■ الاحتفال بذكرى تأسيس حزبنا الشيوعي السوري لا تخص فصيلاً بعينه، بل هي مهمة وواجب جميع الشيوعيين السوريين الذين نتوجه إليهم أينما كانوا وفي مختلف مواقعهم.
■ تكريس روح التضحية ونكران الذات والبسالة في الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن حتى الاستشهاد.
في الوقت الذي تزداد فيه شراسة العولمة المتوحشة، وتشتد فيه خطورة التحالف الأمريكي ـ الصهيوني على الشعوب قاطبة من أفغانستان إلى أمريكا اللاتينية، مروراً بالعالم العربي الذي له النصيب الأكبر من المخططات العدوانية المباشرة، وليس أقلها إدامة الاحتلالين الصهيوني والأمريكي لفلسطين والعراق والتهديدات بالعدوان على سورية ولبنان، وصولاً إلى تغيير كل البنى السياسية في المنطقة وتغيير لون الخرائط فيها، لفرض النموذج الأمريكي على العالم أجمع، وفي الوقت الذي تتهيأ فيه قوى السوق والسوء في الداخل لجر عربة العولمة المتوحشة إلى بلادنا، في هذا الوقت بالذات، قرر المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري المنعقد في 18/12/2003 الإعداد لسلسلة من الأنشطة والفعاليات والاحتفالات تليق بالذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، من جهة، وتسهم باستعادة دوره الوظيفي ـ التاريخي في حياة البلاد كحزب الوطن وكرامة المواطنين فوق كل اعتبار.
لقد جاء في مطلع ميثاق شرف الشيوعيين السوريين الموقع بتاريخ 15/3/2002:
«لقد سجل الشيوعيون السوريون خلال تاريخهم ملاحم ومآثر وإنجازات لا يمكن أن يمر عبر التاريخ الوطني لبلادنا وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية عليها مرور الكرام. وكان ماحققه الحزب خلال وجوده نضال أجيال عديدة من الشيوعيين وثمرة عمل عشرات الألوف منهم تشهد عليها دماء الشهداء التي قدمها خلال النضال الوطني والطبقي».
فمن النضال بلا هوادة ضد الاستعمار الفرنسي وقبول التحديات ومواجهة المنافي والاعتقالات والشجاعة في المحاكم والمطالبة بالاستقلال الكامل الناجز، إلى النضال الفكري والسياسي ضد الفاشية عشية وإبان الحرب العالمية الثانية ودعم الاتحاد السوفييتي ضد النازية وصولاً إلى الاستقلال السياسي لبلادنا والدفاع عنه مع سائر الوطنيين السوريين ضد المشاريع والأحلاف الاستعمارية والدكتاتوريات العسكرية إلى النضال من أجل تأميم المؤسسات والشركات التي كان يسيطر عليها الرأسمال الأجنبي مثل بنك الإصدار وشركات الكهرباء والريجي وغيرها.
كما قام الحزب بدور بارز في فضح الدور التخريبي للصهيونية العالمية ومخاطر وعد بلفور والهجرة اليهودية إلى فلسطين ورفض قرار التقسيم ودافع في الوقت ذاته عن الموقف السوفييتي في حينه وكان من بين شعارات الحزب شعار الوحدة العربية على أساس النضال ضد الاستعمار وعلى أساس الديمقراطية وأصدر الحزب البنود (13) ليس ضد الوحدة، بل كانت بمثابة مبادئ يجب أن تقوم عليها الوحدة لكي تبقى وتدوم لكن الاقتراحات رفضت وطلب من قيادة الحزب الإعلان عن حل الحزب وهنا نسجل باعتزاز ماقامت به قيادة الحزب برفض هذا الطلب رفضاً باتاً وقد أكدت قيادة الحزب: «سنرفض ذلك إلى الأبد وقلنا إن الحزب الشيوعي لايُحل وليس فيه هيئة مخولة بالقيام بمثل هذا العمل وكان من نتيجة ذلك كله أن لوحق حزبنا وقتل رفاقنا تحت التعذيب وذوبت أجسادهم مثل الرفيق فرج الله الحلو في الأسيد وعجّت السجون بالمعتقلين الشيوعيين».
وبالتوازي مع نضال الحزب ودوره البارز في المسألة الوطنية، ناضل الحزب الشيوعي السوري دفاعاً عن الجماهير الشعبية وفي سبيل خبز الشعب والحفاظ على أرض الفلاح وغذاء الأطفال وتحديد ساعات العمل بثماني ساعات، وضد التسريح التعسفي، ومن أجل حرية التنظيم العمالي النقابي وفي سبيل أوسع الحريات الديمقراطية للجماهير والأحزاب السياسية: «وهي حرية الصحافة وحرية التظاهر والإضراب للعمال وكان من أهم شعارات الحزب (خبز وسلم وحرية)!».
وكان حزبنا الشيوعي السوري أول قوة منظمة عملت على بث الفكر الاشتراكي العلمي والوعي الاشتراكي بين الجماهير مستنداً إلى أفكار الماركسية ـ اللينينية في ظروف معقدة تنشر فيها الدعاية الاستعمارية والرجعية مختلف التهم ضد الاشتراكية ومعتنقيها فيما يتعلق بالعائلة والوطن والدين والأخلاق، ومن هنا تأتي مأثرة الشيوعيين والبناة الأوائل للحزب، أمثال الجيل الأول من القيادات: (خالد بكداش، فوزي الزعيم، ناصر حدة، رشاد عيسى، إبراهيم يزبك، أرتين مادويان وغيرهم) والجيل الثاني منها: (القائد الشهيد فرج الله الحلو، نقولا شاوي، موريس صليبي، دانيال نعمة، ظهير عبد الصمد، حسن قريطم، نجاة قصاب حسن، أغباش أغباشيان، نخلة مطران، يوسف الفيصل، إبراهيم بكري، مراد يوسف)، ومن تلاهم على هذا الطريق المجيد في المراحل اللاحقة بغض النظر عن الآراء المختلفة حول دور بعض القيادات في التطور اللاحق للحزب وهذا يجب ألا ينتقص من دروها في المراحل الأولى والصعبة من مسيرة الحزب فهؤلاء جاهروا ببسالة شيوعية «إن الحل الجذري لمشاكل الجماهير هو في الاشتراكية وإقامة حكم الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين والمثقفين الثوريين وإلغاء استثمار الإنسان للإنسان».
وانطلاقاً مما جاء في قرار اللجنة المركزية حول الذكرى الستين لتأسيس الحزب: «إن النضال في سبيل مطالب ومصالح الشعب هو جوهر الجوهر في كيان كل حزب شيوعي ولايمكن التخلي عن هذا النضال في أي ظرف من الظروف»، نقولها بصراحة بأن واقع الحركة الشيوعية في بلادنا وحالة الانقسام التي أصابتها في العقود الثلاثة الأخيرة ليست فقط أضعفت هذا الكيان، بل أفقدت الحزب دوره الوظيفي ورسخت الحالة الفصائلية في الحركة الشيوعية السورية والتي يكابر كل طرف من أطرافها بأنه يمثل الحزب ويحتكر الحقيقة ويكيل الاتهامات للآخرين بأنهم هم من خلق الأزمة في الحزب الشيوعي السوري دون أي مراجعة جدية لأسباب الأزمة وسبل الخروج منها فكرياً وسياسياً وتنظيمياً الشيء الذي أدى إلى إعادة إنتاج الأزمة عند جميع الفصائل القائمة على حساب الدور المطلوب من الجميع.
ومن هنا تأتي أهمية النقاش العام الذي قام به الرفاق المندوبون للمؤتمر الاستثنائي للحزب المنعقد بتاريخ 18/12/2003 للأفكار والمقولات والاستنتاجات التي تضمنها تقرير اللجنة التحضيرية أمام المؤتمر بهدف كسر مسلسل الانقسامات والخروج من الأزمة نحو وحدة جميع الشيوعيين السوريين في حزب شيوعي واحد يستعيد دوره الوظيفي ـ التاريخي في حياة البلاد حيث التقرير المقدم للمؤتمر «أن وحدة الشيوعيين من القواعد ودون استثناء لأحد ضرورة موضوعية خصوصاً في ظل الانعطاف الجاري على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي وفي ظل تفاقم أزمة الإمبريالية الأمريكية ولجوئها إلى الحل العسكري الشامل لإخضاع الشعوب لمشيئتها الاستعمارية المتوحشة، حيث الإمبريالية الآن ليست فقط محكومة بالحرب، بل بتوسيع رقعة هذه الحرب والاحتلال.
ففي الوقت الذي انتقل فيه العراق من حكم الطغاة إلى حكم الغزاة، تشتد فيه المقاومة الوطنية العراقية ضد المحتلين من أجل عراق مستقل حر موحد ديمقراطي. وفي فلسطين تستمر المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني رغم ما تقوم به حكومة شارون من إرهاب ومذابح ضد الشبان العزل وتستعصي المقاومة الفلسطينية على الرضوخ أو التفريط بالحقوق الوطنية المشروعة الثابتة للشعب الفلسطيني في العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس».
كما أكد المؤتمر على أهمية دور الشيوعيين في عام الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب في مواجهة مخاطر العدوان على سورية ولبنان من التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني مما يتطلب استنفار جهود جميع القوى الوطنية وبخاصة الشيوعيين السوريين المطلوب منهم إنجاز وحدتهم اليوم قبل الغد وصولاً إلى أوسع تحالف وطني على أرضية الربط الجدلي بين المهام الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن، عبر تعزيز النضال ضد قوى السوق والسوء التي تنهب الدولة والمجتمع معاً، وتعميق ثقافة المقاومة والتأكيد على شعار: المقاومة الشاملة هي الخيار الوحيد.
إن الاحتفال بذكرى تأسيس حزبنا الشيوعي السوري لا تخص فصيلاً بعينه، بل هي مهمة وواجب جميع الشيوعيين السوريين الذين نتوجه إليهم أينما كانوا وفي مختلف مواقعهم، للعمل على بلورة وبناء وحدتهم والتي قطعت شوطاً كبيراً منذ توقيع ميثاق شرف الشيوعيين وقيام لجان التنسيق وانتخاب اللجنة الوطنية وإنجاز الورقة السياسية في الاجتماع الوطني الثالث عبر الأسس التالية:
1. أن ننفذ مهامنا الوطنية والاجتماعية والديمقراطية بشكل منسجم دون خلل أو تنازل عن مصالح الشعب وتنشيط الحركة السياسية ونقل ثقل المعركة إلى الجماهير والشارع لاستعادة دورنا الوظيفي فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وجماهيرياً.
2. أن نحترم تاريخ حزبنا ونضالاته مخلصين لذكرى شهدائه وبناته الأوائل وأن لاندخل بعد اليوم في معارك جانبية تبعد الشيوعيين عن تنفيذ مهامهم، وأن نوقف مسلسل الانقسامات، وأن نعمل على أساس الماركسية اللينينية ضد خطري الجمود والعدمية وأن نطبقها بشكل خلاق انطلاقاً من التطورات التي يشهدها العالم وبلادنا، على أسس المبدئية والجرأة في الفكر والاجتهاد.
3. أن نكون مخلصين لأي تحالف بيننا وبين أي قوى وطنية أخرى على أن يكون في إطار التمسك بوجهنا المستقل ومقاومة كل من يريد الهيمنة على حزبنا وأن لا نسمح لأنفسنا بأن نتحول إلى عبء على أي حليف أو قوة هامشية في أي تحالف.
4. أن نجسد الأخلاق الشيوعية الثورية الأصيلة في السلوك والممارسة وأن نطرح جانباً الأخلاق الغريبة الوافدة إلى حزبنا، أخلاق قوى السوق والسوء وأن نعيد الاعتبار للروح الرفاقية في التعامل بين الشيوعيين بعيداً عن روح الركض وراء الامتيازات والولاءات لغير الوطن بل مكرسين روح التضحية ونكران الذات والبسالة في الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن حتى الاستشهاد.
عاشت الذكرى الـ 80 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري