كل يوم يمر تتأكد لي حقيقة موضوعية مفادها أن الشعوب تساهم بشكل أو بآخر بكثير من الكوارث السياسية غير المسبوقة التي تمر بها , فلم يسبق العراق بتأريخ البشرية بلدا صنع ديكتاتورا أهوجا وظالما مثل صدام , حتى عتاة الديكتاتوريين والدمويين بالتأريخ كانوا أخف غلوا بالظلم من صدام, فلم يدمر فرد واحد بلد بتأريخه وحاضره ومستقبله كما فعل صدام , ولم يقبر حاكم واحد أبناء بلده ووطنه المسؤول عنه بأعداد خيالية تصل حد الملايين كما فعل صدام .
هذه كارثة سياسية غير مسبوقة بكبر هولها , أغلبنا يعرف هذا , لكن المشكلة التي يجب أن تناقش والسؤال الذي يجب ان يسأله كل عراقي لنفسه هو :
هل ساهمنا نحن بأخلاقنا ببقاء هذه الكارثة كل هذه السنوات أم لا ؟
عندما أرى حياة العراقيين الآن وصراعاتهم وعلاقاتهم ببعضهم , أجد للأسف أن لنا جميعا يدا بكل ما حصل ولو على درجات , أرى أن أغلبنا - كان على قدر كبير من الجبن والإتكالية والأنانية , وأرى أننا متخلفون الى الحد الذي لا يمكن أن نؤسس لديمقراطية حقيقية ما لم نغير ما نحن به من أخلاق.
أرى أننا شعب ينهش بعضه بعضا , إذا رأينا أن أحدنا نجح في شيْ أو تفوق بشيء نكيل له الشكوك والحروب حتى يصل حد الإحباط أو الهروب وترك الطريق الذي أراد به خيرا لنا جميعا .
تحارب النساء بعضها, فإن تفوقت إمرأة وتألقت بمجال هو من صلب الدفاع عن حقوق المرأة, أو حقوق الإنسان, وأسهل طريق يتبعه البعض هو أن تشوه سمعة هذا الرجل أو هذه المرأة بالتقول عنها أو عنه وليحيطوا ذاك الأسم الذي لمع, بغيوم وهمية أرادوها وخدعوا بها أمثالهم , من المرضى النفسيين والفاشلين .
هل نستطيع أن نبني بلدا حضاريا , والغالبية من المثقفين عندنا يضعون مئات العراقيل حينما تتفوق امرأة عليهم ؟
وهل نستطيع أن نبني ونحن نحفر لصديقنا لأنه صعد مرحلة أعلى مما نحن به؟
وهل يمكننا السير مع هذه الحضارات التي بناها الإ نسان باوروبا ونحن نتصارع على منصب أو مكان ولو على حساب الآخرين ونتآمر على بعضنا من أجل التقرب من مقتدر أو واصل- ولو بدرجة واحدة- للسلطة, حتى أصبح جميعنا يقول: أنا ومن بعدي الطوفان , وهل في هذا اختلاف عن نهج صدام حسين؟ , وأين هي كرامتنا التي ندعي؟ أو رغبتنا بحياة جديدة بعراق جديد؟
كيف سنبني العراق مع كل هذه الأمراض والعاهات؟
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
كلنا يؤمن بهذا وكلنا لا يحرك ساكنا لنقد الذات والعودة عن الأخطاء
كيف سنبني الوطن مع الأكاذيب والأخلاق الرديئة والنوايا السيئة؟
لم أقل هذا رغبة بكيل التهم للآخرين , إنما أقول هذا بعد أن اكتشفت أن لازال لدى الكثير منا , حتى الذين عاشوا بالغربة لسنين طويلة , ذات النفسيات التي صنعها رعب البعث وأخلاقياته, فعندما أصدر مجلس الحكم قراره المرقم 137 وجاءت حملة الغضب الأعلامية والتظاهرات التي قمن بها نساء العراق ورجاله الغيورين عليه وعلى حريات أبناءه , والقلقين على استقلاله وإعادة بناءه ,و كنت كغيري هرعت للكتابة حول استنكاري لهذا القرار المجحف والذي يعيدنا الى القرون الوسطى ,والذي تم أيقاف العمل به انتصارا للجهود المبذولة والرافضة له, وأتبعتها بمقالة أخرى حول استهجاني لتعيين سفراء وقناصل بالسفارات العراقية سرا ً , وبدون علم أبناء العراق الذين يعيشون بالخارج ويشكلون أكثر من أربعة ملايين عراقي, جلـّهم من الدارسين والباحثين والأكاديميين والإختصاصيين والأدباء والفنانين وسواهم من المثقفين والوطنيين الشرفاء , ورأيت ولازلت أرى أن تجاوز هؤلاء وعدم فتح المجال لهم لإختبار طاقاتهم ولإعطائهم فرصة المساهمة ببناء وطنهم الذين قدموا له زهرة شبابهم غربة ً وتشتتا وفقدانا, لهو أمر يشكل إنتهاكا لحقوق الإنسان العراقي , فلقد اعتادت الدول التي تحترم حقوق الإنسان, بل حتى بعض الدول التي لا تهتم كثيرا بحقوق الإنسان , على عرض هذه الوظائف بوقت محدد وتحديد شروط للمتقدمين ومن حق من يجد بنفسه القدرة على القيام بهذا العمل التقدم والترشيح له , ثم إختيار الأفضل من قبل لجنة خاصة بهذا المجال , ليكون هناك مفاضلة بين أبناء الشعب واختيار الأصلح للمنصب , عندها نكون قد طبقنا ما نتمناه ويتمناه أي طالب للعدل والمساواة, وهو وضع الإنسان المناسب بالمكان المناسب , خدمة للوطن والشعب بأسهل وأعدل الطرق, وكنت قد أشرت الى أن مجلس الحكم قد عين أناسا بالواسطة وسرا ً, أو أنه أبقى على الطاقم القديم الذي خدم النظام السابق, مع أننا انتظرنا الشفافية من هذا المجلس الذي ينتمي اليه العديد من الشخصيات التي عُرفت بوطنيتها وبتقديمها التضحيات للوطن , لذا كنت أتسائل عن سبب كل هذا وأستغربه من المجلس الذي يجبرنا بما يصدر منه أن نتردد بمنحنا الثقة له , لكنني لم أعرف بالضبط أي اسم تم تعيينه ولم آتي بأسماء مطلقا لأنني أتحدث عن المبدأ وتبقى قضية الأسماء مسألة تفصيلية لاتهمني بقدر ما يهمني أن يطبق مبدأ الديمقراطية الحقيقية والمساواة بين أفراد الشعب كما قلت .
لكن بعض المنافقين والمتزلفين والماسحي على الأكتاف ذهب للسيدة القائمة بالأعمال بالسفارة العراقية في هولندا , لينقل لها بأنني كتبت عنها سلبا ولا أدر ماذا اضاف بعد , وحينما ذهب وفد يمثل النساء العراقيات وحقوق الإنسان وغيرها من التنظيمات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني التي يعمل بها ألعراقيون في هولندا ,محتجين على القرار 137 لم تكن السيدة القائمة بالأعمال موجودة , لذا دعتنا لزيارتها بيوم العيد , فذهبنا لنوصل صوتنا مجددا ولنبدأ صفحة جديدة مع السفارة العراقية التي لم نعتد الإقتراب منها ونخشاها حد الرعب , بسبب الأعمال السابقة التي مارستها السفارات العراقية ضد أبناء الجاليات العراقية في كل العالم, ولنؤكد على أن النظام الساقط سوف لن يعود أبدا وسنطوي صفحته ولتكون سفارة العراق لنا , بقعة من أرض الوطن , بيتا يشعرنا بالدفء والوطن , ولنقل كل ما بجعبتنا حول أوضاع العراق لنساهم فعلا ببناءه ولو بأضعف الإيمان, وحينما ذهبنا , استقبلتنا السيدة القائمة بالأعمال بشكل ودي ولطيف , وقد اكدت لنا بأنها أوصلت احتجاجاتنا وبياناتنا ونداءاتنا للمجلس , ثم التقيت بها مرة أخرى بافتتاح مركز لإعادة أعمار العراق اعطي من قبل بلدية لاهاي الى المنظمات العراقية للمساهمة بإعادة أعمار العراق, وقالت لي أن هناك من نقل لها أنني كتبت عنها سلبا, وأوضحت لها رأيي ووجهة نظري من الصمت الذي خلق لنا طاغية مثل صدام, والتملق وتمسيح الأكتاف الذي سمح للأقزام بالتطاول على شرفاء الوطن, ووجدت أنها متابعة جيدة لما يكتبه أبناء العراق ومنهم أنا, وأنا لم أجدها مسؤولة عن قرار المجلس بل هي كأي إنسان يحاول إيجاد فرصة للعمل وخدمة الوطن , وقد فتح أمامها المجال حتما سوف لن تغلق الباب المفتوح وبظروف صعبة يمر بها الإنسان العراقي, وها أنا أوضح مرة أخرى موقفي من تعيين سفراء وقناصل وموظفي السفارات سراً وبالواسطة وأكرر , رغبتي بإيصال صوتي لمجلس الحكم ومن يأت بعده على ضرورة استعمال أساليب الديمقراطية بالتعيين. ويبقى عزاؤنا أن حكم المجلس مؤقتا وليس ثابتا .
ومن هذا المنطلق أؤكد للمنافقين والمتزلفين الذين ركضوا ليحاولوا الإساءة لي والتقرب من السفارة , بأننا لسنا بزمن صدام حسين , ولسنا بحكم المخابرات , والالتفاف على الحقائق, وليعلموا بأنني لا أطمح لمنصب ديبلوماسي أو وظيفة ما بالسفارة , وبأنني لا أخش أحدا أو قولا قلته دفاعا عن الحق والإنسان , ولقد تعودت أن لا أخش بالحق لومة لائم , لذا كررت ذات الرأي أمام القائمة بالأعمال العراقية , وأعتقد أنها إمرأة قادرة على التمييز بين من ينقل رأيه لها متلفتا و بصوت منخفض ومتردد , ومن يطرح رأيه بأعلى صوته على صفحات الجرائد وأمام الملأ حبا للحق وحبا لكرامة العراق وأبناءه.
وتبقى خاتمة القول أننا سوف لن ننعم ا ببلد آمن, ديمقراطي, سعيد, حتى نغير ما بأنفسنا......
* شاعرة وناشطة حقوقية عراقية مقيمة في هولندا
لاهاي18-2-2004