|
الفرقة الناجية – إشكالية المفهوم والدلالة -
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2431 - 2008 / 10 / 11 - 01:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أتساءل كغيري في زمن الفتنة : من أين جاء لفظ ومعنى الفرقة الناجية هذه ؟ وهل هو بالفعل مفهوم ديني أو خبر نبوي يمكننا الإعتناء به وتوثيقه والبناء عليه ؟ وهل هو منتج من الفكر الديني المؤوسس حسب ضوابط الشريعة والعقيدة الصحيحة ؟ أم إنه جدلية أفتراضية - الوضع - أرتبطت بمفهوم وجدل الصراع السياسي والطبقي الذي أحدثه الحكم والسلطان بعد الرسول محمد – ص - ؟ .
لا بد من الإعتراف هنا أولاً ، بان هذا اللفظ أو هذا المفهوم بما يحمل من دلالة سياسية جيء به وسيق من أجل تعزيز دور الحاكم آنئذاك ، أي إنه مفهوم جيء به لرفع الألتباس والجدل حول الطبيعة وحول الشخصية الأحق بالخلافة بعد النبي من غيره ؟ وجرى توسيع لهذا المفهوم ليشمل كل دائرة الحكم بحيث تكون جزء من المفهوم الديني أي إن الحاكم هو خليفة الله وظله على الأرض ولا يجوز مخالفته على أي نحو .
وهذا التعميم دلالته مقصودة في نفسها ، فدُعاة الحق المطلق أعتبروا ذلك هو الممكن الذي يجعل الناس في طاعة عمياء طالما يتم إغراقهم في فوضى المفاهيم و في مُراد الله، نقول هذا مع علمنا التام بالطبيعة التي أنتجت جيل رواة الأخبار ذائعي الصيت الذين ظهروا للوجود كافراز لحاجة إقتضتها طبيعة الحكم العصبوي الديني ، أو كحاجة لسد النقص لدى الحاكم الذي تعثر في ان يكون بالفعل ظل الله أو خليفتة على الأرض.
فالحاكم التاريخي العصبوي آنئذاك لم يكن بمقدوره ان يكون هو التجسيد للحاكم الديني وما ينبغي ان يكون عليه ، وفي ظل هذا التهريج والتدافع تعزز دور رواة الأخبار والمختلقين للكذب ليكونوا جزء من عملية إضفاء الشرعية والمباركة على الحاكم ، جرى هذا مع خلفاء بني أمية وبني العباس وما تلا ذلك وما نتج عنه في الواقع .
فحقبة السلاطين الخلفاء تطور عندهم ومعهم مشروع التقسيم حسب الولاءآت ، وظهر جدل الكلامية السياسية بشكل واضح ، ليشكل ذلك كله نسيج وخيوط المرويات التي ماأنزل الله بها من شيء ، سوى كونها كانت تُمثل موجة ما نطلق عليه بالإعلام المدفوع الثمن ، إعلام يرسخ مفهوم القضاء والقدر السلبيين ويعزز فكرة الجبر التاريخي والجبر العقدي والشرعي ، على نحو يُرتب آثار فقهية خطيرة من قبيل [ الحاكم مطاع في كل حال وإن ضرب الظهر وكسر العظم ] .
ترتيب يلاقي بين إرادة السلطان وإرادة الفقيه سعى له عن عمد رواة الأخبار من مروجي الكذب .
وقد تمسك بهذا الدمج الخطير في عصرنا القرضاوي مشيعاً في الناس خبر كذوب ، يُنسب للنبي - ص - جاء فيه : [ تفترق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلاّ واحدة قيل من هي يارسول الله قال : ما أنا عليه وأصحابي ] !!
وأنا وتمشياً مع منطوق الخبر حاولت جهدي للحصول على سند تاريخي وروائي لهذا الخبر صحيح ، يمكنني قرائته وقراءة رجاله فلم أجد في الكتب المعتبرة ، كما لم أجد من يشيع هذا الخبر ويروج له غير دعاة التفريق والطائفية .
ومع كل ذلك لم أتوقف عند هذا الحد من تقصي حركة هذا الخبر ، مستفيداً من كلام أهل الخبرة في هذا المجال وكلهم قالوا : إن هذا الخبر موضوع وغير صحيح ولم يصدر عن النبي محمد – ص - ، ولكن ومع هذا كله لم أجد للخبر هذا قيمة موضوعية أو دلالية يمكننا الإعتماد عليها وترتيب أحكامنا على ضوئها .
وتساءلت هل يجوز لبشر ما إن يدعي إنه على الحق وغيره على باطل ؟ وهل هناك حقاً من يمتلك مثل هذا القرار في قوله : لكي يكون هو على الحق وغيره على الباطل ؟ !!
وهل يمكن ان يصدر مثل هذا القول بالفعل من الرسول محمد – ص - ؟ بحيث يحصر الناس في زاوية حرجة ويمنع عليهم إتخاذ القرار وفق المعنى القائل [ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ] هذا المعنى بل قل هذا المبدأ الإلهي الصريح الواضح ، المعزز بجملة نصوص و إصرار من قبل الله عليها كما في قوله تعالى : [ لكم دينكم ولي دين ] هذا الجدل المضطرد الذي يحمي حقوق الناس ورغبتهم فيما يمكن ان يكونوا عليه .
وأقولها بوضوح ومن غير لبس : ليس من حق أحد ولا حتى الرسول محمد – ص – نفسه : ان يقول هذا الرجل في النار وذاك في الجنة على نحو مطلق ومن دون بيان ، أريد من قولي هذا رفع حالة الألتباس بين ما يقولون عنه خبر نبوي عن – العشرة المبشرة – أو أصحابي كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم !!! ,
والحال إن ليس كل أصحابه نجوم وهذه حقيقة يجب معرفتها وعدم المكابرة فيها ، فمن أصحابه أهل الأفك ، ومن أصحابه ممن مردوا على النفاق ، ومنهم من مارس أبشع وسائل الأضطهاد والتعذيب بحق المسلمين وبحق الرسول نفسه .
إذن فالقضية ليست هبه ولا منحه يتصدق بها النبي على غيره بل هي حق يكتسبه الناس بالعمل الصالح وبالتقوى ، وليس بالشعارات التلفزيونية التي يميل إليها الأخ القرضاوي ولفيف من جيش الأسلامويين الجدد ، الذين ماأنفكوا يكيلون التهم وينشرون الفساد والفتنة ، مستصحبين عمل الماضيين من أسلافهم جناة التاريخ .
أقول : إن هذا الخبر الذي بثه القرضاوي مدعياً إنه الفرقة الناجية مستنده ضعيف ، ولا أساس له من الصحة من جهة السند ومن جهة الدلالة ، وقد طعن به غير واحد حتى إن أبن تيمية نفسه رد هذا الخبر ولم يصححه .
إذن فالتمسك به من دون دليل يشبه قول أبليس في محاججته لربه [ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ] ، ولم يقل هذا غير الطغاة واذناب الطغاة ، إذ لا أحد يمكنه ان يقول : لغيره إنك لست على شي - .
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة النظر في مباني التفكير الديني
-
شهر رمضان
-
أوباما وخيار التغيير
-
كركوك ومفهوم المبادلة
-
وحدة الليبراليين في العراق
-
لماذا تغيب ملك الأردن ؟
-
مأزق الديمقراطية في العراق
-
فرض القانون .. بشائر السلام
-
قانون الشرايع لدى فلاسفة اللاهوت
-
إيران مرةً ثانية
-
مؤتمر مكة للحوار
-
العراق وامريكا .. إتفاق من أجل الحياة
-
عبد الرحمن الراشد ومنطق العصبية
-
رؤية مغايرة للكتاب المجيد
-
نساء من أجل الحياة
-
إسلامنا بحاجة إلى إعادة نظر
-
السماء لا تمطر ذهباً
-
أين الكتاب العربي ؟
-
تأسيس علم أصول جديد – ح4
-
تأسيس علم أصول جديد – ح3-
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|