثاني في الولايات المتحدة فقط). والتظاهرات وأعمال الشغب والانتفاضات العفوية التي خرجت في الإمارات والكويت مؤخراً، واستأثرت على اهتمام صحفي وإعلامي واسع، ما هي إلا رأس جبل الكبت الظاهر من المسألة، وبوادر أولى لذاك التسونامي الاجتماعي القادم الكبير، فالظلم والقهر والعنصرية والإذلال والتمييز وعدم المساواة بناء على العرق واللون والجنس والدين، لا يمكن أن تفضي، البتة، إلى أي نوع من الاستقرار المجتمعي.
وأخيراً، فنصيحتنا للمسؤول الإماراتي، أن يخفف قليلاً من تفاؤله، فالصورة أشد سوداوية، وقتامة، ومأساوية مما يظهر، ومما يتبدى ويتراءى له حتى الآن، ومع عدم شكنا بقدراته البصرية، على الإطلاق. فلو رأي مستقبلاً ناطور بناية عربياً هناك، " فليأتي ويواجهني". لإن ذلك سيكون، وبمطلق الأحوال، مكسباً كبيراً للعرب، وللعروبة والإسلام، وإن غداً لناظره قريب.
ألا بئس وساء ما يحكمون. ومن يزرع الريح، لن يحصد إلا العواصف والأنواء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الرزاق عيد: ويل للعقلانيين!!!
-
عار السعودية الأبدي
-
سحقاً للقتلة والجبناء
-
القرضاوي وهشاشة الفكر الديني
-
السّعُوديّة أولاً!!!
-
حروب الشيوخ الكارتونية
-
لا لأي تدخل سوري في لبنان
-
عقلانية العرب: عبد الرزاق عيد أنموذجاً
-
تصريحات جنبلاط وإعلان دمشق للتغيير الديمغرافي
-
لماذا صوم رمضان فقط؟
-
مهند ونور، وهشام وسوزان
-
11/9 جديدة: اللهم شماتة
-
المعارضة السورية وسياسة التضليل
-
هل يكرهوننا حقاً؟
-
هل انتهت مغامرة خدام؟
-
لماذا سيخافون من الإسلام والمسلمين؟
-
الحقيقة وطلاب الحقيقة في سوريا
-
لبنان الكرامة والشعب العنيد: عذراً فيروز ومعذرة
-
العرب وغربة الأولمبياد
-
مذهب زغْلول النجّار
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|