ذلك كل ما تبقى في حناجرنا ..

إبتهال بليبل

الحوار المتمدن-العدد: 2430 - 2008 / 10 / 10 - 09:43
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

نشبه أبناءنا الطلبة ، كالأمطار التي تهطل بالخطأ على ارض لا تصلح للزراعة , قابضين على تراب تلك الأرض بحثاً عن بذور متعطشة لتسُقى من مياه الفردوس , تهطل يوماً بعد يوم بين الأتراب - تماماً كأحلامهم - وقبل أن يعثروا على رحم تربة خصب تحتضن قطراتهم الندية , يحتضنوها في دفئ, بانتظار ولادة الأمل !! لا يوجد في تلك الأرض من يمتلك الحضن الدافئ الذي يستقبل هذه الأحلام وتضمن عدم جفافها ورحيل غيومها عن سماء تلك الأرض, وفي زحمة اللهاث اليومي خلف ما يسد الرمق ..لا يوجد من يعنيه أمرهم ..
ولسنوات نتحدث ، ونتحدث عن أهمية رعاية الطلبة وتجهيزهم بالقرطاسية , ولتبديد الصمت في مقيل ينقصه ثرثارون أحياناً ..
واليوم أتحدث عن مقالة صغيرة طالعتها من على صحيفة المؤتمر, هي كرسالة عتب ، تقول الرسالة "القرطاسية.. بين الوزارة وإدارات المدارس ، المصادر المسؤولة في وزارة التربية تدعو المواطنين ما بين وقت وآخر إلى عدم شراء القرطاسية.. حتى تخيل البعض بأن شراء القرطاسية من السوق أمر قد يحاسب عليه القانون.. ولكن الأمر بالنسبة لبعض المدارس مختلف جدا فهذه مدرسة الفارابي الابتدائية الكائنة في ساحة التحريات تخير الطالب بين شراء القرطاسية أو عدم المجيء في اليوم التالي..فما هو رأي وزارة التربية في هذا الإجراء وهل إن ما تقدم عليه إدارة هذه المدرسة هو بإيحاء أو بإيعاز من الوزارة أم ماذا..؟!
هذه الرسالة بعثها لفيف من أولياء أمور الطلبة ، ربما هي كأربطة عنق ، حضورها يضفي جمالاً على المشهد وغيابها لا يؤثر فيه , من المهم رعاية تلك المعانات ، لكن انتفاء الرعاية لا يجلب أي كارثة , ولا يستدعي المساءلة.. لم يعد الأمر كذلك بالنسبة لنا اليوم .. أصبحت قضية نعاني منها, قضية جسد وأحشاءه .. أصبح أهالي الطلبة يعانون من تلك القضية ، ربما الذي لديه طالب واحد أمره يهون ، لكن هناك أهالي تمتلك خمس وست طلاب ، كيف سيوفرون لهم كافة الاحتياجات ، إذن هي قضية استقلال أو رضوخ مهين أمام الحاجة إلى استهلاك منتجات المعرفة بشروط منتجيها ,, وتبدأ فصول الدراسة ووزارة التربية لا تعير اهتماما للقرطاسية .. ولا تحاول رفد المدارس بأي احتياجات .. إن تلاميذ من أعمار مختلفة يموتون حرا بسبب خلو قاعة الدراسة من أي مروحة أو ستائر للنوافذ ، فنجدهم ، عندما يقرع جرس الدرس الأخير معلناً انقضاء عقوبة السجن اليومي .. وهناك تلاميذ بلا حصر ليسوا مضطرين للمرور بهذه التجربة , فمدارسهم غير مسورة أو أسوارها لا تصلح ـ كما إن بعض المدارس لا أبواب لها , وهم ، في العادة ، يغادرونها باكراً دون الحاجة لرنين جرس أو أذن من المدرسين ..
وأما عن مراكز الامتحان وتأمين عمليات الغش فيها طبعاً في غاية معينة ومصلحة ذاتية وان غابت المصلحة فهو حال بائس وخطير ، يولد جيل لا يعرف سوى الغش ويترك أي إحساس بالمسؤولية ، حيث يجري – في الغالب – تخصيص مركز امتحاني لأبناء النخبة مزود بالإجابات النموذجية التي تضمن لهذا الجيل المغشوش الاستحواذ على حصص أبناء العامة من المنح والبعثات ومقاعد الدرجة الأولى في البعثات ، وإتباع الحكمة المصرية التي تقول ( ألي ما معوش ما يلزموش )
إن هذا الجيل المغشوش هو ذاته الذي – بعد أن يقضي سنوات الابتعاث – يعود ليتولى إدارة شؤون البلد , بما في ذلك إدارة العملية التربوية والتعليمية واضعة في صدارة مهامها: السير على نفس الاسطوانة والمنهج .. ولا عزاء!!
نحن بحاجة إلى مشروع وطني لأبنائنا الطلبة , بحاجة إلى الإبداع الحقيقي ونبذ التفا هات ، لان الإبداع الحقيقي يعبر عن الشعب ، عدم الاهتمام بالتربية والتعليم ، سيمثل لنا نقطة انعطاف في كل شيء ، الأعوام الأخيرة التي مرت على الشعب عصفت بأشياء كثيرة أولها التخدير والنعاس .. فإذا لم نكون على مستوى الوعي بهذه القضية ، والمتطلبات الفكرية الجديدة فلا مفر من أن تتجاوزنا مهما كان ، وسيتحول كل شيء إلى فقاعة ، مشاريعنا المقبلة ، إذا لم تتضمن وعيا بمأساة الجميع على مستوى وعيه بها ، فقد لا نستفيد منها ... أقولها بلا مجاملة ، بلا رياء ، وبلا مداورة ، ذلك كل ما تبقى في حناجرنا ..

#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات