المصطفى عامر
الحوار المتمدن-العدد: 2432 - 2008 / 10 / 12 - 06:09
المحور:
حقوق الانسان
لم يعد خافيا على الجميع اليوم، صعوبة مواجهة أعباء الحياة وتكاليفها المادية المرتفعة.. حياة تتطلب من الراغب في الانتصار في جزء من أشواطها العسيرة امتلاك احتياطي كبير من الأسلحة الدفاعية(المالية طبعا) القادرة على صد هجومات الأشرار التي تتربص بأرزاق الأسر المحدودة الدخل ببلادنا...
مع اقتراب شهر رمضان، يتملك الجميع، تخوف ممزوج بفرح حذر من عدم قدرة البعض على مسايرة الإيقاع المرتفع لتكاليف المعيشة خلال هذا الشهر الكريم، خصوصا وأنه يقترن هذه السنة مع الدخول المدرسي الجديد الذي يعتبر لوحده (غولا) يخيف الأسر التي تعيش الهشاشة والفقر...أسلحة الغلاء الشامل، لم يستثن بيتا ولا أسرة إلا وأصاب نوافذها المادية بالتهشيم والكسر، عبر حجرها الطائش.. أصيبت جميع مناحي الحياة الأساسية بعدوى الغلاء، حتى أن البعض من أئمتنا نسب ذلك إلى أسباب دينية بحتة، في إحدى خطبه ليوم الجمعة، التي حضرتها، رغبة منه في إضفاء نوع من الشرعية على الغلاء وتبرئة حكومة عباس منه ومن معاناة الفقراء من جرائها، مسترشدا بأمثلة وحوادث وقعت في عهد السلف الصالح...وكأن هذه الفئة(أي الفقراء) وحدها تحاسب على عدم التزامها بتعاليم الإسلام السمحة...
أصبحت حواجز عرقوبية تفصل بين المستهلك الشعبي ورغيفه، وأصبح طعم هذا الشهر أكثر ملوحة من ذي قبل، ولم تعد حرمته وقداسته لدى الجميع تمنع من الشعور بالعجز وعدم القدرة على الوفاء بجل مستلزمات هذا الشهر الغذائية...
وأمام هذه الزيادات المتتالية في أثمان المواد الغذائية الأساسية، لايسع المرء إلا أن يردد ما يردده المغاربة، حين يعجزون عن مجابهة كومة من المشاكل المستعصية،(وحريرة هذي واش من حريرة!!!). وقد تصلح لتصبح شعارا للدخول المدرسي الحالي أو للاستعداد لهذا الشهر العظيم، مادامت (الحريرة) هي الأكلة الشعبية الأولى التي توحد الشعب المغربي، في الداخل والخارج، طيلة هذا الشهر، وتحقق ما عجزت عن تحقيقه لا السياسة ولا الثقافة... فما المانع إذن من جعل هذه المادة الحيوية المحبوبة؛ أساسا لإنجاز بعض المهام الوطنية الكبرى، وأولاها جعل هذه الشربة السحرية، رسمية وإلزامية، ليس فقط في شهر رمضان؛ بل أيضا خلال المناسبات الوطنية الأخرى...ترى كم سنوفر من أموال جراء الولائم الباذخة لعدد كبير من مسئولينا الكبار منهم والصغار، الذين يتنافسون على تهشيم أكبر عدد ممكن من رؤوس الماشية، للتدليل على كرمهم المزور وسخائهم الحاتمي، بل يستعرضون عضلات أكباشهم المشوية أمام مدعويهم، لكسب ودهم وإقناع الجميع بقوة نفوذهم...لو تم ترسيم شربة (الحريرة)، لقطعنا أشواطا هائلة في القضاء على الظواهر السلبية التي كلفت البلاد الكثير لمحاربة آثارها في العهد الجديد... (بالحريرة) يمكن تحقيق شعارات طويلة وعريضة، ظل السياسيون يرفعونها كأساس للإنطلاق نحو التقدم... فشعار (التقشف)، يصبح ممكنا بالحريرة!! وشعار
( ترشيد النفقات) الذي سنه اليوسفي وبعده عباس الفاسي، الوزير الأول الحالي،يصبح على مرمى حجر!! وكذلك بالنسبة للمساواة وتقليص الفوارق الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء، ولو لبعض الوقت فقط.. إضافة إلى شعارات:( التدبير الجيد للموارد، والتربية على المواطنة...!!). وأكثر من هذا وذاك، سنضفي طابع البساطة على الزرود والولائم الرسمية، كي لا يتم إرهاب مشاعر باقي الناس البسطاء وأذواقهم التي أنهكها الغلاء ولم يعد أمامها من حل سوى (الحريرة) لرخص تكلفتها وموقعها في قلوب هؤلاء المنهزمين ماديا في معركة السوق المتوحشة.. الإنفاق على (الحريرة) لدى هؤلاء المساكين، يشعرهم بنشوة الانتصار على الزمن وغلائه!! لأن ذلك يسعدهم ويوهم عددا كبيرا منهم، أنهم أخيرا وجدوا وصفة سحرية مغذية يستغنون بها عن باقي الوصفات الغالية الأخرى..تجدهم يمدحون(حريرة ) يومهم إلى درجة التقديس، بل هناك، البعض منهم، من ذهب أبعد من ذلك، فبدأ يعد بعض مزاياها الروحية والبدنية، ويسدي النصح للآخرين حول منافعها الصحية الجليلة!! الموقع المميز للحريرة في ذهنيتنا الإجتماعية يجعلها قادرة على كشف بعض جوانب حياتنا اليومية، بل قد تحدد حتى انتماءاتنا الطبقية.. (فالحريرة فيها أو فيها!!) رغم تشابه شكلها وبعض مكوناتها الأساسية، إذ أن ما تكلفه مائدة الحريرة الرمضانية لأناس ينتمون لفئة خمسة نجوم، قد تفوق بمئات المرات قيمة نفس المائدة لدى الفئات الدنيا.. أنا أيضا لازلت أتذكر تلك الحريرة التي كانت تقدم لنا، بمناسبة شهر رمضان أو بدونه، بدار الطالب باحدكورت، أيام كنا نزلاء بها، خلال فترة دراستنا الإعدادية والثانوية، والتي لم يكن لها لا رائحة ولا لونا ولا مذاقا... مجرد سائل لزج، لاشيء يؤهله ليكون (حريرة). كنت ورفاقي آنذاك، نغمض عيوننا، ونرمي بحاسة الشم والذوق جانبا، كي نتمكن من التهام تلك الشربة الغريبة التي يتم طبخها داخل نصف برميل متسخ، يتم خلط وتحريك محتواه بنصف عمود...لذلك فعلاقتي( بالحريرة) ليست في المستوى المطلوب مند ذلك الوقت، واستمر التوتر في هذه العلاقة إلى اليوم... الأمل كبير في استرجاع الدفء إلى هذه العلاقة، بعد أن تغيرت بعض أحوال (حريرتنا)... وكل عام ورمضان بلادي كريم..
لقراءة النص في مدونة: (قف بالهامش...!!)؛ هذا هو الرابط:
http://mobadara2.jeeran.com/archive/2008/9/668591.html
#المصطفى_عامر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟