أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين النصير - لنقرأ ماركس















المزيد.....


لنقرأ ماركس


ياسين النصير

الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 09:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


1
من أجل عراق جديد، علينا كتقدميين أن نقرأ ماركس من جديد، فبعد غياب الإتحاد السوفيتي الذي كان يعتبر الحصن المتحقق للماركسية وجوداً وفكراً على أرض الواقع، ظهر أن إنهيار التجربة كان بسبب أنهم فهموا ماركس على أساس أنه نظرية فقط، وأنه ضد الحداثة، في حين يبرز ماركس مثقفاً وطليعياً وحداثوياً وليس مجرد كتلة من النظريات يجري تطبيقه، أو الحوار حولها. علينا ان نقرأ ماركس بوصفه يمتلك مشروعاً حداثوياً يكون صالحاً للعديد من حركات التحرر في العالم ومن بينها حركات التقدم في العراق عندما تكتشف فيه تصوراتها عن الحداثة والتقدم، إن ماركس مرونة فكرية دائمة الحضور في كل منعطفات التاريخ. ومن هنا على الشيوعيين العراقيين – وهم الذين يمتلكون تصوراً عن تحديث المحتمع أفضل من غيرهم- أن يقرأوا ماركس المستقبل، لا ماركس النظرية المغلقة على تجربة معينة. ماركس الحوار لا ماركس الأرثدوكسية والسلفية. وكنا غير مصدقين سقوط تجربة استمرت 70 عام، لكن الوقائع تقول أن القِدْرَ كان يمور بالتدمير الذاتي ، إما ما أعقب سقوط التجربة السوفيتية فهو نوع من الحكايات التي نقرأها في القصص القديمة، ثم تبين لاحقاً أننا لم ندرك أن معنى ومفهوم الماركسية ليس في المتحقق منها واقعيا فقطً، بل بما تختزنه من تجارب لم تظهربعد، فالبيان الشيوعي الذي يشكل عصب المنظومة الفكرية للماركسية، يحمل نوى التحديث والتدمير للطبقة البرجوازية وللطبقة العمالية معاً عندما تتحول الطبقتان إلى بنى صيانية تتغافل عن دورقوى التدمير الداخلية فيهما. وهذا ما حدث في الإتحاد السوفيتي سابقا وما يحدث في الأحزاب الشيوعية العربية حاليا، علينا أن ننتبه إن عدم فهم الماركسية جيداً هوتدمير للماركسية أيضاً، ويبدو أن تجارب بعض الأحزاب الشيوعية العربية تدل على قصور فهمها لجدلية ماركس المرنة، وبقيت حبيسة عداء مبطن لقوى التحديث حتى لو جاءت من الأحزاب الشيوعية نفسها فكيف إذا جاءت هذه الحداثة من البرجوازية والرأسمالية؟. نحن هنا بصدد قراءة محلية وأولية للماركسية في أبعادها العراقية، لا لننزع عنها الصفة الأممية، وإنما لحاجتنا إلى أن لا نكون متخلفين عن أفكارها المتجددة، حاجتنا لتعميق الحوار مع أنفسنا قبل أن نحاور أعداءنا، فالتطورات المنهجية الجديدة في العالم لا تقول برفض الماركسية كطريق حديث للتطور وتغيير المجتمعاًت، بل تؤكدها ولكن مع انفتاح على تجارب لم تكون يوما ضمن محاور الماركسية للحوار خاصة وأنها نشأت في مجتمعاًت صناعية وفي منتصف القرن التاسع عشر وأقامت صرحها على حركات تنوير وكتابات سياسية وقومية واقتصادية مختلفة تمتد لقرون سابقة عما يمكن أن يكون عليه اليوم في العالم.
2
الموقف الفكري لدى ماركس هو أنه كان يرى الطبقة العاملة بالعين نفسها التي يرى فيها الطبقة البرجوازية، قد يبدو الأمرغريباً، إن ماركس يحترم الطبقتين العمالية والبرجوازية معاً، ويقدرهما ويتبنى مشروعاتهما معاً من أجل أن يستحضرهما سوية على مسرح الأحداث ليتصارعا إمام الجمهور، وعلى مسرح الأحداث المباشر والواقعي يمكن تفهم مبادئ النص الفكري للمسيرة التاريخية لكليهما، فالعملية جدلية لا يمكنها أن تسير على كتف واحدة. فكلتا الطبقتين يضعهما ماركس في معيار النقد، ومن الخطأ أن نفهم ماركس من أنه معاد للبرجوازية لأنه بروليتاري، بل أن فهمه الجدلي لها هو إنتصار للطبقة العاملة، يقول في البيان الشيوعي" لقد لعبت البرجوازية في التاريخ دوراً ثورياً للغاية(....) فالبرجوازيون هم أول من أظهروا ما يستطيع نشاط الإنسان أن يحققه" ويقول" إن البرجوازية هي الأداة من حيث فعاليتها الإقتصادية التي تحدث التغييرات الكبرى" ويقول" حطمت " البرجوازية دونما رأفة الصلات المزخرفة التي كانت في عهد الإقطاعية التي تربط الإنسان بـ "سادته الطبيعيين" و " انتزعت البرجوازية عن الأعمال التي كانت تعتبر إلى ذلك العهد مقدسة ومحترمة، كل بهائها وقدسيتها" ولكنه ينتقدها عندما تتحول البرجوزازية إلى قوى ظالمة " ولم تبق على صلة بين الإنسان والإنسان إلا صلة المصلحة الجافة والدفع الجاف- عداً ونقداً- و" أغرقت الحمية الدينية وحماسة الفرسان ورقة البرجوازية المنافقة في مياه الحساب الجليدية المشبعة بالآنانية..." و" مزقت البرجوازية الحجاب العاطفي الذي كان مسدلاً على العلاقات العائلية وأحالتها إلى علاقات مالية صرفة" و" استعاضت البرجوازية عن الإستثمار المقنّع بالأوهام الدينية والسياسية باستثمار مكشوف: شائن، مباشر، فضيع" هذه الأفكار وغيرها تتحول عند ماركس إلى نشاط وعمل للمواصلة والتغيير، يعني هذا أن التطور النضالي لايقتصرعلى ألمانيا وأنكلترا في القرن التاسع عشر، وهما ميدان صراع الطبقتين، بل على العالم كله عندما تتوفر ظروف الصراع حتى ولو بعد حين. وهذه الديمومة تفيدنا نحن في الشرق والعراق في هذه السنوات على وجه الخصوص، في قلب هذه المعادلة عندما تسخر موارد الدولة للقدسيات التي يجب أن تكون محل نقد لا محل تقديس، أن ما يحدث في العراق لا يحكم بمقولات ما حدث في ألمانيا في القرن التاسع عشر، بل بما تنفتح عليه التجربة الحالية من تجديد ومن عوامل غير معروفة حتى في البيان الماركسي نفسه، فالدين كان ثورة متقدمة على العبودية والمشاعية والجهل، لكن الدين لا يمكن أن يكون مستمرا بالعقلية والنصوص نفسها. الماركسية ليست نصية جامدة بل تجربة حياتية تخلق نصوصها المرتبطة بنقد الواقع ومظاهره السياسية والفكرية والعملية، وفي الوقت نفسه لا تعادي الدين إلا عندما يكون الدين عائقا إمام التطور والتقدم والعلم. فالماركسية لا تبني بيتها في فراغ فكري، وإنما تقيمه على التجربة الواقعية المشتركة بينها و عدد من التنظيمات، وعلى العمل المشترك معها، وعلى آلية التغيير المستمر للخطاب الفكري المهيمن على المرحلة، كي تنقل هذا الخطاب من حال الأسئلة إلى الأجوبة. كان لابد للماركسية من أساس مادي للتطور هذا ما فكر به ماركس، وهذا الأساس كان ومايزال بيد البرجوازية، من هنا يمتدح ماركس البرجوازية عندما تبني مشروعات لخدمة الناس ولتطور التقنيات ولزيادة عديد الطبقة العاملة، وينتقدها بوضوح عندما تتحول إلى قوى تعمية مستغلة كل ما في التراث والتاريخ القومي لصالح مشروعها. أن فهم ماركس للبرجوازية وتحليله لنشأتها ونشاطها ودورها التنويري وطرق عملها هو ما يشكل مفهومه لتدميرها أيضاً، وذلك بتشخيص عوامل تخلفها عن المشروع الحداثوي المرتبط بقوى التحديث. ولذا فالماركسية ضد الحداثة العدمية تلك التي تسحق الإرادات لمجرد أنها تريد أن تنتج أكثر وتستغل أكثر، وتفتح أسواقاً جديدة لتقضي على الإنتاج القومي المحلي، وتهيمن على ثروات البلدان المحتلة، وتنشئ طبقات مرتزقة جديدة كي لا تقف ضد ظمأها التوسعي، لذلك، لا برجوازية بثوب واحد بل برجوازيات متلونة وبأثواب جديدة تنشأ مع حاجة المجتمعات للحداثة المنفتحة، كي تحرر الثقافة من سلطة الطبقات المتحكمة التي تقف عائقاً إمام التجريب،علينا أن نفهم الآلية الجديدة التي تفكر بها القوى البرجوازية. ونجد دائما أن الخروقات والإنزياحات في الأساليب الفنية والأدبية والسياسية تحدث في الفترات التي يكون الفكر فيها منفتحاً على الصراع، الماركسية تجربة منفتحة على الصراعات، ولذلك، لا تقف ضد التحديث والتجريب حتى لو كان مغايراً في أول خطواته لمنهجيتها. لا ماركسية بطروحات جامدة، كما لا يمكن استعارة مقولاتها القديمة في مجتمع يُحدث نفسه باستمرار.

ترسم الماركسية لنا الخطوط العامة التي في ضوئها يمكن أن نشخص أشكال أخرى من البرجوازية المعاصرة، ومن بينها الشكل الهجين الذي ينمو كالسرطان في المجتمع العراقي. ومن يتتبع مسار الطبقة الوسطى العراقية والكيفية التي قضي عليها في زمن صدام وفي هذه الفترة، يجدها تجربة فكرية قائمة بذاتها، فقد ألغى صدام حسين الطبقة الوسطى العراقية بقرارات فوقية عندما دمجها بالعسكر والحزب وضيع خصوصيتها القومية والتجارية والإستثمارية ومشاريعها الخاصة، ثم أنها وجدت نفسها في الفترة الحالية ضمن تصورات دينية طائفية ضيعت فيها خطوطها الوطنية، هذه التجربة يعيد تصورها ماركس بطريقة أكثر جذرية وذلك عن طريق الكشف عن آلياتها المضمرة في مشروعاتها المتخلفة والمرتبطة بثقافة الأموات. ولكن هذا التصور النقدي لن يقوم به الفكر البرجوازي الجديد الذي نشأ في أحضان الدين والطائفة والقومية، بل يعيد تصوره ويكشف آلياته الحزب الشيوعي نفسه بعد أن يتحرر من أية قيود تشده إلى ممثلي هذه البرجوازية الهجينة.. إن التشخيص العلمي لقوى البرجوازية العراقية الهجينة يسهم في إنضاج التدمير الدرامي لها، إنه يعريها ويكشف عن مشروعاتها التافهة، وعن خططها النهبوية إمام الجمهور المتلهف لأن يحصل على جزء من ثروات بلاده، ولذلك، نجد ماركس يمجد عمل البرجوازية ويستطيب لكشوفاتها العلمية والفكرية ولتوظيفها للرأسمال في مشاريع خدمية وصناعية، كي تُنهض بدورها الطبقة العاملة، بل ويسعى ضمن تصوره المنهجي إلى أن تكون الطبقة العاملة وممثليها في صدارة من ينبهون المجتمع إلى مخاطر إنهيار البرجوازية كي لا تدمر الطبقة العاملة. فما يحدث في مجتمعنا الآن هو أن البرجوازية الدينية تسعى لتطوير مشروعات نهضوية تسهم في العمل ولكنها من جهة آخرى تستثمر واردات الدولة وثرواتها الطبيعية لمشاريعها النهبوية الصغيرة التي تحولت بخمس سنوات إلى ثروات طائلة. هذه ليست برجوازية مشاريع تنموية وصاحبة فكر نهضوي كما كانت في القرن التاسع عشر والعشرين، بل هي قوى طفيلية قامت على أنقاض الطبقة الوسطى وأفكارها التنويرية، لذلك، لا يمكن التحالف معها في أي مشروع حداثوي لصالح الطبقات العراقية الفقيرة، فمشروعها ليس لكسب الأموال فقط، بل لتمكين نفسها من الإستمرار بالنهب تحت غطاء البناء والأعمار والحقيقة أننا بعد خمس سنوات لا نجد إعمارا ولا بناء يوازي حاجات المجتمع ويتناسب وثرواته الهائلة.. ولذلك تجدد التيارات الدينية نفسها - لما تملكه من مساحة مناورة واسعة- كلما حاصرتها أسئلة الناس، حيث يمكنها أن تتحول بين يوم وليلة من الطائفية إلى الوطنية بقرارات فوقية، وأن تدعو إلى الإصطفاف مع قوى التقدم لمجرد أن البساط بدأ يتململ تحت أقدامها، وفي الوقت نفسه يمكنها تعيد تكوينها وبنية إيديولوجيتها مع ما يشابهها من دول الجوار،ولا بأس في أحيان كثيرة أن تجد وهي في مرحلة ضاجة بالمحتلات نفسها في أحضان الرأسمالية الدولية لمساندة مشروعها التدميري. هذا التغيير المستمر هو من طبيعة البرجوازية الدينية العراقية الجديدة، التي تفضل مصالحها الخاصة على المصلحة الوطنية.. لكن هذه الجدلية النفعية هي التي ستدمرها وستدمر لاحقا مفهوم الوطنية العراقية، وهو ما يجب أن تنتبه إليه القوى الوطنية الآن، فقد تسهم القوى الوطنية، وهي تساند تصورات البرجوازية الدينية ، – كما فعلت براقش- بتدمير نفسها.

2

يتفهم ماركس دورالبرجوازية في بناء المجتمعاًت الحديثة وقوتها الإقتصادية ويمجد توظيفها للعلوم وبناء المصانع والمختبرات لمشاريعها، وهذا دليل انفتاح على حقيقة أن العمال لا يملكون من الرأسمال غير جهدهم، وعلينا أن نفهم لولا كشوفات البرجوازية وقواها المعرفية والمادية لن تستطيع البروليتاريا العمل، ومن هنا فالبرجوازية ومشاريعها التصنيعية والعملية تشكل أساس الثروة التقنية والمادية والثقافية، ولذلك، على الماركسيين أن يكونوا أكثر عقلانية عندما يجددون تفكيرهم المعاصر من أنهم ليسوا غرباء عن الأتمته والتطور، ولكن الخطأ أن يجعلوا هذا التطور بيد الدولة لوحدها، أوعلى كاهل القطاع العام فقط، في حين أن قطاعات كبيرة من الشعب بإمكانها أن تقدم تصورات مالية وعملية للتقدم توازي جهود القطاع العام.

شخصيا أتمنى على المثقفين العراقيين أن يقرأوا ماركس كاملاً، لن تكون قراءة ماركس وفق الرؤية السوفيتية، أوقراءة ماركس وفق الرؤية الصينية، أو قراءة ماركس وفق الرؤية للأحزاب الشيوعية الأوروبية فقط، ، بل نريد أن نقرأ ماركس وفق الرؤية الشرقية، ومنها على وجه الخصوصية الرؤية العراقية. وهذا من حقنا بعد أن قرأت الشعوب ماركس وفق هويتها؛ الصين قرأت ماركس وفق متطلباتها البشرية والتقنية والقومية، اليابان قرأت ماركس، فوجدت فيه الأتمتة والهوية الوطنية فأنهضت قواها الذاتية، المانيا قرأت ماركس فوجدت فيه التصنيع والعلوم والتقنية والأسواق وطرق التجارة والفكر والحضارة، أميركا قرأت ماركس فاقامت فلسفتها على السوق المنفتحة، فرنسا قرأت ماركس ففتحت جامعاتها للتيارات الحديثة وهكذا، ولكنني أشك في أننا قرأنا ماركس عربيا أو عراقياً، بل سمعنا به، وتقبلنا أن نكون من تبعيته على طريقة أننا ولدنا على مذهب آبائنا، هكذا انتمينا للماركسية على أساس ما سمعنا عنها من نجاحات فكرية ومنهجية في العالم، لا وفق ما قرأناه فيها، وفهمنا طريقتها والكيفية التي نفسر بها التاريخ وأنفسنا وواقعنا والطريق الذي علينا سلوكه في بلداننا. ومن هنا، أوجه دعوة لقراءة ماركس مجدداً، شرط أن تتوفر ترجمات كاملة له، ومعتمدة، فما ظهر من ترجمات إما ناقصة أو محرفة أو ذات توجه إيديولوجي أو أن المترجمين غير كفوئين لها غير دقيقة. وأن تعقد ندوات خاصة وعامة لتدارس فكر ماركس الذي يهيمن على تفكير ملايين الناس، وأن نعمم المحاورة والنقاش حول طروحاته، ونتعامل معها كنص مفتوح وليس نصاً مغلقاً لا يجوز التقرب منه. إن المحأورة مع ماركس برفض طروحاته، أو قبولها هي طريقة ماركسية، نحن بحاجة إليها كعراقيين لقراءة واقعنا، وماقراءات الفلاسفة والمفكرين الغربيين لماركس، قبل وبعد إنهيارالإتحاد السوفيتي إلامن قبيل فهم آليات التطورالحديثة للمجتمعات الغربية. فنراهم وهم يحللون رؤاه وأفكاره وتصوراته، يبنون مجتعهم والفكر وأسس الفلسفة بناء حديثاً. قرأ ليفي شترأوس ماركس فوجد أن الثقافة ليست كلها بنية فوقية، وإنما جزء من مكوناتها هي بنية تحيتة خاصة مكونها الإنثروبولوجي، وقرأ ماركوز ماركس فكون نظرته الكونية في تكوين الحضارة، فكان مؤلفه "ايروس والحضارة" نقطة تحول في الفلسفة، وقرأ فوكو ماركس فوجد فيه تصوراًت جديدة عن الحداثة وأن الماركسية ليست عدوة للحداثة إلا في جانبها العدمي، ومن قبل قُرئ ماركس من قبل جمع كبيرمن المفكرين والفلاسفة من بينهم : برخت، وبنيامين، وأدرنو، وسارتر، وغولدمان، ونورمان، وبروان،وسمير أمين وغيرهم كثير، كما يشير إلى ذلك مارشال بيرمان. علينا قراءة ماركس لنجد فيه فهما للدين مغايرة عن فهم الآخرين للدين، ونحن نعيش أزمة فكر حقيقية سببها الفهم الخاطئ للدين نفسه. فقراءة ماركس اليوم بالنسبة للعراق واحدة من إنفتاح الثقافة على آفاق أكثر جذرية في فهم ما سوف نكون عليه مستقبلاً. والسبب في دعوتي هذه، أن فلسفة الإحتلال الأمريكي للعراق ومحاوله صنع الديمقراطية التوافقية فيه مثلاً، هي جزء من تبرير العنف، لأن الفئة التي لا تحصل على حقها ضمن فلسفة الديمقراطية التوافقية، تلجأ إلى العنف كي تبرر حقها، ولذلك ستبوء الديمقراطية التوافقية بالفشل، ليس بسبب أن القوى المتخلفة التي تقف بوجه الديمقراطية لا تقتنع بالتوافقية التي يمكنها أن تتحول إلى مشروع للمصالحة الوطنية، وإنما لأن القوى المؤتلفة لا ترى في الديمقراطية التوافقية إلا تحققاً لهيمنتها استجابة لمبدأ الكثرة والقلة، وهو نفسه مبدأ الوفرة والشحة الذي قامت عليه البرجوازية في هيمنتها على مقدرات البلد. ففي الديمقراطية التوافقية تحقق الفئات الطفليلة والهامشية مصالحها الطائفية الضيقة، ومن هنا تسلك لتحقيقها وتثبيتها بالقوة والعنف وتأليف المليشيات. إن الآلية المنهجية التي تفرض فيها الشكل الديمقراطي التوافقي للعراق، هي آلية العنف ولذلك يسكت كل طرف على ما يقترفه الطرف الآخر من جرائم. وما نشهده اليوم من تجميد للقضاء وللقانون يخضع جزء كبير منه للمبدأ التوافقي. وهذه الآلية سبق وأن رفضها ماركس بطريقة أكثر علمية وشاعرية، معتمداً في بناء المجتمعاًت ديمقراطياً على تعميم مشروعات التصنيع، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتوفيرالخدمات والضمان الاجتماعي للناس، وتوفير الزاد والأمن والحرية والمساواة للجميع، مثل هذه الحلول الجذرية هي التي تبني الديمقراطية وليست القرارات الفوقية التي تطبق بقوة السلاح والمليشيات وتقسيم المناطق وفرض صيغة طائفية تعتمد الكثرة والقلة أو القومية والدين على المجتمع .
3
هل كان الحزب الشيوعي العراقي على دراية بما يحيق به طوال سنواته السبعين؟ لقد فكر أعداؤه بقوته أكثر مما فكر هو بقوته نفسه ومواقفه، وهذه المحنة وحدها هي التي جعلت أصدقاءه في المجتمع العراقي أكثر من أعدائه، بحيث لا تجد فترة ما دون أن يقمع الحزب الشيوعي فيها، ويقمع من ينتصر له أيضاً، فتنتكس الحركة الوطنية، فالعداء ليس للحزب فقط، بل للماركسية التي تمتلك الإجابة عن تساؤلات الناس عبر العصور. ولذا كانت الفئات الرجعية تحارب الماركسية، وفي الحقيقة كانت تحارب الحزب الشيوعي العراقي.
في ضوء ذلك ماذا فعل الحزب الشيوعي العراقي كي يقرب الماركسية من الناس، ويقدمها كأي فكر نيّر وواضح؟ كل ما عمله الحزب الشيوعي العراقي أنه كان يفكر بمرحلة ما بعد الماركسية، أعني مرحلة الشيوعية، وهي مرحلة مقلقة، وغير عملية للعراق حاليا، وبدت بوادر سقوطها منذ الإنقسإمات في صفوف الحركة الشيوعية، لم نجد فهماً دقيقاً للماركسية في أدبيات الأحزاب الشيوعية العربية، بقدرما كان التثقيف ينصب على فهم اللينينية، وعلى تجربة الإتحاد السوفيتي، حتى تجارب الصين ويوغوسلافيا والشيوعية الأوروبية كانت موضع إدانة.

ماذا علينا اليوم من مهمات، ؟ الزمن ما يزال في أوله، والسبعون عاماً ليست بمدى طويل، والتجربة تغتنى بالتطور والتجديد، ولن يكون بمقدور أحد تصوراالغد بدون الماركسية، هذا جزء من حتميات التاريخ ولكن ليست الماركسية النصوص، بل المفاهيم. ومن هنا على الشيوعيين العراقيين أن يطوروا أدواتهم بما يجعل الماركسية مفاهيم منفتحة، وليست نصوصاً مغلقة.

هل استطاع الحزب الشيوعي العراقي وخلال هذه السنوات أن يستفيد من الدروس التي مرت بها الماركسية في ضوء قراءتة للواقع العراقي؟ أشك أن قدم تصوراً كاملاً عن ذلك، بالرغم من تحولات نظرية وعملية جيدة حدثت على صعيد البنية الداخلية له، لكن على صعيد التحالفات ما تزال هناك النظرة الجبهوية مهيمنة على فكر القادة السياسيين، وهي فكرة ليست مخطوءة، ولكن لم تدرس بما فيه الكفاية في ضوء طبيعة القوى العراقية التي يتحالف الحزب معها، وهذا هو جوهر ما يحدث في تحالفاته من ارتباك واضح في مسيرة الحزب الحالية. إن المستوى في أي تحالف مع الآخر يتطلب استقرار الجهة أو الطرف الذي يتحالف الحزب معه إيديولوجياً وطبقياً، إذ لا يمكن التحالف مع جهة متقلبة الفكر وذات طبيعة زئبقية، التحالفات ليست مرفوضة أوهي على خطأ تام في مثل طبيعة وتركيبة مجتمعنا العراقي، ولكن ما هي خصائص هذه الفئات التي يتحالف الحزب معها؟ هذا التشخيص هو جوهر الفهم الماركسي لطبيعة أي تطور بالعملية السياسية والاجتماعية من خلال التحالفات، لذلك نجد الحزب يفقد الكثير من خصوصيته عندما يجد نفسه بعد فترة أن سبب انفراط التحالف ليس نابعاً من أخطائه فقط، بل من زئبقية أفكار وهوية تلك الجهات التي تحالف معها دون أن يطرح عنها أية دراسة لطبيعتها ومنهجيتها وتراكيبها قبل التحالف معها..ما يحدث اليوم وما حدث بالأمس من اصطفافه مع قوى سياسية في الحكم مسألة يجب أن يعاد النظر فيها جذرياً، دون أن يشكل ذلك عداء للتجربة العراقية الحالية مثلاً.
على الحزب الشيوعي العراقي أن لا يخشى النقد أو يتجنب الكشف عما حدث فيه عبر ثمانية مؤتمرات صاخبة، على الحزب الشيوعي العراقي أن يصارح أعضاءه بالحقيقة كاملة، عليه أن يفرز بين القوى الإسلامية اللبرالية والقوى الإسلامية الرجعية في العراق. لقد ضمنت هذه الأحزاب صوت الحزب الشيوعي العراقي ذي التاريخ النضالي من أنه لا يقف ضدها حاليا، بالرغم من اختلافه الجذري معها. وقلنا أن مهمة المسايرة ضرورية في بداية العملية السياسية الجديدة خاصة بعد التغييرعام 2003، وعدم ترك المجتمع نهبا لأفكار متخلفة، وإن إقدام الحزب على المشاركة في مجلس الحكم أعتبرها خطوة مهمة وجديرة بالدراسة، ولكن لا يعني الإستمرار بها دون أن يكون ثمة تغيير في فكر ومنهجية أطراف التحالفات تلك، هذا هو جوهر أي تحالف، وقد شهدنا كيف انفرط التحالف مع القائمة العراقية، ليس لأن شرائحها غير منسجمة مع أي مشروع تحديثي، بل لأن قواها انحسرت في الشارع لتجد نفسها ضمن تيارات مختلفة؛ بعضها قومي، وآخر طائفي، وثالث لبرالي. لذلك، كان خروج الحزب منها منطقياً، وعليه أن يكرر التجربة بعد دراسة معمقة مع قوى التيار الإسلامي الحاكمة، لأن السكوت على ما تقترفه بعض قوى الإسلام السياسي من نهب وجرائم وضياع العراق، هو قصور في الرؤية. على الحزب الشيوعي أن يقول وبصوت عال: " لا" لمسايرة الإيديولوجياًت المتخلفة، والقرارات الرجعية، والمشاريع الناقصة، والتهريب، والسرقات، والفساد.

الآن و بعد خمس سنوات نلمس من مما ينشر ويصرح به، ويقال في اللقاءات والندوات أن الحزب الشيوعي العراقي بدأ يقيّم تجربته مجدداً، ويوجه انتقاداته العلانية والواضحة ضد المفسدين من قوى الإسلام السياسي، وهذا ما يحدث، ولكن بهدوء ووضوح. إنه يصطف مع قوى الإسلام الوطنية التي تريد التغيير الفعلي والتي لا ترتبط بإيران أو أية دولة من دول الجوار، وهو ما تشهده لقاءاته مع القوى الإسلامية اللبرالية. لذلك، على منتقدي الحزب الشيوعي العراقي أن يقرأوا جيداً التطورات الداخلية والفكرية الحالية للحزب،بالرغم من محدوديتها، لأن الحزب يمتلك رصيداً وطنياً يمكنه من أن يعادل الموازنة بين شرائح اجتماعية مختلفة، وعليه أن يكون بيضة القبان بين كفتي الوطنية والحداثة،وليس بين كفتي القومية والدينية، وهو ما نحتاجه الآن. ومن هنا تصبح القراءة الجديدة لماركس في مثل هذا الزمن المتقلب صمام إمان لتوجهات الشيوعيين العراقيين وأصدقائهم ، لأن التجربة العراقية غنية بالدروس، ولأن الماركسية تبني نفسها بنفسها بالتجربة والنقد، ولأن مشروعها قائم على جدلية منفتحة على التغيير المستمر، ولأنها الأداة التي نفهم بها كيفية بنية المجتمع العراقي، ففيها من الفكر والممارسة تجارب مختبرة، فقد يضمحل دورها عندما تكون غير مجربة ومختبرة،أو متجاهلة من قبل متبنيها، ومنها آلية التحالفات غير المنهجية ، وفيها الفكر والممارسة ما يتجدد عندما تتغير الرؤية للواقع. مشروع ماركس إذن ليس مرحلياً، ولا هو آنيا، أو مشروعا ثقافيا،كما أنه ليس خاصاً ببلد دون آخر، ففي كل بلد يجد الشيوعيون فيه رؤية متجددة لطبيعة مجتمعهم والقوى الجديدة التي يمكن التحالف المرحلي معها.، ومن هنا علينا أن نقرأ ماركس مجدداً.




#ياسين_النصير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليأس الذي بدأ ينخر قوانا
- شكد حلوة بغداد ..مو
- الصورة مبهرة لكن الضوء يهتز
- ملفات عن مبدعي المسرح العراقي
- إنهم يغتالون المواهب الكبيرة
- لا تتركوا المالكي وحده أيها العراقيون
- أحزاب الإسلام السياسي ونغمة الوطنية النشاز
- هل بدأ ت مرحلة الأحتواء العربي لإيران؟
- غياب فلسفة الدولة العراقية
- لمن تتوجه حركة -مدنيون-؟
- دور الإعلام في نداء قوى اليسار الديمقراطي
- لينهض اليسار العراقي ولكن دون تهميش للإسلاميين المعتدلين
- كيف ينتفض أهلنا في الجنوب
- اميركا والثقافة العراقية
- سيناريوهات العيد السياسية في العراق
- شاعر الأحاسيس
- موت شاعر
- إدانة تقسيم العراق واجب وطني، ولكن أدينوا قبل ذلك...
- التكنوقراطي، التكنو طائفي، التكنو رادن في رؤية الرجل الصغير
- قراءة في رحلة المنشي البغدادي إلى بلاد الكرد عام 1821:::القس ...


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ياسين النصير - لنقرأ ماركس